بيت بمنازل كثيرة هـــذا هـــو الحــبّ

06-03-2010

بيت بمنازل كثيرة هـــذا هـــو الحــبّ

دائماً كنت أقول إن المرأة هي سيدة الحب. فعندما نقول إن الرجل العازب فذلك قد يكون أمراً طبيعياً ومقبولاً، ولكن نطلق على المرأة غير المتزوجة اسم عانس ونعتبرها شيئاً ناقصاً، مثل اللغو الذي يردده الشاعر بايرون من أن الحب هو طريقة لتزجية الوقت لدى الرجل، لكنه بالنسبة الى المرأة هو الحياة.
في الواقع أننا نعيش تجاربنا مجزأة، نعيش على الأكثر في الحاضر، بيد أننا لو كنا مخلصين لاعترفنا بأن الحياة سلسلة من اللحظات يرتبط بعضها ببعض، وبأننا بالحب نقهر الضجر، ونمتلئ بكل ما هو جميل، من القبلة الى قدح النبيذ الى الرقص على أنغام هادئة، وتناول العشاء على أضواء الشموع. محبّو المال لا يخطر في بالهم الحب الا كعلاقة تجارية. فالتاجر القابع في محله يعتقد أن غاية الحياة تكمن في حصوله على صفقة مربحة أو سيارة فخمة، أما السياسي فيقرن غايته بهدف الحزب في الوصول الى النيابة أو الوزارة، فيما رجال الدين يربطون هذه الاشياء بالكتب المقدسة. إن جميع هؤلاء يستخدمون أنواعاً مختلفة لغاية واحدة، هي إضفاء نظام ما لفرض معنى ما. وكل هذه المحاولات لا تعدو أن تكون تزييفاً. فلو كنا مخلصين لأدركنا ان الحياة بدون الحب لا معنى لها. الحب يحوّل حياتنا بحثاً عن معنى ما. سوى ذلك، فإن كل شيء عديم المعنى الى أن نكتشف معناه.
الحب الحقيقي ليس ما يدعى بالجنس لدى كثير من أجيالنا الشابة. الحب الحقيقي معاكس للشعور باللاقيمة واللاجدوى. إنه شعور طاغ بالقوة والأمان. إنه الاختفاء التام للشعور بأنك شيء عادي. إنه ايمان غامض، بأن لا شيء مهماً من دون الحب، وبأن كل شيء جميل في الحبّ. هكذا أفهم الحياة. كثيراً ما أمرّ بمشاعر مختلفة مثل الاطفال. مثلاً، إن مجرد الشعور بالانعدام التام للهدف لدى الطفل يجعله يسعى لامتلاك كل شيء حتى دمى أخته. حب السيطرة ينمو مع الطفل، وما يحميه هو أن يتعلم الحب، حب أمه وأبيه وأخته وأخيه، ثم حب المدرسة، والرفاق، والاساتذة، فينمو معه الحب كشيء أساسي في حياته. بهذا، يسلك تلقائياً طريق السعادة. الحقيقة التي لا مناص منها هي أن الحب أعظم ما يمكن أن يقع للإنسان، الذي بدأ يشعر بالسعادة والحماسة، بالامتنان من الحياة لأن الحب يعلمه الثقة بنفسه، والثقة بالناس.
أحياناً، أتساءل لماذا أكثر الناس لا يؤمنون بشيء اسمه الحب الا مقروناً بالجنس والاستيلاء على الآخر، وخصوصاً الرجال الوحشيين، الذين ما إن ينالوا وطرهم من المرأة، حتى تصبح لا شيء. هذا يدل على دناءتهم واحتقارهم لأنفسهم.
الحب جميل في الخيال. انه يحرّك ملكة التخيّل في قلوبنا وأفكارنا وأدمغتنا. وهو وضوح النهار ومصيدة الزمن، رمز اللامرئي. اللامرئي هو ما يمكنك رؤيته في هذه اللحظة، الى أن يتخطى الوعي ليضم بين جوانحه كل المكان والتاريخ. وهو التحرر بكل المواصفات، وبه نزداد قوة يوماً بعد يوم. إننا، به، نحس بأننا على وفاق مع أنفسنا ووجودنا، وفي وسعنا أن نحقق أمنياتنا وأحلامنا، وبه نتبصّر أعماقنا ونزداد حماسة لاكتساب الحياة. وهو يولّد فينا الاهتمام بالآخرين.
ليست الحياة كما يتصور المتشائمون استعداداً للعذاب الأبدي. لأن الحب يعمل ضد الألم بكل أشكاله. يصدّه عن أنفسنا بقوة. ذلك عندما نتحرر من شبق الجسد.
قد يسأل سائل: هل تعني أن الجنس لا قيمة له في الحياة؟ لا. لست أقصد ذلك. الجنس تتمة للحب وليس الحب تتمة للجنس. الجنس هو الخصب واستمرار الحياة، وظيفته هي هذه. لكن عندما نبدأ بالجنس يصبح الحب مغضوباً عليه، وبسبب ذلك نفقد لذة الحب. الزواج أمر مهم لمن لم يتزوج بعد، ولكن علاقة الزوج والزوجة، فيها من المقدس والنبل والفروسية ما يجعل حياتهما في ذروة السعادة، ثم الانجاب والاولاد زينة الحياة الدنيا.
خلقنا لنحب بعضنا بعضاً. هي الحياة كما كانت منذ الأزل وستظل هكذا الى الابد. ولكن من الضروري أن نجعل هذا الحب وسيلة لغاية كبرى هي أن نبني مجتمعاً حضارياً وراقياً، له اخلاقه ومثله العليا ومبادئه السامية والانسانية. لننظر الى فساد الغرب عندما أتاح لأهله التحرر من كل شيء، ومن دون مساءلة. لقد صدّروا الينا الامراض والمخدرات بأنواعها وصدّروا الينا الإيدز وانفلونزا الطيور، ثم الخنازير، ذلك كله بسبب تخليهم عن المبادئ الانسانية والقيم والمثل العليا، التي لا تزال تهيمن على مجتمعاتنا العربية، مع أن بعض شبابنا يمشي على طريق الغربيين في التقليد، من دون هدف إلا التأثر المبالغ بهم.
علينا أن نمتلك الحنين الى الاطياف والخيال وتعلم الكلام الجميل وخصوصاً في حضرة المرأة التي تخجل، مهما تكن جريئة من كلام الرجال عن الجنس والتبجح به من دون طائل.
لو دققنا النظر اليهم في الغرب، لوجدنا أن الشيطان هو الذي يمتلك أفكارهم. هل يساورنا الشك ونحن ننظر في أرجاء عالمهم: خطر الحرب في كل مكان. الجريمة والشر بلغا مستوىً عالياً جداً. لاحظ جرائم القطاع الشرقي في لندن، وأنظر ماذا يفعل الروس بجيرانهم، وأنظر الى مخزون القنابل الذرية والهيدروجينية؟ لقد اصاب العالم جنون، لأن الشيطان فيه هو الملك، وهذا سبب من اسباب خلق دول استعمارية جديدة تحتل، وتقتل الناس الابرياء. الوضع الآن تماماً كما توقعت الكتب المقدسة. يتنبأ سفر الرؤيا بوضوح تام بأن الناس سيسعون لاصلاح الامور، ولكن بعد فوات الاوان: "ففتح بئر الهاوية وصعد دخان من البئر كدخان أتون عظيم فأظلمت الشمس والجو من دخان البشر وفسادهم".
الآن، لا شيء يمكن أن يوقف شيطان الشر في العالم الا الحب، ولا شيء يوقف العالم في السير قدماً نحو الحساب الاخير الا الحب. فلنحب بعضنا بعضاً، ولنكن تحت خيمته وظله أسرى له. وهو أسر جميل من دون شك.
حتى الرؤساء والامراء والملوك والشخصيات الكبيرة يجدون في الحب نجاة من المسؤوليات القاسية التي تطحنهم على مدار الساعة. هو الحب مرفأ الأمان، فها جريدة "النهار" تنشر سراً كان مختبئاً زمناً طويلاً عن الرئيس الاميركي الراحل جون كينيدي الذي اتهم بعلاقة جنسية مع نجمة السينما ماريلين مونرو، فنرى أنه عاش حباً سرياً مع فتاة اسوجية أصبحت الآن عجوزاً فنشرت جزءاً من رسائله اليها وعرضتها للبيع في مزاد علني موضحةً انها أرادت أن تظهر للناس مدى رومنطيقية الرئيس الاسبق. وقالت جونيلا فون بوست للاذاعة الاسوجية: "كان دافئاً وحساساً ورومنطيقياً وظريفاً بشكل لا يتصور، ومستمعاً جيداً وجذاباً ومتأملاً".
وتذكر جونيلا انها التقت بجون كينيدي صيف 1953 في منتجع الريفييرا الفرنسي عندما كان عمرها واحداً وعشرين عاماً قبل شهر من زواج عضو مجلس الشيوخ في ذلك الوقت من جاكلين بوفير، وقبل سنوات من أن يصبح الرئيس الخامس والثلاثين للولايات المتحدة الاميركية.
وقالت جونيلا فون بوست انها لم تكن سمعت مطلقاً بكينيدي قبل لقائهما ودهشت عندما سمعت منه بعد شهور لاحقة أنه لا يتمكن من التوقف عن التفكير في "فتاته الاسيوجية". وكتبت جونيلا عن علاقة العشق التي تضمنت زيارة له الى اسوج في كتاب يحمل اسم "الحب جاك" في عام 1997. وقررت أخيراً طرح هذه الرسائل الى العلن.
وكتبت هذه الرسائل بخط اليد، وتحمل توقيع "الأفضل جاك" و"حبيبك جاك" و"كل الحب جاك" وتوثق علاقة استمرت أعواماً.
وكتب كينيدي "أفكر لو استقللت مركباً وأبحرت حول المتوسط اسبوعين معك كملاح فماذا تفكرين؟".

ياسين رفاعية

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...