المعارضة المسلحة تعاقب تجار حلب لموقفهم السلبي تجاهها

01-10-2012

المعارضة المسلحة تعاقب تجار حلب لموقفهم السلبي تجاهها

استبدلت الحركة اليومية طوال ساعات النهار وحتى الليل في أسواق حلب القديمة، بمناظر الحرائق والسحب السوداء، بعدما حولت الاشتباكات بعضا من هذه الأسواق ركاما، والتهمت نيرانها الأبواب الخشبية الجديدة والبضائع والذكريات.
وعلى احد مداخل هذه الأسواق، ذات الطابع الشرقي والممتدة بطول نحو 12 كيلومترا، تجمع عدد من أصحاب المحال يراقبون الدخان المتصاعد، محاولين تحديد مصدر النيران للاطمئنان إلى محالهم.
يذكر أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة («اليونسكو») وضعت حلب على لائحة التراث العالمي. وأصبحت العديد من الكنوز التاريخية في سوريا ضحية للاشتباكات العنيفة بين القوات النظامية والمسلحين. وكان المسلحون اعلنوا الخميس الماضي بدء عملية جديدة في حلب، إلا أن أيا من الجانبين لم يحقق مكاسب كبيرة.
ويقول تاجر الأدوات المنزلية في مدخل السوق الشمالية احمد ن. «الحمد لله محلي لم يصب بأذى، لطف الله بنا وسبق الإطفاء النيران التي التهمت محل جاري».
ويعمل احمد في محل أبيه الذي ورثه بدوره عن والده، وهو احد المحظوظين الذين تمكنت فرق الدفاع المدني من الوصول إلى محالهم وإطفاء النيران المندلعة فيها «فنجا المحل والبضاعة التي فيه والمقدرة قيمتها بأكثر من ثلاثة ملايين ليرة سورية (نحو 40 ألف دولار أميركي)». ويضيف أحمد «رغم سعادتي إلا أنني لست مطمئن القلب، فالاشتباكات ما زالت مستمرة، وقد تندلع الحرائق في احد المحال المجاورة في أية لحظة، ومحالنا ليست في أمان بعد».
وفي سوق العواميد، يراقب تاجر الصوف الخمسيني محمد ب. ونجلاه الحريق. ورث محمد المحل عن أبيه وعمل فيه أكثر من 40 عاما، ولم يتخيل يوما أن يغدو «عاجزا عن الدخول إلى محلي. إنها حرب قذرة ونحن من يخسر فيها، خسرنا أعمالنا ومصالحنا والآن نخسر محالنا التي تحترق أمام أعيننا».
ومحمد واحد من 30 تاجرا فقدوا محالهم في سوق القطن «الذي احترق بالكامل بحسب ما علموا من جيران لهم في أسواق أخرى»، مع عدم إمكانية وصول سيارات الإطفاء بعد اندلاع الحرائق جراء اشتباكات بين القوات النظامية والمسلحين، واستمرت بوتيرة متقطعة خلال اليومين الماضيين.
ويزيد عدد محال الأسواق القديمة عن 1550 حانوتا تؤلف 39 سوقا تعد من أطول الأسواق المسقوفة في العالم، وسميت غالبيتها نسبة إلى المنتج الذي تبيعه، كالحبال والعباءات والعطارة، في حين اكتسب بعضها اسم مسقط زوارها فعرفت باسم سوق اسطنبول أو عمان أو الشام وغيرها.
ويشير الباحث في تاريخ حلب القديم علاء السيد إلى غياب تحديد علمي لتاريخ بناء أسواق المدينة، علما بأن المستشرق الفرنسي جان سوفاجيه طرح في دراسة لم تنشر ترجمتها بعد «نظريته بأن سلوقس الأول نيكاتور، وهو أحد قادة الاسكندر المقدوني، قام لدى دخوله حلب عام 321 قبل الميلاد، بتأسيس مخطط جديد للمدينة وأسس لهذه الأسواق»، لكن «على مر الزمن وتتالي الزلازل والحروب والحرائق تم التعدي على هذه الشوارع بالأبنية، ولم يبق إلا ملامح أساسية منه». ويشير السيد الى ان احد مؤرخي حلب القدامى ذكر تعرض اسواق المدينة لحريق عام 1867 اتى على 323 دكانا فيها.
ويبدو ان سوق الصاغة نجت. ويؤكد عبد الله ر. ان النيران «لم تصل إلى السوق التي احترقت قبل حوالي 150 عاما، لكننا لا نستطيع الوصول إلى محلنا للتأكد من حالته بسبب الاشتباكات»، وباءت بالفشل محاولتاه للدخول عبر مدخل تسيطر عليه القوات النظامية وآخر خاضع للمسلحين.
وتحظى المحال بقيمة معنوية رمزية تفوق أحيانا قيمتها المادية، لا سيما أن «لكبار التجار والصناعيين الحلبيين مكاتب رمزية في تلك الأسواق، باعتبار أن معاملهم ومستودعاتهم صارت في مناطق بعيدة» بحسب السيد، لكن يبقى «الضرر المعنوي بالغا». ويضيف «رغم أن بعض هذه المحال لا تزيد مساحته عن عشرة أمتار مربعة، فقد يصل سعره إلى مئات آلاف الدولارات الأميركية، وبالنسبة لصغار التجار فتعد مصدر دخلهم، أما سكان المدينة فتربطهم بها ذكريات وشجون لا يمكن تعويضها».
وقال صاحب سبعة محال ورثها ابا عن جد في حلب ان اكثر ما يقلقه ليس قيمة البضائع الموجودة في المحل، بل احتمال «احتراق ذكريات طفولتي، (وهي) لن تعوض بثمن».

المصدر: أ ف ب + أ ب

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...