الاحتيال يفتح باب قطاع التأمين السوري

09-07-2008

الاحتيال يفتح باب قطاع التأمين السوري

مع قليل من الحظ يمكن للاحتيال أن يتحول إلى أفضل مهنة أو أهم مصدر أساسي للثراء في حياتنا....الثراء بالنسبة للمواطن الذي يعتبر أن بضعة آلاف من الليرات هي الثراء بعينه، و للمواطن الذي يعمل على «الثقيل» ليكسب الملايين بلا جهد حقيقي...

و يمكن لأي منا أن يعيد ترتيب حوادث الاحتيال التي تعرض لها خلال الأيام الماضية ليجد أنها ماثلة في كل ركن من حياته اليومية...في العمل، في السوق، في النقل، في المطعم....الخ، وبالتالي يبدو أن عليه أن يتعامل مع الاحتيال على أنها ظاهرة وليست حالة خاصة محدودة... ‏

هنا نتطرق إلى هذه الظاهرة في قطاع شهد تغيرات مفصلية خلال السنوات الثلاث الماضية، وتعامل مع تغيرات اقتصادية لا تقل أهمية عما شهده، فقطاع التأمين الذي ظل لعدة عقود حكرا على مؤسسة واحدة، يعمل فيه اليوم ما يقرب من 12 شركة تأمين خاصة باستثمارات تتجاوز عدة مليارات من الليرات السورية. ‏

- يعتبر الاحتيال التأميني أخطر تحد يواجه السوق التأمينية العالمية، إذ تشير البيانات إلى أن حجم إيرادات هذه الظاهرة تبلغ مليارات الدولارات في الولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا، وهي المشكلة ذاتها التي تعاني منها أسواق التأمين في بعض الدول المجاورة حيث أوضحت دراسة ميدانية صدرت حديثا في السعودية أن نسبة مطالبات عمليات الاحتيال التي تتعرض لها شركات التأمين في السوق السعودية تشكل ما بين 3 و11 في المئة من إجمالي المطالبات الكلية التي تنفذها شركات التأمين. ‏

وبينت الدراسة التي أجراها الباحث مراد زريقات لنيل درجة الدكتوراة ، أن تكرار تقديم مطالبات غير صحيحة لشركات التأمين كان من أكثر أنواع المعاملات التي تم بموجبها الاحتيال، وذلك بنسبة 23.6 % من إجمالي أفراد عينة الدراسة، تليها معاملة إعطاء وثيقة التأمين لشخص آخر بنسبة 23.3%، وجاءت معاملة تزوير بعض الأوراق المطلوبة في المرتبة الأخيرة بنسبة 7.6 %. ‏

أما في سورية، فإن حداثة عمل شركات التأمين الخاصة و المعلومات المتوفرة عنه في هذا المجال يجعل من محاولة دراسة هذه الظاهرة تدور في إطار عام تغيب عنه البيانات و الأرقام الإحصائية وهذا ما وقع معنا أثناء إعداد هذه المادة، لكن وتبعا لما يؤكده الدكتور عبد اللطيف عبود رئيس هيئة الإشراف على التأمين فإن ظاهرة الاحتيال التأميني ليست موجودة في السوق السورية بكثافة نظرا لطبيعة تكوين السوق حاليا و عدم انتشار الثقافة التأمينية، بينما هي في الأسواق الدولية تستنزف مبالغ كبيرة من شركات التأمين ولذلك فعقوبتها كبيرة عندما تضبط، موضحا أن الهيئة تتلقى أحيانا شكاوى من شركات التأمين حيال عمليات احتيال تتعرض لها إلا أنها لا تزال محصورة. ‏

محدودية ظاهرة الاحتيال التأميني في سورية لا تعني عدم وجود حوادث احتيال كبيرة وقعت، بعضها تم ضبطها والبعض الأخر لا يزال متخفيا، فمثلا استطاعت هيئة الإشراف على التأمين العام الماضي اكتشاف عملية احتيال لإحدى الشركات الاقتصادية الخاصة المهمة في البلد، والتي أخفت عن الهيئة قيامها بتوقيع عقد تأمين مع إحدى الشركات الخارجية بشكل مخالف للقانون، فيما كانت إحدى شركات التأمين محظوظة عندما ضبطت عملية احتيال قامت بها شركة تجارية أدعت تعرض إحدى شحنات مستورداتها للضرر مطالبة بالتعويض لكن تبين فيما بعد ونتيجة التحقيقات أن عملية الاستيراد برمتها لم تتم، وفي جانب آخر من الاحتيال كشفت شركة تأمين ثالثة قيام أحد أصحاب السيارات بالادعاء أن سيارته تدهورت، وتبين لاحقا أن السيارة المتدهورة قديمة وتم تزييف العملية برمتها...إلى ذلك من الحوادث التي فضلنا عدم كشف تفاصيل أدق حماية لسرية المعلومة لدى شركات التأمين.. ومع أننا حاولنا في لقاءاتنا مع المسؤولين في شركات التأمين الحصول على بيانات حول عدد هذه الحالات وتقديرات حجم المبالغ التي تستهدفها، فإننا لم نفلح دوما باستثناء فرع دمشق لمؤسسة التأمين السورية الذي أوضح مديره منير آمنة أنه من بين 11 ألف حادث سيارة خلال العام 2007 كان هناك نحو 40 حادثة احتيال على الفرع أي ما نسبته 0.36%... ‏

‏ تتفق الآراء على أن طبيعة معظم حوادث الاحتيال في قطاع التأمين تتمثل في تقديم مطالبات غير صحيحة أو وثائق مزورة لشركات التأمين بغية الحصول على تعويض غير حقيقي يحقق من خلاله المؤمن ربحا ماليا، فباسل عبود نائب مدير عام الشركة السورية العربية للتأمين يرى أن الاحتيال كعملية اختراع للحادث هو نادر، فالأمر الغالب في هذه الظاهرة هو المبالغة بالمطالبة وبعضها لا يأتي من باب سوء النية، بل من منطلق رفع قيمة المطالبة خوفا من تخفيض شركة التأمين لقيمة التعويض أو جهله بهدف التأمين الذي هو بالنسبة للمؤمن عملا ليس ربحيا.. ‏ و هذا أيضا ما يؤكده محمد منير آمنة مدير فرع دمشق 1 بالمؤسسة العامة السورية للتأمين، والذي يركز في حديثه عن الاحتيال على صوره في موضوع السيارات باعتباره القطاع الأكثر تعرضا للظاهرة في سورية، حيث يبين أن الاحتيال يبدأ من المؤمن نفسه إلى الوكالات و محلات تصليح السيارات لجهة المبالغة بفواتير التصليح، فوكلاء السيارات يقدمون أسعار خيالية لقطع التبديل و أحيانا أسعار بعض القطع تشكل نحو 80 % من قيمة السيارة الحديثة، وهذا الأمر يتضح مع اطلاع المؤسسة على أسعار هذه القطع من خلال شبكة الانترنت لتظهر بوضوح خيالية تلك الأسعار، متهما من جانب آخر المحتالين وبتنسيق ومساعدة من بعض العارفين بالقانون باستغلال ثغرات أي قانون للاستفادة غير المشروعة، معلنا بكل وضوح «أننا كشركة تأمين لا نستطيع تغطية الاحتكار»... فالاحتيال بنظره يميت كل شيء حسب تعبيره. ‏

وما ينطبق على السيارات والوكلاء والتجار ينطبق كذلك على التأمين الصحي الذي بدأ ينشط في سورية، فالمشافي و الأطباء هنا يحلون مكان الوكلاء و أصحاب محلات تصليح السيارات لجهة المبالغة بالفواتير المقدمة لشركات التأمين... ‏

و إذا كان التأمين على السيارات عرضة للتلاعب والاحتيال وفق ما ذكر سابقا، فإن خدمات التامين الأخرى الموجهة لأخطار أكبر مثل الحريق و النقل البحري و الحياة تتباين فيها حوادث الاحتيال، فمثلا يذكر باسل عبود أن التأمين على الحريق أقل عرضة للتلاعب والاحتيال لجهة اختراع حادث يتمثل هنا بالحريق الذي ليس سهلا إحداثه، فيما التأمين في مجال النقل البحري يشهد بعض حالات الاحتيال التي لا ترقى إلى مستوى الظاهرة في هذا القطاع... ‏

وهنا لابد أن نذكر أن بعض الحرائق أحيانا تحدث في منشآت خاضعة للتأمين لكن ثمة ترهل في محاولة الحد من أضراره بغية الحصول على أكبر تعويض ممكن مادام الحريق قد وقع وهذه مثبتة بحوادث... ‏

و يطرح مدير فرع دمشق نقطة مهمة تتعلق بالأساليب التي يطرقها «المبالغون» بالمطالبات أو بلغة صريحة «المحتالون»، فهو يبين أن الحوادث التي تحل وديا داخل المؤسسة تقل فيها حالات الاحتيال نتيجة عدد اللجان والتي يصل عدد أفرادها لنحو 20 شخصا، وهذا ما يدفع هذه الشريحة لسلوك طريق القضاء عسى ولعل، فضلا عن محاولتها الاستفادة أو استغلال تبسيط الإجراءات الإدارية داخل المؤسسة، مع تأكيده أن البعض قد يلجأ للقضاء عندما يشعر بظلم وهذا حق مكفول قانونياً.. ‏

‏ إذا كان تدني الثقافة و الوعي التأميني في سورية سبباً في محدودية حالات الاحتيال، فهل هذا يعني أن جهود زيادة الوعي التأميني التي تقوم بها هيئة الإشراف على التأمين والشركات العاملة في السوق حاليا يمكن أن تحمل إلينا حالات أكبر في الاحتيال من حيث العدد وقيمة المبالغ المحتال بها؟!. ‏

يجيب باسل عبود على هذا السؤال بالقول إن ازدياد الوعي التأميني مطلب رئيس، وانتشار هذا الوعي له نواح ايجابية كثيرة، و نقطة سلبية تتمثل بزيادة عمليات الاحتيال، لكن التركيز على نشر مفهوم التأمين وهدفه يمكن أن يقلل من حوادث المبالغة في المطالبات التي تحدث بحسن نية... ‏

إنما لدى البعض رؤية أخرى قائمة على أن زيادة الوعي التأميني سيحمل كما توقع عبود انفراجا في نظرة المتعامل للتأمين، إلا أنه سيخلق مع مرور الوقت «احترافاً» لدى البعض في الاحتيال...و قلت البعض لأن أنظمة الهيئة المتشددة و أساليب العمل الحذرة التي تعمل بها الشركات ستكون قادرة بمزيد من المتابعة على إحكام السيطرة على جرائم الاحتيال و إبقائها في خانة الحد الأقل.. ‏

زياد غصن

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...