إغلاق الجمعيات «الدينية» في تونس: بين التأييد والرفض

25-08-2014

إغلاق الجمعيات «الدينية» في تونس: بين التأييد والرفض

لطالما تعالت أصوات الحقوقيين والناشطين السياسيين خلال حكم «الترويكا» في تونس، منادية بضرورة تسليط الرقابة على «الجمعيات القرآنية» والجمعيات ذات المرجعية الدينية وعلى تمويلها، لكن الحكومات المتعاقبة منذ ما بعد انتخابات 2011 لم تبد أي اكتراث لهذه التحذيرات، مشيرة إلى أن «الديموقراطية الناشئة» تقتضي «التعددية الجمعياتية» وضمان حرية التنظم ضمنها.

ومع تصاعد الضربات الإرهابية في البلاد، ارتأت حكومة التكنوقراط الحالية أن عددا من هذه الجمعيات أصبح «منبعا مالياً للإرهاب»، وقررت إغلاقها، الأمر الذي أثار ردود فعل متباينة.
تسارع نسق الأحداث في تونس، فمنذ إلغاء قانون الجمعيات القديم وسن مرسوم جديد (بتاريخ أيلول 2011) تكاثر عدد الجمعيات، ليصل وصف الواقع بـ«الانفلات الجمعياتي»، وخصوصاً أن شروط التكوين صارت سهلة وتقتصر على بضع الشكليات القانونية. وكنتيجة لذلك تضاعف عدد الجمعيات ومجالات نشاطها.
وما انفكت أحزاب عديدة وأطراف المجتمع المدني تحذر السلطات القائمة من خطورة تلك الجمعيات، وخصوصاً أن تمويلها مجهول المصدر ومجهول الوجهة، بعضها مرتبط بأحزاب سياسية، والآخر مرتبط بجهات متشددة تتبنى خطابا دينيا متطرفاً.
واستناداً إلى واقع تصاعد الضربات الإرهابية وإلى مخاوف أمنية باتت جمة، قررت، خلال الأسبوع الماضي، «خلية الأزمة» في رئاسة الحكومة التونسية (خلية مكونة من عدة وزراء ومستشارين مكلفين متابعة الملف الأمني وتطويق ظاهرة الإرهاب والتصدي لها) تجميد 157 جمعية من بين 18 ألف تنشط في البلاد. وجاء في بيان رسمي صادر عن رئاسة الحكومة بتاريخ 18 آب أن هذا الإجراء «تحفظي لدواع أمنية».
ومن اللافت للنظر أن مجمل الجمعيات المزمع إيقاف نشاطاتها هي جمعيات قرآنية أو ناشطة في المجال الدعوي، ولم تقدم الحكومة توضيحات بشأن هذا القرار سوى أن الجمعيات المذكورة مرتبطة بـ«الإرهاب»، ولدواع أمنية تقرر تجميد نشاطها لا إغلاقها نهائيا، وهو ما أثار استياء المسؤولين عنها الذين نفذوا وقفات احتجاجية أمام قصر الحكومة في القصبة للتنديد، فيما توجه عدد من نواب المجلس التأسيسي من كتلتي «حركة النهضة» و«المؤتمر من أجل الجمهورية» (حزب الرئيس التونسي) لمقابلة رئيس الحكومة مهدي جمعة والاستفسار حول القرار، لكن طلبهم جوبه بالرفض.
«لم نفهم لماذا ركزت الحكومة على الجمعيات ذات المرجعية الدينية الإسلامية». هكذا تساءل النائب عن «النهضة» الحبيب اللوز، المعروف بتشدده وتفضيله للعمل الدعوي على العمل السياسي. وأضاف اللوز أن ما قامت به الحكومة مخالف للقانون وعقوبة جماعية، مشيراً إلى أن «ما عمدت إليه خلية الأزمة مسلك غير قانوني، فالقضاء هو الذي يوقف الجمعية بحكم قضائي وفق القانون التونسي، لكن الحكومة خالفت القانون ولم تقدم حتى تعليلا شافيا حول اسباب إغلاق هذه الجمعيات». وعقّب اللوز على تعليل الحكومة بأن الجمعيات مرتبطة بالإرهاب وتوفر غطاء لتمويله بالقول إن هذا «الكلام عار من الصحة طالما لم تقدم السلطات ما يثبت ادعاءاتها. جمعيات على غرار الشباب الرسالي وشباب الغد أو مرحمة لم تقم إلا بنشاطات خيرية، وكل ذنبها أن مرجعيتها دينية وأن مسيريها أشخاص ملتزمون دينيا. إن كانوا ارهابيين فلتتم محاكمتهم، أما أن تقوم الدولة بإغلاق جمعياتهم دون دليل، فذلك غير مقبول».
على المقلب الآخر، قوبل قرار «خلية الأزمة» بالترحيب من قبل بعض أطياف المعارضة التونسية التي عبرت، في الآن ذاته، عن قلقها جراء عدم تعليل القرار بمؤيدات قانونية حتى لا تُتهم الحكومة باستهداف هذه الجمعيات لمرجعيتها الدينية.
وفي تعليق على القرار، قال النائب عن «التيار الشعبي» (حزب قومي معارض اغتيل أمينه العام النائب محمد البراهمي صيف 2013) مراد العمدوني أنه «وجب الانتباه لهذه الجمعيات منذ تأسيسها لأنها وفرت غطاء لتمويل الإرهاب واتخاذ إجراءات صارمة بشأنها، لكن شريطة التحري والتثبت من حقيقة تورطها وتقديم المؤيدات القانونية لها».
ولم تخفت حدة الانتقادات لهذا القرار تحت قبة البرلمان التونسي، بل تواصلت موجة الغضب لتصل حد إقدام عدد من النواب في المجلس الوطني التأسيسي الرافضين لحل الجمعيات المذكورة على تمرير عريضة لمساءلة رئيس الحكومة الحالي. وقد أكد النائب عن كتلة «المؤتمر من أجل الجمهورية» سليم بن حميدان، في مؤتمر صحافي، أنه سيحاول الحصول على النصاب الكامل (73 توقيعا) لتمرير عريضة مساءلة رئيس الحكومة التونسية مهدي جمعة على خلفية القرار «الجائر».
أما المنظمات الحقوقية، فقد رأت بدورها أن «مقاومة الإرهاب» لا تعني التعدي على الحقوق، حيث رأت منظمة «هيومن رايتس ووتش» القرار «تعسفياً» وأنه تجاوز سلطة القضاء ولم يحترم الحقوق التي يكفلها الدستور والقانون. وقال إيريك غولدستين، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة الدولية «توجد أسباب وجيهة تدفع بالسلطات التونسية إلى مكافحة الإرهاب، ولكن يجب ألا يكون ذلك بالتعدي على الحقوق التي يكفلها الدستور والقانون، أو بتجاوز السلطة القضائية».
صدى القرار لم يكن مدوياً في الشارع التونسي كما كان في الوسط الحقوقي والسياسي. ففي الوقت الذي عبّر فيه المواطنون عن دهشتهم من القرار وضخامة عدد الجمعيات التي ستُغلق، أشاروا أيضاً إلى أن الوضع استثنائي وقليل من الصرامة صار مطلوباً.
فيصل، وهو مواطن من حي التحرير الشعبي غربي العاصمة، قال «كثيراً ما أرى لافتات الجمعيات هنا وهناك، ورأيناها أيضاً في رمضان تقدّم موائد الإفطار كما يقدم بعضها دروسا للأطفال في القرآن والأحاديث مقابل مبالغ زهيدة، لكننا كنا نتساءل دائماً من أين يأتي أصحابها بالأموال، وحتى في أبواب المساجد كثيراً ما يعترضك شيخ يطلب معونة للجمعية التي يعمل بها بهدف بناء جامع آخر، كنا أيضاً نتساءل عن مآل تلك الأموال، وهل جرى فعلاً توظيفها لبناء الجوامع، لكن الواقع اليوم أضحى مخيفاً، والإرهاب يترصدنا ونخشى أن تكون الأموال التي ندفعها تصب في جيوب الإرهابيين ليقتلوا أخوتنا، لكننا أيضاً نخشى أن يكون القرار فاتحة لقرارات أخرى على غرار اعتقال المتدينين ومنع اللحى وإغلاق المساجد كما حصل في العهد البائد».
لم تكترث الحكومة التونسية للانتقادات الجمة التي رافقت قرارها، بل أعلنت «خلية الأزمة»، التي تضم وزراء الداخلية والدفاع والعدل والخارجية ومستشاري الحكومة، عزمها على المضي في تجميد كل جمعية أو روضة يشتبه في «ارتباطها بالإرهاب».

أمينة الزياني

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...