«قلبي معكم»: دراما تجميليّة لعالم الأطباء

14-09-2009

«قلبي معكم»: دراما تجميليّة لعالم الأطباء

ربما لا تحتاج أعمال الكاتبة السورية أمل حنّا المقيمة في المهجر إلى شهادة من أحد، وخصوصاً أنّها صاحبة «أحلام كبيرة» الذي يُعتبر أحد أهم الأعمال الدرامية السورية. لكنّها هذا العام تبدو كأنها محاصرة. مسلسلها «قلبي معكم» يدخل في تفاصيل المجتمع السوري من خلال التركيز على أصحاب المهنة الأكثر إنسانية في العالم... أي الأطباء. ستلقي الكاتبة الضوء على مشاكل تطفو على سطح تلك المجتمعات، كالنرجسية عند الكبار في مهنهم، واقتداء الأطباء المبتدئين بهم، وغياب الخيارات أمام أبنائهم الذين يبدون «محكومين» بأن يصبحوا أطباء وإن كانوا لا يحبّون تلك المهنة، إضافة إلى الخيانة الزوجية. فيما يمر المسلسل على أزواج صارت المشاكل خبز حياتهم اليومي، وما تخلّفه من آثار على شخصيات أبنائهم.عباس النوري ونادين تحسين بك في المسلسل
كعادتها، تبدو حنا ممسكة بخيوط أبطال قصتها، تحرِّكهم كما يفترض أن يتحرك الأشخاص الحقيقيون مبحرةً في عوالم مجتمعاتهم. لكنّها هذه المرة تقرّر ألا تنبش جيداً في خفاياها. هكذا، لن نشاهد هنا غوصاً في الأعماق بهدف إظهار خبايا هذه المجتمعات بأسلوب ينأى عن تجميل شخصيات ليست غريبة عن الشارع السوري. صحيح أنّ «مشفى البشر» ـــــ تدور أحداث المسلسل فيه ـــــ بأطبائه والرقي الإنساني ذي المستوى العالي في التعامل مع المرضى، هو نموذج موجود في سوريا، لكنّنا أيضاً لا ندري إن سمعت الكاتبة قصة إحدى الشخصيات السياسية السورية المعروفة التي كانت تحتاج إلى عملية جراحية في القلب. بعدما لعبت مباضع الجراحين في المستشفى الخاص في صدر السياسي المريض، أعادت ترتيبه كما كان لكن من دون علاج! لأنّ «القطعة» التي كان يحتاجها المريض لم تكن متوافرة بكل بساطة! ولا ندري أيضاً إن سمعت أمل حنا، في غربتها، عن هاجس جني المال والربح الذي يسيطر على معظم أصحاب المستشفيات السورية الخاصة، حتى وإن كان على حساب الأرواح البشرية. ولا نعرف متى كانت زيارتها الأخيرة إلى أروقة بعض المستشفيات السورية الحكومية التي باتت تشبه المسالخ، حيث يموت المرضى بسبب عدم شحن جهاز الصدمة الكهربائي مثلاً أو بسبب تعطل جميع المآخذ الكهربائية بالقرب من طاولات الإسعاف!
صحيح أنّ الدراما غير مطالبة بأن تكون مرآة دقيقةً للواقع. لكن المشاهد لا يقبل أيضاً أن تكون هذه الدراما مجرد صورة مبالغ فيها لتجميل واقعه. ويمكن الجزم بأنّ حنا لم تكن تملك خيار تحديد المخرج لنصها الذي يقوده إخراجياً سامر برقاوي. إذ يبدو أنه كان خيار الشركة المنتجة (شركة سورية الدولية) ضمن خطتها الهادفة إلى توفير المال التي باتت معروفة عنها أخيراً.
يسير العمل بوتيرة بطيئة، وبمشاهد طويلة إلى درجة مبالغ فيها لتصل حد الملل في بعض الأحيان... وبوضعيات للكاميرا لا تزيد عن المراهقة البصرية التي لا يعرف صاحبها إلى أين يسير. هكذا، يجد برقاوي نفسه عاجزاً عن إيصال زمن الحدث إلى المشاهد بدقة. إذ يُفترض أنّ زمن البداية لقصة العمل هي في ثمانينيات القرن الماضي. هكذا، يقرر المخرج أن يوصل هذا الزمن من خلال غياب الهاتف الخلوي، وإظهار هاتف السيارة لبطل العمل الدكتور بشر (عباس النوري). بينما يبدو واضحاً من هيئة شخصيات المسلسل، وطريقة لباسهم وأماكن وجودهم، بأنّهم يعيشون في وقتنا الحالي. هكذا، بعد مرور أكثر من نصف المسلسل، سيقفز المخرج بالأحداث عشرين عاماً إلى الأمام، وبطريقة يتناسى معها أنّه يقدم دراما معدّة للعرض على الوسيلة الإعلامية الأكثر استهلاكاً وهي التلفزيون. لكن الطريقة التي انتقل فيها المخرج بالزمن كانت كفيلة بأن تضيع المشاهد لو غاب للحظات معدودة عن المتابعة. إذ ستتبدل مظاهر الممثلين، للدلالة على مرور الوقت، وستظهر نماذج عديدة من شخصيات لم تكن لتوها موجودة. ثم يعود برقاوي ليطرح حله الإخراجي الوحيد لتحديد الزمن من خلال الهاتف الخلوي. ستظهر زوجة الدكتور بشر (ندين تحسين بيك)، وهي تتحدث من هاتفها الأرضي مع صديقتها أمل (ريم علي) على هاتفها الخلوي رغم وجودها في بيتها، ورغم وجود الهاتف الثابت إلى جانبها... ليبقى الأسلوب عاجزاً عن إقناع المشاهد. إذاً، بعد الحلقة التاسعة عشرة، سيجد هذا المشاهد نفسه أمام جيش من الشخصيات الجديدة، كأنه بدأ يتابع مسلسلاً آخر. ما يجعله يعيد ترتيب أوراقه، رغم أن أحداث قصة المسلسل شدته في بداياتها. لكنّ الرؤية الإخراجية التي عجزت عن صياغة صورة مقنعة، وعن ضبط الزمن، وظهور الشخصيات الجديدة بسلاسة، ستسهم في تأخير إطلاق الحكم القطعي على العمل.

وسام كنعان

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...