آلان بادیو : نحو مرحلة ثالثة للشّيوعيّة

11-06-2020

آلان بادیو : نحو مرحلة ثالثة للشّيوعيّة

 أحمد العطّار: یعمد توصیف الفيلسوف الفرنسيّ “آلان بادیو” إلى النّقد والتّبسیط، نقد التّفاعل بشكل عامّ مع الجائحة، والتّبسیط كمحاولة لعدم تهویل الأمر، مادام الفیروس سلیل عائلة سبق أن ضربت في 2003 ، دون أن تسعى الدّول إلى تمویل المشروعات البحثيّة والطّبیة في هذا المجال.

إنّ ” الأنا أوّلا” كقاعدة ذهبیّة للإدیولوجیا المعاصرة، تصبح بلا جدوى، ولا توفّر سبلا للنّجاة، بقدر ما تطیل كشریك متواطئ إمكانات الشّر. فلعلّ التّحدي الأمثل الّذي تمثّله جائحة كورونا هو “تبدید النّشاط الجوهريّ للعقل”، وإجبار الأشخاص إلى العودة إلى التّقلید (التّصوف، التّخریف، الصّلاة، النّبوءة، اللّعنة..) وهو الأمر الّذي یذكّرنا بالعصور الوسطى إبّان انتشار الطّاعون.

كما أنّ هذا الوضع یمكننا من ملاحظة تقاطعات وتناقضات متعدّدة للوباء:

تقاطع الطّبیعة والمجتمع في عاملين أساسين: عامل أوّل قديم يتمثّل في الحالة المزریة للأسواق ( في مدینة ووهان) الّتي تبیع الحیوانات وتتّبع العادات القدیمة.

وعامل ثاني حديث: مسؤولیّة الانتشار الكوكبي للمصدر الأصليّ للوباء، الّتي تتحمّلها السّوق العالمیّة الرّأسمالیّة، واعتمادها على الحركیّة المتواصلة والسّریعة.

يلمس هنا كذلك تناقض مهم في عالمنا المعاصر، حیث یوجد الاقتصاد وعملیات الإنتاج الضّخم للأشیاء المصنّعة تحت رعایة السّوق العالمیّة، والّذي یقوم على بعد تركیبي تشاركي بین الدّول، فمثلا تركيب هاتف نقّال يشحد جهود سبع دول مختلفة. ومع ذلك لا تزال القوى السّياسيّة وطنيّة في الأساس، أمام استبعاد أي إجراء يؤدّي إلى بروز دولة رأسماليّة عالميّة.

یشكّل الوباء أیضا لحظة یصبح فیها التّناقض بین السّیاسة والاقتصاد صارخا، حیث الدّول الأوروبّیة لم تعمد إلى تعدیل سیاساتها لمواجهة الفیروس. فوقوع الدّول في هذه التّناقضات جعلها تجنح في مواجهة الوباء، إلى احترام الآلیات الممكنة للرّأسمال، على الرّغم من أنّ طبیعة الجائحة تجبرها على تعدیل نمط السّلطة ونشاطاتها.

لعلّ استعارة الرّئیس ماكرون: “نحن في حالة حرب”، صحیحة إلى حدّ بعید، ففي الحرب أو الوباء تلجأ الدّولة إلى تجاوز المسار الطّبیعيّ لطبیعة طبقتها، والقیام بممارسات استبدادیّة، من أجل تجنّب كارثة استراتیجیّة، وهنا تصبح عودة دولة الرّفاه أو الإنفاق لدعم النّاس أو إعلان التّأمیم، عبارات لا تثیر أيّ مفارقة أو دهشة، هذه نتیجة منطقیّة لربح الحرب، مع الاحتفاظ بالنّظام الاجتماعيّ القائم.

إنّها ضرورة مفروضة من خلال إجراء یتقاطع مع الطّبیعة (من حیث الدّور البارز للعلماء)، والنّظام الاجتماعي (من حیث التّدخل الاستبداديّ للدّولة(.

فأمام هول الجائحة الغیر متوقّعة، لم یتم اتّخاذ إجراءات ما قبل الدّولة الماكرونیّة، وهو ما یتطلّب من الدّولة تشیید لمصالح بشكل عمومي وعلني، لا تهمّ فقط البرجوازیّة وحدها، مع الاحتفاظ مستقبلا على أولیّة مصالح الطّبقة الّتي تمثّل عصب الدّولة.

إنّ الدّرس المستفاد والممكن استخلاص حسب باديو، أنّه بات من الجليّ، أنّه لا یمكن للوباء أن تكون له أیّة عواقب سیاسیّة تذكر في فرنسا، فأمام التّذمر الباهت والواهن للشّعارات البرجوازیّة للتّخلص من ماكرون، فإنّ ذلك لن یمثّل بأيّ حال من الأحوال أي تغییر جدیر بالملاحظة. وبالنّسبة للمطالبین بالتّغییر السّیاسيّ يتوجّب العمل على إیجاد شخصیات سیاسیّة جدیدة، ومشروع مواقع سياسيّة جديدة، وتقدّم عابر للأوطان لمرحلة ثالثة من الشّیوعیّة، بعد مرحلة التّنظیر ومرحلة تجربتها الدوليّة الّتي انتهت بالفشل.

وبصدد التّفاعل مع الجائحة یمكن اعتبار أنّ وسائل التّواصل الإجتماعيّ أثبتت إلى جانب إثخانها لجیوب الأثریاء، أنّها المكان الّذي تناسلت فیه الشّائعات الغیر متحكّم فیها، مع شلل للمتبجّحین أو لمكتشفي المستجدات القدیمة، الظّلامیّة والفاشیة.

من هنا یدعو بادیو في خضم العزلة المعاشة، ألاّ نمنح المصداقیّة إلاّ للحقائق الّتي یتمّ التّحقّق منها بواسطة العلم، والمنظورات الّتي تؤسّس لسیاسة جدیدة وأهداف استراتیجیّة مبنیّة.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...