المرأة والجنس في الذهنيَّة الأدبيَّة العربيَّة

22-10-2016

المرأة والجنس في الذهنيَّة الأدبيَّة العربيَّة

كثرت الدراسات والأبحاث التي تناولت قضايا المرأة العربيَّة، وعرضت واقعها الاجتماعي المرير، ووضعيَّة القهر النسوي الذي يضرب جذوره في عمق التاريخ، إلا أنَّ هذه الدراسات -في معظمها- انطلقت من وضعيَّة المرأة المتخلِّفة بوصفها انعكاساً للظروف الاجتماعيَّة والسياسيَّة السائدة.

فكلّ تفكير بالمشكلات التي تكتنف وضعها يقودنا إلى المشكلات الاجتماعيَّة والسياسيَّة التي يعاني منها الوطن برمته، فالمرأة العربيَّة مقهورة ومتخلِّفة لأنها تعيش ضمن علاقات متخلِّفة، لتعكس مسيرة الأمَّة بأكملها بما تحمله من إنجازات وإحباطات، وانتصارات وهزائم.
وقضيَّة المرأة العربيَّة التي تعتمد في الأساس على التحوُّلات الاجتماعيَّة والسياسيَّة، لا يمكن أن تُطرَح إلا بوصفها قضيَّة إنسانيَّة؛ فالرَّجل في المجتمعات العربيَّة واقعٌ أيضاً تحت ظلم الأحكام الاجتماعيَّة والقوانين الإنسانيَّة التي لا تقلّ حساسيَّة وأهميَّة عن مشكلات المرأة.
والكثير من التطوُّرات التي طرأت على بعض الأسس والمعايير في الثقافة العربيَّة الشعبيَّة، كانت سطحيَّة وظاهريَّة، ولم تنل من جميع أشكال التزمُّت، بل ما زالت بعض الأحكام والأعراف متجذِّرةً في الثقافة والتراث العربيَّين.
وبالتالي، فإنَّ ممارسة المرأة لحقوقها الطبيعيَّة، لا بدَّ من أن يتزامن مع نيل الرجل لحقوقه، فثمَّة ارتباط قوي وعلاقة متداخلة بين الرجل والمرأة، ليس فقط في الإنتاج والتعامل، وإنَّما في المعاناة.
وكما يقول الباحث الراحل نصر حامد أبو زيد في كتابه «دوائر الخوف؛ قراءة في خطاب المرأة»، فإنَّ «هذا التحرُّر الإنساني مرتهن بتحرّر اجتماعي وفكري عام في مرحلة تاريخيَّة محدَّدة، حين تكون حركة المجتمع، حركةً صاعدةً باتجاه التقدُّم، وفي هذه الحركة تنفتح كلّ عناصر الوجود بهواء الحريَّة النقي وتمتلئ كلتا الرئتين -الرجل والمرأة- بمناخ الحريَّة المشبع بقيم الحق والعدل» (ص87)
إلا أنَّ المرأة تعاني من اضطهاد مزدوج؛ الأول يتمثَّل في الاستغلال العام الموجَّه للمرء كقيمة إنسانيَّة، حيث لا يُسمَح فيه لمواطنٍ بممارسة حقوقه المشروعة، والاضطهاد الثاني الناجم عن العيش في مجتمع ذكوري يستغل كيانها لصالح الرجل، ويضيِّق عليها الخناق ويحمِّلها أعباء إضافيَّة تضاهي أعباءها؛ من الأميَّة والجهل والضغوط الاجتماعيَّة، ليقضي على إمكاناتها الفكريَّة والإبداعيَّة، عبر حلقات من الاستلابات تُفرَض على كيانها.
ويمكننا تلخيص نظرة المجتمع العربي للمرأة بوجهتي نظر: الأولى النظرة الدونيَّة المتخلِّفة التي لا تأخذ بالاعتبار كينونة الأنثى، بل تعتبرها مجرَّد تابع للرجل وأداةً لإشباع احتياجاته الجنسيَّة والحياتيَّة، وثانيهما وجهة النظر التقدميَّة التحرريَّة التي يؤمن أصحابها بتداخل مشكلة المرأة مع مشكلة الإنسان العربي وبضرورة التعاون بين الرجل والمرأة بهدف تحرُّر إنساني واجتماعي عام للمجتمعات بأكملها.
واللافت أنَّ أصحاب النظرة الأولى هم الأكثر شيوعاً، إذ يشكِّلون الغالبيَّة العظمى بالمقاربة مع أنصار الفريق الثاني، ما يرمي بظلاله وآثاره على الأدب العربي عامَّة، بوصفه مرآةً عاكسةً للفكر السائد.
وعلى الرغم من التغيُّرات التي طرأت على العالم بأسره في ما يتعلق بقضيَّة المرأة وتأثُّر العالم العربي بهذا التحوُّل، إلا أنَّ الأدباء والمثقفين العرب - في معظمهم- لم يتمكَّنوا من الانسلاخ عن جلدتهم والتخلُّص من الذهنيَّة الرجعيَّة المتأصِّلة في تربيتهم التي ترعرعوا عليها.
وتُعتبر قضية المرأة بالنسبة للمثقَّف العربي، كما يرى الباحث محمد عباس نور الدين في كتابه «التمويه في المجتمع العربي السُّلطوي» موضوعاً شديد الحساسيَّة كونه يكشف التناقض الذي يعيشه المثقَّف بين أفكاره وقناعاته الشخصيَّة، وبين الواقع المعاش وكيفيَّة تعامله غير المعلن مع المرأة ممَّا يضع هذه القناعات أمام امتحانٍ صعبٍ».(ص141).
ويُلاحظ أنَّ معظم الأدباء العرب، لم ينظروا إلى المرأة ككيانٍ مستقلٍ في معظم الأحيان، بل اختزلوا وجودها إلى مجرَّد تابع للرجل وعامل مساعد للكاتب في بناء حبكته.
وهذه النظرة التي اتَّسمت بالانغلاق وضيق الأفق لدى البعض، قدَّمت الأنثى كشخصيَّةٍ ملغاةٍ على المستوى الذهني والمعنوي، واختُزِلت إلى جسدٍ مكتنزٍ، وشعرٍ لامعٍ، ونهدَين صلبَين، وعينَين براقتَين، أي تحوَّلت إلى جسدٍ وأداةٍ للجنس والخيالات المكبوتة، يرتوي منه الرجل ليعوِّض عن بؤسه ويشبع غرائزه.
وموضوع الجنس أو بالأحرى الكبت الجنسي، في المجتمع العربي، يحتلُّ مساحة واسعة في نتاجات الأدباء العرب؛ فالفرد - أي الرجل والمرأة على حدٍ سواءٍ- يأتي إلى العالم محاصراً بإرثٍ من الطقوس الاجتماعيَّة وبالعديد من القيود، ومجبراً على اكتساب ثقافة مجتمعه التي لا دخل له فيها ولا اختيار.
وانعكست الرقابة الاجتماعيَّة، على الشخصيَّة المتأزِّمة اقتصاديَّاً وحياتيَّاً، ما حمَّلها مزيداً من عُقد الذنب والإحساس بالعار، لتصبح غير قادرةٍ على إقامة علاقةٍ مع الجنس الآخر، لتبدأ البحث عن بدائل إمَّا عبر أحلام اليقظة والانكفاء على الذات، أو من خلال العدوانيَّة المدمِّرة والاغتصاب والعنف الجنسي والتحرُّش، وهذا ما يفسِّر العدوانيَّة والعنف المتغلغلَين في النسيج الأدبي العربي.
ولعلَّ هذه العلاقة المتأزِّمة وغير السويَّة بين الرجل والمرأة في العالم العربي، مؤشِّرٌ على العلاقة المتأزِّمة مع السُّلطة وثقافتها المبنيَّة على المنع، فنزعة الحياة المتمثِّلة بالحب والجنس لا فكاك لها من سطوة المجتمعات.
وتبقى أزمة الجنس في العلاقة بين الرجل والمرأة تمثِّل محور الاهتمام الرئيس في الخطاب الأدبي العربي، لتتداخل مع أزمة العالم الثالث، في علاقته مع السُّلطات والأعراف، وأنَّى للمرأة أن تتمتَّع بحقوقها في عالم مشوَّهٍ ومستلبٍ؛ إذ من غير الممكن مناقشة قضيتها بمعزل عن قضية الإنسان العربي المقهور، والنير الذي يرزخ تحته.

مهند الحميدي

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...