السلفية الحكومية

11-08-2016

السلفية الحكومية

الجمل ـ رشاد أنور كامل: في محاولة لتمرير تعديل على أحد القوانين ، قال لي المسؤول وبحرقة ، رشاد لا نستطيع أن نمرر تعديل كهذا ، سنواجه بمقاومة عنيفة من القوى الممانعة في الوزارة . استغربت كلامه ، و أجبته : ولو ، مو الملف أساسا معك ، وأنت مطلوب منك (من فوق) تحلّها ، وهاكل همهم لهلدرجة ... فهمنا نحنا مواطنين عاديين حقنا نقول هيك ... بس أنت ؟!
ضحك بحزن وجاوب: صدقني القطاع الحكومي طبقة اسمنتية ومسلحة كمان ، لفتح ثغرة صغيرة، وبأي مجال ، محمود الزعبي رئيس لمجلس وزراء سورية سابقعم نفنى ...
.....
المضحك المبكي أن كل ما تم إنجازه فعلا في المجال الذي كنا نسعى في تطويره ، تبخر مع الأزمة السورية، وسرعان ما انقلبت الطاولة على رؤوسنا ، ووضع القطاع العام أوراقة القديمة على الطاولة ، مدعياً أن طرقه القديمة هي الضمانة لاستقرار البلد ، وان التحديث الذي فرض كان أحد أسباب تلك الازمة، وتطور الخطاب الحكومي الممثل للقطاع العام الى شكل دعَوِي سلفي ، يبشر بالحل ، الحل في العودة الى طرق السلف الصالح مؤسسي هذا الصرح " القطاع العام" ورجالاته .
وأمطرنا بعدها بسيل من رجالات الصف الثاني والثالث من السلف الحكومي الصالح ، وطروحاتهم التي بدأت بالتلويح بإلغاء قانون العمل والعودة الى القانون القديم وصولاً الى اتهام كل منجز إصلاحي بأنه مدسوس وعميل الى جهات مختلفة .
ووقع السوري بين سلفيتين ، وليختار ، اما سلفية القطاع العام ، او سلفية إسلامية ....
ما السلفية أساسا : السلفية هي منهج يدعو إلى فهم الكتاب (القوانين) والسنة (التعليمات التنفيذية) عبر فهم سلف الأمة (ابطال مؤسسي القطاع العام) وهم الصحابة (أعضاء القيادة، والوزراء المؤسسون)عبد الله الأحمر الأمين العام المساعد لحزب البعث والتابعون (المدراء العامون، والمستخدمون) وتابعو التابعين (كل موظف يعرف ان لامكان له خارج هذه  المنظومة) ، يتمسكون بهذا المنهج باعتباره يمثل النهج الأصيل والتمسك بأخذ الأحكام من المصدر ويبتعد عن كل المدخلات الغريبة والتمسك بما نقل عن السلف.
والسلفية الحكومية ليست مشكلة سورية بل هي مشكلة على مايبدو متوارثة في مختلف البلدان العربية التي عملت فيها في مشاريع تنموية.
هي متشابهة الى درجة جعلت عملي أسهل خارج سورية فقط بتطبيق علومي في التعامل مع متاريس القطاع العام السوري ، وأظنه من المتفوقين بهذا المجال ، لدرجة أنه في لقاءاتي مع تلك السلفيات الحكومية العربية ، يستغربون معرفتي التفصيلية ، لاجراءاتهم في تعطيل مشروع، او تمييع قرار، او التذاكي في زجك في زوايا قرارات لن تصدر ، في جرّهم للمشروع ليصبح مشروع سياحة واصطياف لهم، وصولاً الى كيف يستفيدون هم شخصيا من مشاريع كهذه.
لكن للسلفية الحكومية نقاط ضعفها أيضاً ، ومن أهم تلك النقاط هي السعي الدائم والحثيث لموظفي الصف الثاني والثالث ، للتحكم بالأمور، وضب المعارف اليهم، ومحاولة تحويل المشاريع التنموية الى خيوط يمسكونها ليتمكنوا من القفز الى الأعلى عبرها، في الوقت الذي تتحرك فيه طبقة معاوني الوزارء والمدراء العامين بشكل مخالف تماما، لتبنيها بعض المشاريع لتجعلهم يبدون انهم جاهزين لمنصب الحلم ، منصب الوزير. مستخدمين لذلك كل ما امكنهم من معارف السلف الحكومي وقوانينه في أمر واحد، إبراز أخطاء الوزراء ، وإبعاد المنافسين، وهم الأخطر في أي تعامل تنموي ، والعمل معهم كالسير في حقل ألغام، إن تجاوزت الأول ، ستقع في الثاني، ولكن أمرهم سهل إن أتت التعليمات من فوق ... فوق مباشرة ... أي عندما يلحظهم الكبار جدا ... لا يتضمن ذلك وزارءهم ....
أما الوزراء فهم طبقة مختلفة تماماً عما تحتها  معادلاتها مختلفة ، فهي عملياً طبقة أفراد تسعى بكل جهدها الى تنفيذ كل شيء ، كل شيء ممكن ، تنموي ، غير تننموي ، مطلوب غير مطلوب ، المهم أن يغطى إعلاميا ، لأن المبدأ في القطاع العام للوزراء أن أكرمهم هو أحركهم في عيون (فوق)، وهم أفضل من تتعامل معهم ،  الأمين القطري المساعد لحزب البعث محمد سعيد بخيتانوأقلهم فاعلية ، من يصدق نفسه منهم يتكسّر مابين ضغط الإنجاز الموعود للحكومة ، وعدم وجود كادر تحته يساعده ، فغالبا مايكون الوزير وفريقه الصغير هم كل الوزارة .... مؤقتاً .
من تلك النقاط الهشة في القطاع العام ، تمر بعض الإنجازات ، هنا وهناك ، ولكنها لا تكفي .
الخطاب التنموي مخيف بالنسبة للسلفية الحكومية كما الخطاب التنويري مخيف للسلفية الدينية ، فالخطاب التنموي والعمل بمقتضياته ، يمأسس العمل الحكومي ويضبطه بأصعب ضابط ممكن تطبيقه على منظومة حكومية سلفية وهي " الشفافية" و" مؤشرات الإنجاز " و " تحمل المسؤولية" ، وتحول القطاع العام من قطاع حاكم بأمر من هو فوق الى قطاع خدمي ، وهذا رعب يجتاح أوصالهم ، فهم أدرى بالعباد من العباد انفسهم، وهم أعلم بمصالح الامة من الأمة نفسها ، وهم إن فشلوا يكون بسبب تقاعسنا نحنا في الالتزام بتعاليم التفاني بالإنتاج ، و تمردنا على التقشف ، استماعنا الى خطاب الغرب .
ما هو مطلوب هو توعية شاملة ممنهجة للمواطنين في بلداننا عن مقاصد التنمية ، بنفس الأسلوب المطلوب لتوعيتهم لمقاصد الشرع ، فكلا الخطابين التنموي والتنويري يخضعان اليوم الى أكبر امتحان .... فإما أن ننجح أو ..... جميعنا سيهان .


إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...