مصير مجهول ينتظر أغنام العواس

21-04-2008

مصير مجهول ينتظر أغنام العواس

من يزر سوق الأغنام في الرقة هذه الأيام سيتفاجأ حتماً بهذا الكم الكبير من الأغنام المعروضة للبيع.. والمفاجأة الأكبر عندما تجد ان الأغلبية هنا من الإناث والأسعار المتداولة متدنية بكل ما تعني الكلمة من معنى.. هي حقيقة لن تحتاج السؤال عنها فالمداولات الشفهية بين الباعة والمشترين تدل على هذا التهاوي المستمر بالأسعار... انها مع كل يوم جديد تخسر المزيد من أسعارها...!!

وإذا حاولت الاقتراب الى بعض من المربين الذين جلسوا ينتظرون حصاد البيع ستجد ان صور قسمات الوجوه تسبق بالآلام كلماتهم ومبرراتهم خاصة وان ما يبيعونه هو أغلى ما يملكون من ثروة وربما تكون المهنة الوحيدة المتوارثة للكثير منهم فينظرون بحسرات كبيرة للظروف التي ساقتها الى هذا المصير المجهول... ‏

أدنو من لمة منهم ومن باديتين يفصلها الفرات فاجتمعوا على الثروة المشتركة والحديث عن قاطرة وداعها التي انطلقت كما يجزمون.. أسعارا رخيصة جداً لا نعلم لماذا...؟؟... ربما لأن الكثير يعرضونها للبيع بآن واحد.. ‏

طبعاً مرغمون على البيع هل تظن اننا نبيعها بإرادتنا.. ماذا سنفعل نبيعها لنشتري علفاً لأخرى. ‏

هل تعلم ان سعر الرأس الواحد بالكاد يساوي سعر كيس واحد من أي نوع من الأعلاف. ‏

أحدهم قال:  بعت حتى الآن اكثر من ثلث اغنامي ولا زلنا في أول الطريق.... الذكور لا زالت صغيرة نطمح بتسمينها علها ترد بعضاً من خسائرنا بعد ان يتحسن سوقها فنبيع الاناث لاطعامها... ومع ذلك هناك الكثير من الذكور والاناث الصغيرة المعروضة للبيع... ‏

لا تسأل عن اعلاف المؤسسة... ماذا تكفي؟... الرأس الواحد قد يحتاج الى اقل من كيلو غرام علف يومياً.. وما يعطونا إياه لا يوازي ويكفي حتى عشرة ايام.. انظر آخر مرة استلمنا 8 كغ للرأس الواحد عن ثلاثة اشهر. ‏

المشكلة ان الصالح يذهب بالطالح.. صحيح ان هنالك جمعيات اعدادها اقل مما سجلته لكنها لاتلام امام ازمة الاعلاف اذ ما بقيت لديها اغنام... اقتربت اكثر إلى تساؤلاتهم بسؤال استوقفهم لبرهة قصيرة.. الم تكن الظروف السابقة اصعب من ذلك ام لا...؟ ولماذا استطاعوا بما خزنوه واحتاطوا له من بقايا المحاصيل لتلك الظروف ان يحافظوا على ثروتهم.؟ 
 - لا الأمر مختلف سابقاً كيلو التبن كان يكلفنا قروشاً مع اجرة جمعه بينما في موسم العام الماضي ورغم انه في عز الموسم تم بيعه بأربع ليرات سورية من اين لنا الوفر الذي نستطيع به شراء اعلاف احتياطية. ‏

لا تنسى أن السنة هذه هي الأقسى بظروفها الجوية ولم تكن وحدها سبقتها سنوات بشكل متتالٍ بينما في السابق كانت الظروف تقول كلمتها لسنة واحدة فقط ويكون ما قبلها سنة خير.. ‏

هل تعلم أن بقايا المحاصيل التي كانت ترعى بها اغنامنا في العامين الماضيين وبأسعار مضاعفة استهلكت كل ما نملك... ‏

سابقاً الوفر كان يتأتى من زيادة عديد الاغنام بالتوالد وتحول الإناث الصغيرة لكبار ونحن منذ سنتين كنا نضطر لبيع ما يقابل المواليد الجدد... اما الآن فالأمر اكبر من الطاقة بكثير... ‏

يا أخي اذا مؤسسة الأعلاف ما عندها علف احتياط .. فهل تريد منا ان يكون لدينا علف احتياط ونحن بالكاد نعيش.. ثم هل فقط نحن نعلف اغنامنا أليست لدينا اسر هي الأخرى تريد ان تعيش.. ألم تسمعوا بالغلاء؟ هل بقي شيء واحد لم يرتفع...!!؟؟ ‏

اتقدم نحو المجموعات الصغيرة من الباعة والمشترين.. نعم الاناث هنا الاكثر والاسعار متفاوتة لكنها تتراجع في كل يوم وسعر رأس الغنم من الاناث هو ما بين 800 ل.س و3000 ل.س..!! قد يزيد قليلاً مع شحن أي كميات للتصدير ولكن هذا هو الحال.. وهو على كل حال ايضاً لا يتقرر ما السعر في سوق الرقة بل في الأسواق الأكبر..!! ‏

امتار قليلة تفصل بين سوق الاغنام وسوق الاعلاف وهي ما يسمى الخانات هنا التجارة تزداد تزدهر والمحلات تعرض جميع انواع الاعلاف دون استثناء حتى ما هو محصور بيعه بالدولة من نخالة وكسبة وهنالك الشعير والقمح وتفل الشوندر المجفف والتبن وغير ذلك. 
 ‏ - الآن الشعير بـ «23» ل.س للكيلو الواحد والنخالة بحدود «20 ـ 21» ل.س والكسبة بـ21 ل.س تفل الشوندر المجفف هو الآخر بين 20 ـ 21 ل.س والتبن بحدود 16 ـ 17 ل.س للكيلو الواحد بينما سعر الكيلو الواحد من القمح يقارب الآن بين 23 ـ 24 ل.س. ‏

من اين جاءت هذه الاعلاف وأخص المحصور بيعها بالدولة؟. ‏

لا تسأل لكي تستطيع ان تحصل على اجابات منهم. ‏

كيف الحركة الآن .. أي البيع؟ ‏

هي كثيرة ولكن السيولة قليلة لدى المربين.. ‏

إذاً كيف يدفعون؟... ‏

يدفعون جزءاً والباقي لاحقاً. ‏

من يحدد الأسعار في السوق؟.. ‏

لا علاقة لنا أبداً نحن هنا سوق صغيرة والاسواق الاكبر في المحافظات الأخرى هي التي تحدد الأسعار... ‏

مثل اي محافظات.. ‏

حلب وحمص وحماة وغيرها.. ‏

لكن كل هذه الكميات والسوق صغيرة... ‏

نعم اننا نورد الكميات من تجارها الكبار مثلاً القمح وصل قبل ثلاثة اسابيع الى 33 ل.س للكيلو الواحد في اسواق حلب وحمص وحماة ولكنه عاد وهبط.. من حدده حلب اولاً. ‏

ببساطة الامر سهل عندما يرتفع سعر اي مادة في اي من المحافظات المذكورة لديهم علاقات مع تجار هنا «خانات» وبالهاتف يجري البيع والشراء وعندما يزداد الطلب ايضاً حتماً يزداد والسعر.. ‏

وهل لدى المربين قدرة على الاستمرار في هذه الحالة. ‏

لا حتماً ألم نقل لك ان القسم الغالب من قيم الاعلاف تبقى مؤجلة كدين في ذمتهم. ‏

همسة من هناك... ولكن اي دين انه بفائدة في الغالب ومضاعفة ويسمونها محلياً «السلف» أي البيع بسعر مضاعف بالآجل وهو قابل للتضاعف ان لم يسدد..!! ‏

هذه بعض من خلاصات حملناها من سوق الاغنام بالرقة والاعلاف المقابل له وهي تشير بلا اضافات ان الاغنام وهي الثروة الوطنية المهمة تعيش ازمة خانقة عنوانها الظروف القاسية التي فعلت ما فعلته بها ولم يجد المربون خلالها اي اهتمام يوازي المشكلة فالمراعي معدومة بفعل الظروف الجوية وتتاليها شكل سوطاً مسلطاً على امكاناتهم التي افرغتها من كل مضمون بل اصبحوا عرضة لديون كثيرة في الغالب منها تخضع لجشع البعض الذي يضيف اليها فوائد باهظة. ‏

ولعل المشكلة الاكبر لم تعد فقط كيف سيؤمن هذا المربي الاعلاف لاغنامه بل ماذا سيبقى من هذه الثروة ان الاغلبية من الإناث التي تدخل اسواق الاغنام تذهب الى الذبح وليس للتربية وبالتالي فإننا سنكون إن عاجلاً ام آجلاً امام الحقيقة المرة والمزعجة وهي خسارتنا لقسم كبير من اغنام العواس بما تمثله هذه السلالة ومفرزات ذلك وفي مقدمتها خسارة عدد لا بأس به من المربين لعملهم الذين يقتاتون مع اسرهم منه ناهيك عن ازمات اللحوم القادمة في السنوات المقبلة مع التناقص الطبيعي امام مجمل هذه الظروف.. ‏

- اغلب الجهات المحلية اعتبرت ان الامر مرتبط بالمركز واتحاد فلاحي المحافظة اشار الى انه نبه تكراراً وبمذكرات ومطالبات لم تنقطع امام جميع المراجع المسؤولة مركزياً الى الخطر المحدق بثروتنا الحيوانية نتيجة الظروف الجوية. ‏

قد يرى البعض ان الحكومة قد تصرفت وهي وجهت مؤسسة الاعلاف مؤخراً باستيراد الاعلاف.. ولكن اين كانت التوجيهات قبل اشهر ولماذا عندما وصلت حالة الاغنام الى العناية المشددة تم التدخل وايضاً ما الكمية التي سيتم استيرادها.. وهي وفقاً لمعلوماتنا وبالكاد بحدود 300 ألف طن فماذا ستكفي ومؤسسة الاعلاف ذاتها تقول تكراراً ان الثروة الحيوانية تقدر احتياجاتها بنحو 8 ملايين طن وما يمكن تأمينه من خلال المؤسسة وبأقصى طاقة لها لا يتجاوز الـ1.2 مليون طن ولكي لا تظلم الاعلاف هي الاخرى لماذا لم يتم التدخل مسبقاً... ‏

المربون وفقاً لرؤيتهم للحل يؤكدون ان اول الحلول يكمن باستيراد كميات كبيرة من الأعلاف وتوزيعها بسعر الكلفة على المربين والتوجه بها نحو من يستحقها فعلاً وعلى مسؤولية الجهات المعنية التي تشترك في ذلك وثانيها ان يتم تغطية تكاليف هذه الاعلاف بموجب قروض تمنح للمربين دون فوائد وبكفالات تضمن حق الدولة باسترداد أموالها بما في ذلك كفالة المنظمة المختصة من حيث أغلبية المربين ينتظمون في جمعيات تعاونية فلاحية وثالثها في التشدد اكثر واكثر في منع ذبح الإناث مهما كان السبب ودون اي مبررات ورابعها وهو الاستمرار بالسماح بتصدير الاغنام وتذليل العقبات امامه... ‏

انها صور مأساوية بكل المقاييس تعبر عن حالة ثروة وطنية هامة تتبدد الآن بفعل الظروف القاسية اذ إن اناث العواس وهي السلالة التي طالما فاخرنا بها تباع الآن بأرخص الأسعار للذبح كلحوم مقابل ارتفاعات غير معقولة بأسعار الأعلاف والناتج من هذه المعادلة سيكون اقتصادنا الوطني ما لم يتم التدخل بشكل عاجل للحفاظ على هذه الثروة. ‏

فصيح السلوم

المصدر: تشرين


إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...