العائدون للمسيحية في مصر يخشون القتل بسبب بطاقات الهوية

14-02-2008

العائدون للمسيحية في مصر يخشون القتل بسبب بطاقات الهوية

قال المحامي د. نجيب جبرائيل رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان إنه بصدد رفع دعوى جديدة أمام المحكمة الإدارية العليا للحصول على حكم يلغي عبارة "مسلم سابق" من بطاقات الرقم القومي (الهوية الشخصية) المزمع استخراجها تطبيقا لحكم صدر يوم السبت الماضي من المحكمة ذاتها بخصوص الأقباط الذين أشهروا إسلامهم ثم عادوا إلى المسيحية.

وحذر جبرائيل الذي كان وراء الدعوى القضائية التي انتهت بالحكم السابق، من تداعياته وخطورته على من سيحملون البطاقة المدون بها هذه العبارة في خانة الديانة، وقال إن الأمر قد يشكل خطرا على حياتهم، وسيكون له تداعياته الاجتماعية حتى داخل مجتمعهم القبطي.

إلا أن المحامي نبيه الوحش أكد بدوره أنه تم رفع دعوى إدارية لإيقاف الحكم الأخير؛ لأنه يتناقض مع الشريعة الإسلامية التي يستند عليها الدستور في مادته الثانية، لكنه أشار إلى أنه حكم يسد ثغرة التلاعب بالدين من أجل مصالح شخصية.

وعلى غير المتوقع قوبل الحكم الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا يوم السبت الماضي 9-2-2008 برفض من الأوساط القبطية، فقد وصفه عدلي أبادير زعيم أقباط المهجر بأنه ملغوم ويؤدي إلى الفتنة الطائفية، بينما قال مدحت قلادة المتحدث باسم منظمة "أقباط متحدون" في سويسرا إنه لا يلبي "معايير حرية العقيدة".

ورأى الباحث د. كمال حبيب المتخصص في الشؤون الدينية أن الحكم يكرس مبدأ المواطنة على حساب الهوية الدينية، وهو أمر سيتثير الأغلبية ويهدد السلم الاجتماعي.

وسمح الحكم لاثني عشر قبطيا بتغيير بيانات الديانة الخاصة بهم من مسلم إلى مسيحي في بطاقات الرقم القومي، مع الإشارة إلى أنهم "اعتنقوا الإسلام لفترة مؤقتة"، وهو ما قال عنه جبرائيل إنه سيختصر في كلمتي "مسلم سابق".

وبررت المحكمة ذلك بقولها "تفاديا لأي تلاعب بالآثار القانونية والاجتماعية المترتبة عن هذا الإجراء مثل الزيجات أو الولادات".
 وفي حديثه وصف د. نجيب جبرائيل -أحد المحامين البارزين عن الجانب القبطي في تلك القضية- الحكم بأنه سيئ، وعلل ذلك بأنه يثير مشكلات اجتماعية وقانونية في التطبيق العملي، وأخرى خطيرة تعرض حياة الإنسان للخطر في حياته اليومية.

وأضاف "هناك خشية وخوف من المتطرفين الإسلاميين حينما يرون في بطاقة الهوية عبارة "مسلم سابق"، وعندئذ سيتهمونه بالكفر والردة. وربما تنشأ مشكلة عندما يتعامل الشخص المعني مع الجهات الإدارية أو أية جهة حكومية، ويتصادف أن يكون لدى الموظف أو المسؤول فيها ميول متطرفة، وهنا لا يأمل صاحب أو صاحبة البطاقة في إنجاز الخدمة التي تقدم له".

وتابع جبرائيل أن العائدات إلى المسيحية من الإسلام سيواجهن معاناة اجتماعية حقيقية داخل الوسط القبطي عندما يتقدم أحد للزواج من واحدة منهن، ثم يكتشف من خلال بطاقة الرقم القومي الخاصة بها أنها سبق أن اعتنقت الإسلام لفترة حسب منصوص الحكم القضائي الأخير، فمن غير المتصور -حسبما يرى جبرائيل- تقبل شاب مسيحي خطبة أو الزواج من مثل هذه الفتاة.

وتساءل د.نجيب جبرائيل في حديثه لـ"العربية.نت" عن الغرض من "قيامهم كموكلين عن المسيحيين العائدين إلى ديانتهم الأصلية من رفع الدعوى القضائية التي أفضت إلى هذا الحكم، ما دام هناك إشارة في بطاقة الرقم القومي بأنه مسلم سابق؟.. ألم يكن الغرض أن يعود الشخص إلى ديانته من غير أن يكون هناك تحفظ على ذلك بأية عبارة أو إشارة؟".

وقال ستترتب على الحكم مشكلة خطيرة، "فكيف للطفل الصغير الذي اعتنق أبوه الإسلام ثم عاد للمسيحية أن يحمل أيضا في أوراقه الثبوتية أنه كان مسلما سابقا، مع أنه لم يشهر إسلامه مطلقا وإنما اعتبروه كذلك بالتبعية لوالده، مثل قضية الطفلين أندرو وماريو اللذين اعتبرا مسلمين بالتبعية لإشهار والدهما إسلامه، وحين يصدر لهم حكم يقر بأنهما مسيحيان فسيكتب لكل منهما بأوراقه الثبوتية أنه مسلم سابق، رغم أنه لم يشهر إسلامه قط.

المعروف أن هناك دعوى قضائية بخصوص هذين الطفلين رفعها محامون أقباط بعد أن طلبت منهما مدرستهما دخول الامتحان في مادة الدين الإسلامي، رغم أنهما في حضانة والدتهما المسيحية.
  ومع هذا يعتبر د. نجيب جبرائيل حكم الإدارية العليا خطوة في سبيل تكريس المواطنة، لكنها جاءت عكسية، على حد قوله.. "سنحاول أن نتقدم بطلب إلى وزير الداخلية، باقتصار تدوين عبارة "مسلم سابق" على الاستمارة المقدمة للحصول على بطاقة الرقم القومي، والتي ستحتفظ بها مصلحة الأحوال الشخصية، وليس في بيانات البطاقة نفسها".

وقال: أخشى أن تنفذ وزارة الداخلية الحكم بمنطوقه، وهنا تكون الطامة الكبرى والكارثة، والأمر يحتاج إلى تفسير من المحكمة الإدارية العليا، وإذا لم تستجب لنا وزارة الداخلية أو المحكمة فسوف نقوم برفع دعوى أخرى.
 ويوضح جبرائيل أنه توجد حاليا 550 حالة من العائدين إلى المسيحية يريدون استخراج بطاقات رقم قومي مثبت بها دينهم. وعن الظروف التي جعلتهم يشهرون إسلامهم يؤكد "صعوبة جمعهم في سلة واحدة، فبعضهم كان يريد الهروب من قضايا شيكات وتبديد حتى تنقضي العقوبة الصادرة ضدهم ثم يعودون لدينهم الأصلي، وهناك من كانوا يواجهون مشكلة الحصول من الكنيسة على تصريح بالزواج أو الطلاق، فأشهروا إسلامهم لكي يتحقق لهم ذلك، وآخرون بسبب ضغوط الفقر وغير ذلك، وهناك طائفة تقتصر على الأطفال الصغار الذين وجدوا أنفسهم مسلمين بالتبعية بعد إشهار آبائهم إسلامهم".

ويشير إلى أن مشاكل عملية ستنشأ من خلال أن بعض العائدين، يقدرهم بـ50% من عدد الحالات المشار إليها، أشهروا إسلامهم للزواج من مسلمات وأنجبوا أطفالا، موضحا أن تلك المشاكل لن تقتصر على النسب فقط، حيث إن القانون يعتبر الأبناء مسلمين ولا يحق لهم أو للزوجة الانتقال مع الأب العائد للمسيحية".

وقال: ستحدث مشكلة تتعلق بالميراث، فلا يجوز قانونا أن يرث المسيحي من مسلم ولا المسلم من مسيحي، وبالتالي فإذا كان الشخص العائد لمسيحيته يمتلك مالا أو عقارات ثم توفي، فسيحظر على أولاده المسلمين أن يرثوه، والعكس صحيح إذا كان الولد مسلما ثم توفي وأبوه المسيحي لا يزال على قيد الحياة.

وأضاف: بالنسبة لمن دينهم الأصلي الإسلام واعتنقوا المسيحية، فالمحكمة رفضت ذلك في قضية المتنصر محمد حجازي الذي طلب تدوين ديانته المسيحية في بطاقة الرقم القومي، ومن ثم فهذا ينطبق تماما على أبناء المسيحي العائد لدينه من زوجته المسلمة، ويرى جبرائيل أن ذلك مخالف لحرية العقيدة والمواثيق والمعاهدات الدولية.

وتابع: الحلبة لا زالت مليئة وستمتلئ أكثر بالمتصارعين، فالمارثون حافل بقضايا من هذا النوع، وبالتالي لن تنتهي المشكلة بحكم الإدارية العليا الأخير.
 الطرف الآخر في هذه القضية هو المحامي نبيه الوحش الذي كان يعارض الاعتراف رسميا بعودة مسيحيين أشهروا إسلامهم، وفي نفس الوقت يتولى قضية والد المتنصر محمد حجازي الذي كسب مؤخرا حكما قضائيا بعدم تسجيل ديانة ابنه المسيحية في بطاقة الرقم القومي، واستمراره بنفس بياناتها السابقة كمسلم، وهي القضية التي كانت سترتب آثارا اجتماعية كبيرة في مصر لو خسرها والد حجازي.

يقول الوحش: قمنا الاثنين 11-2-2008 بالطعن الإداري في حكم تسجيل ديانة المسيحي العائد، لكن من وجهة نظري أراه جيدا لنصه على تدوين عبارة "مسلم سابق"، وذلك سيفيد في عدم اختلاط الأنساب فيما بعد، أو في عملية الميراث، وفي الوقت نفسه لن يترك فرصة للذين يريدون التلاعب بالدين حلا لمشكلاتهم الشخصية مثل الزواج والطلاق.

وتابع الوحش: هذا الحكم القضائي أغلق من وجهة نظري طريقا كان يستغله بعض المسيحيين لفترة مؤقتة للهروب من مشاكلهم الاجتماعية مع الكنيسة، أو للتغرير بالبنات المسلمات والزواج بهن بعد إشهار إسلامهم. وبموجبه سيتم التفريق بينه وبين الزوجة المسلمة وأبنائه منها إذا أراد تسجيل ديانته المسيحية في بطاقة الرقم القومي.

ولا يرى نبيه الوحش وجهة صحيحة لاعتراض بعض الأقباط بأن عبارة "مسلم سابق" ستخلق فتنة طائفية وستعرض حاملي بطاقات الرقم القومي من هذا النوع للمخاطر، ويقول "لا شيء من ذلك سيحدث، بل سيضع حدا للتلاعب بالدين وسيكون مفيدا للكنيسة نفسها. الذين يقولون هذا الكلام يبغون تنازلات أخرى تصل إلى حد الاعتراف في الأوراق الرسمية بالمرتدين عن الإسلام".

وأضاف "كيف يقال إن الشخص المسيحي لن يرحب بالزواج من عائدة إلى المسيحية، مع أنه سيحدث العكس وستجد هذه الفتاة ترحيبا بعودتها؟".
 وبخصوص تطور قضية المتنصر محمد حجازي قال المحامي نبيه الوحش: قمت قبل أيام برفع بلاغ إلى المستشار النائب العام، ضد الكنيسة المصرية بإلزامها بتسليمه لوالده أو لمنطقة التجنيد التابع لها باعتباره متهربا من التجنيد الإلزامي.

وقال "استندنا في هذا البلاغ على قرار صدر قبل سنوات بتسليم وفاء قسطنطين إلى الكنيسة، بعد أن كانت قد أشهرت إسلامها"، مشيرا إلى أن محمد حجازي يقيم حاليا داخل الكاتدرائية، وبالتالي لا يستطيع الأمن ضبطه وإحضاره بتهمة التهرب من أداء الخدمة العسكرية". وأضاف "قلت في البلاغ إن الكنيسة إذا لم تقم بتسليمه فستعتبر متسترة عليه".
ويقول الباحث د. كمال حبيب المتخصص في القضايا السياسية والدينية: إن الحكم القضائي -المثير للجدل- أكد أهمية الإشارة إلى أنهم "مسيحيون اعتنقوا الإسلام لبعض الوقت" للحفاظ على الأوضاع القانونية والحياتية الناتجة عن ذلك، فيما إذا كان تزوج من مسلمة أو أنجب منها".

ويرى حبيب في حديثه أن "الحكم سلبي، فالمشكلة الآن ليست خاصة بالأحكام الفقهية، وإنما بأحكام متعلقة بالعيش المشترك داخل وطن واحد، سواء ذلك الحكم الخاص بالمسيحيين أو السابق له الخاص بالبهائيين، فهما يشكلان نوعا من تهديد السلم الاجتماعي، والتخلص من أية نزعة تحمل طابعا إسلاميا".

وأضاف: الحاصل هو تقدم نحو العلمانية وجعل مفهوم "المواطنة" هو الإطار المرجعي البديل، وهذا جزء من استجابة لحالة حقوقية في الغرب؛ حيث إن التيار الغربي يتكلم عن الحرية كمسألة مشتركة، لكن هذا يشيع أجواء من تهديد السلم الأهلي، حيث ستشعر الأغلبية بتهديد هويتها وثقافتها".

وأوضح حبيب أنه "يجب النظر إلى الموضوع في سياق العيش المشترك، واتجاه قطاع من الجماعة الوطنية المصرية إلى مطالب ذات طابع طائفي مستعينين في ذلك بسياق الجو العام".

ويشير إلى أنه من الوارد أن يشجع هذا الحكم الذين يعتنقون الإسلام لفترة مؤقتة لحل بعض مشاكلهم، "إذا كنا نقول إن الإسلام لا يكره أحدا عليه، لكن إذا دخل بمحض إرادته فعليه الالتزام بقواعده وقانونه، ومن ثم فإن الخروج منه والتلاعب به هو زندقة، ومعناها فعل حركي يهدد السلم الأهلي والأمن الاجتماعي للناس على مستوى الثقافة والهوية".

أما المهندس عدلي أبادير كبير أقباط المهجر ورئيس منظمة "أقباط متحدون" في سويسرا فيتفق مع نجيب جبرائيل في أن الحكم ليس جيدا للمسيحيين. ووصفه بأنه ملغوم "يحمل في مضمونه نوعا من التعصب الطائفي بالنص على أنه اعتنق الإسلام لفترة، وأي شخص سيطلع على بطاقة رقم قومي تحمل هذا التوصيف سيعتبر مرتدا".

وأضاف "لم يشر الحكم إلى المادة 46 من الدستور التي تنص على حرية العقيدة. ما المشكلة أن يذهب 10 آلاف مسيحي سنويا للإسلام لأسباب شخصية ثم يخرجون منه، ماذا يؤثر في مليار ونصف مليار مسلم أن يدخل إليه هذا الرقم أو يخرج منه. لن يرفع هذا من شأن الإسلام ولن ينزل من المسيحية".

ويراه مدحت قلادة المتحدث الإعلامي باسم منظمة "أقباط متحدون" في سويسرا من وجهة نظره الشخصية حكما ناقصا. ويضيف: حرية العقيدة لا حدود لها ولا يجب أن تتجزأ. الأثر الإيجابي الوحيد للحكم أن الأقباط العائدين لمسيحيتهم كسبوا جولة التمسك بهويتهم الدينية".

فراج اسماعيل 

المصدر: العربية نت
 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...