«أسبيريتك» تدخل تلافيف الدماغ لتجعل مرضه مختبراً للكومبيوتر

05-10-2011

«أسبيريتك» تدخل تلافيف الدماغ لتجعل مرضه مختبراً للكومبيوتر

يشكّل الأشخاص الذين يعملون على اختبار البرامج في منظمة «أسبيريتك» Aspiritech مجموعة غرائبية من الشخصيات ذات السمات النافرة تماماً، إذ تتكلّم كيتي ليفين من دون توقّف، فيما يكره براين توزو أن يؤدي دور القائد، وتفزع جايمي سبيكت من الأضواء الساطعة وصوت المكنسة الكهربائية وملمس السجاد أيضاً! يرسم رايدر هالنشتاين رسوماً متحركة عن السيارات الرياضية. ويبدي ريك آلكسندر ضيقه من الجلوس إلى جانب شخص آخر. يبدو وجود هذه الأيدي العاملة غرائبياً، في شركة أميركية مهمّتها البحث عن الأخطاء في برامج الكومبيوتر. والحق أن ما يربط هذه المجموعة من الشباب هو معاناتها أشكالاً مختلفة من مرض نفسي- عقلي هو «التوحّد» Autism.

اضطراب النفس منجماً لـ... الذكاء
يبدو أنّ الميزات التي يجب أن يتحلّى بها الأشخاص الذين يختبرون برامج الكومبيوتر تتمثّل في القدرة على الاستمرار في التركيز عبر عمليات فيها الكثير من التكرار، إضافة إلى تذكّر تفاصيل متكرّرة، موجودة لدى من يعانون أشكالاً معينة من مرض التوحدّ. فمثلاً، يملك من يعاني من «متلازمة أسبرغر» Asperger Syndrome مستويات ذكاء تتراوح بين عادية ومرتفعة، وغالباً ما يجيدون التعامل مع الأرقام، ما يجعل بعضهم متفوّقاً في مجال الكومبيوتر. والمعلوم أن «أسبرغر» نوع من التوحّد، نال اهتماماً إعلامياً بارزاً منذ أن جسّدت ملامحه فيلم «رجل المطر» Rain Man (إخراج باري ليفنسون، بطولة داستن هوفمان وطوم كروز- 1988). تستفيد «أسبيريتك» من هذه الكفايات، وتغضّ الطرف عن أنماط السلوك الذي عادة ما يجعل من مُصابي «أسبرغر» عاطلين من العمل، خصوصاً الخواف الاجتماعي وضعف الاتصال البصري وسرعة التأثّر بالمؤثرات الحسيّة وغيرها. كما يتلاعب اسم الشركة بكلمات مثل «أسبرغر» و»سبيريت» (الروح) و»تكنولوجيا». وقد عبّرت 9 شركات كبرى في صناعة الكومبيوتر عن رضاها عن عمل «أسبيريتك».

وأشار دان تيديسكو من شركة «أدابتيف هاندهولد» Adaptive Handhold إلى أن الشركة استعانت بـ «أسبيريتك» لاختبار برامج رقمية متّصلة بهاتف «آي فون». وقال: «لقد تخطّوا توقعاتي. لمستُ لديهم شعوراً بالاعتزاز بما يفعلونه، نادراً ما تجده لدى أشخاص آخرين يمارسون هذا العمل».

ظهرت «أسبيريتك» على يد موشيه وبرندا ويتزبرغ، بعد طرد ابنهم أوران (32 سنة حاضراً) من وظيفته كعامل في محلٍ للبقالة. إذ عانى أوران من «متلازمة أسبرغر» منذ كان في الرابعة عشرة من عمره. ويعمل الآن في «أسبيريتك». ووصفته برندا بأنه أحد أفضل الأشخاص في اختبار برامج الكومبيوتر.

ولفتت جهود عائلة ويتزبرغ، شركة دنماركية ناجحة تدعى «سبيشاليسترن» (أي الاختصاصيين)، لديها خبرة في توظيف أشخاص يعانون أشكالاً من التوحّد، في عملية اختبار البرامج. وتعتبر شركتا «أوراكل»، عملاق صناعة قواعد البيانات الرقمية، و»مايكروسوفت» العملاقة أيضاً، من أبرز عملاء «سبيشاليسترن».

وعلى النحو عينه، تسير شركات لاختبار برامج الكومبيوتر في بلجيكا واليابان وإسرائيل.

وتتوقع «أسبيريتك» أن تحصد 120 ألف دولار في العام الجاري، تأتي 60 في المئة منها من الهبات و40 في المئة من العمل مع شركات الكومبيوتر. وتأمل عائلة ويتزبرغ بأن ترتفع نسبة مردود العملاء إلى 50 في المئة في السنة المقبلة.

وأعلن سكوت ستانديفر الذي يعمل في «مكتب الدراسات وسياسة الإعاقة» في جامعة ميسوري الأميركية، أثناء مؤتمر وطني عمن يعانون التوحدّ والبطالة، عن ظهور محاولات أميركية للتعامل مع هذه المشكلة، على غرار «أسبيريتك». وأشار أيضاً إلى إنّ نسبة البطالة في صفوف من يعانون من التوحد غير معروفة، لكن يتوقّع أن تكون مرتفعة.

وأضاف ستانديفر: «لا نعرف عدد المُصابين بالتوحد ولا نسبة البطالة في صفوفهم. نعلم أنهم يجدون صعوبة في إيجاد وظائف».

وأشار إلى مسح أجرته وزارة التربية في الولايات المتحدة، يبيّن أنّ نسبة توظيف الشباب المُصابين بالتوحّد تساوي نظيرتها عند الشباب الصمّ المكفوفين، لكنها أقل من نسبة توظيف الأشخاص المكفوفين أو الذين يعانون من صعوبات في التعلم، أو من إصابات رضّية الدماغ.

وبما أنّ «متلازمة أسبرغر» لم تصبح جزءاً من الفحوصات الطبية الروتينية إلا في بداية تسعينات القرن الماضي، فإن عدداً كبيراً ممن يعملون في «أسبيريتك»، كانوا بالغين حين علموا بإصابتهم بأحد أطياف التوحّد.

جرى تشخيص إصابة كيتي ليفين (35 سنة) بـ «متلازمة أسبرغر» حين كانت في العشرين. وحين كانت طفلة، قال الأطباء إنها تعاني مرضاً عقلياً.

وقالت ليفين: «ليست «متلازمة أسبرغر» مرضاً عقلياً قوياً. إذ أشعر بأنني قريبة من الأشخاص المصابين بها أكثر من غيرهم ممن يعانون مرضاً عقلياً». وتعمل على اختبار برامج إلكترونية تدير صفحات «أسبيريتك» على موقعي الـ «فايسبوك» و«تويتر».

نال ريك آلكسندر (24 سنة) شهادة في علوم الحاسوب من معهد ألينوي للتكنولوجيا. وأنهى تدريباً في تطوير برامج الكومبيوتر لمدينة شيكاغو. وشُخّصت إصابته بـ «متلازمة أسبرغر» حين كان في سن المراهقة. قال: «أنا أشعر بقلق اجتماعي. لا أحب لقاء بعض الناس».

يلجأ عدد كبير من الشركات إلى شركات «أوفشورز» بهدف اختبار برامج الكومبيوتر. وقبل مدّة، اختار مايك مستمايكر، وهو اختصاصي في الهندسة من شركة «شومبرغ» التي تُعنى ببرامج الكومبيوتر المتّصلة بالأعمال الإدارية، العمل مع «أسبيريتك» بسبب أسعارها التنافسية.

ويشير ميستمايكر إلى أن تقنيي «أسبيريتك» غاصوا بسرعة في البرامج، وتنبّهوا إلى أدق التفاصيل. وأنجزوا العمل بشكل مرضٍ تماماً.

ويتقاضي الموظفون في «أسبيريتك» أجراً يتراوح بين 12 و15 دولاراً في الساعة. ويعملون في جوّ مريح، إذ لا يؤنّبهم المدير إن وصلوا متأخرين. إضافة إلى ذلك، يبدو أنّ «أسبيريتك» تساعد موظفيها في تنمية كفاياتهم اجتماعياً. إذ تُدرّبهم على التعاون مع بعضهم البعض، والمشاركة في رحلات خلوية، ولعب الـ «ميني غـولـف» والـ «بولينغ»، إضافة إلى ارتياد المطاعم.

ويلخّص مارك لازار، وهو اختصاصي في متلازمة التوحّد يعمل في «أسبيريتك» الوضع بالقول: «نرغب في تحسين الكفايات الاجتماعية لدى هؤلاء الأشـخاص، على رغم ميلهم للعزلة اجتماعياً. فبالنسبة إلى كثير منهم، لن يكون اختبار برامج الكومبيـوتـر مـهنة يزاولونها مدى الحياة، بل أنّهم يحـسّـنون كـفـايـاتهم مهنياً، كما يتـعلمون السلـوك المطلوب منهم في مكان العمل».

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...