استراتيجية أمريكية لحماية الأمن الإلكتروني والإنترنت تصد الهجمات «تلقائياً»

18-01-2011

استراتيجية أمريكية لحماية الأمن الإلكتروني والإنترنت تصد الهجمات «تلقائياً»

في خطوة جديدة لدعم «الأمن الإلكتروني» في الولايات المتحدة، كشفت وزارة الدفاع الأميركية أخيراً أنها حصّنت قرابة 15 ألف شبكة إلكترونية عسكرية مخصّصة حصراً للجيش الأميركي. وفي عملية استغرقت شهوراً عدة، أنجزت الوزارة أيضاً الإجراءات الضرورية لحماية المواقع الإلكترونية التي قد تعرض الأمن الأميركي للخطر، «وبذا أصبحت المواقع الإلكترونية العسكرية الأميركية تعمل بكل طاقتها، من دون خوف من اختراقها». ويأتي هذا الإعلان متزامناً مع الإعلان عن جاهزية وحدة عسكرية جديدة مختصّة في حماية «الفضاء الإلكتروني»، ما يعني خصوصاً قدرتها على التعامل مع الإنترنت. وهكذا، أصبحت «قيادة الفضاء الإلكتروني» Cyber Space Command جاهزة للعمل بصورة كليّة.

وأوضح الجنرال كيث ألكسندر، وهو رئيس «قيادة الفضاء الإلكتروني» ويقود «وكالة الأمن الوطني» أيضاً، أن قيادة الفضاء الإلكتروني في الولايات المتحدة تعمل أيضاً على حماية شبكات وزارة الدفاع، «كما تتعاون عن كثب مع شركائها لمساعدتهم في تحقيق مهماتهم الأساسية». وفي سياق متصل، أعلن البنتاغون أخيراً أن الوحدة الجديدة وصلت إلى «القدرة العملية الكاملة» لحماية الفضاء الإلكتروني، معتبراً أن «تطوير فريق العمل في الوحدة، توفير الدعم لقادة المعارك الرقمية، وبذل الجهود لتحسين كفاءة الأداء، هي عناصر تضمن تقوية هذه الوحدة الجديدة».

وفي السنة الفائتة، أمر وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس بإنشاء وحدة جديدة لمواجهة التهديدات المتزايدة للهجمات الإلكترونية. في المقابل، أوضح الكولونيل ريفرز جونسون الناطق باسم «قيادة أمن الشبكات والمعلومات»، أن نائب وزير الدفاع هو قائد الوحدة الجديدة التي تتخذ من «فورت ميد» بولاية ميريلاند مقراً لها، وجاهزيتها تامة، وهي تعمل وفق مذكرة صدرت في 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2010.

وشدّد جونسون على أن الولايات المتحدة تعتبر الأمن الإلكتروني عاملاً أساسياً في ضمان أمنها القومي استراتيجياً. وكشف أن أكثر من 100 منظمة استخبارات أجنبية تحاول اختراق شبكات الولايات المتحدة، موضحاً أن بعض تلك المنظّمات لديه القدرة فعلاً على تعطيل البنى المعلوماتية للشبكات الرقمية الأميركية. ولفت جونسون إلى أن تحصين الشبكات الإلكترونية لوزارة الدفاع والوحدات التابعة لها داخل الولايات المتحدة وخارجها، يهدف إلى إفشال هذه المحاولات.

وفي سياق متّصل، وقّع وزير الدفاع الأميركي مذكرة تفاهم مع وزيرة الأمن القومي جانيت نابوليتانو لتوثيق التعاون بين الوزارتين في جهودهما لحماية الفضاء الإلكتروني الأميركي. وفي الإطار عينه، تعمل وزارة الدفاع على زيادة تعاونها مع شركات خاصة في مجال الأمن من أجل تطوير أنظمة وقاية جديدة للشبكات الإلكترونية.

ونظراً لأهمية هذا الموضوع، بدأت الولايات المتحدة بدراسة الآثار المتوقعة التوسع الـهائل لـشـبكة الإنترنت عالمياً. وبعد دراسـة مـسـتـفيضة، نبّهت لجنة مختصّة في وزارة الـدفـاع إلى صـعوبة ضبط الأعمال على الإنترنت في الأمور العسكرية (بل والشؤون غير العسكرية أيضاً)، مشدّدة على أن شبكة الإنترنت «تعني للبنتاغون أكثر من ساعي بريد إلكتروني، لأنها تـسـتعمل كمـساحة لنـشـر الخطط العسكرية بين مختلف قطاعات الجيوش، كما تمكن القيادات من إيصال أوامرها خلال فترة وجيزة إلى النقاط المطلوبة، إضافة إلى اسـتعمالها في إرسال الخرائط والرسوم التفصيلية». ويضاف إلى ذلك استعمال الإنترنت، بالأحرى خطوط معيّنة فيها، في إرسال معلومات عن الأهداف إلى الطائرات القاذفة والمقاتلة في الجيش الأميركي.

وتستخدم الإنترنت أيضاً في إيصال الصور المأخوذة خلال العمليات القتالية، أو كنتيجة لأعمال التجسّس، كي يجرى تحليلها في مراكز مختصّة. وتزداد الصورة تعقيداً إذا عرفنا أن بعض أوامر التحكّم في مراكز حسّاسة، مثل محطات توليد الكهرباء وتحلية المياه وحتى المفاعلات النووية، تمر عبر شبكة الإنترنت. وتفسّر هذه المناحي المتشابكة سبب اهتمام الولايات المتحدة البالغ بحامية الشبكة من عمليات القرصنة.

إن حماية الإنترنت لا تعني أن الخبراء في مختلف الدول لا يسعون إلى إيجاد حلٍ لمسألة شائكة، تتمثّل في إمكان توقّف الإنترنت عن العمل في حال اندلاع نزاعات قوية، حتى لو لم تكن شاملة. ومن البديهي القول ان الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا نظّمت شبكاتها العسكرية للاتصالات في شكل يسمح بفصلها، لتُشكّل ما يسمى تقنياً بـ «سبلايس - كول سيستم» Splice - Call System، وهو نظام للاتصال يرتكز على النُظُم المفتوحة المصدر ويسمح بتمرير البيانات عبر مسارب خاصة، من دون صنع نُسخٍ عنها. وبقول آخر، يؤدي هذا النظام دور الإنترنت، لكنه يعمل وفق حلقات مغلقة، كما يشبه الشبكات التي تستعملها المصارف الكبرى في مراسـلاتـها، والتي لا تسمح بدخول أي زائر من خارجها. وفي المقابل، من المستطاع وصل نظام «سبلايس - كول سيستم» مع شبكة الإنترنت، عبر وصلات مختّصة، ما يزيد في سهولة الاتصالات عبر الإنترنت، مع الاحتفاظ بإمكان فصله عن هذه الشبكة، فيستمر في تأمين المستوى نفسه من الاتصالات، على رغم عمله بصورة مستقلّة.

ويأخذ الخبراء الأميركيون بفكرة مفادها أن أنظمة الكومبيوتر في القيادة الإلكترونية والاتصالات والتحكم والمعلومات والمراقبة والاستطلاع، هي أداة أساسية تسمح للقوات المسلحة بإدارة عملياتها على نحو فعّال مع الاستفادة الكاملة من ثورة تكنولوجيا المعلومات. وتعمل وزارة الدفاع الأميركية على تطوير طُرُق لمعالجة المعلومات واستثمارها. وتقضي إحدى تلك الطُرُق بإرسال البيانات على نحو فوري إلى الجهات المعنية، بواسطة شبكة الاتصالات العسكرية، على أن يتمكن من يتلقى المعلومات من طلب توضيحات أو المزيد من المعلومات بواسطة الشبكة، ومن دون الرجوع إلى طريقة التسلسل العسكري التقليدي.

وأدى هذا التوجّه الاستراتيجي إلى اشتعال المنافسة بين شركات كبرى في المعلوماتية والاتصالات، للفوز بعقود لتنفيذ هذا المشروع في تراسل البيانات.

واحتلت شركة «نورثروب غرومان» Northrop Grumman موقعاً ريادياً في هذا المجال، خصوصاً في ما يتصل بتوجيه المعلومات من مراكز القيادة الرئيسة للقوات الأميركية إلى القيادات التكتيكية المنتشرة عالمياً.

المعلوم أن «نورثروب غرومان» أنشأت «مركز الحرب المعلوماتية» Cyber Warfare Information Center، («سي دبليو آي سي» CWIC)، بهدف دراسة أساليب الحرب المعلوماتية بصورة واقعية. ويؤدي هذا المركز دوراً أساسيّاً في استراتيجية الشركة في هذا المجال. ومن البديهي القول ان تحقيق هذا المفهوم الاستراتيجي الجديد عن الإنترنت، يتطلّب تحسين البنى التحتية لشبكات المعلومات والاتصالات المستعملة لدى القوات المسلحة الأميركية، خصوصاً في ما يتعلق ببرامج البحث عن البيانات، أو برامج تجميع المعلومات، إضافة إلى توسيع نطاق خطوط الاتصالات. والمعلوم أن الولايات المتحدة وضعت خطة لإطلاق شبكة من الأقمار الاصطناعية، كي تنشئ ما يعرف باسم «نظام الاتصالات التحولية» Transformational Communications Systems.

وتعمل وزارة الدفاع الأميركية حاضراً على بلورة استراتيجية أكثر شمولاً عن الأمن الإلكتروني. واقترب البنتاغون من وضع اللمسات الأخيرة على استراتيجية تعتمد على مـفهوم «الدفاع التلقائي لمحاربة الاختراقات في شكل فوري». كما أحدث البنتاغون تغييراً أساسياً في طريقة مواجهة الاختراقات الخارجية لمنع أي هـجـوم يـعـطـل الأنظمة المؤتمتة الأميركية.

ويذكر أن الفضاء الإلكتروني بُحِث تفصيلياً في حلف الشمال الأطلسي (ناتو) خلال العام الفائت، أثناء وضع وثيقة «المفهوم الاستراتيجي الجديد» للحلف في السنوات العشر المقبلة. وشملت هذه الاستراتيجية، التي أثارت احتجاجات قوية من روسيا، وضع خطط ملموسة لزيادة التعاون بين دول الحلف لضمان أمن معلوماتها وأجهزتها الإلكترونية ونُظُم اتّصالاتها.

كمال مساعد

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...