إدارة التوحش (إدحش) : الأمم التي لا تتقدم ستنحط

03-12-2022

إدارة التوحش (إدحش) : الأمم التي لا تتقدم ستنحط

د.نزار العاني:

كتاب "إدارة التوحش" (إدحش ! / صارت موضَة بعد ابتكار داعش !!) لأبي بكر الناجي ، يشكل مشروعاً جديداً وثورياً (!) للنهوض الإسلامي الذي راوَح في مكانه منذ بزوغ نجم المرحوم حسن البنا ، ويشكل خارطة طريق لتجاوز كل المشاريع الوضعيّة المعاصرة الفاشلة التي جعلت منا مطيّة للآخرين ( قومية على شيوعية على ليبرالية على ....) ، وهذا المشروع كما سأشرح بعد قليل ، لا يحتاج برأي أسياده إلا إلى موطئ قدم جغرافي في مكان ما ، ثم حشد القوى العسكرية المسلحة لغزو الجوار وبناء دولة الخلافة التي ستعيد السيرة الأولى التي حققها محمد (ص) وصحابته .


أي إسلام يريد أصحاب المشروع الديني ؟


معرفياً وليس سياسياً ، كان التحرك المدني الإسلامي وتجلياته على مدى حوالي ثمانين عاماً في منطقتنا العربية يخضع لقوى صاحبة قرار مالي أو حكومي أو عائلي إلخ .. صار الإسلام إسلامات ، وطغى المظهر على الجوهر . ولم يستطع العمل الدَعَوي الإسلامي أكثر من حشد جيوش من المؤمنين المطيعين ، والآلاف من الذين يحفظون القرآن والحديث ، وكوادر من ممتهني قراءة الموالد والإشراف على سرادقات العزاء ، وشرائح من مرتادي المساجد وحفاري القبور بعد إقامة طقوس الغسل والتكفين ، وبهذه "العَرَاضة" الإسلامية ، وليس بغيرها من أدوات النهوض العصرية والتحديث ، وصلت "العَرَاضة" الدينية إلى مواقع متقدمة في سلالم الحكم في أكثر من دولة ( اعتماد السادات على تيارات إسلامية ووصول محمد مرسي إلى الموقع الأول ، ودور حسن الترابي في السودان ، وجبهة الإنقاذ في الجزائر..) وكانت النتائج مخيبة للآمال

من قلب هذا الفشل والشعور بالإحباط والمرارة ، ولدت في سبعينيات القرن الماضي حركات إسلامية ( دَرَج كتاب اليسار على تسميتها إسلاموية أو متأسلمة للدلالة على زيفها )  شبابية وراديكالية تؤمن بالقوة ، ولا شيئ غير القوة ، لتحقيق الآمال الكبيرة لإصلاح أحوال الأمة .

وبمرور الوقت ، تبلورت هذه الرؤى في تنظيمات مترابطة وفاعلة تحت شعار عريض هو ( السلفية الجهادية ) ، والمراد منها فرض القطيعة مع البشرية جمعاء ، وقطيعة مع ما أنتجته من فكر وتاريخ وحضارة وعلم ، وإعادة بناء البشر على قاعدة من الطهرانية الدينية الخالية من رجس المادية ولوثة الكفر الصريح بالملبس والمسكن والبيت والمدرسة .

الخطوط العامة للكتاب

المبدأ العام الذي ترتكز إليه عقيدة السلفيين الجهاديين هو تكفير الجميع ، فلا شيء في هذا العصر برأيهم يتماشى مع الإسلام الحَق . والمنابر الإعلامية لاتخطئ حين تطلق على هؤلاء وصف التكفيريين ، فهم كما في شريعة موسى ، يعتبرون كل المدن على ضلال ، ومدينة خلافتهم المشتهاة وحدها على جادة الصواب ( فلا تُبقوا أحداً منها حَيّاً بل تُحَلِّلون إبادتهم ، وهُمُ الحِثيّون والأموريون والكنعانيون والفِرزيُّون والحوِّيّون واليبوسيّون..) التثنية الأصحاح 20/16،17. 

الجميع في عين السلفية الجهادية في فسطاط الكفر : الأغيار( من عندي : وهو مصطلح توراتي يهودي صهيوني مقابل أهل التوحيد الذين هم السلفيون الجهاديون)، أمريكا ، روسيا ، النصارى ، الصليبيون ، الشيوخ المسلمون التقليديون ، الشيعة ، النصيريون ، الصفويون ، الوثنيون ، الشعوب المنحلة أخلاقياً ، المرتدون ( الذين يحكمون بالقوانين الوضعية وفقاً للكتاب )  ، الحكام العملاء ،  وأيضاً يكفرون فكر الأخوان المسلمين لأنه فكر بُدَعِي ، ولا يجوز الإبقاء على هؤلاء ، بل يجب كسر شوكتهم بوساطة الشوكة الكبرى (الدم الدم والهدم الهدم) "إدحش"النسخة الإلكترونية ص 34.

وكل ذهنية وأفكار وفلسفات هذه المناطق والزمر والتيارات والجبهات والشرائح مُدانة ، وعلى المشروع السلفي الطامح إلى ( تغيير واقع الأمة ) أن  يتجاوزها ويتخطاها جميعاً : إن (الكتب السياسية والأمنية والعسكرية التي وضعتها الحركات البدعيّة ـ كالأخوان ـ هي أكثر خطورة من كتب الأغيار ) "إدحش " ص98 . 


ماهي الخطة العسكرية الضاربة لإقامة دولة الخلافة ؟؟ 


يحتاج الأمر أولاً إلى أرض جغرافية تكون قاعدة عسكرية لانطلاق  الجهاد ( من عندي : حصل هذا في الرقة والموصل وسيناء) ، وللجهاد تعريف واحد ووحيد عند السلفيين الجهاديين يعتمد على القسوة ، ويصفه الكتاب بخمس صفات محددة  قائلا : ( الجهاد ما هو إلّا شدّة وغلظة وإرهاب وتشريد وإثخان ) "إدحش " ص31 . والذي يسترجع مشاهد الفيديو التي ينشرها الجهاز الإعلامي لتنظيم "داعش" لا بد له أن يلاحظ بشكل أو بآخر توافر هذه السمات الخمس في ساحة الصراع : (من عندي : لاتردد في عمليات القتل ـ لارحمة في تنفيذ الأحكام ـ إدخال الرهبة في القلوب باستخدام القوة المفرطة ـ تهجير الناس وترحيلهم وتركهم في العراء ـ كثرة القتل وهو المعنى اللغوي لأثخن ) .

وفي كتاب (إدارة التوحش) ما يشبه التكتيك الأولي والإستراتيجية العسكرية المتكاملة والشاملة الهادفة إلى هزيمة العدو ، والعدو هو كل من يرفض مشروعهم . ومن الواضح والجلي أن الكاتب هنا ضابط وعسكري عالي الخبرة ممن يتخرجون من كليات الأركان ، ومن القادرين على وضع قواعد لهذه الإستراتيجية والسهر على تنفيذها :

ـ أقرب وسيلة لهزيمة العدو الأقوى عسكرياً هي استنزافه عسكرياً واقتصادياً . ص30 .

ـ الجيوش النظامية إذا تمركزت فقدت السيطرة ، وعلى العكس إذا انتشرت فقدت الفعالية . ص28 .
ـ إنشاء جهاز الإستخبارات . ص12 .

ـ الترقي حتى تتحقق إمكانية التوسع والقدرة على الإغارة على الأعداء لردعهم وغنم أموالهم وإبقائهم في توجس دائم وحاجة للموادعة .ص12 .

ـ اضرب بقوتك الضاربة وأقصى قوة لديك في أكثر نقاط العدو ضعفاً .ص 29     (من عندي : حدث هذا في معلولا) .

ـ ينبغي علينا ضرب جميع أنواع الأهداف الجائز ضربها شرعاً إلّا أننا يجب أن نركز على الأهداف الإقتصادية وخاصة البترول . ص19 .

ـ المناطق الشعبية المزدحمة الخالية من القوات العسكرية .. أهداف سهلة المهاجمة والحصول على مافي أيديها من سلاح بكميات جيدة . ص20 .

والكثير من هذه القواعد آنفة الذكر، ويا للغرابة ،  يتم إسقاطها على أحداث ووقائع ومعارك خاضها الرسول العربي بالتكتيك نفسه ، وماهجرته إلى المدينة والغزوات المبكرة تمهيداً لفتح مكة سوى المثال الصارخ على ذلك . 

وفي فلسفة الحكم والإدارة والمستقبل يقول كتاب "إدارة التوحش" الكثير . فمن الواضح عند أرباب الكتاب (أن أفحش درجات التوحش هي أخف من الإستقرار تحت نظام الكفر بدرجات) ص4 .

وطموح أرباب التوحش لن يقبل بأقل من إسقاط القطبين الكبيرين ، أمريكا وروسيا ، واستدراج الأولى الغارقة بالترف والملذات والأنانية إلى مواجهة مباشرة ، وعدم السماح لها بخوض حروبها عبر وكلائها . وليس من الصعب كسر شوكة الجميع إذا نجح المتوحشون في (إنشاء مجتمع مقاتل ) ص11، وذلك باستجلاب مد بشري ينبهر بأداء القوة العسكرية الصاعدة لمقاتلي السلفية الجهادية ، وبوساطة ( تأليف أهل الدنيا بشيء من المال ) ص18، ومن خلال (إحسان إدارة المناطق التي تحت سيطرتنا) ص47 ، والأهم من كل ذلك تحقيق "الإستقطاب" وهذا يعني (جر الشعوب إلى المعركة ..شاءت أم أبت) ص46 ، كي تبدأ مسيرة الحرية ودفن تراث الطواغيت .

في الكتاب نقرأ ونتلمس شكل الدولة المسلمة القادمة على الطريق بقوة السلاح ، وتصل التفصيلات إلى شكل الإعلام ، التربية ، توزيع الثروة ، الصدقات ، الغنائم ، التسلح ، القضاء ، دور المساجد والشرع . وإذا تحقق قيام الدولة ، والسلفيون على يقين بأن الله معهم في تحقيق ذلك ، وستتجسد خطوتهم النهائية والكبيرة حين        ( تتوجه الجموع بعون الله لتحرير القدس وماحولها ، وتحرير بُخارى وسمرقند والأندلس وجميع أراضي المسلمين ، ثم ننطلق لتحرير الأرض والبشرية من هيمنة الكفر والظلم) ص62.

يرى الكتاب أن قوتهم ، أي السلفية الجهادية ، تكمن في استجابة السماء لدعواتهم ، وقد جربوا ذلك مراراً ، فحين طغى الكفار الروس (رفعوا أكف الدعاء على الروس ، وبعد برهة قصيرة محق الله منهم الخلق الكثير في كارثة تشرنوبل) ص93 .

والمضحك أنهم سمّوها بالحرف "كارثة تشرنوبل" على رغم أنها مَحَقت أعداءهم ، ولم يسمّوها "نعمة تشرنوبل" !! والكتاب أيضاً ، يبشرنا أن الأسلوب الإسلامي المعتاد لمعالجة الإنحرافات ومداواة الضلال باللين والحكمة والموعظة الحسنة قد انتهى أمره إلى غير ما رجعة ، وأن التوحش قد جاء أوانه ، لأن (الدعوات لا تنتصر بهذه الكياسة والسياسة ، إنها تنكس وتتحطم إذا لم تجد من يغذيها بالدماء ويبنيها بالجماجم والأشلاء) ص77 .
أَبَعد كل هذه الصراحة والوضوح ، هل نجازف ونرهن مستقبل هذه الأمة ونضعه بيد هؤلاء الذين يزعمون أنهم الوكلاء الحصريون لرب العالمين على هذه الأرض ، وأنهم ملاذنا من كوارث كفار تشرنوبل ، ووباء فيروس إيبولا لأن دعواتهم مُسْتَجابة !! فقط أسأل : طالما أن الله استجاب لهم فوراً ومَحَق الكفار الروس في تشرنوبل ، لماذا لم يجنبونا ويجنبوا أنفسهم  كل هذه الويلات والمواجع في سورية لأربع سنوات برفع دعوة واحدة جامعة مانعة لمحق النظام بلحظة خاطفة ؟؟؟  عقلي لم يعد صالحاً لفهم الظاهرة الدينية كيف تعمل وتفكر . 


الكويت 2014

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...