الجولاني يفرض نفسه في مناطق الاحتلال التركي شمال سوريا

22-06-2022

الجولاني يفرض نفسه في مناطق الاحتلال التركي شمال سوريا

قد يكون الهدوء عاد إلى منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون شمال وشمال شرقي حلب اللتين تخضعان لاحتلال القوات التركية بمشاركة فصائل "الجيش الوطني" السوري المموّل من تركيا، غير أن مشهد التحالفات وخريطة السيطرة في هاتين المنطقتين تغيرا بشكل جذري بعد جولة الاقتتال الأخيرة، لا سيما بعد ما استطاع أبو محمد الجولاني أن يفرض نفسه لاعباً رئيسياً ورقماً صعباً على الرغم من أنه لا يملك فيهما بشكل مباشر أي قوات أو معسكرات، مكتفياً بما نسجه من تحالفات خفية مع بعض الفصائل، ومستفيداً من صراع الفصائل في ما بينها. وتقف القوات التركية شبه عاجزة عن إدارة ملف الصراع الفصائلي الذي انفجر بالتزامن مع تهديد أنقرة بشن حملة عسكرية جديدة في منطقة قريبة جداً من مناطق اندلاع الاقتتال بين  فصيلي "أحرار الشام" و"الجبهة الشامية" خلال اليومين الماضيين.
واتساقاً مع توقعات سابقة، لم يكد الفيلق الثالث يطلق طلقته الأولى لإجبار حركة "أحرار الشام- القطاع الشرقي" التي تعمل ضمن "الجيش الوطني" السوري تحت اسم الفرقة 32، على تنفيذ القرار الذي صدر عن لجنة الإصلاح لحل الخلاف بين الطرفين إثر محاولة "القطاع الشرقي" الانشقاق عن الفيلق الثالث والعودة إلى أحضان حركته الأم (أحرار الشام)، حتى تفاعلت "هيئة تحرير الشام" بقوة مع هذا التطور الذي كانت تترقبه منذ فترة بحكم معرفتها بطبيعة الخلاف بين الطرفين والمسارات التي يمكن أن يسلكها، لا سيما أنها اصبحت تملك تأثيراً كبيراً في قيادة "القطاع الشرقي" بشكل خاص وقيادة "أحرار الشام" بشكل عام. وبعدما كادت قوات الفيلق الثالث خلال الساعات الأولى من الاقتتال تسيطر على جميع مقار "القطاع الشرقي" ومعسكراته في مدينة الباب ومحيطها، أدى تدخل أرتال "هيئة تحرير الشام" إلى قلب الموازين، وخصوصاً بعدما سيطرت هذه الأرتال على معبر الغزاوية الذي يصل بين إدلب، الخاضعة لهيمنة "تحرير الشام"، وعفرين الخاضعة لسيطرة "الجيش الوطني" السوري بمختلف فصائله.
وقد اضطرت "الجبهة الشامية" تحت وطأة هذه التطورات، وفي ظل عدم قدرتها على صد الهجوم المعاكس الذي قادته "هيئة تحرير الشام"، للتراجع عن الأهداف المعلنة للحملة العسكرية التي شنتها ضد "القطاع الشرقي" وسارعت إلى الجلوس الى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق تهدئة يجنب المنطقة منزلقاً خطيراً في حال تمكن الجولاني من اجتياح مدينة عفرين والسيطرة على بعض أجزائها، لما يشكله ذلك من انقلاب جذري في المشهد، لا سيما أن "هيئة تحرير الشام" مصنفة على قائمة الإرهاب العالمية وبالتالي فإن أي منطقة تسيطر عليها لا بد من أن تتأثر بتداعيات هذا التصنيف وتبعاته.
 وبحسب مصادر عسكرية معارضة، فقد نص الاتفاق الذي توصل إليه الطرفان على انسحاب متبادل من المناطق التي سيطرا عليها في ريف عفرين الجنوبي وريف حلب الشرقي.
 وأوضحت المصادر العسكرية أن قوات "هيئة تحرير الشام" و"حركة أحرار الشام" بدأت عصر يوم الأحد انسحابها من ريف عفرين الجنوبي مقابل انسحاب الفيلق الثالث الذي تقوده "الجبهة الشامية" من مقارّ الفرقة 32 المنشقة عنها التي سيطرت عليها خلال اليومين الماضيين في عولان شمال الباب.
 ورغم أن المصادر تكتمت على تفاصيل الاتفاق الأخرى، غير أن من الواضح أنه يقضي بعودة الحال إلى ما كان عليه قبل اندلاع الاقتتال الأخير، ما يعني بقاء الفرقة 32 في مقارها السابقة من دون إلزامها بالعودة إلى صفوف الفيلق الثالث. وتأتي خطورة هذا الاتفاق في أنه انطوى على اعتراف غير مباشر بتبعية الفرقة 32 (القطاع الشرقي في أحرار الشام) إلى "هيئة تحرير الشام"، وأن الأخيرة اصبحت تملك موطئ قدم حقيقياً في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون وإن كان هذا الوجود تحت راية "أحرار الشام" وباسمها.
 ومما لا شك فيه أن الاتفاق السابق يعتبر بمثابة إنجاز لأبي محمد الجولاني رغم أنه أوقف تقدم قواته في ريف عفرين الجنوبي وأجبره على الانسحاب من المناطق التي تساقطت بين يديه من دون أي مقاومة حقيقية من بعض الفصائل التي وقفت متفرجة على أرتاله وهي تقتحم تلك المناطق للمرة الأولى منذ سيطرة القوات التركية عليها.
 ويتمثل هذا الانجاز في اعتبارات عدة، من أبرزها أن الجولاني أوصل رسالة مفادها أن أنقرة لا تمانع دخوله إلى منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، وبالتالي ليس هناك فيتو إقليمي ضد تغيير خريطة السيطرة في هاتين المنطقتين. والثانية أن الجولاني أظهر مدى الانقسام في صفوف "الجيش الوطني" السوري وبالأخص مع ميل بعض الفصائل إلى غض الطرف عن دخول أرتال "هيئة تحرير الشام" إلى ريف عفرين طالما أن هذا الدخول يأتي في سياق إضعاف الفصيل الذي يسعى إلى الهيمنة عليها ممثلاً بـ"الجبهة الشامية"، وهذا ما يفسر أن مقاتلي "هيئة ثائرون"، على سبيل المثال، ظلوا على الحياد وهم يرون أرتال الجولاني تعبر مناطقهم للقتال ضد مقاتلي "الجبهة الشامية".
 وقد ذهب البعض إلى ترويج أن اتفاق التهدئة جاء نتيجة ضغوط مارستها أنقرة على فصائل "الجيش الوطني" السوري و"هيئة تحرير الشام" من أجل وقف الاقتتال وعدم حدوث تغيير عسكري من شأنه إحراج الجيش التركي الذي يستعد لشن عملية عسكرية جديدة ضد القوات الكردية في منطقة قريبة من المنطقة التي وقعت فيها الاشتباكات. غير أنه لم يصدر عن أنقرة ما يوحي بعدم رضاها عن التطورات الأخيرة أو بقدرتها على منع الجولاني من التمدد في المناطق التي تحتلها. وربما -كما يقول آخرون - فإنه بوسع أنقرة أن تجني بعض المكاسب من اندلاع هذه الاشتباكات وتصاعد تهديد "هيئة تحرير الشام" باختراق منطقتي الدرع والغصن، لأن ذلك يساعدها على ضبط فصائل "الجيش الوطني" وإبقائها منصاعة لإرادتها خشية أن تقرر تركيا رفع الغطاء عنها وتسليمها لقمة سائغة للجولاني الساعي إلى توسيع إمارته بأي ثمن.

 

عبدالله علي: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...