واشنطن ومحاولات إسقاط دمشق.. توثيق واقعي

14-05-2022

واشنطن ومحاولات إسقاط دمشق.. توثيق واقعي

في تراتبية الأحداث السياسية، والتي أعقبت الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة تنظر إلى سوريا كـ ألد أعدائها، ولطالما حاولت واشنطن مراراً وتكراراً إسقاط النظام السياسي في دمشق، لكنها لم تنجح، رغم المحاولات الكثيرة التي بدأتها واشنطن، وتحديداً خلال العقد الأخير.


في آذار / مارس 1971، تولى الرئيس الراحل حافظ الأسد، السلطة في سوريا، وفي ذات العام، وافق الأسد على قيام الاتحاد السوفيتي بإنشاء منشأة بحرية في مدينة طرطوس السورية، ذات الأهمية الإستراتيجية، والتي تقع على البحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي تسبب بـ قلق كبير في واشنطن. وبعد ذلك، في عام 1973، اندلعت الحرب بين سوريا وإسرائيل، وآنذاك، قام الاتحاد السوفيتي، بتقديم الدعم اللا محدود إلى دمشق، الأمر الذي انعكس ايجابياً على مجريات الحرب، والتي انتهت ضمن مدة لا تتجاوز 3 أسابيع، وفي أعقاب هذه الحرب، وربطاً بما حققته دمشق من خلالها، تم الإيعاز الأمريكي للجماعات الإرهابية، على البدء بتأسيس ثورات من شأ،ها زعزعة الاستقرار في سوريا، وفي جانب أخر، محاولات إسقاط النظام الحاكم في دمشق.

وبالفعل، كانت بالبداية عام 1982، حين بدأت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، بإحداث مسار جديد، والبدء بتمرد عسكري مسلح، راح ضحيته مئات الأبرياء من السوريين، فضلاً عن عمليات دقيقة قامت بها جماعة الإخوان، لا سيما في المدرسة العسكرية في حلب، وأثر ذلك، بدأ الجيش السوري بمعركة ضد الإخوان وتوجهاتهم، وقد حقق الرئيس الأسد انتصاراً حاسماً ضد جماعة الإخوان المسلمين، من خلال قمع تحركاتهم الدموية، والتي بدأت بتشجيع من أجهزة المخابرات في الولايات المتحدة وتركيا.


وبعد تمرد 1982، تمكن الرئيس الراحل حافظ الأسد، من تحقيق معادلة استقرار طويلة الأمد في سوريا، على الرغم من الجهود المستمرة التي تبذلها الولايات المتحدة لتقويض النظام في سوريا، والتي دفعت الرئيس حافظ الأسد أكثر فأكثر نحو التحالف مع الاتحاد السوفيتي.

لكن بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، أعتمد الرئيس الأسد إستراتيجية جديدة لمقاربة التطورات الإقليمية والدولية، فمثلاً، كان الأسد ضد الغزو العراقي للكويت، في هذا الإطار، ذكرت صحيفة شيكاغو تريبيون في 12آذار / مارس 1991، أن إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب، تنسب الفضل إلى سوريا، في المساعدة في كبح جماح الجماعات الإرهابية، التي ربما تستهدف الولايات المتحدة والمصالح الغربية الأخرى أثناء الحرب مع العراق. وبات واضحاً أن هناك علاقة جديدة بدأت بالتشكل مع الولايات المتحدة، الأمر الذي يُسجل للدولة السورية، بتحقيق إستراتيجيات من شأنها كبح جماع التحديات في عموم الإقليم.


في جانب أخر، كان السوريون العاديون غير راضين عن دعم واشنطن المستمر لإسرائيل، ومحاولات استبعاد سوريا من عملية السلام في الشرق الأوسط. كان الكثير من الشعب السوري متشككًا فيما إذا كانت واشنطن تريد بالفعل تحسين العلاقات – مع الأخذ في الاعتبار استمرار الأسد في التسعينيات، في رفضه الاستسلام للمصالح الإستراتيجية والاقتصادية الأمريكية. وبحلول أواخر التسعينيات، كانت صحة الأسد تتدهور بسرعة، فقد توفي عن عمر يناهز 69 عامًا في 10 حزيران /يونيو 2000، بعد 29 عامًا في السلطة.

وفي 17 تموز/ يوليو 2000 ، تولى نجله بشار الأسد ، البالغ من العمر 34 عامًا ، رئاسة دمشق ، حيث كان يستعد لذلك لبعض الوقت بالاتفاق مع والده. في بداية هذا القرن، وقد كان بشار الأسد عقيدًا في النخبة في الحرس الجمهوري السوري، وقد تلقى تدريبات عسكرية لسنوات.

جراء ذلك، لم تكن واشنطن راضيةً عن التطورات في دمشق، وعندما أصبح جورج بوش الأبن رئيساً للولايات المتحدة في 2001، بدأت إدارته في نفس العام التخطيط لهجوم عسكري ضد سوريا، من أجل إزاحة الأسد واستبداله بقائد موالي للغرب ومؤيد لإسرائيل.

في السياق، لابد من التنويه إلى ما أستذكره الجنرال الأمريكي ويسلي كلارك، القائد الأعلى السابق لحلف الناتو، وكيف زار البنتاغون في أواخر عام 2001، وحصل على مذكرة سرية من قبل جنرال أمريكي لم يذكر اسمه. وقد تضمنت هذه المذكرة، أن القوات المسلحة الأمريكية “ستقضي على سبع دول في غضون خمس سنوات، بدءًا من العراق ثم سوريا ولبنان وليبيا والصومال والسودان، وانتهاءً بإيران.

وبعد أن هاجم الجيش الأمريكي أفغانستان 2001، وبعد أقل من 18 شهرًا، شنت إدارة بوش الابن هجومًا عسكريًا على العراق في 20 آذار / مارس 2003 ؛ من أجل إعادة تأكيد هيمنة الولايات المتحدة على الشرق الأوسط وضمان السيطرة على احتياطيات النفط العراقية. لكن اللافت، ما كشفته وثائق مُسربة من عام 2001، والتي أكدت أن نائب الرئيس الأمريكي آنذاك، ديك تشيني، أبرز خريطتين ترسمان حقول النفط وخطوط الأنابيب والمصافي والمحطات في العراق، وخريطتين توضحان بالتفصيل المشاريع والشركات التي أرادت إدارة هذه الموارد في العراق.


وفي أوائل أبريل 2003 ، تم الإطاحة بصدام حسين من السلطة، مع سقوط العاصمة بغداد، لكن العراق نفسه، قد دمرته سنوات من العقوبات الغربية قبل الغزو، ولم يكن بعيدًا عن كونه بلدًا أعزل ومفككًا، وبعد وقت قصير من السيطرة الأمريكية على بغداد، بدأ وزير الدفاع الأمريكي ، دونالد رامسفيلد ، خطط طوارئ لمد الهجوم العسكري إلى سوريا.

ومع ذلك، حُذر الرئيس بوش من أن بدء حرب أخرى قريبًا قد يتسبب في مشاكل في العلاقة الخاصة مع بريطانيا. إذ قال وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، كولن باول، في منتصف نيسان/ أبريل 2003 ، إن واشنطن لا تنوي مهاجمة دولة أخرى في الوقت الحالي، كما قال الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، كوفي عنان، إنه إذا امتدت الحرب إلى سوريا، فقد يتزعزع استقرار الشرق الأوسط بأكمله.

وبعد الغزو الأمريكي للعراق، كان لا يزال على الأمريكيين احتلال وإخضاع العراق بشكل كامل، من أجل تثبيت سيطرة الولايات المتحدة على النفط العراقي، لكن الأسد كان أول زعيم عربي، يدين الهجوم الأمريكي على العراق، وعليه توقع الرئيس بشار الأسد ما يلي، أنه لن تتمكن الولايات المتحدة وبريطانيا من السيطرة على كل العراق، وستكون هناك مقاومة أكثر صرامة ونشك في نجاحهم.

وفعلاً وكما توقع الأسد، كان الأمريكيين، غير قادرين بالفعل على السيطرة على كل العراق.

وبحلول عام 2008، اقتربت نهاية رئاسة بوش الابن، وكان من الواضح أن واشنطن قد عانت في الواقع من هزيمة كبرى، في مواجهة مقاومة شعبية عراقية واسعة النطاق، وكان على إدارة بوش التخلي عن مطالباتها بالقواعد العسكرية في العراق، والامتيازات الممنوحة للمستثمرين الأمريكيين في نظام الطاقة الغني في البلاد.

وفي عام 2008، عاد الغزو الأمريكي لسوريا إلى جدول الأعمال بسبب إسرائيل إلى حد كبير، وتحت ذرائع منع تهريب الأسلحة من سوريا إلى جماعة حزب الله اللبنانية، العدو اللدود لإسرائيل، إلى جانب تدريب مقاتلي حزب الله في سوريا وبناء مفاعل نووي في دير الزور شرقي سوريا.


وضمن وثائق مؤكدة، وفي عام 2005، قامت وزارة الخارجية الأمريكية بتزويد العناصر المناوئة للأسد في سوريا بملايين الدولارات، وقد شجعت هذه الأموال على التحريض على الاحتجاجات في سوريا ضد الأسد، إذ لم تكن الحكومة الأمريكية ترغب فقط في الإطاحة بالرئيس السوري، بل أرادت قطع العلاقات السورية مع روسيا، وكسر الشراكات التي أقامها الأسد مع إيران وحزب الله وحماس في فلسطين.

ومع ذلك ، لم يعتقد روبرت جيتس، وزير الدفاع الأمريكي منذ عام 2006 والمدير السابق لوكالة المخابرات المركزية، أن شن هجوم أمريكي على سوريا كان فكرة غير جيدة، خاصة أن المصداقية الأمريكية قد تضررت مع كارثة احتلال العراق، حيث لم يتم العثور على أسلحة الدمار الشامل الأسطورية لصدام. علاوة على ذلك، شعر جيتس أن غزو سوريا سيقابل رفض الرأي العام الأمريكي، وسيثير الاضطرابات في أوروبا والشرق الأوسط، بينما يقوض العمليات العسكرية الأمريكية المستمرة في أفغانستان والعراق.

نتيجة لذلك تخلى الرئيس بوش الابن عن فكرة مهاجمة سوريا، على الرغم من الضغط المستمر من نائبه ديك تشيني. وبعد تولي باراك أوباما السلطة في واشنطن في 2009، استمر التهديد بالتدخل الأمريكي في سوريا، ولأن الرئيس بشار الأسد يُدرك تماما النوايا الأمريكية، ونتيجة التحالف العميق بين دمشق وموسكو، فقد رفض الأسد مرور خط أنابيب بارس الجنوبي / القبة الشمالية، والبنية التحتية التي كان من المقرر أن تمر عبر المملكة العربية السعودية والأردن وسوريا وتركيا؛ والتي كانت ستزود أسواق أوروبا بالغاز الطبيعي، وهي قارة يهيمن عليها الناتو.

وفي عدم موافقته على خط الأنابيب، كان الأسد بلا شك يدافع عن مصالح حليفته روسيا، حيث أزعجت هذه السياسات بالطبع كلا من واشنطن والتحاد الأوروبي، وكان الهدف الرئيسي لإدارة أوباما آنذاك، وبدعم من فرنسا وبريطانيا، هو السيطرة على البحر الأبيض المتوسط، وعزل إيران سياسياً، حليفة سوريا ، بالإضافة إلى تقييد النفوذ الروسي والصيني في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

الدكتور حسن مرهج - كاتب فلسطيني

رأي اليوم

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...