حول تجديد الخطاب الديني بمصر

25-11-2021

حول تجديد الخطاب الديني بمصر

د. سامح عسكر : 
مصر حاليا ترفع شعار "تجديد الخطاب الديني"ب لكنه محصور فقط بالجانب الدعائي حتى الآن ولم يُطبّق على الأرض على شكل قرارات وسياسات عامة، حتى شكل الإعلام لا زال ممنوعا من استضافة المثقفين والمفكرين المجددين للفكر الديني الإسلامي وحصر هذه الاستضافة للشيوخ في برامج الفتوى..

الحقيقة أن برامج الفتاوى هي تعزيز للسلطة الدينية الراهنة وترسيخ أكثر للفكر المتشدد القائم على التقليد، وبالتالي رفع شعار تجديد الخطاب أو أي محاولة للرئيس في ظل انتشار برامج الفتوى وانعدام برامج التجديد النقدي سيقابلها (ردة فعل عنيفة للخلف) بدعاوى الدفاع عن الدين والهوية.. وهذا ما حدث بإيران للأسف..

في إيران كانت هناك حركة نشطة علمانية قبل ثورة الخوميني سنة 1979 لكنها كانت محصورة في سياق (علمنة الدولة) وفصل الدين عن القصر..أي أنها لم تقترب من نقد التراث الديني وفتح باب الاجتهاد..حين كان الشاة الإيراني بلهوي وقتها معاديا لرموز حركة النقد هذه  وأشهر من تعرضوا للقمع من السلطة البلهوية هو المرحوم (علي شريعتي)

شريعتي كان يجمع بين حس الثورة على الشاه، وبين نقد الفكر الديني الشيعي

فاعتبر ذلك الشاه خطرا عليه، وصار كل من يمثل شريعتي أو يحذو حذوه في نقد الفكر الديني الشيعي هو عدو تلقائي للشاه باعتباره رفيق أو تلميذا لشريعتي، فكانت النتيجة أن سيطر رجال الدين على الشعب الإيراني وتحوّل هذا الشعب بالملايين لدعم السلطة الدينية..

كان هجوم صدام حسين على إيران سنة 1980 عامل مساعد في رفع شعبية الخوميني والقضاء تماما على كل تيارات العلمنة والليبراليين واليسار الإيرانيين، فتعززت سلطة رجل الدين أكثر، وانقلبت الثقافة الإيرانية من الانفتاح للانغلاق..لكن في ذات الوقت ظلت معالم الحضارة تسري في هذا الشعب بعدم تقبيح الفنون ..وهذا خلاف ما حدث بمصر حيث رافق صعود الصحوة الإخوانية تقبيح الفنون حتى فقدت مصر قواها الناعمة في السينما والدراما والمسرح بالتدريج

هذا سوف يحدث في مصر إذا لم تدعم السلطة المثقفين وتحميهم من دعاوى الحسبة التكفيرية لرجال الدين، فكافة من يقفون وراء دعاوى الحسبة وسجن المثقفين بالمادة 98 هم من رجال الدين وأنصارهم، وجميعهم مؤمنين بدولة الشريعة أو الخلافة..ولا أعلم سر عزوف الدولة حتى الآن عن هذه المادة التي تخدم التكفيريين وجماعات الإرهاب بشكل أساسي، فلو تفحص المسئولين هوية المدعين سيجد رابطا بينهم وبين الفكر التكفيري..فلا يليق أن نحارب هذا الفكر في ميدان القتال ولا نحاربه في ميدان القلم والعقل...بل ندعمه في المحاكم في مشهد هزلي تاريخي..!!

باختصار: دعم المثقفين في مصر واجب، وحمايتهم من المتشددين ضروري لإنجاح عملية تجديد الفكر الديني..وإذا لم يحدث ذلك لا قدر الله وعادت الأحزاب الدينية مرة أخرى للمشهد ستنقلب مصر إلى طالبان أخرى، والمطلع على تاريخ أفغانستان في التحول سيرى نفس المشهد الإيراني...انفتاح وتحرر شكلي مع محاربة المفكرين وناقدي رجال الدين..فكانت النتيجة أنه مع أول صعود للأحزاب الدينية أن تحولت أفغانستان لدولة دينية واختفت منها كل مشاهد التقدمية والعلم والحضارة التي اكتسبتها في السابق.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...