هايدغر والدين

13-10-2020

هايدغر والدين

ميرنا سامي
يعد الفيلسوف الألماني مارتن هايدغرMartin Heidegger من أبرز الفلاسفة الذين أجروا تغييراً جذرياً للمفاهيم الفلسفية التقليدية التي قامت بترسيخها الميتافيزيقا الغربية. ولقد جاءت أفكار هايدغر لتعمل  على إحياء ما نسِيَتْهُ الميتافيزيقا؛ لهذا فإن كثرة من المفكرين اختلفوا في الحكم على فلسفته؛  التي تعد لغته وتعبيراته المغايرة للتقليد المدخل الصحيح إليها. من أجل ذلك، حاول أن يتحاشى لغة الماضي بما فيها من عقبات تقف أمام فكره الفلسفي، متعقباً الكلمة حتى جذورها الأولى، لئلا تخسر معناها الأصيل. "فالإنسان بقدر ما هوإنسان يسكن إلى جوار الله". هذه العبارة لهيراقليطس يوردها هايدغر بشغف؛ ولكي يبث المعنى في هذه الكلمات ذكر الأقصوصة التالية التي حكاها أرسطوعن هيراقليطس: "تكلم هيراقليطس ذات مرة إلى قوم من الغرباء جاؤوا لرؤيته، ولاحظوه ـ وهم يقتربون منه ـ جالساً يتدفأ عند نار، فتوقفوا عن الاقتراب مندهشين. وعندما لاحظ هيراقليطس ترددهم شجعهم على الاقتراب منه قائلاً: "وهنا أيضاً الآلهة حاضرون". يفسر هايدغر هذه الأقصوصة ـ لقد كان حذرهم نابعاً من توقّعهم أن يجدوا المفكر الكبير محاطاً بالعظمة وغارقاً في بحار الفكر والتأمل العميق.
على الرغم من أن هايدغر يتنصل في كتابه "الوجود والزمان "مما أطلق عليه"صوفية الكلمة"فمن الصعب أن ينكر المرء أنه كان يسير في هذا الاتجاه في كتاباته المتأخرة، فليست اللغة مسكناً للوجود فقط، وإنما أصبحت تتخذ تدريجياً ذلك الطابع الذي ينسب إلى الوجود ذاته،  ومن الطرق الواضحة التي تبدي فيها صوفية الكلمة عند ربط فهمه للحقيقة بالكلمة اليونانية A- Letheia التي تعني اللاتحجب، وكلمات كالتكشف والانفتاح وغيرها.  
يستخدم هايدغر مفهومي "الغربة"، و"الألفة أوالسكن" من خلال تفسيره "أعمال  هولدرلن الشعرية"؛ فالغربة تعبر عن موقف الإنسان الحديث في بعده عن الوجود، أما السكن فهو تعبير عن وقوفه بالقرب من الوجود. ففي الغربة نسيان الموجودات للوجود واحتجاب للحقيقة، فيصبح الموجود مجرد شيء ملقى به وسط الأشياء، وينتمي إلى عالم يغيب عنه "بعد القداسة".  
لقد أدى  سوء فهم الكثيرين للغته إلى سوء فهم معاني الإيمان والدين والإلهي  لديه؛ بسبب الحكم عليه من منظور الرؤية التقليدية للغة، إلى تصنيفه ضمن"الوجودية الملحدة "وأصحاب "النزعة العدمية".
لكن هايدغر يرفض وصف فلسفته بالإلحاد، فيصرح في بعض أحاديثه "بأن فكره يهيِّئ طور "بعد القداسة " الذي يجب أن يسبق كل حديث عن الله أوالدين".
فهم الألوهة عبر فهم الوجود
لذا لا يمكننا إغفال "أثر البعد الديني" في فكر هايدغر، وارتباطه بالأنطولوجيا بدليل إطلاعه على كتاب "عن الوجود" ألفه "كارل بريج" الذي كان أستاذاً للعقائد (علم الأصول) بجامعة فرايبورغ 1896، ووجد هايدغر في نهايته نصوصاً عديدة اختارها المؤلف من كتابات أرسطو والإكويني واللاهوتي اليسوعي الأسباني  سواريز (1458 ـ 1617)، إلى جانب التصورات الأساسية في الأنطولوجيا، حتى أصبح هيكل الميتافيزيقا يتأسس على الجدلية بين الأنطولوجيا واللاهوت،  بالإضافة إلى دراسته اللاهوتية التي تلقاها في معهد فرايبورج الأسقفي حتى عام 1909 التي كان لها دوراً فعالاً ومؤثراً في توجيه فكر هايدغر.
ويبدو أن الخلفية الدينية لفكر هايدغر ظلت مصاحبة وملازمة له  ولم يتخل عنها، وهي تظهر في مؤلفه الأساسي "الوجود والزمان" 1927، فقد كان هذا العمل ـ ولوجزئياً ـ محاولة للتأكيد على خطورة وجودنا الملقى به في العالم، والقلق، والذنب، والضمير، وسقوطه، والموت، التي تحمل في ثناياها إيحاءات لاهوتية، لكنها ـ نوعاً ما ـ تحاول تحقيق الخلاص داخل العالم؛ لمواجهة السريان الزماني؛ الذي يدفع إلى السقوط ويؤدي إلى موت الإنسان في كل لحظة ويتحول إلى موت عام، متجاوزاً كل ذلك عن طريق الالتزام الأخلاقي والإيمان الأخروي[2].  
إن تفسير إشكالية الوجود تهب فهم إشكالية الله عند هايدغر، وهذا المبدأ يظهر في ثنايا عبارته التي تندرج في مقاله عن ماهية السبب 1929 جاء فيها: "إن التفسير الأنطولوجي للآنية بوصفها وجوداً ـ في ـ العالم لا يحسم بمعنى سلبي ولا بمعنى إيجابي أن يكون الإنسان على صلة بالله أومتجهاً إليه، ولا مفر أولاً من الوصول إلى تصور كافٍ عن الآنية عن طريق توضيح معنى العلوم عن طريق هذا التصور يمكننا أن نضع السؤال الأنطولوجي عن طبيعة العلاقة بين الآنية والإله"  (صفاء عبد السلام، ص 502 ).
يقصد هايدغر من خلال النص السابق أننا لكي نفهم إشكالية الله ينبغي – أولاً ـ أن نسمع ونفسر ابتداءً من حقيقة الوجود؛ ذلك لأن الوجود هومصير الفكر، وماهية ما هوالمقدس، وبالتالي أن نفهم ابتداءً من هذه الماهية، الألوهية التي نستطيع بفعلها أن نحدد مضمون فكرة الإله.
لكي يتم فهم وتفسير إشكالية الوجود يبدأ هايدغر بالتفسير الأنطولوجي للآنية بوصفها وجوداً ـ في ـ العالم Being – in – the – world، ولذا راح يقدّم تحليلاً فينومينولوجياً تأويلياً  للدزاين Dasein  متأثراً بالموروث المسيحي، سوى أن الحلول التي يطرحها ـ كما يخبرنا هانز البرت في "هايدغر والتحول التأويلي " بعيدة عن تصور الإله في هذا الموروث[3].
1 – السقوطFallenness:  في كتاب "الوجود والزمان" Being and Time  نلتقي بمفهوم من المفاهيم ذات البعد الديني وهو"الإسقاط "Projecting فالموجود البشري يقوم دوماً بعمليات إسقاط مستمرة؛ لأن ذلك يشكل جزءاً من وجوده، أي خروجه المستمر عن ذاته،  فهو باستمرار يسقط ذاته على ما يحيط به. فقد استخدم هايدغر أنواعاً مختلفةً من السقوط مثل: إسقاط  للذات، وإسقاط للوجود، وللفهم، وللإمكانات، وللمعنى، وللعالم، وللطبيعة[4].
2– القلق Anxiety: يربط هايدغر " القلق" بالسقوط، مثلما ربطه كيركيغارد بأصل الخطيئة الأولى؛ التي ناقشها في إطار القصة التي رواها سفر التكوين عن سقوط الإنسان، وتلك القصة ـ كما يفهمها كيركيغارد ـ التي تصف التطور في حياة كل موجود بشري، وهوالانتقال من البراءة إلى الخطيئة، وحالة القلق هي التي تجعل هذه الحادثة ممكنة،  فأما ما يحدث في حالة السقوط في رأي هايدغر فهو أن الموجود البشري يهرب من ذاته، فهو يفقد نفسه في وجود غير أصيل مع الآخر وهو ما يسمى بال"هُمْ " They وفي الانشغال بشؤون عالم الأشياء. (المرجع السابق، ص 244 ).
مثل هذا التجافي عن دار الوجود جعل الإنسان الحديث كائناً بلا جذور، غريباً عن العالم وعن نفسه، ويتحرك في العدم. فعندما ينسى الإنسان حقيقة الوجود وسط خضم الموجودات ينفصم عن وجوده ولا يتكامل.
وتعبير هايدغر عن القلق الذي يؤدي إلى السقوط يستدعي الثوابت الإيمانية داخل المسيحية، ذلك بأن الانخراط في الملذات الدنيوية (التي تتمثل في الانشغال بشؤون عالم الأشياء) تجعل الإنسان المسيحي يسقط داخلها وينشغل في متاع الدنيا، وبالتالي لن يستطيع التحرر من الخطيئة والوصول إلى الخلاص الذي يتأسس عليه المعتقد المسيحي. ثم يعود هايدغر للقول إن القلق له أهمية بالغة بأنّه يجعل الإنسان ينتشل ذاته من حالة السقوط بالرجوع إلى ذاته،  وتحقيق إمكاناته للوصول إلى الوجود الأصيل، ولكن في المسيحية فإن الوصول إلى الحقيقة وهي الإله الأعلى، لا يتكشَّف في حالة السقوط والانخراط في عالم الأشياء.
3- الارتماء: استخدام هايدغر لمفهوم "الارتماء" Geworfenheit هو للتعبير عن الوضع الوقائعي للإنسان؛ أي قد ينشأ الإنسان في الحياة أبيض أو أسود، غنياً أو محروماً، وليس هناك سبب معروف يُحتم عليه أن تكون الرمية على هذا النحو أو ذاك،  إلا أن هايدغر يقول بوجود العناية الإلهية، فهي التي تحدد مثل هذه المسائل إلا أن ذلك يخص موضوع الإيمان، وهو ما لا يمكن أن يفسر فلسفياً (المرجع السابق، ص 277 – 278).
تأكيداً لما سبق، يرى هايدغر في حوار معه إثر الحرب العالمية الثانية أن من المحال" للفلسفة أن تتجاوز فكرة الكينونة (ما يعنيه هنا هوالله )؛ كل ما يمكن للفلسفة القيام به هوالتفكير في الكينونة وممارسة "الهدم النقدي" للمفهوم الميتافيزيقي حول الإله، كما نُظِرَ إليه في الاتجاه الأنطولوجي"، ويمكن للفلسفة إعادة تمييز مفهوم الجوهر الإلهي عن تجربة الكينونة ـ فيما يرى كوكلر ـ وهذا ما قام به هايدغر في كتاباته المتأخرة [5].
4 – الموت Death:  يعمق هايدغر مفهوم" الموت" بأنه يدخل في  طبيعة ونسيج الوجود الإنساني؛ لأنه  "يخرج" الإنسان من وجوده الحالي إلى وجود جديد حيث يكون في كل لحظة غير مكتمل الوجود (بوصفه تأسيساً جديداً له)؛ بهذا الفهم للمفهوم لا يستطيع المرء التحدث عن الموت بما هو"نهاية" للوجود الإنساني، وإنما بوصفه ولادة وإظهار من جديد للإنسان (بإثبات ذاته) كحالتي المسيح وسقراط، وهما مثالان كلاسيكيان يظهر الموت عندهما كقمة تتوج الحياة، وهذه الطريقة في معالجة الموت تحول انتباهنا من رؤية الموت كمجرد واقعة إلى الوعي بداخل نسيج الوجود الإنساني،  بأن وجوده هو وجود ـ نحو الموت.  فالموت كما قال الشاعر الألماني ريلكه Rilke: "إن في مشيتنا دائماً ما ينطق بأننا في طريقنا إلى الرحيل.. وهكذا نعيش لكي لا نلبث أن نتصرف مأذوناً لنا بالرحيل...... وربما كان عدم البقاء هوالمعنى الأوحد لهذا الوجود".
وهذا ما أكدته المسيحية في المعاني الثلاثية للموت؛  ففي البداية الموت الطبيعي هو نهاية الحياة العضوية، والموت الروحي الذي يعبر عنه الإنسان الخارج عن الإيمان المسيحي، وأخيراً هناك الموت الصوفي وهوالمشاركة في الحياة الإلهية التي تجري بالفعل خلال هذا الوجود الأرضي.  وهذا ما عبر عنه هايدغر في كثير من المفاهيم "شبه الصوفية" مثل العلاقة الجدلية بين السماء والأرض......وسوى ذلك.
وهذا النداء المسيحي من داخل عبارة "إننا في الموت حينما نكون في قلب الحياة" بأن قبول الموت بأمانة هوعامل متكامل في الوجود الأصيل، وهذا ما يرتكز عليه الإيمان المسيحي إذ أن سقوط الإنسان في الخطيئة وغرقه فيها وعدم استطاعته الخلاص، يؤدي إلى موته في كل مرة يسقط ويغرق في الخطيئة (هنا يقصد الموت الروحي)[6].
5 – الضميرConscience: يأتي "الضمير" ليستدعي ذات الموجود البشري من ضياعها وسقوطها في "الهم"، ولكن من أين يأتي النداء؟ إنه يأتي من أعماق وجود المرء ذاته، إنه نداء الذات الأصيلة التي تكافح لكي تولد، وإلى من يتوجه بالنداء؟
إلى الذات الساقطة غير الأصيلة، وما هو مضمون النداء؟ "النداء Call  يخاطب بطريقة غريبة؛ هي التزام الصمت. وهو لا يفعل ذلك إلا لأنه حين ينادي الشخص الذي يتوجه إليه بالنداء،  فإنه لا يناديه بالثرثرة الشائعة التي تتميز بال "هم" وإنما يناديه ليرتد به من هذه الثرثرة إلى الكتمان الذي تتميز به إمكانية الموجود البشري للوجود" ( ماكوري، ص 306 ـ 307)، هكذا يطالبنا هايدغر باحتساب الأخلاق المتعارف عليها، والاستماع إلى صوت ونداء الضمير الأكثر عمقاً تأكيداً لعبارة "ينبغي علينا أن نطيع الله لا الناس".
ثالثاً –  تجاوز مفهوم الإله في الميتافيزيقا      
قام هايدغر بطرح "سؤال الوجود" في عمله الرئيسي "الوجود والزمان" ـ الذي يتأسس على التفسير الأنطولوجي للآنية ـ  والبحث في خلفية سؤال الوجود؛ ينتقل المرء إلى المرحلة الأخيرة من فلسفة هايدغر"فلسفة الرجعة "kehre " التي تنتهي إلى  فكر وجودي ـ تاريخي، وفي الوقت نفسه  يحمل الفكر فكرة التجاوز التي يرى فيها هايدغر أنها ضرورية لتجاوز الميتافيزيقا[7].
 لقد فسر هايدغر تاريخ الميتافيزيقا الغربية منذ أفلاطون على أنه تاريخ انحلال وتدهور؛ كان هايدغر يعتبر أن تفكيره الخاص (بحث تاريخي عن الوجود) ما هو إلا محاولة لتجاوز هذه الميتافيزيقا، للتخلص من العدمية Nihilismus (نسيان للوجود) التي تغلغلت في داخلها، والذي أدى بدوره لتجاوز فكرة الألوهية في الميتافيزيقا الغربية، وهذا لا يعني أن هايدغر ينكر فكرة الإله كأفق لخلاص الإنسان؛ وهويؤكد بقوله: "علينا أن نفكر في الله ابتداء من الوجود".
ويقصد هايدغر بهذه العبارة كما يلي:
1 –  "أن الله ليس هو القيمة" وهوالتصور الذي ساد الفلسفة الغربية منذ عهد أفلاطون إلى نيتشه؛ أي أنه يرفض فكرة كون الإله إلهاً أخلاقياً كما يقول جون وليامز: "فإن اختزال مفهوم الإله باعتباره قيمة هوالموت الحقيقي للإله"[8]؛ لذا يرفض فكرة وجود الإله فقط من أجل غاية عملية هي تشريع القيم  الإنسانية والأوامر الأخلاقية، وبالتالي يكون وجوده مشروطاً بوجود هذه الغاية، وهذا يقلل من قيمة الإله.
هكذا يرفض هايدغر مجرد اختزال وتقليص الإله بمجرد الالتزام لتشريعاته الإلهية وأوامره ونواهيه الأخلاقية، ومجرد تأدية الشعائر والطقوس، ولكن تتكشف ماهية الإله في الحضور وتردد ندائِه والاستماع إليه.
2- "أن الله لم يمت"، وأن ألوهيته  تحيا، وهي أقرب إلى "الفكر" منها إلى "الإيمان"، وتتلقى أصلها من حقيقة الوجود؛ أي أنه يرفض الفكرة المتضمنة في عبارة نيتشه "الله قد مات" التي أوردها هايدغر في كتابه"دروب الغابة" التي يفسرها بأن الله ـ في نظر نيتشه ـ ما هوإلا رمز لعالم المثل العليا؛ أي رمز لعالم القيم؛ لأنه الأساس والغاية النهائية لهذه المثل العليا.
وعلى هذا، فالله ـ في نظر نيتشه ـ يرمز إلى عالم الميتافيزيقا، والقول بأن الله قد مات معناه بأن العالم الميتافيزيقي قد فقد حيويته، وأصبح لا يعني شيئاً بالنسبة للإنسان، وانعدام المعنى ما هو إلا إعلان عن العدمية الميتافيزيقية التي أعلنها نيتشه بعبارته "إن الله قد مات".
3- "أن الوجود ليس هو الله" يعني هايدغر أن ثمة تناظر في التمييز الثيولوجي بين الله والموجودات ـ فبدون الاختلاف الإلهي لن يكون للموجودات معنى ـ وبين الفرق الأنطولوجي بين الوجود والموجود. وهذا التمييز يؤسس لجميع الاختلافات في الموجودات، كما أن التمييز في حالة الوجود الحقيقي لا يتحقق إلا بوجود الإله.  بناء على ذلك؛ يتجاوز مفهوم الإله الميتافيزيقي اليوناني ـ الغربي الذي كان ينظر إليه بوصفه سبباً وجودياً  أعلى متعالياً:  "بأنه التبرير الأعلى للكون هوالله"، فالإله ليس العلة الأولى وإلا كان مجانساً للموجودات التي يخلقها (صفاء، ص 505 )، فالله الميتافيزيقي الذي ينطبق عليه هذه الصورة، لا يعد إلهاً؛ لأن تصوره كسبب أعلى كان بمثابة "قتل" الله، طالما تم إقحام الكينونة بمحتواها المادي في شكل أسمى ومتعالٍ للوجود".
هكذا سقطت الميتافيزيقا التقليدية في تناسي وإهمال السؤال عن الوجود، وبالتالي أدى إلى إغفال الفرق الأنطولوجي بين الوجود والموجود، وكانت "هذه ضربة (ضد الله)  لم تأتِ من الذين لا يؤمنون بالله فقط، وإنما أيضاً من المؤمنين وعلماء الدين الذين يتحدثون عن الأكثر وجوداً كوجود، دون التفكير في ما هي الكينونة ذاتها "[9].
لهذا يجب على الميتافيزيقا "التفكير في الله" بانطلاقها من فهم الوجود، واتجاهها لتفسير "الحقيقة كأساس للألوهية لمعرفة معنى الكائن الخالق" (كوكلر، ص 62 – 63)؛ أي إظهار التجربة الوجودية في مصدرها الأصلي، بالكشف عن حقيقة الوجود، والتزام الصمت ـ مؤقتاً ـ في ما يتعلق بالتفكير المتعلق بالله"؛ لأنها تصل بنا إلى معرفة الألوهية ومعرفة الله عن طريق حقيقة الوجود"[10].
من أجل ذلك، رفض هايدغر فهم وتفسير إشكالية الله على ضوء الميتافيزيقا التقليدية التي  تقوم بتحديد وتأطير فهم الله.
رابعاً – تأسيس معنى الوجود بحضور الله  
يرى هايدغر أن إظهار التجربة الوجودية تؤدي إلى فهم الثيولوجيا، وبالتالي تجلبنا إلى منطقة تكشف الإله؛ لذا تكشف الأنطولوجيا الأساسية في "الوجود والزمان" عن "ثيولوجيا" تتضح من خلال فكرة بأن "السقوط يصف الحركة نحوعالم الأشياء والأدوات والانغماس فيها، ولكن يأتي فعل الإنقاذ ما ورد مبدأه في عبارته: وحَه إلهٌ بوسعه أن ينقذنا"؛ الذي يعد تعبيراً عن اتجاه معاكس لحركة السقوط نحو"النجاة" و"الخلاص"[11].
فالمفاهيم الثيولوجية "الدينية" هي مفاهيم أنطولوجية متعالية؛ أي انها تكون محددة مسبقاً كمفاهيم قبل التجربة الوجودية، وهي تمتلك مضموناً أخروياً؛ لأجل ذلك قام هايدغر بالتمييز بين الثيولوجيا والفلسفة: "بأنها هي العلم الذي يشجع على الإيمان عن طريق الاعتقاد، ولا يحتاج هذا التأسيس لأي تعاليم فلسفية حول الله".
تمثل تلك المفاهيم الثيولوجية؛ أنطولوجية متعالية؛ أي متجاوزة وتمتلك معانِيَ أخرويةً خالصةً، ومهمة الفلسفة هي فهم وانصهار للمفاهيم الثيولوجية "التجارب الأرضية" قبل المفاهيم الدينية (من شعائر وطقوس) التي تطبق وتمارس في تجربة الوجود الإنساني في العالم، ولكن ليس معنى ذلك أنها مؤسِسة للثيولوجيا.
هكذا يعطي هايدغر اهتماماً لإشكالية "الله" من المنحى الأنطولوجي "إن انفتاح الوجود في ذاته، يؤدي إلى تحرير تحجُّب الخلاص في الوجود، وانفتاح الخلاص على يد المخلص يجلبنا إلى حضور المقدس، وهذا الحضور يتيح كشف ضياء الآلهة، ويعتمد خبوّ وقوة التحجُّب والتكشُّف وفقاً لغياب أوحضور الله".
إذن الثيولوجيا Theology  كامنة في أنطولوجيا هايدغر، لكن  الأنطولوجيا Ontology  ليست مؤسسة على اللاهوت حتى لا تندرج تحت الميتافيزيقا التقليدية التي تخلط ـ في رأيه ـ بين الوجود والموجود، وإنما معنى الوجود يتأسس على "الإله" ومتعلق به أي يتكشَّف وينفتح بفضل الإله، ومن خلال ذلك يَصُوغ فكرة "الخلاص" أو "النجاة"، الذي لا يتحقَّقان إلا بفضل الإله، بذلك يتجاوز فكرة "الإله الميتافيزيقي" القديم، ويجرده من أشكاله القديمة مع الإبقاء على معنى "تفرده بالقداسة"، لكن "النجاة" أو "الخلاص" لا يتحقَّقان لنا إلا بالتفكير الخالص الذي يحمل في داخله ويصاحبه "التصميم" لتحقيق هدف النجاة، لتجاوز السقوط بأداء العمل الصالح ولكن بإرادة ذلك، وليس معنى ذلك فقط أنّ التفكير بالإله ضروري، وإنما هو دوماً التفكير بفضل الإله الذي يساعدنا على الخلاص من السقوط، ويجلبنا إلى حالة حضور الإله وانفتاحه، الذي يجعلنا نفهم حقيقة وجودنا وذواتنا، وهذا يعبر عن مغزى طريق التفكير الطويل عند هايدغر. (صفاء عبد السلام، ص 505 – 506).
يؤكد هايدغر على معنى الخلاص نفسه "بحرية التفكير". في كتابه "الطريق إلى اللغة" On the Way to Language يقول: "بدون الملاذ اللاَّهوتي لم أكن لأصِل إلى طريق التفكير"، فالنجاة "بالسماح للتفكير" ليست النجاة من حالة راهنة، وإنما هي نجاة من حالة مستمرة. فنحن دائماً في حاجة إلى إله كي نتمكن من التفكير؛ فالتفكير بما إنه خاصية تميز الوجود ـ أوبالأحرى ـ هوعلاقة الوجود بالموجود الإنساني، إلا أنه ـ في الوقت نفسه ـ هومهمة تجاوز الطبيعة الإنسانية.  (المرجع السابق، ص 506).
يصبح على الفكر القيام بمهمتين جدليتين مزدوجتين، فهو فعل للوجود من جهة، والإنسان من جهة أخرى، فالجانب الإنساني يتلقى التفكير تلقّياً خالصاً "فنحن لا نسعى إلى التفكير، وإنما يأتي إلينا التفكير"؛ لأن التفكير هو"اختبار الإله لهبة الوجود الذي يمنحها للوجود الإنساني"؛ لذا تعد تجربة التفكير الحقيقية شرطاً يمكِّنُنا من ملاقاة الإله". يضيف هايدغر في هذا الخصوص: "لا يعتبر الله إلهاً حياً إذا لم نضع مسبقاً حقيقة الله موضع التساؤل"؛ أي عدم نسيان الحقيقة (حقيقة الله) وإغفالها؛ لأنها هي طريق النجاة والخلاص التي تتأتى بكشف وانفتاح الطريق إلى التفكير الذي يقوم بمهمته وهي فهم أشكال التجلي والظهور الممكن للكينونة (المطلق)؛ لفهم الحقيقة المعطاة (توهب) من خلال الله؛ لأن الإنسان لا يستطيع تجاوز أفقه التاريخي والزماني لفهم الأفق التاريخي والزماني "إلا بدخول الله والآلهة تحت ضوء وانفتاح الوجود"[12].
إذن الثيولوجيا هنا تتأسس على الفعل لا على النظرية؛ أي على الوجود الإنساني الذي يمارس فعل التفكير، وبالتالي فهي عملية لا تنفصل عن طبيعتنا البشرية، وبها نتحرر عن طريق الإله.
يتضح من ذلك، أن التفكير هبة الوجود الذي يمكنه أن ينقذ الآنية من الانزلاق مع الموجود، وعلينا أن نشعر بالعرفان لهذه الهبة  Giving.   
   خامساً –  العلاقة الجدلية بين الوجود والمقدس / الألوهية / الإله (الله)
بالابتداء من حقيقة الوجود يبدأ التفكير في ماهية المقدس، فالإنسان الذي يبتعد عن الوجود، ويستغرق في نسيان ماهيته، إنما يتحرك بعيداً عن "المقدس" الذي يحتاج إلى حقيقة الوجود؛ لأنه لا ينفتح إلا من خلالها؛ أي أن التفكير في إنارة الوجود يمهد للمدخل للمقدس من خلال "نور الوجود"؛ لأن "التفكير ابتداء من حقيقة الوجود يعني التفكير في ماهية المقدس، والتفكير ابتداء من ماهية المقدس تجعلنا نفكر في الماهية الإلهية، وفي ضوء التفكير في هذه الماهية يمكننا النظر في ما يمكن أن تعنيه كلمة (الله) "؛ أي أن تفكير هايدغر في "المقدس" وفي "الألوهية"، و"الإله أو الآلهة"، يؤول إلى تكشُّف "الحقيقة بوصفها إنارة للوجود"[13].
فمن الملاحظ أن السؤال عن "المقدس والألوهية والإله" في نطاق إنارة الوجود، يرتبط بفكرة مدى "قرب الإله وغيابه"، فالقرب من الوجود أو البعد عنه، والتفكير في حقيقته، يمكننا من التفكير في ما تعنيه كلمة الله[14].
وجدلية قرب الإله وغيابه تتأسس على مدى الانتماء والغربة عن الوطن والسكن؛ فالتعبير عن المقدس يتم من خلال الانفتاح على تجربة معرفة الإله والخالدين.....عن طريق السؤال عن "وطن" الإنسان وماهيته الذي يكون مرتبطاً بالسؤال عن ماهية الإله.  وقد تغنى هولدرلن "بالوطن" في أكثر من قصيدة (ومنها قصيدة "التجوال") الذي يقصد به القرب من الأصل؛ أي الوجود. والشعر هو القرب من هذا الأصل؛ لأنه يعبر عن فرحة القرب من سِرِّه الذي يتجلى ويحتجب. هذا الأمر نفسه يتردد صداه في قصيدة "العودة إلى الوطن"؛ فمن استنارة الوجود من جديد، يتضح "المقدس" البعد الذي يتجسد فيه بُعْدَي الألوهية والإله[15].
تستدعي الحاجة للسؤال عن الإله؛ لأن "زماننا هو زمان الحاجة؛ لأنه لم يعد يوجد آلهة ـ كما قال نيتشه ـ ولم يأتِ بَعْدُ الإله الجديد، ذلك لأن زماننا تناسى وأهمل السؤال عن معنى الوجود، ولا مفر من البحث عن معناه؛ لأن هذا الطريق هوطريق عثورنا على هويتنا، وبه  نتصل بذواتنا، وننفتح على الوجود، ونحتفظ بقربنا منه.
لكن يمكننا التفكير في الإله "بالتفكير" و"الشعر" والاستعداد لانتظار ظهور الإله أو أفوله، وأن نوقظ في أنفسنا الاستعداد لهذا الانتظار، بسبب ظهور هذا "الغياب"؛ لأن الطبيعة تحب أن تختفي " كما يقول هيراقليطس[16].
تدعونا هذه العبارة التي فسرها هايدغر هنا إلى الانتظار كما دعانا ـ أيضاً ـ هولدرلن؛ لذا تحدث هايدغر عن " التفكير في ما هو آت"، وأن نترك هذا التفكير يتسلل إلينا خُفية. يرى هايدغر أن السؤال"من هو الإله؟"من أصعب الأسئلة؛ لأننا لا نستطيع أن نصل إلى الإله بسبب طريقتنا القاصرة في الحديث عنه، ويدفعنا هايدغر إلى طرح التساؤل بالطريقة الصحيحة والدخول إليه من المدخل الصحيح وهو: "ما هو الإله؟"، وهذا يشير إلى بعد القداسة والمقدس في تفكير هايدغر المتطور، الذي يقول في هذا الصدد: "ضياع بُعْد القداسة والمقدس هو الآفة الحقيقية لعصرنا".
مهمة الشاعر تسمية المقدّس
المقدس The Holy  – كما يعني هايدغر – هوالمجال الأساسي الذي تظهر فيه الألوهية ورُسُل الآلهة (الإله)، "فنداء الوجود "يتردد في بعد المقدس الذي يتخذ صورة "إرسالات المصير"، وفيه يكشف المقدس عن ذاته، ويحتجب ويتجلى في صورة "سرّ"[17].
هنا تأتي مهمة الشاعر بتسمية المقدس؛ أي يتم التعبير عنه من خلال الكلمة؛ لأن الكلمة الشعرية تقوم بالكشف عنه بإحضاره إلى "نور العالم " بالكلمة، ويحتجب عند الاستغراق في الموجودات. هكذا يدخل الشاعر بتسمية المقدس في علاقة فريدة معه، ويخبرنا عن مستقره، وعن الإشارات التي يرسلها إلى البشر.
يخبرنا هايدغر أن الشعر هو العملية الإبداعية التي يتوجه فيها الوجود ونداؤه إلى الشاعر، ويقوم الشاعر بترجمة هذه الرسالة في  "كلمات"، يقوم الشاعر إذن  بدور "الوسيط" بين المقدس ورُسُل الربوبية من ناحية، والفانين أو الشعب من جهة أخرى، فهو يتلقى الهبات السماوية من أجل الشعب، والشعر هو الوسيلة التي يتحدث بها المقدس عن ذاته إلى الفانين، ولكن الفانين غالباً ما يعجزون عن الإنصات إليهم اللهم إلا الصفوة من المفكرين التي تكون مستعدة لتلقي الكلمة الشعرية، فضلاً عن أن تلك الكلمة سرعان ما تفقد معناها وما فيها من عمق ما لم يتلقَّها المفكر برعاية واهتمام، وما لم تتأصل لدى الفانين. فالشاعر الذي يتلقى إشارات المقدس Signs ورسل الربوبية، ليجعل منها بعد ذلك كلمات يخاطب بها الناس؛ هذا "الالتقاط" عبارة عن "تلقٍّ" أو"هبة" يتكشف فيها المقدس، وبالتالي الألوهية من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن تأسيس الوجود مرتبط بإشارات الآلهة؛ لأن الإشارات الإلهية تجلب الوجود للحضور في منطقة ضوء المقدس. هكذا تستمد الكلمة الشعرية قوتها ومعيارها من المقدس والألوهية (المرجع السابق، ص 226).  فالشاعر عند هايدغر هو القادر على تسمية المقدس، أما "المفكر" فإنّه يؤكد على الكلمة الشعرية؛ أي يحافظ ويصون حقيقة الوجود التي يسميها الشاعر من خلال الكلمة.
يظهر بُعْد الألوهية بإشاراتها التي ترسلها، في ومن خلال المقدس، فيتبادر إلينا تساؤل هام عما لو كان ممكناً تأسيس الألوهية على الوجود؟
يجيب هايدغر بأننا يمكننا الوصول إلى أنقى صور الوجود في لغة الشعر؛ ولذا فمهمة اللغة هي أن تجعل الموجود وجوداً منكشفاً في حالة فعل؛ لهذا أورد هايدغر شذرة من شعر هولدرلن يقول فيها: "لقد تحدثت إلى الألوهية ولكنكم نسيتم جميعاً أن بشائر الثمار (الإشارات والحقيقة) لم تخلق للفانين، وإنما تنتسب إلى الآلهة، فلابد أن تتخذ الثمرة طابعاً أكثر انتشاراً؛ لكي تصبح من خيرات الفانين "[18]؛ أي لكي يتم ذلك لابد من الاستماع والإنصات لنداء الآلهة الذي يتردد في الوجود، غير أن الآلهة لا يوجهون ـ في الوقت نفسه ـ إلينا نداءَهم، إلا إذا وضعونا رهن ندائهم، والكلام الذي يسمي الآلهة هوجواب على هذا النداء، وهذه المهمة التي يقوم بها الشاعر، وأصبح الاستماع إلى هذا الجواب مسئولية الحفاظ عليه وصونه.
إذن فمفهوم الله متضمن في تجربة الوجود، لكنه ـ في الوقت نفسه ـ يحتجب في التفكير الميتافيزيقي. هكذا جاء هايدغر ضد التحديد المسيحي لوجود الله، والذي كان متفقاً مع كثير من المفكرين المسيحيين مثل المعلم إيكهارت[19] Meister Eckhart  الذي ميز الإله عن المعبود، ورفض مفهوم الله الدوجماطيقي العقلي، ويذكرنا بالإله عند بول تيليتش الذي تجاوز كل تأليه.
يعيد هايدغر إعادة بناء للصورة الثيولوجية القديمة عن الله، بتفسير الإلهي في ضوء مفهوم الخلاص، ثم يأتي هايدغر بتفسير معنى الإلهي في ضوء شرح أبيات هولدرلن: "إن الإلهي هي الرسل الملوِّحة بأيديها للألوهية، ومن خلال تكشفه يتجلى الله في جوهره، وهو جوهر لا يمكن مقارنته بجوهر الموجودات الأخرى"[20].
يأتي هايدغر لينفي عن "الله "كونه مباشراً"، وليس في مستطاع أحد أن يصل إلى المباشر مباشرةً؛ لذلك يرسل الرسل التي تستقبل الإشارات الإلهية، وبالتالي يتلقاها الشاعر كهبة تمنحها الرسل [21]، هذا يدل على اهتمام الآلهة بالموجودات الإنسانية والموجودات ورعايتها لهم الذي يدل على العناية التي لا تغفل عن موجوداتها، وبالتالي تحاول انتشالهم من لحظات السقوط، ولكن هذا يتطلب ويتأسس على الاستماع والإنصات الجيد للنداء، وهذا يدلّ على الثوابت الإيمانية في المسيحية التي تغلغلت في التفكُّر الشعري لهايدغر.  
يفهم هايدغر ما هو"إلهي" كجزء لا يتجزأ "للعالم" كلحظة كمال الوجود، فالإلهي الذي يرمز ـ لديه ـ "بالبعد المخلص" للوجود، الذي يرسل الله نفسه إليه عن طريق الإلهي: "أي عن طريق الرسل التي تلوح لنا بالألوهية، هنا يتجلى الله من العالم المقدس لهذه الأخيرة في وجوده الحاضر أوينسحب ليحتجب"[22].
بناء على ذلك، يمكن القول إن إشكالية الله في فكر هايدغر واضحة المعالم، ولا يمكن أن تطرح إلا في ضوء إشكالية الوجود؛ أي أن بحثنا في ماذا تعني كلمة "الله " تدفعنا إلى  البحث في العلاقة بين الفلسفة والدين بطرح فهم إشكالية الله في ضوء تفسير إشكالية الوجود، والتي بدورها تكشف حقيقته في ضوء إشكالية الله.
يرى كوكلر أن "إله الوجود ـ عند هايدغر ـ لا يمكن معرفته إلا في ضوء حقيقة الوجود ذاته التي يقول فيها: "إن حقيقة الوجود......التي من خلالها يصارع الإنسان جدلية العالم والأرض....ومن هذا الصراع يواجه الإنسان وجوده تجاه الله، وهويقوم بتجربة وجوده" (كوكلر، ص 68)، ولكن يهتم هايدغر بالوجود كحضور، وأن مهمة الفكر واللاهوت (لأن اللاهوت دافع عن الله كعلة أولى أسهم في مجيء إله الفلاسفة) هوالتحرر من صورة إله الفلاسفة للاقتراب من الله الحقيقي بالسؤال عن الوجود.
نستنتج مما سبق أن هايدغر حين جمع بين تعدد الآلهة الثيولوجية وبين طريقة التوحيد المسيحية، كان يريد تقديم فكرة "الله" كتجلٍّ لمطلق محتجب يختلف أنطولوجياً عن الوجود" (المرجع السابق، ص 72 )؛ لذا جاءت المسيحية استكمالاً لما عجزت الفلسفة اليونانية عن التفكير فيه واستيعابه سواء من أفلاطون أو أرسطو؛ لأن "آلهة الإغريق ليس لها أي علاقة بالدين"فلقد كانت آلهة اليونان أسطورية فلسفية، ولا تلزم الإنسان بأيّ إلزام؛ ولهذا لم تفكر في المقدس[23].
هكذا يؤمن هايدغر بفكرة أن المسيحية هي الحقيقة المكتملة للفلسفة اليونانية، وقد كانت هذه الإشكالية حافزاً لظهور محاضرة "فينومينولوجيا الدين" Phenomenology of Religion  1923 التي يستعرض فيها أن تجربة الألوهية ليست في متناول الفلسفة، وتفكيره حول الوجود يُظهر تجربة غياب الله وشعوره به، لكن الله يكون معطى فينومينولوجياً للتجربة الدينية، وهذا ما دفع بتفكير هايدغر للتحرر من التراث، وأيضاً التحرر من العقلانية والمنطق المرتبطين بهذا التراث، ومن ثم فنتاج فكره أقرب إلى الشعر الذي لا يخضع للتراث.
هذا هو سبب رجوع هايدغر إلى الشعر كبحث عن تجربة الألوهية، والأخذ به ـ في الوقت نفسه ـ لأهمية وجودية، التي تتكشف فيه مهمة الإنسان بمجرد "دخول الله والآلهة تحت ضوء وانفتاح الوجود، لكن ليس من مهمة الإنسان السؤال هل يدخل وكيف يدخل الله - كما يقول في محاضرته ما الميتافيزيقا؟ - الطبيعة في نور الوجود؟ فهذا ليس من شأنه، فالإنسان ما هوإلا "راعٍ للوجود"وحسب؛ ولكي يكون الإنسان راعياً حقيقياً للوجود يجب المحافظة على العهد الرباعي الذي صرح به هايدغر في "فكر العهد (الحدوث )".
سادساً ــ  سكن الوجود لرعاية العهد مع الله
تناول هايدغر في محاضرة "الزمان والوجود" الوجود بوصفه هبة، وعطاؤه هوالتفكير في حقيقة الوجود، ومن بين معاني العطاء (الحادث أوالحدوث) Ereignis إذ يتأسس هذا الحدوث على مدى علاقة الانتماء بين الوجود والزمان بأبعاده الثلاثة (المستقبل والماضي والحاضر)؛ وبجعل هذا الانتماء ممكناً يرجع إلى مدى قرب الوجود الإنساني من السكن؛ لأن هذا السكن هوالاقتراب من حقيقة الوجود التي تنفتح وتلقي الضوء على ما هو مقدس الذي يؤدي إلى الانفتاح على ما هو إلهي، ومن خلاله يتجلى الله.
معنى انتماء الوجود الإنساني للأصل وهو الوجود حيث انتماؤه، بالتالي إلى رباعية العالم؛ أي يتواصل ويدخل في مجال تكشف العلاقة التي تجمع بين الإنسان والإله والأرض والسماء؛ لأن الحادث هوالمجال الداخلي الذي يتواصل ويتلامس وربط تكشف وجوده بالتواصل مع الله.
يصرح إسماعيل مهنانة: "بأن معظم شراح هايدغر اتفقوا على أن سنة 1936 هي بداية ظهور فكرة الحدوث كمعنى من معاني العطاء التي يهبها الوجود: "فهوحدوث الالتقاء بين الوجود والزمان في إضاءة الموجود الإنساني، فمن مسئوليته وواجبه القرب من الوجود بوصفه حارساً للوجود لعدم الانطفاء والسقوط في صمت الموجود، وإنما يجب عليه الحفاظ على تلقٍّ لهبة الوجود إليه، ويظل منتظراً لتلك الهبة من داخل هذا الانفتاح الحر"[24]. ففي محاضرة ما الميتافيزيقا؟ يصرح هايدغر: "لكن السؤال عن كيفية دخول الله في نور الوجود ليس من مسؤولية الإنسان؛ لأنه ما هو إلا راعٍ للوجود "وحسب، ولكي يحافظ الإنسان على تلك الرعاية، يجب عليه المحافظة على الانتماء والقرب من الوجود.
من هنا يؤسس هايدغر إتيقا (أخلاق) مسؤولية الإقامة (السكن) التي يتحمل مسؤوليتها الموجود الإنساني: "لأن في السكن تقيم الأشياء، ويكون فيه رعاية للوجود التي تكون مهمة المستقبلين، وتلك هي مهمة الشاعر الذي يتلقى ويستقبل إشارات الآلهة في البعد المقدس ويسميها بالكلمة في قصائده التي تفسر ـ في نفس الوقت ـ صوت الشعب، وتلك المهمة تتم داخل هذا التلامس والتواصل الرباعي للعالم بصيانته والتي تظهر في: "إنقاذ الأرض، استقبال السماء، انتظار الإلهيين، قيادة الفانين، وهذه الرعاية الرباعية هي الماهية البسيطة لمفهوم السكن "[25].
يعلن هايدغر في مقالته "من تجربة التفكير": "بسبب وصولنا إلى الآلهة متأخرين جداً، ووصولنا مبكرين جداً للوجود الذي يعتبره الإنسان بداية قصيدته "[26] هذا أدى إلى انغلاق الأرض للسماء، وبالتالي تحجبت وانغلقت السماء، ولن ترسل السماء إشاراتها ونداءها، وهذا يؤدي إلى غياب الإله وأفوله، وعدم ظهور الماهية الحقيقية لله.
لكن تظهر مهمة الشاعر الذي يتلقى هذه الإشارات ويستمع لنداء الآلهة، حتى تتكشف السماء، وبالتالي تنفتح الأرض على السماء، "باعتبار الإنسان يشغل مكاناً هاماً في تجربة الوجود، وبالتالي يشغل مكاناً في تجربة الألوهية الذي يظهر فيها بصفته الوجودية "التي لا تتم إلا من خلال الإنصات لنداء الألوهية الذي يتردد داخل الوجود.
لهذا يترجم هايدغر مدى اعتماد ما سبق على جدلية العلاقة التي تتم بين القرب والبعد من السكن (الوجود) التي تؤدي إلى مدى انكشاف وانفتاح أو انغلاق العلاقة الجدلية التي تتم بين الوجود والله من خلال قوله: "بصدد القرب من الوجود: نستطيع أن نسأل ما إذا كان الظلام سيظل منتشراً على العالم أم أن نور المقدس سيشرق عليه مرة أخرى، وأن عهد التجلي الإلهي والإشراق سيصبح من جديد أمراً ممكناً أوكيف يتسنى للإنسان الحديث أن يتساءل عما إذا كان الله قريباً أم مبتعداً عن العالم، أو كيف يتسنى له ذلك وهو يرفض التفكير في هذا النطاق الذي فيه وحده يمكن لهذا السؤال أن يُسأل، وهذا النطاق هو المقدس، بما إنه (المقدس) هو البعد الوجودي للألوهية؛ أي بعد الله يظهر من تلقاء نفسه عندما يضيئه ويكشفه الوجود من قبل بالانتظار والاستعداد له، عندها يُعرف على حقيقته".
تلخيصاً لما سبق، يتموضع الإلهي "باعتباره أعلى وجوداً " خارج إطار الواقع، وبالتالي خارج دائرة الفرق الأنطولوجي، الذي يعكس شعاع المعنى الجوهري لعلاقة غير مادية هي أساس للعالم،  لذا ذهب هايدغر بهذه المعاني لتتوافق مع حاجة الإنسان المعاصر لمأمنٍ ما الذي ينعكس في مفهوم "الخلاص" و"النجاة" كمفهوم ثابت من الثوابت الإيمانية التي ترتكز عليها المسيحية.     
 سابعاً ـــ الخاتمة
يتضح مما سبق أن هايدغر يعتبر نفسه ثيولوجيَّاً مسيحيّاً، وهذا يتضح عندما أرسل خطاباً شخصياً إلى كارل لوفيت Karl Lowith أحد أصدقائه في عام 1921 م قال فيه ما يلي: "لعل من أفدح الأخطاء أنك وبيكر Becker قد جعلتماني أسوة بفلاسفة من أمثال نيتشه كيركيغارد وغيرهما، ويمكنني القول بأنني لست فيلسوفاً، بل إنه لا وجه للمقارنة بيني وبينهما لأنني ثيولوجي مسيحي"[27].
ويشير هذا الخطاب الهام إلى ما يلي: إن الدافع العميق المحرك لهايدغر في طريقه الفكري هو"الثيولوجيا "Theology: بدليل اعتبار نفسه ثيولوجياً مسيحياً، ويعني ذلك أن جميع الأسئلة التي يطرحها تهدف إلى التحرر من الثيولوجيا بمعناها التقليدي التي نشأ عليها، وذلك كي يمكنه أن يكون مسيحياً بحق، فهو يريد أن يتخذ مهمة جديدة للاهوت في مقابل المسيحية اللاهوتية السائدة، ولقد ساعده في ذلك ـ على حد قوله ـ ما تعلمه من مذاهب في كلية اللاهوت بجامعة فرايبورغ.
هذه المهمة الجديدة تتلخص في "الدعوة إلى الإيمان وحمايته "وهذه العبارة التي سمعها "غادامر" في عام 1923 م في حوار مع هايدغر عن الثيولوجيا بوصفها مهمة للتفكير، وتبين له أن الآنية الوقائعية المهمومة بإشكال الوجود هي البداية الصحيحة لتحقيق هذه المهمة، فهي الموجود "السائل" عن معنى الوجود[28].
صفوة القول، إن "السؤال عن الوجود" الذي جاهد هايدغر دوماً في سبيل إثارته، ومحاولة الإجابة عليه ليس ـ في النهاية ـ سوى "السؤال عن الله"، وهذا يعتبر رداً لمن قاموا بوصف فلسفة هايدغر ذي اتجاه إلحادي.
وهذا يتعارض ـ في الوقت نفسه ـ  مع من وصفوا فلسفته بأنها عقلانية صوفية، لكن هذا يعد ـ أيضاً ـ تجنياً على فلسفة هايدغر بوصفها واختزالها بالعقلانية والصوفية؛ لأنها تنفذ إلى طبقات أعمق ولا صلة لها بهذه المواقف الأحادية؛ لأن العقلانية والصوفية في رأي هايدغر موقفان فلسفيان متحيزان حيث يعلن أن فلسفة الوجود تختلف عن التصوف؛ وذلك لوجود تعارض بين الاستغراق في سلبية الحالة الداخلية التي تنتج عن اتحاد النفس بالإله، وبين التأثر الوجداني وارتباطه بالقلق عند هايدغر[29].
وبرغم  تنصله من وصفه "بصوفية الكلمة" التي تتردد في ثنايا كلمات دربه الذي اتخذه للسؤال عن الوجود من قبيل: "الانكشاف، التحجب، الانفتاح، التواصل الرباعي للعالم، والتجلي والحضور وغيرها، مما يدل على التأثير الديني المسيحي؛ الذي تتردّد أصداؤه في مؤلفاته، لكن صوفية الكلمة لا تعني ـ بتاتاً ـ ولا تقارن بولوج هايدغر في حالة صوفية يدخلها العابد أوالزاهد باتحاده مع الجوهر الإلهي، لكنه يقوم بترجمتها بعمق الكلمات التي تنحومنحى صوفياً، وتتخذ جانباً من التجربة الصوفية؛ لكن تعتبر فلسفته قدمت هبة (كما يصف الوجود) بإنارة الطريق لسالكيه للوصول للإلهي والتحرر من السقوط والوصول إلى الخلاص المسيحي.
على الرغم من ذلك، لم يقدم لنا هايدغر بعد كل ذلك ما يعنيه الله على مستوى تجربة الوجود، كما تتضح بتساؤلاتنا التالية:
كيف يوجد الإلهي في تجربة الوجود؟ هل يوجد في الوجود ذاته، أم فيهما معاً؟ هل يمكن فهم الإلهي بإحلاله في الوجود أم لا؟
لكن هايدغر لم يقدم أي إجابات واضحة، وإنما قدم لنا إشارات موجزة لا نستنتج منها أي حلول، وإن ما قدمه ما هوإلا مجرد كيفية السير في طريق الإلهي فقط، ويمكن إرجاع ذلك إلى انشغاله الدائم والملح عن سؤال الوجود المحرك الخفي لتوجهه الفكري، وبرغم  أن إشكالية الوجود تعد مدخلاً لإشكالية الله (الدين).
وكما يقول غروندين: "نجد أن كل الفلسفة الهايدغرية تبدو تأملاً دائماً للانفتاح على سر الوجود".
  لقد جانَبَ هايدغر الصواب عندما اعتبر أن الأوامر والالتزامات والشعائر والطقوس الدينية تقلل من قيمة الإله، وإنما هي التي تحافظ على دور التواصل والتلامس الذي يحدث كما عبرت عنه بحوث التواصل أيضاً بين التجميع الرباعي للعالم وكيفية الحفاظ عليه، إلا أننا نوافقه الرأي بعدم اختزال الله لمجرد قيامه بغايةٍ ما هي تشريع الأوامر والالتزامات الأخلاقية، ثم ينتهي دوره، وهذا ما قد أجاب عنه هايدغر عندما قام بالرعاية للتجميع الرباعي للعالم بحسن اتصال الأرض بالسماء والحفاظ عليه؛ لعدم انغلاق وتحجب السماء وإتاحة الفرصة للأرض لسماع صوت الله في ندائه وإشاراته التي يهبها للوجود.
[1]*- باحثة في الفلسفة ـ جامعة القاهرة- جمهورية مصر العربية.
[2]ـ صفاء عبد السلام جعفر:  الوجود الحقيقي عند مارتن هايدغر، منشأة المعارف، الأسكندرية، 2000. ص 50.
[3]ـ  هانس ألبرت:  هايدغر والتحول التأويلي، ترجمة: عبد السلام حيدر،  مجلة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، 2016.ص7.
[4]ـ  جون ماكوري: الوجودية، ترجمة: د. إمام عبد الفتاح إمام، مراجعة: د. فؤاد زكريا، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1986. ص188 – 189.
[5]ـ هانس كوكلر:  الشك ونقد المجتمع في فكر مارتن هايدغر، ترجمة: حميد لشهب، جداول للنشر والترجمة والتوزيع، بيروت، 2013 ص 74 – 75.
[6]- John R. Williams: (Martin Heidegger’s Philosophy of Religion) Wilfrid Laurier university press،Canada. 1977  p. 105 – 111.
[7]ـ (هانز ألبرت، ص 7).
[8]- Ibid ,.p. 97 – 101.
[9]ـ  ولأننا نبهنا الأذهان إلى قول نيتشه: «إن الله قد مات» أعلنوا أننا ندعوإلى الإلحاد، فما هوأكثر منطقية من القول بأن الذي يكابد «موت الله» في العصر الحاضر هوإنسان لا رب له على الإطلاق؟
«ولأننا تكلمنا في كل هذه الأمور ضد ما تحسبه الإنسانية مقدساً» اتهمنا بتعليم «عدمية هدامة غير مسؤولة»، فما هوأكثر منطقية من القول بأن الذي ينكر حقيقة الأشياء الموجودة والموجودات، يضع نفسه في صف «اللا وجود»، وينظر إلى «العدم» على أنه المعنى الوحيد للحقيقة؟
( 8) هانس كوكلر: الشك ونقد المجتمع في فكر مارتن هايدغر.... ص 62 – 63.
[10]ـ المرجع السابق، ص 65.
[11]ـ  صفاء عبد السلام:  الوجود الحقيقي...ص 505.
[12]ـ مارتن هايدغر: ما الفلسفة؟ ما الميتافيزيقا؟ ـ هلدرلن وماهية الشعر،  ترجمة: فؤاد كامل  محمود رجب، مراجعة: عبد الرحمن بدوي، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، 1974. ص 38.
[13]ـ صفاء عبد السلام: الوجود الحقيقي... ص 504.
[14]ـ (صفاء عبد السلام، ص 508).
[15]ـ صفاء عبد السلام جعفر: علاقة الجوار بين الشعر والفكر / أنطولوجيا اللغة عند هايدغر، أوراق فلسفية، العدد التاسع، القاهرة، 2004. ص 223 – 224.
[16]ـ المصدر نفسه: ص322.
[17]ـ المصدر نفسه: ص322.
[18]ـ  مارتن هايدغر:  ما الفلسفة؟ ما الميتافيزيقا؟. ص 145.
[19]ـ  هو صوفي ألماني دخل في سلك النظام الدومينكاني منذ فترة مبكرة من حياته، درس في كولونيا وباريس، وأصبح كاهناً عاماً لمنطقة بوهيميا ثم ذاع صيته في ألمانيا حتى ليعد مؤسس التصوف الألماني، لا يعتمد تصوفه على اللاهوت أو التأمل الميتافيزيقي فحسب، بل على تفسير للتجربة الصوفية الشخصية.
[20]-(15) Benjamin D. Crowe (Heidegger’s Religious: destruction and authenticity )،Indiana university press،2006 p. 16.
[21]ـ  مارتن هايدغر:  ما الفلسفة؟ ما الميتافيزيقا؟.ص 17 .
[22]ـ هانس كوكلر:  الشك ونقد المجتمع..ص 73 – 74.
[23]ـ  عبد الجبار الرفاعي: تمهيد لدراسة فلسفة الدين، دار التنوير للطباعة والنشر، بغداد. 2014 ص 382.
[24]ـ الرفاعي: تمهيد لدراسة فلسفة الدين، مصدر سابق ص388-389.         
[25]ـ  عبد الجبار الرفاعي: تمهيد لدراسة فلسفة الدين. ص 388 – 389.
[26]ـ  هانس كوكلر: الشك ونقد المجتمع. ص 83.
[27]ـ صفاء عبد السلام جعفر:  الوجود الحقيقي. ص 509.
[28]ـ (المرجع السابق، ص 509).
[29]ـ (المرجع السابق، ص 502).

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...