الآشوريون: الأصول والانتماء واللغات وحركة الإحياء الجديدة

14-05-2012

الآشوريون: الأصول والانتماء واللغات وحركة الإحياء الجديدة

الجمل : الآراميون، والآشوريون، والكلدانيون، والسريان، يمثلون مجموعة اثنية توجد في: العراق، وإيران وسوريا، وتركيا، ولبنان. ويتحدثون عدداً من اللغات الآرامية الجديدة. هؤلاء عاشوا في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنه في القرن الماضي، هاجر نصفهم تقريباً إلى منطقة القوقاز، وشمال أمريكا، وغرب أوروبا.
يبلغ عدد الآشوريين في العالم حالياً حوالي 15 مليون نسمة، يعيش منهم حوالي 800 ألف في العراق، و500 ألف في سورية، وخمسة آلاف في لبنان. ويتوزع بقية العدد في مختلف بلدان العالم، منهم حوالي 82,355 في الولايات المتحدة، و35 ألفاً في السويد، و23 ألفاً في ألمانيا، وغيرها من البلدان الغربية، إضافة إلى قلة منهم اتجهوا إلى بلدان شرق أوروبا منهم 14 ألفاً في روسيا، وجورجيا وأرمينيا وأوكرانيا.

أولاً: مشاعر الانتماء الآشوري
خلال القرن الأول الميلادي، كانت الآرامية هي اللغة السائدة في عموم منطقة الشرق الأوسط، ولكن بسبب العامل الديني، والجغرافي والنفوذ السياسي المتغير، حدث نوع من الانفصال اللغوي، حيث أصبحت كل مجموعة سكانية تتحدث لهجة آرامية خاصة بها، الأمر الذي أدى لاحقاً إلى إضعاف قدرة التفاهم المشترك بين سكان المنطقة. وكانت اللغة الرئيسية الأخرى المنافسة للآرامية في هذه المنطقة، هي اللغة اليونانية، والتي كانت تتحدث بها الأوساط الاجتماعية العليا، وبالذات في المراكز الحضرية الرئيسية لساحل شرق المتوسط. وقد عزز من مكانة اللغة اليونانية إنشاء الكنائس المتزايد، والذي ازدهر في العصر اليوناني. ورغم ذلك فقد انتشرت الديانة المسيحية بشكل مضطرد بين شعوب شرق المتوسط الناطقة بالآرامية.
استخدمت كلمة (الآرامية) في الكتابات التاريخية المبكرة، وكذلك في النصوص الإغريقية الأولى، ومن بينها كتب المكابيين من قدماء اليهود، التي تشير إلى اللغة الآرامية باسم (سيرياكوز)، وإلى من يتحدث بها (سيرياكوي). لذلك يرجح البعض أن كلمة (آشوري) تستند تاريخياً إلى كلمة (سيرياكوي) اليونانية. والجدير بالذكر أن كلمة (آرامي) قد تم حظرها، لتحل محلها التسمية الإغريقية للآرامية، والتي تتضمن (سيرياكوز) و(سيرياكوي)، وذلك على نحو تطورت فيما بعد إلى كلمة إغريقية أخرى هي (سيرياي)، ومن ثم أصبح السيرياي هو الآرامي المسيحي. وبسبب التمييز، أصبحت كلمة آرامي تشير إلى الوثني أو المشرك،. إضافة إلى أنها أصبحت تطلق على وصف الشخص الذي لا يتحدث الآرامية. واستناداً إلى المصطلح الإغريقي، برز المصطلح الإنجليزي سيرياك، ليستخدم في معرض الإشارة إلى كل مجموعة المسيحيين الناطقة بالآرامية.
هناك تفسير تاريخي آخر، يعود إلى مؤرخي قدماء اليونان، مثل: هيرودوس، سترابو، جوستينيوس، وآخرين. وقد أشاروا إلى كلمة سيريان وهي تعني الآشوريين. وفي هذا الصدد كتب المؤرخ اليوناني سترابو، في القرن الأول الميلادي، قائلاً: «عندما كتب هؤلاء – يقصد اليونانيين القدماء – تاريخ الإمبراطورية السريانية، قائلين بأن (ميدا) قد تم خلعه والإطاحة به من قبل الفرس، وبأن السريان كانوا إلى جانب ميدا، فقد كانوا لا يقصدون بكلمة "سريان" شيئاً آخر سوى أولئك الذين قاموا ببناء القصور الملكية وشيدوها في بابل، ونينوى. وأيضاً كان من بينهم شخص يدعى "نينوى" هو الذي أسس نينوى».
نجد أيضاً أن الكتاب الآشوريين يقرون بهذه الحقيقة. وأصبحت كلمة سيريان تستخدم لاحقاً من قبل الإغريق، للإشارة إلى آشوريي بلاد ما بين النهرين وسكان منطقة غرب نهر الفرات. وبسبب ارتباط هوية السكان في هذه المنطقة آنذاك بالإمبراطورية الآشورية، فقد ترسخت التسمية الإغريقية بشكل أكبر. إضافة إلى عدم وجود أي سبب آخر للجوء إلى التسميات الأخرى، مثل الآراميين، أو الحثيين، أو حتى الآشوريين أو غيرهم. وبمرور الزمن أصبح اصطلاح (ساريا) واصطلاح (سيريان) لا يستخدم فقط للإشارة إلى المسيحي أو الآرامي، وذلك لأنه ظل مستخدماً منذ القرن السادس قبل الميلاد في الإشارة إلى الآشوريين، الذين وصفهم كُتّاب العهد القديم بالوثنيين والمشركين. رغم أن الحقائق تشير إلى أن العهد القديم قد أثنى على الآراميين بسبب أن إبراهيم، أبو الديانة اليهودية ثم المسيحية لاحقاً، كان آرامياً.
تطورت اللغة الآرامية على يدي الآشوريين القدماء، باعتبارها لغة عالمية - آنذاك - يتحدث بها عدد من الشعوب غير الآرامية. وكانت الرغبة في التفاخر الاجتماعي آنذاك،  سبباً في ازدهار الآرامية، وذلك على أساس اعتبارات أن السيد المسيح - عليه السلام - كان يتحدث بها، وبالتالي، فإن كل من يتحدث الآرامية يمكن أن يكون وثنياً أو مشركاً. وعلى هذا النحو، فقد أصبح المسيحيون الأوائل، الذين كانوا يعيشون في منطقة ما بين النهرين وغرب الفرات، يعتبرون أنفسهم آشوريين في فترة ما بعد المسيحية، تماماً مثلما كانوا قبلها.
فيما بعد، أصبح مصطلح سريان، يستخدم عرقياً، الأمر الذي أدى إلى التداخل والالتباس بين الدولة - الأمة الحديثة وسكانها (سوريا)، وبين ذلك الجزء من سكانها الذي ينتمي إلى الـ (سيرياك)، رغم أن الأغلبية من سكان هذه الدولة لا تنتمي إلى الـ (سيرياك).
وفي العصور الوسطى، قام بعض المفكرين الـ (سيرياك)، وبالذات الغربيين منهم، بإحياء استخدام مصطلح آرامي، ولكن بنطق جديد، يستند على المصطلح العبري (آراميت)، حيث تنطق (أورومي) من قبل هؤلاء السيرياك الغربيين. وتم استخدام هذا المصطلح الذي تم توليده للإشارة إلى مجموعة أكبر من الناس تتضمن الأرثوذكس الأنطاكيون، والكاثوليك الملكيون الإغريق، إضافة إلى الكاثوليك الموارنة. وقد أشار البعض إلى أن توليد واستخدام هذا المصطلح بهذه الطريقة، يرجع إلى خصوصية الآرامية  التي كان يتحدث بها السيرياك الغربيون، والذي يشبه إلى حد كبير لغة الأوربيين الذين يستخدمون اللغات الغربية ذات الأصل اللاتيني، وكانت تطلق عليهم تسمية اللاتين.
وبمرور الزمن انقسم المجتمع إلى جزأين: غربي وشرقي. ورغم ذلك، لم يكن الانقسام واضحاً، وذلك بسبب وجود الكثير من التداخلات والتقاطعات بين الجزأين، وكان ما هو واضح يتمثل في الانتماءات الجغرافية والكنسية. ورغم أن كل المجموعات، كانت في فترة العصور الوسطى تستخدم أنماطاً من آرامية القرون الوسطى في الطقوس والشعائر، فقد كان هناك بعض الذين يستخدمون أنماطاً مختلفة من الآرامية الحديثة. كذلك كان الموقف الكنسي يصنف الكنيسة السيرياكية الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية السريانية ضمن مجموعة الكنائس الغربية، والكنيسة الآشورية الشرقية، والكنيسة الكاثوليكية الكلدانية ضمن مجموعة الكنائس الشرقية.
وعلى أي حال، فقد كانت المراجع السيرياكية تشير إلى أن تسمية آشوريا تتضمن من بين ما تتضمنه منطقة (آشوريا الكبرى) الواقعة شمالي بابل، وثمة تأكيد لذلك ورد في إحدى الرسائل الكنسية، التي بعث بها البطريرك الشرقي تيموثي الأول إلى الراهب مار مارون (عاش من 770م إلى 823م) قال له فيها: «إن بابل وفارس وآشوريا، وكل بلدان هذه المنطقة، تعتبر تحت سلطته..». كذلك فقد استخدم رجل الدين المسيحي جيورجيس في القرن الثالث عشر نفس المصطلح في نفس السياق والموضوع.

وعي الذات:
تتميز عملية وعي الذات وتحديدها لدى الكثير من الآشوريين المعاصرين ببعض التعقيد، وذلك بسبب تداخل ثلاثة مصطلحات تاريخية، ويمكن توضيح ذلك على النحو الآتي:

1-آرامي:
كل تاريخ المسيحيين السيرياك، يشير على نحو مرجعي إلى الإرث والمجد الآرامي في مجمل الأدبيات السيرياكية، وأيضاً في كل التقاليد والأعراف السيرياكية الغربية والشرقية. وعند انتشار المسيحية، أصبحت كلمة آرامي تشير إلى "الوثنية" و"الشرك". بينما أصبحت كلمة سيريان تستخدم حصراً لدى الإشارة إلى الآراميين، الذين اعتنقوا المسيحية. ولاحقاً أصبح السيرياك المسيحيون يعتبرون أنفسهم "آشوريين". وبمرور الزمن تطورت مشاعر الانتماء خاصة في أوساط السيرياك الذين يعيشون خارج الوطن الأم، وأعادوا إحياء كلمة (آرامي) باعتبارها الأصل الحقيقي للتسمية الخاصة. ولم يقتصر هذا الشعور على السيرياك الذين يعيشون في المهجر الغربي، بل امتد إلى من يعيشون في تركيا، وإلى بعض الموارنة اللبنانيين. وتجدر الإشارة إلى أن كلمة آرامي في ألمانيا برزت للاستخدام بشكل مكثف، وهي تشير إلى السيرياك الغربيين بشكل أساسي.

2-آشوري:
تستخدم كلمة آشوري حالياً من قبل بعض الكنائس النسطورية والتي أصبح معترفاً بها في الدوائر الكنسية العالمية باعتبارها تمثل: الكنيسة الآشورية في الشرق، وذلك بدءاً من عام 1886. وتستخدم كلمة آشوري أيضاً من قبل بعض الكلدان الكاثوليك وبالذات الذين يعيشون في إيران والعراق. وعموماً يمكن القول إن تسمية آشوري ما تزال تستخدم حتى يومنا هذا، من قبل المجموعة الاثنية التي تعتبر نفسها آشورية في شرقي المتوسط.

3-آشوري - كلداني أو كلداني - آشوري:
المصطلح المزدوج الذي يجمع كلمتي: آشوري وكلداني، وضعه الزعيم الآشوري أنما بيتروس، وذلك في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، وكان يهدف بشكل أساس إلى توحيد أتباع الكنيسة الكلدانية مع وصفائهم في الكنيسة الشرقية، وذلك من أجل تعزيز وتدعيم قوة المجموعتين، بعد أن أصابها الضعف من جراء المذابح التي ارتكبها العثمانيون ضد المجموعتين، خلال فترة الحرب.
وحالياً، كل من يعتبر آشوري – كلداني، فهو بالضرورة ينتمي إلى الكنيسة الكلدانية في بابل، ولكن في إيران حيث يفوق عدد غير الكاثوليكيين على الكاثوليكيين، فإن استخدام تسمية آشوري لوحدها هي الأكثر غلبة.
لعبت سياسة الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وبعثاتها التبشيرية دوراً كبيراً في إحداث انفصال بين أتباع الكنيسة الكلدانية عن أبناء جنسهم من أتباع الكنيسة الشرقية، وقد استمر هذا الواقع في أوساط رجال الدين بالكنيسة الكلدانية حتى اليوم.
بعد سقوط نظام صدام حسين، استخدم الحزب الديمقراطي الآشوري العراقي تسمية كلداني – آشوري ليضم المجموعتين معاً.
زالت الإمبراطورية الآشورية منذ آلاف السنين، وما يزال بعض الآشوريين يتملكهم إحساس بانعدام الهوية، بسبب عدم وجود دولة آشورية توحدهم، وتمنحهم اعترافاً دولياً. وقد ظلت الدوائر العالمية والقومية والوطنية والمحلية، في الشرق الأوسط وفي سائر أنحاء العالم، تعترف بالآشوريين تبعاً لطوائفهم الدينية، وظل أتباع الكنيسة الأرثوذكسية السريان يعتبرون أنفسهم آشوريين استناداً إلى المصادر السرياكية، وبعض المصادر الأخرى.
في هذا الاتجاه كتب ميشيل الكبير بطريرك السريان الأرثوذكس (1126- 1199م) قائلاً: «في النصف الأول من القرن التاسع، كان الإغريق يمتعضون من اليعقوبيين، ويسيئون إليهم بقولهم "إن طائفتكم السريانية هي طائفة بلا أهمية ولا قيمة ولا شرف، وسوف لن يكون لكم مملكة بتاتاً أو حتى ملكاً عظيماً محترماً" وقد رد عليهم اليعقوبيون بقولهم، إنه حتى لو كان اسمهم سريان، فإنهم بالأصل "آشوريون". وقد كان لهم ملوك عظماء وشرفاء عديدون في آشوريا وبابل وأورهاي».
كذلك ورد في كتاب (تاريخ ميشيل الكبير): «مهما كانت الطريقة التي قام بها إبراهيم برسوم بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية السريانية في عام 1920، معتبراً شعبه آشوريين، وذلك لأسباب دينية وسياسية، في مؤتمر عصبة الأمم، إلا أنه في عام 1952 أصدر تعليماته بأن يتم إطلاق تسمية آراميين على الآشوريين. وقد التزم بعض أتباعه بقبول صفة آرامي، أما العدد الأكبر فقد استمروا متمسكين بتسمية آشوري».

4-كلداني:
نجح المبشرون الكاثوليك خلال القرون 12، 13، و14، في تحويل السريان من الكنيسة الشرقية إلى المذهب الكاثوليكي، وقد حدث في عام 1445 أن تقدمت الكنيسة النسطورية في قبرص بطلب الانضمام إلى كنيسة روما، وقد وافق البابا إيغينيوس الرابع آنذاك على الطلب، وبناء على ذلك قامت روما بتمديد سلطة كنيسة قبرص النسطورية (الكلدانية) لتصبح مسؤولة عن كل المسيحيين الذين تحولوا إلى المذهب الكاثوليكي، وذلك في المنطقة التي تضم شمال بلاد ما بين النهرين. وأصبحت عندها صفة هذه الكنيسة سارية منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، وأصبح كل الكلدان يعتبرون أنفسهم آشوريين.
حالياً، أصبحت التسمية الرسمية التي تطلق على أسقف الكلدان، هي بطريرك بابل على الكلدان، وأصبحت كنيسته تسمى بـ (كنيسة كلدان بابل).
كذلك نجد أن تسمية الكلدان، يتم استخدامها بشكل مرجعي وأساسي من قبل مجموعة من الآشوريين الكاثوليك الذين يعيشون في منطقة ديترويت بالولايات المتحدة، ويشكلون مجتمعاً قوياً متماسكاً يبلغ عدده حوالي 50 ألف شخص. وتجدر الإشارة إلى أن الأصل الآرامي لكلمة كلدان هو الكلمة الآرامية (كاسدي) والتي تم استبدالها في فترة لاحقة بكلمة (كالدو) والتي تمثل الاشتقاق الآرامي للمصطلح الآكادي.
ظهرت الكنيسة الكلدانية للوجود، بسبب الصراع الذي حدث في الكنيسة الشرقية التي كانت قائمة في منطقة نينوى في العراق - كانت تسمى منطقة آشوريا في الماضي - وكان الخلاف حول: هل يتم انتخاب البطريرك بواسطة الأساقفة، على النحو الذي كان سارياً ومعمولاً به في فترة ما قبل القرن الخامس عشر، أم يتم تعيينه وفقاً للتسلسل الهرمي لآباء الكنيسة، الذي وضعه البطريرك شيمون الرابع (1437- 1497) وذلك في عام 1450م، لأن عدداً كبيراً من أساقفة الكنيسة في بلاد ما بين النهرين قد اختفوا عن الوجود بسبب المذابح التي قام بها تيمورلنك ضدهم.
وترتب على هذا الخلاف، أن قامت المجموعة التي تؤيد الانتخاب باختيار يوهانان (جون) سولاغا كبير الرهبان في دير هرمز، الذي يقع على بعد 20 ميلاً شمال نينوى، بطريركاً لهم. ومن خلال مساعدة المبشرين اللاتين ليوهانان، وجد فرصة السفر إلى الفاتيكان، حيث قابل البابا الذي بارك تعيينه بطريركاً للمجمع الطائفي الديني الجديد المتحد مع كنيسة روما. بعد أحد عشر قرناً من انفصال كنيسة المشرق عن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، كانت مباركة البابا في الفاتيكان لبطريركية يوهانان سولاغا، بمثابة إعادة واحد من فصائل الكنيسة الشرقية مرة أخرى إلى حظيرة كنيسة روما الكاثوليكية.
وتم إعلان سولاغا بطريركاً على منطقة الموصل، أذر (أي آشوريا)، وذلك في يوم 20 شباط 1553م، على يد البابا يوليوس الثالث. وقد أشارت مستندات الفاتيكان إلى يوهانان سولاغا، باعتباره بطريركاً منتخباً من قبل "الأمة الآشورية". وبهذا الصدد فقد نصت (وقائع اجتماعات مجموعة رهبان الكرمل) بأن يوهانان سولاغا قد تم إعلانه "بطريركاً على الآشوريين الشرقيين". ولكن في 19 نيسان 1553، تمت إعادة تحديد تسميته باعتباره "بطريركاً للكلدان". وعلى الأرجح، فإن التغيير قد هدف إلى التمييز بين رجال الدين الأكليركيين وأتباع الكنيسة الجديدة في مواجهة أولئك الذين استمروا في انتمائهم للكنيسة القديمة. وتجدر الإشارة إلى أن تسمية كلداني ترتبط بالإشارة إلى النبي إبراهيم والذي أشار العهد القديم إلى أنه من مواطني أور الكلدانية التي تقع في جنوبي بلاد ما بين النهرين.
خلال معظم فترة القرن السادس عشر، ظلت مستندات الفاتيكان تشير إلى بطاركة الكنيسة الكلدانية وكنيسة الشرق، باعتبارهم آشوريين، ولكن هذا الاتجاه في السياسة الكنسية تغير عند نهاية ذلك القرن، عندما بدأت حملة جديدة لإثارة كراهية كنيسة الشرق، متهمة إياها بالنسطورية (النسطورية هي مذهب في الكنيسة الشرقية القديمة يقول بوجود طبيعتين للسيد المسيح، الأولى بشرية والثانية إلهية) والنزوع الانفعالي الانشقاقي ولعنة الابتلاء، والعمل على توطيد كنيسة (كلدانية النزعة).
بحلول منتصف القرن الثامن عشر، استطاع المبشرون اللاتين تحويل عدد كبير من الآشوريين في منطقة نينوى إلى اعتناق المذهب الكاثوليكي، بدلاً من مذهبهم المسيحي السابق. وتأكيداً لذلك قام جون هورمويثيد، آخر بطاركة الكنيسة الشرقية في نينوى، بالإعلان رسمياً عن الانتماء الكاثوليكي لكنيسة نينوى، وكان ذلك في عام 1830م، وتمت في الوقت نفسه مباركة تنصيبه بطريركاً للكنيسة الكلدانية من قبل الفاتيكان.

5-السيرياك:
استخدمت كلمة "سيرياك" بشكل أساس في تسمية اللغة التي كان يتحدث بها مسيحيو بلاد ما بين النهرين. وفي تعداد تم إجراءه عام 2000 في أمريكا، اختار رجال دين كنيسة الأرثوذكس السريان صفة "سيرياك" كتسمية لهوية أتباعهم، وقد تم ذلك بدافع عدم تصنيفهم واعتبارهم مواطني سوريا، إذ أطلقوا على أنفسهم تسمية سريان، خاصة وأنها لا تتناسب مع طبيعة المجموعات الآشورية والكلدانية المتعصبة في منطقة ما بين النهرين. وتبين أن هناك بعض المجموعات الكاثوليكية الأخرى تستخدم هذا المصطلح، وقد اكتشف باحثون في أمريكا وغرب أوروبا أن عدداً كبيراً من "المارونيين اللبنانيين" الذين يعيشون في هذه البلدان يطلقون على أنفسهم هذه التسمية، وذلك لعدم رغبتهم بأن تطلق عليهم صفة "العرب".
لا يوجد في تركيا أي اعتراف بأي أقلية أو كنيسة كلدانية، أو آشورية، أو سيرياكية، وقد ظلت الحكومة التركية تقمع بشدة كل الأقليات والهويات الفرعية، ولا تعترف إلا بالهوية التركية. وفي بلدان المهجر الغربية والشرقية يستخدم مصطلح آشوري كصفة عامة، عند إجراء الإحصاءات الرسمية للأقليات المهاجرة والمقيمة في أراضيها. وثمة دليل ماثل على ذلك في إحصاءات أرمينيا، كندا، استراليا، جورجيا، نيوزيلندا، روسيا، والولايات المتحدة.
في عام 2005 صدر قرار في العراق، يقضي باستخدام صفة كلداني – آشوري في الإحصاءات السكانية القادمة.
وفي السويد تضع السياسة الديموغرافية الرسمية للدولة خطاً فاصلاً بين مجموعتين، هما:
-المجموعة المحددة والمعرفة دينياً باعتبارهم سرياناً، أي المسيحيون الأرثوذكس السريان.
-المجموعة المحددة والمعرفة سياسياً واثنياً، باعتبارهم آشوريين، أي الذين ينتمون إلى معتقدات مسيحية مختلفة (أغلبيتهم مسيحيين أرثوذكس سريان)، إضافة إلى بعض اللاجئين المسيحيين العراقيين من الطوائف الأخرى، ولكن انتماءاتهم الدينية أقل بروزاً وظهوراً.

اللغات:
هناك عدة جماعات دينية تنضوي تحت المظلة الاثنية الآشورية، وتتحدث هذه الجماعات عدداً من اللهجات الآرامية الجديدة منها: الآرامية - الجديدة الآشورية، ويتم التحدث بها في إيران والعراق وسوريا وتركيا. والآرامية - الجديدة الكلدانية، ويتم التحدث بها في العراق حصراً. وتنتمي اللهجات الآرامية - الجديدة المشار إليها هنا، إلى عائلة اللغات الآفرو- آسيوية، إضافة إلى أن هذه اللهجات الآرامية - الجديدة تمثل كل ما تبقى من  اللغة الآرامية الكلاسيكية التي كانت سائدة في الماضي. كذلك فهناك علاقة وثيقة بين اللغة الآرامية واللغتين العربية والعبرية، التي يتضمن قاموسهما عدداً من الكلمات ذات الأصل الآرامي. ونجد أن اللغة السيرياكية الكلاسيكية هي لغة سامية، باتت منقرضة، وغير مستعملة في الكنائس. وعلى أساس أصولها، فهي تنتمي إلى المجموعة الآرامية المستخدمة في الطقوس القداسية الدينية في الكنائس الآشورية والكلدانية والسيرياكية والمارونية.
تبين أن اللغة التي يتحدث بها الآشوريون حالياً، تتضمن بعض المفردات الآشورية والكلدانية القديمة، والتي تم تحويرها عن الأصل التاريخي القديم، ولكن بشكل طفيف. وتقوم في الوقت الحالي العديد من المدارس الآشورية في شمال العراق، بتدريس اللغة الآشورية السيرياكية لطلاب المرحلتين الابتدائية والمتوسطة. ويتحدث كل الآشوريين لغتين على الأقل، الأولى هي اللغة الآشورية الأم، والثانية هي لغة البلد الذي يعيشون فيه. وعلى هذا النحو يتحدث آشوريو البلدان العربية، اللغة العربية كلغة ثانية، وكذلك الحال بالنسبة للذين يعيشون في إيران وتركيا.
وإلى جانب اللهجات العامية المحلية للآرامية الجديدة، توجد لغة الكتابة، وهي تقوم بالأساس على اللهجة الآرامية الجديدة المستخدمة في منطقة أورميا الواقعة شمال إيران، حيث يتم استخدام الحروف الهجائية السيرياكية وفقاً لتنوعها الشرقي. ويرجع الفضل في إحيائها إلى المبشرين الأوروبيين، الذين عاشوا وعملوا في المنطقة خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر. وتجدر الإشارة إلى أن أول صحيفة صدرت في إيران واستمرت في الصدور خلال الفترة من عام 1849 إلى عام 1918، كانت تصدر بهذه اللغة الآرامية الجديدة الشرقية. واستطاع المبشرون الأمريكيون أن يقوموا بعملية إحصاء، أوضحت أنه من بين (125000) شخص كانوا يتحدثون الآرامية آنذاك، كان هناك (41) شخصاً يجيدون القراءة والكتابة: منهم 40 رجلاً وامرأة واحدة، هي شقيقة البطريرك.
مع حلول حقبة التسعينات من القرن التاسع عشر، استطاع الآشوريون أن يحققوا المزيد من النجاح والتقدم في مجال التعليم، حيث أصبحت معظم القرى الآشورية في منطقة أروميا تحتوي على مدارس ابتدائية، وفي بعضها كانت توجد مدارس ثانوية أيضاً. وقد برزت عدة محاولات لتأسيس لهجة أدبية للآرامية الشرقية، وأبرز هذه المحاولات قام بها بعض الكهنة الآشوريين في مدرسة الكوش في القرن السابع عشر الميلادي.
حالياً يعمل الأمريكيون على مساعدة الآشوريين في توطيد اللهجة الآرامية الجديدة، التي تعرف باسم (الكوينية) أو (الداخشبراخي) لاستخدامها واعتمادها لغة للخطاب الأدبي الآشوري.

حركة الإحياء الآشوري الجديدة
توجد حالياً عملية بطيئة الإيقاع من أجل توحيد الكنائس الآشورية المتعددة، ويبدو أن الدافع الثقافي هو الأقوى في حركة التوحيد والإحياء الآشوري، إضافة إلى أن ثمة إحياء سياسياً برز بشكل خفيف في الأوساط الآشورية، خاصة بين آشوريي المهجر.
لعبت تكنولوجيا الاتصالات دوراً كبيراً في تعزيز التواصل بين الآشوريين، وبفضل الإنترنيت والبريد الإلكتروني، ضعفت الحواجز بين الجماعات الآشورية في العالم، وأصبح ارتباط الجماعات الآشورية بالولاء الوطني للبلدان التي يعيشون فيها حالياً أقل بكثير ما كان عليه في السابق. وكذلك خففت حركة التواصل التي صنعتها التكنولوجيا الحديثة من حدة المنازعات والخلافات والخصومات، وأصبح الحوار الآشوري - الآشوري أكثر انفتاحاً ومرونة. وقد أدى إتقان عدد كبير من الآشوريين للغات الأجنبية، وخاصة للغة الإنجليزية، إلى تزايد تواصلهم مع الثقافات الغربية، وإلى تزايد النفوذ والتدخل الغربي في توجيه حركة الإحياء الآشوري.
كانت الخلافات الآشورية - الآشورية في الماضي تغذيها البعثات التبشيرية الأجنبية، وذلك على خلفية محدودية معرفة الآشوريين أنفسهم بحقائق تاريخهم الديني والسياسي واللغوي وأصلهم الاثني. وقد استمر عدد كبير من الآشوريين يربطون بين الأصل الاثني والتحدث باللغة الآشورية، وذلك على أساس اعتبارات أن كل الآشوريين بالضرورة لا بد أن يتحدثوا لهجة أو لهجتين من الآرامية الشرقية أو الغربية. وقد أدى هذا الافتراض إلى اعتقاد بأن هذه التسمية يجب أن تسري أيضاً على التسمية الاثنية للجماعة الآشورية.
بالنسبة للآشوريين الذين يرغبون في إحياء اللغة السرياكية الكلاسيكية لتكون لغة معتمدة بشكل دائم في الطقوس الدينية للكنائس الآشورية، فقد شددوا على كثير من الاعتبارات التي يمكن أن تترتب على ذلك، ومن أبرزها إطلاقهم على أنفسهم تسمية "سيرياكيين"، وقد برروا حجتهم هذه، بأن اللغة السيرياكية التي كانت مستخدمة، كانت هي نفسها في الكنائس الآشورية القديمة، وإن اختلفت تسميتها، إلا أن لغة الـ (سوريويو) هي نفسها لغة (السوريايا)، والاثنتان في نهاية الأمر هما لغة واحدة، هي السيرياكية.
كذلك برزت مجموعة آشورية، اتخذت سبيلاً أكثر سهولة وسطحية، وذلك عن طريق مقابلة هذه التسميات مع تسمية (السيرياك) أو (السيريان)، وذلك دون التحقق من أن مصطلحي "آشوريون" و"سيريان"، هما من الأصل نفسه، وهو أمر تؤكده الوثائق التي كتبها الكثير من المفكرين والمؤرخين من مختلف الجنسيات والقوميات.
توجد بعض الخلافات بين بعض المجموعات الآشورية في الشرق الأوسط حول موضوع اللغة، وعلى ما يبدو فإن السبب في هذه الخلافات والفروق والتباينات اللغوية يرجع إلى أن الكيان الآشوري نفسه ليس كياناً واحداً، بل موزعاً على العديد من دول العالم، ورغم ذلك، فقد استطاع الآشوريون المحافظة على اللغة الآرامية لفترة تجاوزت الألفي عام، على النحو الذي أدى إلى استمرار التماسك الثقافي بين أطراف المجتمع الآشوري الكبير.

الجماعات والطوائف الدينية:
توجد ثمانية مجمعات دينية آشورية في العالم حالياً، هي: الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية - كنيسة الآشوريين الشرقية - كنيسة الآشوريين في المجمع المقدس الشرقي - الكنيسة الكلدانية في بابل - الكنيسة الكاثوليكية السيرياكية - الكنيسة الأرثوذكسية السيرياكية - الكنيسة الإنجيلية الآشورية - وكنيسة البينتوكوستال الآشورية.
كل الآشوريين حالياً يتوزعون في تبعيتهم على هذه الكنائس، ولكن ليس كل من ينضم لواحدة من هذه الكنائس يمكن اعتباره آشورياً، لأن صفة آشوري تتطلب وجود عوامل أخرى إضافة إلى الدين، وهي اللغة والأصل الاثني.
لا يعترف الآشوريون مطلقاً بأن هناك آشوريين تحولوا إلى الإسلام، ويرفضون الإقرار بذلك بشدة، لأنهم بالأساس يرفضون فكرة وجود آشوري مسلم. ورغم ذلك فهناك شواهد ودلائل تشير إلى أن هناك جزءاً من المجتمع الآشوري قد تحول إلى اعتناق الإسلام، مثلهم مثل سائر شعوب المنطقة العربية. وحالياً يوجد في منطقة (تورعابدين) في العراق مجموعة من المسلمين يسمون بـ (المهالموي) وقد تحولوا من الكنيسة الأرثوذكسية السيرياكية إلى الإسلام في القرن السادس عشر الميلادي، وهي الفترة نفسها التي شهدت خروجاً عن الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية عند بعض الشعوب الناطقة باليونانية في مناطق الدردنيل وألبانيا، مثل: البوماكس، التوربيش الغوراني.. وغيرهم.
وبالنسبة إلى المجموعة الآشورية التي اعتنقت الإسلام، فما زالت تمارس الكثير من العادات الثقافية والاجتماعية الآشورية في منطقة شمال العراق، خاصة الزخارف والأغاني والرقصات. ومن أبرز العشائر الآشورية التي اعتنقت الإسلام في شمال العراق، توجد عشيرة "البرازنوي" (وتعتبر حالياً عشيرة كردية سنية المذهب هي عشيرة البرزاني). وهناك "التاكريتوي" وهي التي تعيش حالياً في منطقة تكريت وتصنف كعشيرة عربية سنية المذهب. وهناك قبائل "الطاي" أي قبائل الطائي، وتصنف كقبائل مسلمة سنية عربية حالياً، وأيضاً تعتبر قبائل شمر ذات أصل آشوري.
وتشير كثير من الدلائل إلى الأصول الآشورية لمجموعات الصابئة المندائيين، باعتبار أن جذورهم الاثنية والثقافية هي كلدانية.

الجمل : قسم الدراسات

التعليقات

ان جميع ما قيل هو صحيح لاان السريان هم من اصل آشوريي ونحن جميعا نفتخر بذلك وان الكلدان هي طائفة وليسو من الآشوريين وشكرا

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...