سوريا: دعوات إلى عدم الانجرار وراء «الشائعات»

30-04-2015

سوريا: دعوات إلى عدم الانجرار وراء «الشائعات»

لا تجد الدعوات إلى «نفير عام» صدى لدى القيادة السورية، رغم ما تضج به مواقع التواصل الاجتماعي من خشية ليمتد الخلل في الميزان العسكري الحاصل في شمال البلاد إلى مناطق أخرى أكثر حيوية. ويعود السبب إلى حسابات تتضمن أبعاداً اقتصادية واجتماعية، كما سياسية، بينها الخشية من حصول صدمة كبيرة على مستوى سعر صرف العملة، والذي تهاوى بنسبة خمسة في المئة في الأسابيع الأخيرة، وانكماش وتيرة الأعمال الاقتصادية والخدماتية في البلاد، إضافة لما يمكن أن يصيب كلفة الحياة، المرتفعة أصلاً، بما لا يمكن علاجه.
كما تبقى الفكرة خارج التداول السياسي، لكونها ستعطي انطباعاً سلبياً وخطيراً على المستويات المختلفة، بما سيترك أثره السلبي على كامل حسابات الدولة للخطر المحدق بالبلاد، برغم أنه ليس هامشياً بطبيعة الحال.
إلا أن الدعوات، التي يسوقها ناشطون وإعلاميون موالون، تعكس حالة قلق تسود الأوساط العامة في سوريا، وتحديداً في المناطق التي حافظت على مستوى أمان عال وحياة شبه طبيعية، وتتوزع على مواقع مختلفة من البلاد، بينها ما هو في الشمال الشرقي كالحسكة، وما هو جنوباً كالسويداء، ومناطق الساحل، إضافة إلى مدن الداخل كحماه، وبنسبة أقل طبعاً حمص في العامين الأخيرين.
هذا القلق دفع وزارة الإعلام إلى إصدار بيان، أمس الأول، طالبت فيه المواطنين بالانتباه إلى «مستوى الشائعات» التي تبثها وسائل إعلام المعارضة، بما «يوحي بحصول تحول نوعي في المعركة»، رافضة هذا التفسير، ومشيرة إلى احتمال «تصعيدها (الشائعات) في الأيام المقبلة».
وجاءت زيارة وزير الدفاع السوري فهد جاسم الفريج لطهران في توقيت مناسب، لتأكيد «وقوف إيران» إلى جانب حليفتها، حيث أكد نظيره الإيراني حسين دهقان، بعد اجتماعي عمل، أن طهران «مستمرة في دعمها اللامحدود لسوريا وعلاقاتها الإستراتيجية معها، ولن تسمح لأحد بالمساس بأمن واستقرار ووحدة الأراضي السورية».
وأطلع السوريون الإيرانيين على ملاحظاتهم عن حجم الدعم التركي المباشر لفصائل المعارضة المتحالفة مع «جبهة النصرة» في هجمات إدلب وريفها، بل وأصدرت وزارة الخارجية، بياناً رسمياً، أكدت فيه أنها تنظر للأمر باعتباره «عدواناً خارجياً» على البلاد، يجري بالتنسيق المباشر مع تركيا والسعودية.
ووفقا لمصدر سوري مطلع فإن التحليل المستند إلى معطيات أمنية وإعلامية متوفرة في دمشق، يقر بأن «انسجام الأهداف التركية والقطرية والسعودية» هو الذي قاد إلى هذا الخلل الميداني، مشيراً إلى حجم التسليح الملحوظ الذي زاد، وعمليات التسهيل والدعم اللوجستي العابر للحدود التركية للفصائل المسلحة، والتي تلعب «جبهة النصرة « بينها الدور الرئيسي والأكثر فعالية.
وتأتي الهجمات المنسقة بين الحلف الثلاثي، التركي ـ السعودية ـ القطري، متزامنة مع دعوة المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا لمشاورات سياسية بخصوص «جنيف 3».
وبالرغم من أن دمشق لا تعتقد أن تصاعد الضغط العسكري على الجيش في مناطق الشمال مرتبط مباشرة برغبة المبعوث الدولي في إحياء جنيف، إلا أن «التزامن بين الأمرين، يقود للاعتقاد أن الهجمة الحالية لن تتوقف، حتى يجري تغيير ملحوظ في موازين القوى على الأرض»، يؤدي من وجهة نظر المهاجمين «إلى أن تحقيق تسوية على مزاجهم باتت ممكنة». وأبلغ ديبلوماسيون قطريون وأتراك اعضاء من «الائتلاف الوطني السوري» أن هذا هو الهدف، وأن مشاركتهم في جنيف ستأتي في سياق تطورات ميدانية جديدة.
وصعّد «الائتلاف»، استناداً إلى ذلك، موقفه التفاوضي في اجتماع منذ أيام مع ممثلين عن القوى العسكرية المقاتلة في الداخل، معتبراً أن «لا حل سوى بإسقاط النظام بكل رموزه ومرتكزاته وأجهزته الأمنية، وألا يكون لرأس النظام وزمرته الحاكمة أي دور في المرحلة الانتقالية، وفي مستقبل سوريا». وركز البيان على اعتبار أن «السوريين يواجهون احتلالاً إيرانياً إرهابياً وطائفياً بلوثة متعصبة قومية ومذهبية».
من جهة ثانية، تركز وسائل إعلام الدولة، كما تصريحات المسؤولين السوريين، على «الهوية التكفيرية» لمقاتلي المعارضة. وتكرر بيانات الخارجية، كما تصريحات الرسميين، أن ما تشهده سوريا من هجمات ما هي «إلا نتيجة للفكر الوهابي الذي تسوقه السعودية وقطر». وينتشر المفهوم ذاته على المستوى الشعبي أيضاً، لا سيما في المناطق التي يقاتل أبناؤها مع الجيش بعيداً عن بيوتهم، في مواجهة مباشرة مع العدو.
ويرى مراقبون ميدانيون أن ثمة إستراتيجية مخفية في التصعيد الأخير، بهدف «إطفاء جبهات وإشعال أخرى» ربما لجر غالبية المقاتلين المنتمين إلى مناطق آمنة بالعودة إليها، للدفاع عنها، بدلاً عن خوض معارك بعيدة عن ديارهم المهددة، الأمر الذي قد يقود إلى ضعف في الجبهات التقليدية الساخنة، وهي جبهات مهمة على المستوى الاستراتيجي، وبالتالي تسخين جبهات جديدة، في استمرار لعمليات الاستنزاف الممنهج.
كما أن ثمة من يخشى ألا تكون الإستراتيجية المعتمدة في هجمات الفصائل المسلحة، المتحالفة مع جناح تنظيم «القاعدة» الشامي، مقتصرة على «تحسين الموقع التفاوضي» لاحقاً، ولا سيما أن غالبية الفصائل «لا توافق على التفاوض، ولا تضعه في أجندتها»، وهو ما يمكن تبيانه من بيان «الائتلاف» الذي ركز على «الدور الإيراني المذهبي»، بوجود ممثلين عن «جيش الإسلام، والاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، فيلق الشام، جبهة أنصار الإسلام...الخ». وتتركز الخشية في أن يكون لدى «القاعدة»، المتمثلة بـ «جبهة النصرة»، خطة «تهجير» يقول بعض دعاتها، ومن بينهم الشيخ السعودي عبد الله المحيسني، أن «ظروفها قائمة الآن باعتبارها من مفاعيل الحرب».
وليس واضحاً بالطبع «إلى أين هذا التهجير؟» في حال تمكنت الفصائل المتحالفة مع «القاعدة» من التوسع فكراً وسلاحاً، في الوقت الذي يتركز معظم مهجري المناطق المشتعلة أساسا في مناطق الساحل والسويداء والحسكة، كما دمشق، بشكل رفع عدد سكان كل مدينة إلى ضعفي عددها الطبيعي.

زياد حيدر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...