الملهاة الكردية والعبثية في الشمال السوري

10-09-2022

الملهاة الكردية والعبثية في الشمال السوري

علي الرّاعي:
"حلم الأكراد طويلاً بدولة وطاغية كردي، شاعرين بغيرة شديدة من العرب الذين عملوا أكثر من عشرين دولة بعشرين طاغية. حلموا أن يصير لهم طاغيتهم كي يصفقوا له..  قرون طويلة، وهم يبحثون عن أب يذلهم ويسحقهم باللغة الكردية، ثم "يناضلون" سراً وعلانية لقتله واغتياله." من رواية "خلاف المقصود" للروائي السوري الكردي أحمد عُمر.
وكأن أحمد عُمر بذلك المقطع، يُلخص الملهاة الكردية على مدى التاريخ والجغرافيا, تلك الملهاة التي تتجلى بالمحنة التي طالما وقع فيها الأكراد؛ أنهم: صدقوا أمريكا، صدقوا روسيا، صدقوا العرب، صدقوا الأسلامويين بأجنحتهم الكريهة: الوهابية، العثمانية، الأخوانية. و.. صدقوا حتى الصهاينة، وكانوا في أكثر من مرة بندقية للإجار لكلّ هؤلاء، ونسوا سوريتهم، ولم يحملوا بندقيتها، أو حملوها وهم في حالة شكًّ وارتياب وحيرة وصلت في أحيان كثيرة حد الشيزوفرنيا. فكان أن كذب عليهم كل هؤلاء وخسروا سوريتهم.
بالتأكيد ليس ذنب الأكراد، أنهم موجودين في أقاليم ضمن أربع دول، وحق الأكراد أن يكون لهم جغرافيا تجمعهم كما كل أقوام هذا الكون، لكن أمر وطن لهم يبدو مستحيلاً لأسباب:
1- تشظي الإرادة الكردية باتجاهات مختلفة ومتناحرة في أحيان كثيرة.
2 – الصراع الكردي الكردي حيناً، أو الصراع مع حكومات بلدانهم الموزعة، ومن ثم سهولة اصطيادهم فرداى وجماعات.
3- وجود الكثير من العمالة العثمانية والوهابية والأخوانية في الصفوف الكردية، الأمر الذي يزيد قي تقسيمهم، بل وتفتيتهم، والحالة البرازنية العميلة لإردوغان، المثال الأسوأ في هذا المجال.
4- توزع جغرافيتهم في أربع دول تتفق - حتى لو كانت متحاربة – ضدهم.
5- تعويلهم على القوى العظمى التي غالبا ما تنقلب عليهم وهم لا يفقهون. فالذي يبيع نفسه للشيطان، سرعان الشاري ما يبيعه لشيطانٍ أسوأ.
الخطأ القاتل الذي وقع فيه الأكراد السوريين اليوم، إنهم صدقوا أمريكا على وجه التحديد، وحابوا روسيا، وكانوا على استعداد لأن يحابوا أيٍّ كان في هذا الكون، إن كان يقدم لهم "طبق الانفصال" حتى ولو كان على حساب الوطن السوري. مع أنهم في بداية المحنة السورية استبسلوا في الدفاع عن أرضهم. "كوباني" أو عين العرب في ريف الحسكة، و"الشيخ مقصود" في حلب. مثالان باهران في هذا المجال، غير أن مقاومتهم انحرفت بعد أن صدقوا أمريكا، ولم يعتبروا من خيانتها لأصدقائها لا قديما ولا حديثا، مع أن موضوع (الكونفيدارلية) أمرٌ قابل للنقاش –غمز لهم وزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم أكثر من مرة- شرط أن لا يأتي كمن يستغل ضعف الدولة لإعلانه كأمرٍ واقع، وقد يكون حلاً سوريا فيما بعد.
لم نندهش عندما أعلن مسعود البرزاني الاستفتاء ل"كردستان العراق" من أصدقائنا الذين نعرفهم عن قرب بسوريتهم العتيقة؛ تأييدهم لذلك الاستفتاء الذي هو عتبة أولى في طريق الانفصال الطويل. ذلك إن كل كردي في داخله رغبة عارمة لتجريب الدولة تحت "طاغية" كردي، كما عبّر ذات حين القاص والروائي أحمد عُمر في روايته السابقة " خلاف المقصود".
فالكردي في كل الدول التي يُقيم فيها، يحتاج لأن يُعلن عن كرديته، أو ليُجربها، ولو لمرة واحدة. حتى بعض الانتهازيين الذين رددوا "أمةٌ عربية واحدة" أو نادوا ب"الإسلام هو الحل". هذه "الحاجة" التي كانت ممنوعة بمغالاة وأخطاء الطرفين: الأكراد والأنظمة الحاكمة لهم. مرة برفض الأكراد "وطنية" الدولة التي يعيشون فيها ورفضهم التجنيس، الذين تباكوا عليه فيما بعد. ومرةً بتوسل المساعدة حتى لو كانت من أردوغان نفسه. الرئيس الأكثر أخوانية، ومن ثم طائفية وقومية في تركيا.
ومرةً أخطاء من السلطات الوطنية التي كانت ترى في الأكراد "عدواً" مؤجلاً. وتفرض عليه حالة أقرب إلى الكاريكاتورية بأن يصرخ الطفل الكردي كل صباح "أمةٌ عربية واحدة". وكان أن نظرت تلك الأنظمة إلى "العربي" في الخليج أو في شمال أفريقيا أو في مصر، إنه أكثر "مواطنة" من الكردي السوري أو العراقي. ومنذ إعلان الوحدة مع مصر سنة 1958 عجز السوريون والعراقيون عن الاعتراف بالوجود القومي الكردي. فيما الكردي في إيران أو في تركيا؛ فهو عدوٌ مُبين. وطالما بقيت "الشوفينية التركية" العدو الأخطر للأكراد وقضيتهم.
وهو عجز مصدره عدم الاعتراف بسوريا، أو بالعراق كوطن نهائي للسوريين والعراقيين، فكل الأحزاب التي أنشئت في البلدين كان على أساس قومي أو عقائدي أو شمولي عابر للحدود؛ أحزاب تنظر لأوطانها إنها أوطان مؤقتة وخطوة في طريق حلم بوطن أكبر يمتد "من المحيط  الهادر إلى الخليج الثائر" أو قومي إقليمي أو شمولي عقائدي كما في دعوات الحركات الإسلامية والشيوعية على تنوعها وتعددها.
ثمة من يُعيد تاريخ الأكراد في تلك الجبال الموحشة بين أربع دول من تخطيط الوزرين "سايكس وبيكو" إلى 2500 سنة قبل الميلاد. ومع ذلك لم يلحظ الوزيرين خلال التقسيم حصة ما للأكراد، وهو ما يسعى إليه أحفادهما بعد مئة سنة على ذلك المخطط التقسيمي أو هكذا يوهمون الأكراد اليوم.
والأكراد ربما من أكثر العرقيات التي تميزت في إضاعة الفرص، أو في استغلالها، أو اختيار الزمن الخطأ لإعلان حلمهم. فقد ضيع الأكراد حلم الدولة خلال أواخر السلطنة العثمانية عندما كان "الرجل مريضاً" حسب وصف الدوائر السياسية الغربية للسلطنة. وبدل عن ذلك كانوا أداة قتل للعثماني في أكثر من مجزرة طالت جيرانهم في الوطن. ضياع تلك الفرصة التاريخية؛ هو ما جعل الكردي بعيداً.
لاشك إن الأكراد يتمايزون كجماعة عرقية وثقافية، وثمة من يتحدث عن تجربة تُشبه الدولة لهم سُميت ب"المهابات" أخذها الإسكندر في طريقه خلال فتوحاته.
لكن لو نظرنا إلى الأمر من باب هذا التمايز، كم ستصعد للوجاهة جماعات عرقية وثقافية، يُمكن للوطنية أن "تجبّها" أقول الوطنية وليس القومية، بدل هذا التناحر العبثي.
اليوم تكمن أكثر ملامح المحنة؛ إنّ الحالة الكردية، تستطيع – فقط- أن تكون أداة لمن يريد لتفجير الحروب والصراعات، وغير ذلك لا شيء. فحتى وقوات أردوغان تدمر قراهم في مُحيط عفرين، وأمام طغيان "الحلم الانفصالي" يرفضون رفع العلم الوطني السوري أملاً بائساً بالانفصال. وما صراخهم بتدخل الجيش السوري سوا إحراج القيادة في دمشق، وخلط الأوراق. ولو كانوا فعلاً يريدون القتال في خندق واحد مع الجيش السوري لما تاهوا عن الطريق، وكان سهلاً على صالح مسلم، أو مظلوم عبدي - مثلاً - أن يُنسق مع العميد سهيل الحسن لتوحيد البندقية وتوسيع خندق القتال السوري في وجه عدوٍ واحد.
وأظن أن درس عفرين اليوم متروك ل"يتربى" أو يتعقّل الكردي، ويتبهدل التركي في دنكوشيتة وحوله التي ذهب يخوّض فيها، ويبدو أن هذه إرادة كل الأطراف في العالم.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...