مقاطع من التاريخ الإسلامي المتوحش

01-01-2022

مقاطع من التاريخ الإسلامي المتوحش

أحمد الشهاوي: قتله ، ثم قطع رأسه ، وأفرغها مما تحويه ، ولمَّا صارت خاويةً مُجوَّفةً ، حشاها ملحًا وكافورًا ، ووضعها في صندوقٍ من ذهبٍ ، تقديرًا لمكانة المجزُوز ، وكتب اسم القتيل بخطٍّ فارسيٍّ عزَّ مثيله  في الزمان ، وسلَّمها إلى واحدٍ من رجاله ، وكان قد اعتزم الحجَّ من قرطبة إلى مكة ، وقال له وأنت في طريقك إلى الحجِّ عرِّج على بغداد ، وقبل أن يذهب الخليفة إلى المسجد فجرًا ، ضع الصندوق أمام عتبة داره ، وضع واجهته مقابل عينيه ، وهو خارج من الدار ، كي يقرأ بوضوحٍ عبارتنا المحفورة بالذهب  :
" هذه هديتي ، وفي المرة المقبلة سأهديك رأسَكَ ، لكنني سأحشوها بمقدار حملِ جمل من روث البعيرِ ، وما يماثلها من خراء الشياطين " .
2
قالت لجواريها  الحسناوات ، وكُن خمسًا ، لا تخلو أجسادهن من سمنةٍ مُفرطةٍ بادية خُصوصًا في مؤخراتهن : اجلسن على ابني ، وهو نائمٌ في سريره  بالقصر ، ولا تتركنه حتى يفقد النفَس ، أريد خبره الليلة ، فلا عاش من غَلَّ يديَّ في حُكم الخلافة الإسلامية ، فأنا أم الخليفة ، لي  فوق ما له وأزيَد ، ولي التصرُّف في الأرضِ والعِرض ، في البلاد والعباد ، أقول للشيء كُن فيكون ، أنا إلهتكم ، وأم هذا القتيل ، الذي لم يعُد يلزمني منه ذِكرٌ ولا أمرٌ ، أنا الخيزران ، ما خُلق بعدُ الذي يكفُّ يديَّ ، أو يحبسهما عن تصرُّفٍ أبتغيه ، أنا المحتكرة المستأثرة ، الحاكمة بالله ، المستبدةُ ، سيدةُ الأرضِ .
وهكذا مات خليفة المسلمين مُغتالا مسحُوقًا تحت شدَّةِ وطأةِ مؤخرات جواري أمِّه .
3
( حتى أنه قتل في يوم واحد خمسين ألفًا من المسلمين  ).
جملةٌ عاديةٌ تتكرر في كتاب التاريخ الإسلامي الحافل بمقَاتِل المسلمين بعضهم بعضًا ، وما تفعله داعش أو أية حركة متأسلمة ، أو جماعة تتاجر في الدين ، هو غيضٌ من فيضٍ ، ونقطة صغيرة من بحارٍ دماءٍ سالت  ، وتاريخ الدولتين الأموية والعباسية ليس ببعيدٍ عن الأذهان .
فلم تعرف العربُ في الجاهلية أو صدر الإسلام نبشَ القبور ، والتنكيل بالجُثث ، وتعليقها في الساحات ، أو فوق فروع الأشجار ، أو على أبواب البيوت مُددًا طويلةً حتى تبلى وتأكلها الجوارحُ والشمس ، بعد قطع رؤوسها ، وسحق عظام الخُلفاء ، وتذريتها في الأنهار ، أو حرق الجُثث ، ونثر رمادها في المياه ، أو فوق الجبال ، أو إجبار أهل المقتُولين على شُرب رماد ذويهم بعد غليه ،  كأنه  قهوةٌ  عربيةٌ أصيلة .
ويذكر المسعودي في كتابه العمدة " مُروج الذهب ومعادن الجوهر " أن الخليفة الأول الملقَّب بالسفَّاح أبا العباس نبش قبر الخليفة هشام بن عبد الملك بن مروان ، وقد أمر بجلد جُثته ثمانين جلدةً بالسوط .
والسفَّاح هذا  ، سيُقتل بعد ذلك تحت أنقاض بيته ، بعد أن حُبس سبع سنوات ، وكانت مخيلة أبي جعفر المنصور تشطح كثيرًا في تفانين وألوان القتل ، فأمر بأن يسكنَ في بيتٍ ، يُوضع في أساسه ملحٌ ، وأن يجري الماءُ من تحته ، فسقط البيت وتهاوى ، وكان عُمر  الخليفة السفاح وقتذاك اثنتين وخمسين سنة .
4
كان واليًا على إمارة خُراسان ، وعاصمتها مرْو ، وكانت وقتذاك تشمل مناطق في أفغانستان وتركمانستان وإيران ، ولمَّا قُبضَ عليه ، وصُودرت أمواله ، وحانت ساعةُ الإحصاء ، بلغت – كما تقول معظم المصادر التاريخية – حمل ألف وخمسمئة بعيرٍ .
ذهبت الأموال إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية  وكان ذلك في زمن هارون الرشيد ، الذي أمر هرثمة بن أعين بالانقضاض على عليِّ بن عيسى بن هامان والي خراسان .
راحت الأموال بالطبع إلى جيْب الخليفة ، الذي كانوا يسمُّونه  - خشية غضب الناس -  بيت مال المسلمين .
وسيأمر فيما بعد خليفة آخر هو المأمون بقتل هرثمة خنقًا أو بدسِّ السُّم له ، وقيل إنه قبل أن يُلقَى في سجنه ، ويُقتل سرًّا ، قد دِيست بطنه ، وضُرب أنفُه ، وسُحب من بين يديه .
هكذا عاشت الخلافة  بين الدم والملذات ، بين السَّبي والسرقات  ، وأيضًا كان هناك ضوءٌ يسطع من عقول وقلُوب العارفين من أهل التصوف والشعر والعلم والدين ، وإن لم يسلموا من الصلب والقتل والضرب والسحل والاتهام بالزندقة والهرطقة والتكفير، لكنه يظلُّ ضوءًا فرديًّا ، وليس نتاجًا لسياسةٍ أو منظومة عملٍ مُخطَّط لها سلفًا .
5
ولمَّا لم يكن شيئًا بين القوم ، اصطنع لنفسه نسبًا ، وبدَّل اسمه ، خجلا من اسمه الذي منحه له والداه ، وساعده في ذلك  أناسٌ من القوم ، وشجَّعُوه على المضي في كتابة تاريخٍ جديدٍ له ، لم يسطِّرْ منه حرفًا واحدًا ، وهي الصناعة التي أتقنها العرب قديمًا ، من أجل تقديم وجهٍ ، ليكونَ بعد أجلٍ  خليفةً أو واليًا ، لكنَّ  الحاشية لم تستطع أن تتقن عملها كل الإتقان ، فمثلا مثلا أن تجعل من أبي مسلم الخراساني  فحْلا بين رجال عصره ، إذْ في حقيقة الأمر لم يكن يقرب النساء إلا مرةً واحدةً كل عام ، ولم يذكر لنا التاريخ هل كان في هذه المرة مُعلما في الهتك والفتْك والضرب والنيْل ، أم هو دون الآخذ بجماع امرأته أو نسائه وجواريه ، وكن كثيرات .
وهو القائل : ( الجماع جنونٌ ، ويكفي الإنسان  أن يجن في السنة مرة واحدة ).
ويبدو أن الخراساني قد انشغل بالدم ، ليرسي دعائم الدولة العباسية الجديدة على أنقاض مُلك بني أمية ، إذْ قيل إنَّ أيام حُكْمه شهدت قتل ما يزيد على نصف مليون نفس ، وهو نفسه قتل (37 سنة) بعد حين بأمرٍ من الخليفة أبي جعفر المنصور .

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...