فهم الأديان يبدأ من التاريخ

22-12-2021

فهم الأديان يبدأ من التاريخ

د.سامح عسكر:
أكثر الناس دراية بالماضي والحاضر هم المؤرخون، وأكثر الناس قدرة على التنبؤ هم المؤرخون، وأكثر الناس عمقاً في الكتابة وبساطة في الطرح ودقة في الرصد هم المؤرخون.
يستطيع المؤرخ أن يُصبح عبقرياً إذا أضاف لنفسه قدرات عقلية فلسفية، أو لو كان يمتلكها فطرياً فهو ليس مجرد مؤرخ، بل هو كنز لا يقدر بثمن.. ولتقريب الصورة فالأحاديث -كمثال- عند المسلمين، هي أصل لفهم الدين لديهم، والسبب أنهم يتعاملون مع الحديث كنص ديني وليس كنص تاريخي، وهنا فارق كبير يخدع من أهمل التاريخ ودروبه..
مبدئياً تُعتبر أحكام الفقه قائمة على هذه المرويات التاريخية بشكل أساسي، و يمكن تقسيم الناس في فهم تلك المرويات إلى ثلاثة جماعات:
الأولى: هم الجهلة والأغبياء..وهؤلاء يعتقدون أنهم يعرفون كل كبيرة وصغيرة عن النبي، بما في ذلك عدد مرات جِماعه لزوجاته وكيفية اغتساله من الجنابة...!!
الثانية: وهم الانتقائيون أصحاب المصالح، الذين يقبلون من المرويات التاريخية والحديثية ما يحلو لهم، وهؤلاء لديهم أزمة ثقة وبعضهم يتطرف فيُصبح من الجماعة الأولى، والثاني يعتدل فيُصبح من الجماعة الثالثة.
أما الجماعة الثالثة والأخيرة: فهم العقلاء والمثقفون..ومنهم المؤرخون الذين يعلمون حركة التاريخ ،وأنه حسب حركة التاريخ يستحيل معرفة ما كان عليه النبي من أقوال وأحوال، حتى لو وصلت أقواله وأحواله سليمة-فرضاً وهذا مستحيل-فلا يمكن بناء معرفي إلا برؤية طُرق الكلام ..ملامح الوجه..شدة الصوت..حركة اليدين..وأحواله فرداً أم جماعة، ومن هم الجماعة، والجانب السياسي والاجتماعي والاقتصادي، بينما يبقى كل ذلك مجهول ...
ثم نُفاجأ أن النص جاء إلينا مجرداً ميتاً لا حياة فيه، وبالتالي لا يستطيع المؤرخ معرفة سياق النصوص كي لا تَخرج من سياقها ويُدخلها أصحاب المصالح في سياق آخر.
حقيقة مؤكدة أن تاريخ المسلمين هو أزمة كبيرة ،لأنه يعتمد على رؤية شخص واحد وهو.."محمد ابن إسحاق"..صاحب السيرة، وهو كتاب مُفعم بالأسلوب القصصي والجانب الأدبي في الصياغة.
فإذا طبقنا المنهج التاريخي بفهم الواقع أولا فعلينا كما قبلنا رؤية ابن إٍسحاق في السيرة...أن نقبل رؤية أسامة بن لادن في الأمة، فكلاهما أصحاب كتب وأصحاب قصصً، وفي الوقت الذي يرى فيه ابن إسحاق فضائل الأمويين يرى فيه الظواهري زندقة المسلمين وقبولهم بأحكام الكفار.. هذه رؤية واحدية حزبية مذهبية استسلم لها المسلمون والغريب أنه وأُثناء بحثي التاريخي قبل ذلك في صلاة التراويح..وجدت جميع أخبارها موقوفة على راوٍ واحد وهو.."ابن شهاب الزهري"..فحسب منهج التاريخ أن التراويح هي صلاة الزهري وليست صلاة الرسول.
لأن التاريخ يستحيل به وصل كلام الزهري للرسول عن طريق السند، ولو وصل فيُنظر أولاً في التراويح سيجد المؤرخ أنها صلاة عامة حضورية، وعليه لو كان النبي يصليها فينبغي أن تأتي من رواة كُثُر لا يتواطئون على الكذب فيما يُعرف.."بالتواتر"..وهو شرط لا يتحقق غالباً في كافة أخبار المسلمين والحديث ليس استثناءً من ذلك.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...