د. ثائر دوري: العراق منطقة مقاومة و ليس منطقة فراغ

29-09-2007

د. ثائر دوري: العراق منطقة مقاومة و ليس منطقة فراغ

الجمل- د. ثائر دوري: كتب أحد شعراء حماة الشعبيين في الخمسينيات هاجياً نظرية ملء الفراغ الاستعمارية قائلاً :
ايزنهاور قل إحساسك
فتش عن الفراغ براسك
 للشعوب العربية تاريخ سيء مع نظرية ملء الفراغ ، التي قال بها ايزنهاور في ذروة المد القومي و النهضة السياسية القومية العربية في مصر و سوريا و العراق ، حيث الحلم بدولة عربية واحدة ، حديثة ، متحررة ، تأخذ مكانها على الساحة الدولية ممثلة لأمة  عربية عريقة ،ذات عمق إسلامي،و صاحبة تأثير كبير في التراث الإنساني . لذلك أحس السياسيون و الناس العاديون بالإهانة من هذه النظرية الاستعمارية ، و هم محقون بهذا، فهذه النظرية تتجاهل وجودهم السياسي ، و الاجتماعي ،و الحضاري ، و الثقافي ، و في أحسن الحالات تعتبرهم مجرد كائنات حية مثلها مثل الكائنات الحية الأخرى غير  البشرية ، ومن هنا جاء غضب الشاعر الشعبي على ايزنهاور  .
من المعلوم أن ايزنهاور قد قال بنظرية ملء الفراغ في المنطقة العربية عند  انحسار نفوذ الإمبراطورية البريطانية بعد حرب السويس ، و لمجابهة تصاعد المد القومي . و من الواضح أن هكذا نظرية تعتبر أن المنطقة العربية منطقة خالية من القوى الاجتماعية و السياسية القادرة على امتلاك  منطقتها جيوسياسياً ، و بالتالي فهي منطقة فراغ يجب أن تشغلها الولايات المتحدة فبل أن يبادر الإتحاد السوفيتي .
 إن نظرية "ملء الفراغ" هي تجل من تجليات نظرية الوصاية الاستعمارية ، فهي تنويع على نظرية الأرض العذراء ، و المجاهل ، أو الأرض الخاوية ، التي تحتاج للغربي كي يعمرها ،و تفترض هذه النظرية مسبقا أن الشعوب الأخرى غير مؤهلة لحكم نفسها لأنها برية ، غير متحضرة ، همجية ، و بالتالي لا بد من حكمها  باسم التحضير مرة ،  و باسم الانتداب مرات ، أو باسم الوصاية و  الحماية ...إلى أخر ما هنالك من مسميات اخترعها الغرب في سياق مسيرته الاستعمارية التي دمر بها الشعوب ، و كانت نظرية "ملء الفراغ" إحدى تجلياتها في خمسينيات القرن العشرين،  كما تتجلى اليوم بحكاية  نشر الديمقراطية  .
لكن الغريب تماماً أن يستعيد الرئيس أحمد نجاد ، رئيس ايران ، هذه النظرية في سياق صراعه مع الولايات المتحدة . لأنه يستعير أدوات و نظريات استعمارية  ليصارع الاستعمار . لكن بداهة الأمور تقول إنه لا يمكنك أن تصارع الشيطان بنفس أدواته ، فأولاً أنت لا تستطيع أن تغلب الشيطان في ميدانه،و الأمر الثاني أنك إن استخدمت أساليب الشيطان  و أدواته و عاملت الناس كما يعاملهم  . عندها سيتساءل الناس بكل بساطة عن الفرق بينك و بين الشيطان ؟
ثم كيف يمكن للرئيس الإيراني  أن يتجاهل الانطباع السلبي الذي تثيره هذه النظرية في الشعب العربي فهي تذكرهم بكل المآسي ،التي تعرضوا لها خلال نصف قرن مضى نتيجة صراعهم مع أصحاب هذه النظرية ،الأمريكان !
ثم إن العراق ليس منطقة فراغ ، بل هو منطقة مقاومة ، و إلا فمن الذي دمر قوات الاحتلال و بشكل متسارع كما يقول الرئيس نجاد نفسه ؟ هل تم ذلك بفعل زلزال طبيعي ، أم بفعل فيضان !
إن مقاومة العراق ، مدنية و عسكرية ، هي التي ستحل مكان المحتل و مؤسساته عند انسحابه . و بداهة أن من قهر أعظم قوة عسكرية و امبرطورية في التاريخ قادر على حرق قوى أصغر منها بما لا يقاس إذا كانت مشاريعها لا تناسبه . لذلك فإن محاولة حشر النفس في الشأن العراقي على طريقة الإمبراطور الأمريكي ستأتي بكوارث على الطرف الذي سيحشر نفسه و لن يكون مصيره أفضل من مصير من سبقه من محتلين .و لن يحصد سوى الخيبة سوى أنه سيزيد آلام شعوب المنطقة و عذاباتها بعض الوقت ، كما سيجر مزيداً من المآسي على شعبه نفسه
يقول المثل العربي البسيط ، العميق ، الذي يستحق أن يكون قاعدة فقهية ،و دينية ،و سياسية ،و اجتماعية . يقول هذا المثل :
(( أهل مكة أدرى بشعابها))
 و بالتالي فإن أهل البيت أولى بتدبير شؤون بيتهم ، و لا يعني هذا الأمر نظرية انعزالية على ما نمط ما نسمع هذه الأيام في كل قطر عربي على أنه أولاً . بل يعني أن لكل بيت تفاصل لانهاية لها من حق المنغمسين بها أن يعالجوها وفق ما يرونه مناسبا ، أما الذين في الخارج ، من الجيران و الأقارب ، فلهم حق إبداء الرأي و حق التدخل إذا أتى أهل البيت أمراً خطيراً بحجة أنهم أدرى بشعابهم كحكاية من أراد أن يثقب موقعه من السفينة . أما أن نقول بفراغ هذا البيت و ننصب أنفسنا أوصياء على أصحابه فهذا أمر لا يصح أبداً و يؤدي إلى نتائج كارثية على الطرفين هذا إن افترضنا حسن النية عند الطرف المتدخل .
من يملأ الفراغ بعد رحيل المحتل هم أحرار العراق أولاً ، ثم  أحرار العرب  ، ثم أحرار المسلمين ، و أخيراً أحرار العالم . هؤلاء من يملؤون الفراغ الذي سيتركه المحتل بعد رحيله ، لكن حسب الترتيب الذي ذكرته دون أي تقديم أو تأخير لأن ذلك يعني مزيداً من الكوارث و لن يحصد صاحبه سوى الخيبة ، و لن يستفيد من تجاوز هذا لترتيب سوى أعداء العرب و المسلمين ، أعداء الإنسان ، من أراد أن يكون في العراق عليه أن يدخل البيوت من أبوابها ، و باب العراق هو مقاومته العسكرية وأناسه رافضو الاحتلال الذين يحفظون وطنهم بين أهدابهم و في حدقات عيونهم ، و لا ينامون قبل أن يصلوا ليحفظ الله عراقهم من كل مكروه ، و أما الدخول بواسطة القفز فوق الجدران أو من النوافذ أو بصحبة اللصوص و قطاع الطرق و شذاذي الآفاق ، و بمحاولة تقليد العم سام فلن يحصد صاحبه سوى الخيبة .
ايران جارة لنا في التاريخ و الجغرافيا،و بيننا و بينها روابط لا نستطيع منها فكاكاً . و إن مآسي العالمين العربي و الاسلامي منذ القرن الخامس عشر الميلادي سببها التشرذم الشديد ، و الصراع بين قوميات هذا العالم الأساسية نعني : العرب ، و الفرس ، و الأتراك ، و الأكراد . و إن خلاص هذا العالم من ربقة الإمبريالية يكون بإعادة بناء علاقات صحية بين هذه القوميات . أما تقليد المحتلين ، و محاولة بناء أمجاد قومية و قطرية على حساب القوميات الجارة ، فهذا مدخل لكوارث جديدة و لإدامة السيطرة الغربية على العالم الإسلامي .
  قال رسولنا الكريم يوم أحد و هو يمسح الدم عن جبهته :
" اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون "
و قال السيد المسيح و هو على الصليب
((....يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون)) ( لوقا 23:35)

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...