النظام المصري: عزلة داخلية وأزمة في السياسية الخارجية

27-02-2008

النظام المصري: عزلة داخلية وأزمة في السياسية الخارجية

الجمل: تتناقل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة المعلومات حول تحركات القيادة المصرية في واشنطن وباريس والسعودية والسودان ولبنان، إضافة إلى التقارير والأخبار حول لقاءات القاهرة ومؤتمرات واجتماعات شرم الشيخ فهل تملك مصر القدرة على التحرك الدبلوماسي ضمن هذا المجال الواسع، أم أن الأمر يندرج ضمن علاقات خط واشنطن – القاهرة وأجندة الدور الذي رسمته مسبقاً الإدارة الأمريكية وأوكلت للقيادة المصرية مسؤولية القيام به؟
* النفوذ الإقليمي المصري: حقيقة أم وهم؟
تحليل الأداء السلوكي للسياسة الخارجية المصرية يشير إلى أن القاهرة تحاول دائماً القيام بدور "قيادي إقليمي" في منطقة الشرق الأوسط، ولما كان القيام بمثل هذا الدور يتطلب الكثير من المزايا والمواصفات والمؤهلات، فهل تملك مصر في الوقت الحالي هذه المزايا التي تمكنها من القيام بمثل هذا الدور؟ بكلمات أخرى، ما هي القدرات التي تؤهل مصر للتحرك وحل الأزمة العراقية وأزمة الرئاسة اللبنانية والأزمة الفلسطينية وأزمة دارفور وأزمة جنوب السودان وأزمة الملف النووي الإيراني وغير ذلك من الأزمات والقضايا التي تعتقد القيادة المصرية بأنها تندرج ضمن "نطاق مجال النفوذ الحيوي المصري" المفترض؟ وإذا لم تكن لمصر في الوقت الحالي القدرات الفعلية التي تؤهلها للقيام بذلك، فكيف نفسر حماس وإصرار القيادة المصرية على القيام بمثل هذا الدور؟ هل السبب في ذلك عدم تقديرات القيادة المصرية الصحيحة في إدراك وزنها الحقيقي على النحو الذي جعلها تقع فريسة لعقدة تضخيم إدراك الذات بما يترتب عليه قدر كبير من الطاقة الزائدة، أم أن الأمر يرتبط بأجندة خط القاهرة – واشنطن؟ وإذا كان ذلك كذلك كما يقول علم المنطق، فعلى أي شيء تقوم علاقات هذا الخط وهل شراكة هذا الخط شراكة متوازنة تقوم على التكافؤ، أم أنها شراكة غير متوازنة تقوم على الإملاءات الأمريكية الوحيدة الاتجاه للقاهرة؟
* تحليل "عوامل القوة المصرية": "انكشاف وتبعية" أم "قيمة مضافة حقيقية":
برغم تباين خبراء الإستراتيجية والعلاقات الدولية والعلوم السياسية في تحديد عوامل قوة الدولة، أي دولة، فإنهم متفقون على وجود عوامل القوة التالية:
• عوامل القوة الاقتصادية.
• عوامل القوة السياسية.
• عوامل القوة العسكرية.
• عوامل القوة الاجتماعية.
• عوامل القوة التكنولوجية.
• عوامل القوة الطبيعية.
• عوامل القوة القومية.
وتجدر الإشارة إلى وجود الكثير من الخلافات النوعية بين هذه العوامل، إضافة إلى أنها لم يحدث وأن توافرت واجتمعت بكاملها في أي دولة من دول العالم، فالولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأقوى في العالم حالياً، تملك القوة العسكرية والاقتصادية، واليابان تملك القوة التكنولوجية. وتأسيساً على ذلك، ما الذي تملكه مصر من هذه العناصر بما يجعلها تنفرد بمكانة مميزة عن بقية دول الشرق الأوسط على النحو الذي يؤهلها لمحاولة القيام بدور في المنطقة أشبه بما تقوم به القيادة الأمريكية في العالم؟ وباختصار، لو أسقطنا معايير عوامل قوة الدولة على مصر فإنه يتبين لنا الآتي:
• على أساس اعتبارات القوة الاقتصادية: تعتبر مصر أكبر دولة مدنية في المنطقة إضافة إلى أنها من بين الدول الأقل من حيث مستويات دخل الفرد، إضافة إلى أن اقتصادها لا يستطيع الاعتماد على الذات والنمو دون معونات خارجية بأرقام كبيرة.
• على أساس اعتبارات القوة السياسية، فإن النظام السياسي المصري يعاني الكثير من التصعيدات والخلافات بسبب تزايد المعارضة وعمليات القمع التي يستخدمها النظام في إخضاع الشعب، وقد أدت الخلافات السياسية إلى فرض حالة العزلة الداخلية على النظام والقيادة المصرية.
• على أساس اعتبارات القوة العسكرية: برغم السرية والتعتيم الذي تفرضه كل دول العالم على قدراتها العسكرية، فإن القيادة المصرية تحاول الظهور دائماً بمظهر من يملك القوة العسكرية الأكبر والأقوى في المنطقة ولكن إذا أخضعنا القوة العسكرية المصرية للتحليل الواقعي فإنه تبرز أمامنا النتائج الآتية:
* لم تواجه القوة العسكرية المصرية أي تحدٍ حقيقي منذ حرب تشرين 1973م التي لم يخضها الجيش المصري لوحده، وإنما خاضتها معه قوى أخرى وتضافرت فيه الكثير من العوامل.
* القوة العسكرية المصرية لن تستطيع حالياً حسم أي حرب أو القيام بأي دور ردعي حقيقي في المسارح الثلاثة الرئيسية المواجهة لمصر:
* المسرح الشرقي: لن تستطيع القدرات العسكرية المصرية التغلب على القدرات العسكرية الإسرائيلية.
* المسرح الغربي: لن تستطيع القدرات العسكرية المصرية التغلب بشكل كامل على القدرات العسكرية الليبية بسبب ترسانة الأسلحة الليبية المتطورة والقدرة الليبية على التعبئة العسكرية الشعبية.
* المسرح الجنوبي: لم يحدث منذ أيام الفراعنة أن خاضت القدرات العسكرية المصرية مواجهة حقيقية في المسرح السوداني وكل ما هنالك أنه في فترة الحكم العثماني استطاع الضابط الألباني محمد علي باشا استخدام بعض الجنود المصريين، وفي فترة الاستعمار البريطاني استعان الجيش البريطاني ببعض الجنود المصريين في أعمال الاستطلاع وجمع المعلومات الاستخبارية عن شمال السودان لمصلحة المخابرات العسكرية البريطانية. وحالياً، بسبب العمق التنفيذي الجغرافي – العسكري، فإن الجيش المصري لن يستطيع التقدم لمسافة 200 كم وخوض المعارك و"حروب المياه" التي يتحدث عنها الخبراء العسكريون المصريون باعتبارها حروباً مفترضة لأجل السيطرة على منابع النيل فلا الطيران المصري قادر على ذلك ولا القوات البرية المصرية قادرة على ذلك.
• على أساس اعتبارات القوة الاجتماعية، فبرغم أن عدد سكان مصر هو الأكبر في المنطقة إلا أن كبر هذا العدد يشكل نقطة ضعف أكثر من كونه نقطة قوة، كما هو الحال في قوة الصين السكانية، لأن الخصائص النوعية الديموغرافية للسكان في مصر تتضمن نسبة عالية من الأمية ومعدلات فقر مرتفعة والبطالة وتفشي التعصب وارتفاع معدلات الجريمة، وحالياً لم يعد كبر وتزايد حجم السكان يشكل خطراً على مصر لوحدها بسبب الاكتظاظ والضغط على الموارد غير المتوفرة، وإنما على دور الجوار الإقليمي في المنطقة وعلى أساس اعتبارات أرقام الهجرة، فإن مصر أكبر بلد شرق أوسطي مصدر للعمالة والهجرة العابرة للحدود الإقليمية والدولية.
• على أساس اعتبارات القوة التكنولوجية: حتى الآن لم تتجاوز القاعدة الصناعية والعلمية والتكنيكية المصرية نطاق الصناعات الغذائية والنسيجية الخفيفة التي ما زالت غير قادرة على تغطية الطلب المحلي، ولا يمكن حتى الآن مقارنة القدرات الصناعية العلمية والتكنيكية المصرية ليس بدول جنوب شرق آسيا الصغيرة وإنما ببعض المدن الجنوب شرق آسيوية مثل بانكوك وهونج كونج وكوالا لامبور ومانيلا، ومن أبرز الدلائل على ذلك عدم وجود أي تأثير ملحوظ للسلع الصناعية والتكنولوجية المصرية ليس في الأسواق الشرق أوسطية وإنما في أسواق البلدان المجاورة لمصر.
• على أساس اعتبارات القوة الطبيعية: تعتبر مصر من بين الدول الأكثر ضعفاً في المنطقة بسبب عدم تنوع بيئتها الطبيعية، فمصر توجد على ضفتي نهر النيل، الذي بدونه لأصبحت مصر صحراء حجرية جرداء وجافة، وقد أدى ذلك إلى اختلال في توزيع الكثافة السكانية حيث 90% من سكان مصر يقيمون في 7% من الأرض المصرية، أما بقية الـ93% من الأراضي فهي عبارة عن صحراء رملية وحجرية جافة.
• على أساس اعتبارات القوة القومية، فقد كانت لمصر قوة قومية خلال خمسينات وستينات ومطلع سبعينات القرن الماضي، ولكن بعد اتفاقية فك الاشتباك وظهور محور أنور السادات – جعفر النميري الذي عاث فساداً في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي بدأت مصر تفقد قوتها القومية، وفي الفترة الممتدة من لحظة توقيع اتفاقيات كامب ديفيد حتى الآن فقد أضاعت قيادة حسني مبارك ما تبقى من قوة مصر القومية بسبب:
* التعاون المكشوف مع إسرائيل.
* الاندماج ضمن أجندة السياسة الخارجية الأمريكية.
* التآمر ضد القوى الوطنية العربية.
  وانهارت قوة مصر القومية تماماً بسبب ثلاثة عمليات:
* محاصرة القوات الإسرائيلية للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وإدراك الرأي العام العربي والفلسطيني لمدى فداحة وجسامة الخطأ الكبير الذي ترتب على قيام منظمة التحرير الفلسطينية وزعيمها ياسر عرفات بالسير في ركب مخططات السياسة المصرية المندمجة ضمن أجندة السياسة الخارجية الأمريكية المتوافقة مع مشروطيات وبنود المشروع الإسرائيلي.
* العمل من أجل إدانة حزب الله اللبناني بسبب تصديه بالمقاومة المسلحة للعدوان الإسرائيلي على لبنان صيف العام 2006م.
* الانخراط في تجمع المعتدلين العرب الذي هدف إلى الضغط على سوريا لمنعها من المطالبة بحقوقها المشروعة وفرض العزلة عليها وفقاً لمتطلبات المشروع الأمريكي الذي يحمّل سوريا المسؤولية عن مقاومة العراقيين للاحتلال الأمريكي ورفض المقاومة اللبنانية وتجريدها من أسلحتها في مواجهة العدوان الإسرائيلي ورفض الفلسطينيين للتنازل عن حقوقهم لمصلحة إسرائيل.
* أزمة السياسة الخارجية المصرية في الشرق الأوسط:
تقوم علاقات وتفاعلات الميزان الإقليمي أي ميزان إقليمي على أساس اعتبارات متغير الدور ومتغير المكانة. وتأسيساً على ذلك، يمكن معايرة دور ومكانة مصر عن طريق مقارنتها جيوبوليتيكياً ضمن الخارطة الجيوسياسية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط الذي يمثل البيئة الإقليمية التي يعتقد النظام المصري بأنها "مجال نفوذه الحيوي":
• اقتصادياً لا ترقى مصر لمكانة السعودية.
• عسكرياً لا ترقى مصر لمكانة تركيا أو إسرائيل أو سوريا أو إيران أو حتى العراق أيام نظام الرئيس الراحل صدام حسين.
• سياسياً لا يتمتع النظام المصري بالاستقلالية والإرادة الكاملة في عملية صنع واتخاذ قرار السياسة الخارجية الشرق أوسطية ولا غيرها، بسبب عدم قدرته على تجاوز السقف الإسرائيلي – الأمريكي الذي فرضته اتفاقيات كامب ديفيد وبرامج المعونة الأمريكية.
واستناداً إلى ذلك، فإن الدور المصري في المنطقة لا يستند إلى مؤهلات المكانة التي يمكن أن تدعم هذا الدور بما يحقق عملية النفوذ المصري المفترض في الشرق الأوسط ويجعل من القيادة المصرية الحالية قيادة إقليمية تتمتع بالمكانة والدور القوي في مجال نفوذها الحيوي المفترض.
* التحركات المصرية الحالية إلى أين؟
تحاول القيادة المصرية الحالية القيام بدور في حل أزمة الرئاسة اللبنانية، ولكن كيف، وبأي قدرات؟ بكلمات أخرى، على أساس اعتبارات المسافة الجغرافية لا يرتبط لبنان بحدود جغرافية مع مصر، وعلى أساس الاعتبارات الاجتماعية يتميز لبنان بطابعه الثقافي الاجتماعي العربي – السوري – الشامي الذي يختلف تماماً عن الطابع المصري، وبالتالي لا يمكن القول بأن مصر تملك أي خيط من خيوط "القوة الناعمة" لجهة التأثير على لبنان. وإذا نظرنا إلى التركيب الطائفي المجتمعي في لبنان فإن الفارق بين لبنان ومصر يزداد عمقاً. أما على أساس الاعتبارات الاقتصادية، ولما كان لبنان يعتمد على الدعم الخارجي فإن مصر لن تستطيع تقديم شيء له طالما أنها مثله تعتمد على الدعم الخارجي أيضاً. وعلى أساس الاعتبارات الأمنية – العسكرية فإن بيئة التهديدات والمخاطر المحدقة بلبنان تختلف كثيراً عن تلك التي تهدد مصر، وقد ثبت بالدليل القاطع عدم قدرة مصر على القيام بشيء من أجل حماية لبنان من خطر العدوان الإسرائيلي صيف العام 2006م بل لقد لجأت القيادة المصرية إلى قمع المظاهرات الشعبية المصرية التي نددت بالعدوان الإسرائيلي – الأمريكي ضد لبنان. وما هو مثير للدهشة والغرابة أن القيادة المصرية برغم كل ذلك ما زالت تعتقد بقدرتها على القيام بدور فاعل في حل الأزمة اللبنانية!!
الإدراك غير المتوازن ومشاعر تضخيم الذات بشكل مفرط دفعت القيادة المصرية إلى محاولة تصور نموذج استراتيجي للحيز الجيوسياسي الشرق أوسطي، توازن الأمن الإقليمي فيه على فرضية وجود قوتين عظمتين في المنطقة، أحدهما إيران والثانية مصر، وبغض النظر عن الفارق الكبير بين إيران ومصر في الاعتبارات المتعلقة بعوامل القوة، فإن مصر من الصعب إن لم يكن من المستحيل في ظل معاناة حالة التبعية والانكشاف وانسلاب الإرادة وعدم استقلالية القرار وضعف التنمية أن تقوم بمثل هذا الدور أو تتبنى مثل هذه المكانة، وهو أمر كشفته بوضوح أزمة قطاع غزة الأخيرة، التي لم يستطع فيها المصريون حتى الآن اتخاذ قرار ينسجم مع مزاعم القيادة المصرية المعلنة حول حقوق الفلسطينيين، وقد تجسدت أزمة صنع واتخاذ قرار السياسة الخارجية المصرية في تصريح وزير الخارجية المصري "أبو الغيط" الذي هدد فيه الفلسطينيين قائلاً بأن مصر ستكسر رجل أي فلسطيني يحاول العبور ويتجاوز الخط، وهو ما لم تهدد به نظيرته الإسرائيلية تسيبي ليفني الفلسطينيين، وحتى الآن ما تزال أزمة قطاع غزة تفضح يوماً بعد يوم مدى انكشاف السياسة الخارجية المصرية، إزاء قطاع غزة المجاور لها ناهيك عن لبنان الذي تفصله مئات الكيلومترات عن الأراضي المصرية.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...