الاستثمار في النقل الجماعي تجربة قاصرة ومقومات نجاحها ناقصة

19-01-2011

الاستثمار في النقل الجماعي تجربة قاصرة ومقومات نجاحها ناقصة

تشكل دمشق مساحة تقدر بحوالي عشرة آلاف هكتار منها 27٪ جبالاً وما نسبته 73٪ أبنية وشوارع ومساحات خضراء ورغم انقضاء أكثر من 60 عاماً على صدور المصور التنظيمي لها ومع تواجد حوالي /7/ ملايين نسمة

فيها نهاراً وفي ظل توسع البنى التحتية والازدياد السكاني غدا وجود ما يعرف بأزمة النقل، لكن: ما الحلول المجترحة لحل هذه المعضلة؟ وهل الاستثمار بقطاع النقل الجماعي كفيل بتجاوزها؟ وكيف يقيّم المستثمرون أنفسهم التجربة؟ وأين دور المرجعيات الوصائية؟‏

تمت معالجة أزمة النقل الجماعي منذ عشرين عاماً من خلال إدخال السرافيس إلى العمل وأدت هذه المعالجة إلى نتائج مرضية حينها في خدمة نقل الركاب داخل العاصمة وإلى الريف القريب.‏

ومع ازدياد عدد الآليات من 140 ألف سيارة عام 2002 إلى نصف مليون سيارة العام الماضي تفاقمت أزمة المواصلات وساهمت بالأزمة المرورية وانعكست تعطيلاً وعوضاً عن 20 دقيقة مدة الرحلة من كراج السومرية إلى وسط دمشق مثلاً أخذت زمناً قدره ساعة، ما أدى إلى استغلال ثلث الطاقة المتوفرة نتيجة لارتفاع عدد السيارات والاختناقات المرورية.‏

يقول هيثم الميداني عضو المكتب التنفيذي المختص بدمشق: بدأت المحافظة بوضع خطة تعتمد تخفيض عدد الآليات المتحركة والانتقال من منظومة النقل بالسرافيس إلى منظومة النقل الجماعي المريح والآمن والنظيف.‏

ومع نهاية العام 2009 بدأت باصات شركات الاستثمار في مجال النقل الجماعي تظهر في شوارع دمشق وبدأ منظر السرافيس يتلاشى تدريجياً من الشوارع.‏

وحسب السيد الميداني فإن المحافظة أخذت بالحسبان الحركة المرورية ومصالح الركاب وأصحاب السرافيس بدراية تامة وتم الإيعاز للشركة العامة للنقل الداخلي بتوفير منظومة باصات حديثة لتخديم خطوط المدينة الـ 14 وفي حال تعذر ذلك يحق لها اللجوء إلى استثمار تلك الخطوط من القطاع الخاص وهذا توجه مقبول طالما يؤدي إلى خدمة الصالح العام، علماً أن كل باص يعادل 4 سرافيس وهذا يدل على انخفاض المركبات المتحركة للنقل الجماعي من 4500 سرفيس إلى 1500 باص.‏

- أجمعت عينة من الآراء على أن تجربة الاستثمار في النقل الجماعي التي مضى عليها أكثر من عام شبه فاشلة لأنها لم تحل أزمة النقل وما زالت المواقف تغص بالركاب وما إن يصل الباص حتى تتسابق الجموع المتجمهرة باتجاهه من البابين الأمامي والخلفي ليختلط الصاعد بالنازل والحابل بالنابل.‏

وهذا مرده حسب شريحة من الركاب لعدم تواتر حركة الباصات بانتظام بفعل الازدحام المروري وسعي المستثمر للربح فوق أي اعتبار.‏

فيما أجمعت عينة أخرى على قصور التجربة لافتقار الباصات إلى الحصالات الآلية وعدم وجود «الجباة» وتولي السائق مهام القيادة والمحاسبة بآن ليعكس زيادة في وقت الرحلة.‏

وأصبح الترحم على أيام السرافيس نغمة تتردد والتي أقل ما يقال فيها إنها أسرع من الباصات رغم كل سلبياتها.‏

ومادياً أجرة الركوب التي كان يتقاضاها السرفيس نفسها معمول بها مع فارق بسيط أن راكب السرفيس يصعد جلوساً فيما نسبة 60٪ من راكبي الباصات وقوفاً.‏

مستثمر بـ 250 باصاً‏
خطوط يرموك سومرية، جوبر سومرية، مزة جبل كراجات لمستثمر واحد تؤمن 900 فرصة عمل و 250 باصاً منها 18 باصاً لذوي الاحتياجات الخاصة.‏

وحسب محمد هرشو تمت زيادة عدد الباصات عما هو بالعقود المبرمة للحد من الازدحام على المواقف وتأمين نقل الركاب.‏

وسجل المستثمر جملة ملاحظات تنغص عملية الاستثمار منها عشوائية العمل في ظل غياب المواقف الرسمية وعدم اعتياد الركاب على المواقف المحددة للنقل الجماعي بفعل فوضى السرافيس السابقة وعدم انتظام الصعود والنزول من الباصات مع العلم أن التواتر بين الباصات بمعدل من دقيقة إلى خمس دقائق.‏

_ 315 باصاً للشركة تؤمن 8 خطوط و 24 تقدم خدمة جزئية‏

فشل مبرر‏
واعترف المعنيون بريف دمشق بفشل تجربة الاستثمار للنقل الجماعي على خط دوما وحسب السيد أحمد الخطيب عضو المكتب التنفيذي المختص فإن الأسباب المذكورة آنفاً هي سبب الفشل وتم تحميلها للمستثمر.‏
وأضاف: إن لجنة النقل بالمحافظة أنذرت المستثمر باجتماعها في 12/10 الماضي بضرورة الالتزام بمضمون العقد تحت طائلة فسخه؟؟‏
ومايهم المحافظة خدمة المواطنين حيث يتم التنسيق مع العاصمة على إحداث كراجات تبادلية تؤمن نقل الركاب بشكل متواتر وتحد من الازدحام.‏
وعن معاناة مستثمر خط المليحة أوضح الخطيب أنها من اختصاص محافظة دمشق.‏

كراجات تبادلية قريباً‏
ولدى سؤال المعنيين بمحافظة دمشق عن العقود ونهايات الخطوط للمستثمرين أوضح عضو المكتب التنفيذي المختص هيثم الميداني أنه سيتم تسهيل حركة العاملين بدمشق والقاطنين في الريف القريب من خلال إحداث مراكز تبادلية شبيهة بكراجات القابون أو السومرية أو السيدة زينب وتحاكي مركز المدينة دون خلق حالة ازدحام مرورية بحيث تصل المركبات القادمة من الريف ومنها تنطلق الحافلات العاملة على خطوط المدينة.‏

وسيتم لاحقاً الإعلان عن هذه المراكز بشكل دقيق ويتطابق مع ما يلحظه المصور التنظيمي الجديد الذي سيصدر خلال العام الحالي.‏

تسعة مستثمرين‏
أبرمت الشركة العامة للنقل الداخلي عقود استثمار مع ست شركات لتخديم ستة خطوط هي: يرموك سومرية، يرموك كراجات، مليحة كراج، السيدة زينب كراج الست وحميدية، دوما مشفى الحياة، وجوبر سومرية ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى 9 مستثمرين مع خطوط: الدوار الشمالي، مشروع دمر جسر الرئيس، ودويلعة برامكة حيث تستكمل هذه الشركات اجراءات توريد الباصات بعد أن أبرمت عقودها .‏

تقييم التجربة‏
والآن بعد مضي أكثر من عام على اطلاق تجربة الاستثمار بقطاع النقل الجماعي كيف تنظر الشركة العامة للنقل الداخلي لهذه التجربة؟‏

مدير الشركة المهندس كميل عساف قال: شجعت الوزارة دخول الاستثمار لهذا القطاع بهدف تحسين الخدمة المقدمة للمواطنين وتطوير النقل الداخلي لكن النتائج لم تكن بحجم الأهداف؟‏

ومعظم المستثمرين الآن لم يقدموا الخدمة الواجبة بالشكل الأمثل لعدم وجود الخبرة الكافية والسعي الدائم نحو الربح وعدم الالتزام ببعض البنود العقدية لجهة عدد الباصات والتواتر على الخطوط ومعاملة السائق للركاب.‏

وعن المواصفات الفنية للباصات أوضح عساف تعميم الوزارة تاريخ 14/1/2005 والمعدل بالتعميم تاريخ 21/2/2010 المواصفات الفنية للباصات، إلا أن مواصفات باصات الشركة هي الأفضل فنياً من باصات المستثمرين.‏

كما أن التجربة لم تنل الرضا التام من المواطنين ولا من الشركة العامة للنقل الداخلي ولا من المحافظة ولا من المرور.‏

ومن سلبيات المستثمرين عدم تحريك كامل الأسطول كما هو وارد بالعقد وملحقاته أو عدم وجود حصالات إلكترونية وحتى «الجابي» وغياب التواتر والمدة الزمنية المستغرقة لنهاية الخط.‏

إيجابية وحيدة‏
وحسب مدير الشركة العامة للنقل الداخلي فإن الإيجابية الوحيدة لهذه التجربة الإفراغ الجزئي للخطوط من السرافيس للحد من الازدحام المروري.‏

_ المستثمرون: همومنا .. عشوائية العمل وفوضى المواقف الرسمية وغياب التنسيق بين المعنيين..!‏

_ دمشق: ترحيل 4500 سرفيس وخط اللاين باص قريباً وكراجات تبادلية مع الريف‏

_ النقل الداخلي: النتائج ليست بحجم الأهداف والمستثمرون أخلّوا بالعقود‏

مخالفات عقدية‏
نصف العقود المبرمة بين المشغلين والشركة العامة للنقل الداخلي على إخلاء الخطوط من السرافيس وتأمين المواقف اللازمة لتنظيم حركة النقل والحد من الازدحام المروري إلا أن الوحدات الإدارية المعنية وشرطة المرور لم تطبقا هذين البندين ما ساهم في عشوائية العمل وتصيد شرطة المرور لسائقي الباصات.‏

هذا ما أكده المستثمرون لخطوط النقل الداخلي في دمشق وبعض خطوط بلدات ومدن ريف دمشق إضافة إلى غياب التنسيق بين الجهات المعنية كما أكد فهد حمدو مستثمر خطي السيدة زينب حميدية، والسيدة زينب كراج الست.‏

برسم الجهات المعنية‏
ولتلافي هذه الثغرات اقترح المستثمر محمد هرشو إحداث هيئة ناظمة تعنى بشؤون النقل الجماعي في كل محافظة تضم ممثلين عن شركة النقل الداخلي والمستثمرين والمحافظة والنقل وشرطة المرور.‏

وأن تكون هذه الهيئة مخولة باتخاذ القرارات الملائمة للصالح العام وخدمة المواطنين كما هو معمول به في دول الجوار عوضاً عن روتين المراسلات والقرارات الأحادية التي تنعكس سلباً على قطاع النقل الجماعي.‏

عدم احترام العقود‏
وأوضح مستثمر خط المليحة دمشق أن محافظة دمشق لم تحترم العقود المبرمة التي صادقت عليها أساساً حيث منعت باصاته من الوصول إلى نهاية الخط بالبرامكة.‏

ووضعت نهاية له في باب مصلى بعكس ما نص عليه العقد... كما أن محافظة الريف لم تقم بإخلاء الخط من السرافيس ولم تلتزم بوضع مواقف محددة.‏

ورغم تدخل الشركة العامة ومخاطبتها المعنيين بضرورة احترام العقد لم تلق آذاناً صاغية .‏

وأشار المستثمر ربيع الخليل إلى خسارته والتي تبلغ 14 مليون ليرة خلال سبعة أشهر من الاستثمار بفعل الإخلال في العقد لجهة اختصار المسافة وعدم إفراغ الخط إلا أنه ملتزم بالعقد بفعل وعود لجنة السير بدمشق بأن تكون نهاية الخط عند مشفى الأسد الجامعي عوضاً عن البرامكة اعتباراً من شباط القادم.‏

خط دوما‏
بداية الاستثمار في قطاع النقل كانت مع مللوك على خط دوما- دمشق، وكأي بداية اعترتها منغصات عديدة لا يتحمل المستثمر وحده وزرها منها عدم افراغ الخط من السرافيس علماً أن الخط المذكور كان يعمل عليه 400 سرفيس ويعاني من ازدحام مروري خانق وفضلاً عن ذلك عاصر التحويلات المرورية أثناء تنفيذ عقدة البانوراما.‏

ولكونها الباكورة الاستثمارية في هذا المجال دخل المستثمر العمل دون خبرة وبفوضى حيث لا مراقبين للخط ولا حصالات ولا تواتر للباصات وحتى لم يتمكن من وضع كشك لمراقبة الخط علماً أنه سير70 باصاً ولتبلغ خسارته خلال عام استثماري 30 مليون ليرة.‏

وحسب مديرة الشركة أميرة أبو راشد بلغ اجمالي الغرامات المسددة للشركة العامة للنقل الداخلي 700 ألف ليرة وتجاهل الجهات المعنية لمطالب المستثمر وراء هذه الخسارة.‏

سجال مع مستثمر خط دوما‏
ورد مدير الشركة على تصريحات مستثمر خط دوما كعدم الالتزام بتشغيل العدد المطلوب عقدياً للباصات، ما انعكس سلباً على تقديم الخدمة واضطرار الشركة إلى زج عدد من أسطولها للحد من الاختناق ورغم الانذارات المتكررة لم يتم تلافي الثغرات وعلى ذلك حصلت الشركة على الموافقات اللازمة لفسخ العقد.‏

أما شكاوى المستثمر الأخرى فهي من اختصاص محافظة ريف دمشق وخارج نطاق الشركة وما ينطبق على هذا المستثمر ينطبق على مستثمر خط ميدان شيخ محي الدين .‏

315 باصاً تخدم 8 خطوط‏
وعن الخطوط التي تخدمها الشركة قال عساف: إجمالي الباصات لدينا 315 باصاً تؤمن ما نسبته 15٪ من احتياجات دمشق والبالغة ألفي باص.‏

وتخدم الشركة خط الدوار الجنوبي 65 باصاً، باب توما 23 باصاً، عسالي ركن الدين 40 باصاً، نهر عيشة برامكة وبولمان وسومرية 70 باصاً مساكن برزة 22 ، ميدان حميدية 40، تجارة 6 باصات أي ما مجموعه 291 باصاً لخدمة دمشق.‏

وتم توزيع 24 باصاً لخدمة خطوط جزئية منها قطنا 4، جمرايا 6، ضاحية الأسد بحرستا 8، التل وصيدنايا ستة باصات.‏

150 باصاً إضافياً‏
وسيتم رفد الشركة بـ /150/ باصاً ستخصص لدعم الخطوط الحالية دون فتح خطوط جديدة بهدف تحسين الخدمة المقدمة للمواطنين.‏

وانتهت الشركة من دراسة الجدوى الاقتصادية للألف باص التي تعمل على الغاز والمتوقع مناقشتها من المرجعيات المختصة لاحقاً.‏

عقبة كأداء‏
وأوضح عساف أن العقبة الرئيسية التي تهون أمامها كل الصعوبات تتمثل بتأمين العدد الكافي من الباصات في ظل تنامي الطلب على النقل الداخلي.‏

وحول المنافسة بين الشركة والمشغلين أشار عساف إلى غياب المنافسة في هذا المجال سواء من المشغلين أم من الشركة، لماذا؟ نظراً لوجود شبه استقلالية في الأداء لوجهة الخط المستغل للمشغلين أو للشركة...‏

وفور وصول الباصات الجديدة وفي حال الشكوى من الخدمة ستدخل الشركة كمنافس للمشغلين ومستقبلاً سيتم اشراك أكثر من مشغل على خط واحد بهدف تقديم الخدمة الأفضل..‏

التعرفة من صلاحية المحافظة‏
ورداً على سؤال حول التعرفة وغياب الفارق بين تعرفة السرافيس سابقاً والمشغلين لاحقاً بيّن مدير عام الشركة العامة للنقل الداخلي أنه تم ايداع مقترح لدى المحافظة بخصوص التعرفة لكونها الجهة المخولة بدراستها وتعرفتها ستلتزم بها الشركة والمشغلون على السواء.‏

- بما أن العقد يمثل شريعة المتعاقدين يجب العمل على تنفيذ مضمونه بالكامل لجهة تقديم الخدمة المثلى ولتلافي الازدحام على المواقف وهنا على وحدات الادارة المحلية المعنية السعي إلى تنفيذ الجانب المتعلق بها سواء لجهة إفراغ الخطوط من السرافيس وايجاد مواقف رسمية محددة يلتزم بها المشغلون عوضاً عن تركهم يعملون بعشوائية وعرضة للابتزاز.‏
وحتى تحقق التجربة النجاح الأمثل يجب تلبية طلبات الشركة العامة لتتمكن من المنافسة ولاضير من إحداث هيئة ناظمة تعنى بشؤون القطاع على صعيد المحافظة الواحدة.

عدنان سعد

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...