أحلام على بسطات القامشلي الأغنى بالموارد والأفقر بالاهتمام

09-08-2006

أحلام على بسطات القامشلي الأغنى بالموارد والأفقر بالاهتمام

الجمل - القامشلي - محي الدين عيسو: أناس  يتسكعون وآخرون يشغلون أنفسهم بأعمال عادية يقفون أمام البسطات :الكآبة والفقر ترسم على وجوههم لوحة بؤس مزمن وقلة منهم يمارسون أعمال يرتزقون منها، صورة يومية نراها في أسواق مدينة القامشلي الواقعة في أغنى المناطق السورية من حيث الزراعة والثروات الباطنية والموقع الجغرافي المميز قريباً من الحدود مع تركية ، مميزات لم تميز القامشلي عن غيرها من المدن النائية  التي تعاني عموماً من ارتفاع نسبة البطالة والفقر .
" خليها على ربك عايشين "  قال فريدابن العشرين ربيعاً وهو يرتب بضعة علب من الدخان على البسطة أمامه رداً على سؤال عن دخله في اليوم الواحد ، بدا الإرهاق والتعب على هذا البائع بجسده الضئيل ويديه الصغيرتين،غلف رفضه لمتابعة الحوار بنظرة خجولة منكسرة، فهو لا يود الحديث عن معاناته، وبعد الإلحاح قال: بدأت بالعمل منذأ ربع سنوات بعد أن أصاب العجز والدي وأقعده عن العمل ، ولأني أكبر أخوتي الثمانية كان لابد لي من تدبر الأمر، فعائلتي كبيرة و تسكن في بيت إيجار، اضطررت لترك الدراسة بعدما نلت الشهادة الإعدادية ، ولم أجد عملاً يناسبني سوى البيع على البسطة، العمل الذي لا يحتاج رأسمالا ولا شهادات علمية، لكنه يحتاج الى جهد كبير حيث أقف أكثر من أثنتى عشرة ساعة يومياً على قدمي لأحصل على 200 أو 300 ليرة ، ومع هذا أنا راض بهذا العمل وهذا الدخل فقط لو تكف شرطة البلدية عن ملاحقتنا وطلب إتاوة، فإذا دفعنا المعلوم لا يبق لنا شيء وإذا لم ندفع صادروا كل شيء، إنه الذل بعينه. يتنهد فريد باحثاً عن بصيص تفاؤل ويتابع: ومع ذلك، ورغم الفقر وظروف الحرمان ، أرتاح عندما أعود الى البيت مساء وأجد ابتسامة ما على وجوه اخوتي الصغار،  أما أمنية فريد الوحيدة  فهي متابعة دراسته التي حرم منها لقناعة لديه بأنه لن يصبح له شأن يذكر في المجتمع مالم يتعلم...و في الشارع الرئيسي في منطقة رأس العين التابعة لمحافظة الحسكة سنعثر على بائع جوارب يضع نظارات طبية و يحمل في جيبه شهادة جامعية حصل عليها من ( كلية التجارة والاقتصاد)، لم تفده في إيجاد عمل جيد، ليس افتقاراً للكفاءة ، ولا بسبب ندرة فرص العمل في المؤسسات الحكومية ، وإنما لأنه لايحمل الجنسية السورية بسبب الإحصاء الإستثنائي لعام 1962 ، ورأى أن منظره في هذا المكان وهو يبيع الجوارب على البسطة كاف لتوضيح معاناته اليومية التي لم تمنعه من التفاؤل. وهو التفاؤل ذاته الذي يجعل أحمد جمعة يحلم باتمام دراسته الجامعية بعد نيله شهادة الثانوية العامة ، رغم الفقر الذي يجعله المعيل الوحيد لأسرته، ولازال يخطط ليوم يكون فيه قادراً على العمل والدراسة معاً .إلا أن كرم يوسف الذي دفعه الفقر لبيع الحمص ، والذرة ، والخبز ، والبهارات وعلب السجائر، تمكن من متابعة دراسته رغماً عن أنف الفقر والظروف القاسية التي تجعل أطفال الجزيرة يضطرون لأن يكبروا سريعاً ليغدوا رجلاً بلا شوارب حسب تعبيره، فإن حدث وغادروا الفقر فهو لا يغادرهم ويبقى معششاً في نفوسهم المقهورة، وبكلمات شعرية بالغة الصدق يصف كرم الفقر : الفقر هو أن تخسر حبيبتك, تحرق أحلامك، أن تنام جائعاً، أن لا تشتري قميصاً أو
ن تشتري قميصاً لا تريده..الفقر أن لا تكون قادراً على عقد قران مع كتاب الفقر أن تضطر أن تمشي في طريق لا تريده، أن تقف في مكان لا تريده..
إنه الشباب المسفوك على أرصفة الفقر في المدن النائية، الشباب المصر على اشعال الحلم كشمعة لابد منها لتمزيق ظلام الفاقة في مناطق هي الأغنى بالموارد والأفقر بالاهتمام.

 


الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...