هل صمد المثقفون أمام اختبار الحرب

03-07-2016

هل صمد المثقفون أمام اختبار الحرب

الجمل ـ بشار بشير: بإعتبار أن الثقافة بالمعنى الواسع هي من ترسم شكل المجتمع، حركته الحاضرة، أهدافه وطرق وصوله للأهداف.. هل من حقنا (بعد أن أكتوينا) أن نطالب بمصفاة للثقافة وللمثقفين لنعرف من الممنوع ومن المسموح له أن يرسم سياساتنا الثقافية أو أن ينشر ثقافته..
كان يطيب لنا (على من يعود ضمير الـ نا؟) أن نعتمد تعريفاً إيجابياً للمثقف وأن نعتبر أن الدور الوطني للمثقف هو شيئ بديهي، في الحقيقة كنا نتجاهل أن بجانب التعريف الإيجابي الذي نُحب أن نعتمده، وأن بجانب المثقف الإيجابي الوطني الذي نريد أن نعمم صورته هناك مساحة أكبر للتعاريف السلبية وللمثقفين السلبيين حتى وطنياً.
دون أن ندقق تركنا مثقفين تاريخيين (اسمهم الرسمي الفقهاء والسلف الصالح)  يطبعون حياتنا و يرسمون سياساتنا الثقافية بأفكارهم، فوجدنا نفسنا أسراهم وأسرى قواعدهم: الإعتماد على النقل لا العقل، والتوثيق بالجرح والتعديل، وطبقات الرجال، وصحة النص من عدالة راويه .. إلخ
ودون أن ندقق تبنينا  أسراب من المثقفين المعاصرين الذين هتك الربيع العربي ستر بعضهم وفَجَعنا بالبعض الآخر (يستعصي على الفهم كيف يبيع كاتبٌ باحثٌ مؤلفٌ مرموق ومشهور، تاريخه وأفكاره ومبادئه وشهرته وضميره في آخر أيام حياته رغم أنه ميسور وغير محتاج للثلاثين من فضة) .
حالياً آلية إشهار المثقف (الذي يمكن أن يشارك في رسم سياسات ثقافية) من الصعب القبض على نقطة البداية فيها، الدولة يجب أن تكون راعية  للمثقفين وفي نفس الوقت يجب أن لاتكون وصية عليهم .. والمثقفين يريد واحدهم أن يخرج من وصاية الدولة لكن دون أن يُفطم عن دعمها .

الخيار المتاح عدا الدولة لرعاية المثقفين هو القطاع الخاص وهو صاحب مشروع تجاري أكثر منه ثقافي عدا عن تَحرُّج المثقفين من علنية تعاملهم معه. طبعاً الحرج زال منذ دخول المال الخليجي السعودي إلى السوق والمشكلة أن وطنية وإبداع كثيرين زالوا معه .
نعود للآلية.. الدولة رعت الثقافة، والتجربة لا يمكن أن نقول أنها كانت ذات نتائج جيدة على المدى الطويل.. فلمعات الثقافة التي ومضت كانت مبادرات فردية خارج منظومة الدولة  في أغلب الأحيان  رغم أنها استفادت من رعاية الدولة أحياناً.

وبالحقيقة، رعاية المثقفين تمخضت عن فشل، فتقريباً جميع من رعتهم الدولة (بشكل رسمي أو بشكل غير مباشر) من المثقفين وقفوا ضدها عندما احتاجتهم وهي تخوض أظلم حرب شُنت عليها، غريبة كم كانت نسبة نجاح استقطاب المثقفين ليكونوا بجانب الدولة منخفضة.. وأنا هنا لا أميل للوم الدولة..  المشكلة = الكارثة ليست في عدم ولاء هؤلاء للدولة، وإنما في عدم ولائهم لوطنهم أيضأ . وهذه حالة يجب أن تُدرس بعمق ودقة للننطلق بناءً عليها إلى تحديد شكل عام للمثقف الذي يمكن أن يرسم سياسات ثقافية وطنية ولتحديد شكل عام للثقافة الوطنية.. لكن كيف سنتفق من الذي سيضع المقياس أو سيحدد  الشكل..؟
بعد خمس سنين حرب هناك مشكلة (بالنسبة لسورية ذات الأدوار الرائدة هي أكثر من مشكلة بكثير) لسنوات قبل الحرب كنا نستند على مثقفي عقدي السبعينات والثمانينات، ولادات المثقفين بعد هذين العقدين كانت شحيحة أو على الأقل لم نُوجد الظروف الملائمة لإشهار مثقفين جدد . في بدايات الحرب خسرنا الغالبية العظمى من هؤلاء القلة الباقية، من لم يشترهم المال الخليجي السعودي انكفئوا لعدم قدرتهم على إتخاذ موقف (الغير قادرعلى إتخاذ موقف في حالة حرب كالتي تكوي سورية، هل يمكن أن يُعتبر مثقف ؟)
نكاد نجد أنفسنا اليوم بدون طبقة ثقافية أو بالأحرى بدون مثقفين مفكرين كبار.. نكاد نَعُد المثقفين الحقيقيين الباقين .. طبعاً الثقافة ليست بالعدد وليست بالكم، هي بالتأكيد بالكيف، لكن أظن أنه لكي ننتقي كيفية عليا يجب أن نملك كمية كبرى.

للمثقف دور مؤكد في كل تفاصيل مجتمعه وليس فقط في رسم السياسات الثقافية، لكن أود أن أذكر أن أغلب ثقافتنا منذ الإستقلال وحتى الآن هي  ثقافة نقدية وإنتقادية  لم تعمل على إنتاج مشروع متكامل حقيقي  أهتمت بالمشروع القومي (وأحياناً العالمي) دون أن تولي نفس الإهتمام بمشروع وطني سوري (اللهم إلا إذا أعتبر البعض أن باب الحارة هو نشر وتذكير بالثقافة السورية)

واليوم ونحن نقترب من إعلان إستقلالنا الثاني (على ما أرجو ونرجوا) نجد أنفسنا ككل مجتمع خرج من حرب طاحنة  في خضم فوضى ثقافية وفكرية، بعد الإستقلال الأول كان هناك بوصلة مشتركة إلى حد كبير، الحالة الوطنية والقومية كانت طاغية ويدعمها طبقة دسمة من المثقفين والمفكرين وحتى القادة الكاريزماتيين دون أن ينغص على هؤلاء : القرية الكونية  والتطور الإمبراطوري والرأسمالي في عمليات تشكيل الأفكار وقيادة الجموع . نحن الآن (وبشكل أكثر حدة وإلحاحاً بعد الحرب)  نجد بأيدينا وحولنا عشرات البوصلات أغلبها مزيف ونحتاج لعدد كافي من الخبراء المخلصين الذين يستطيعون تمييز الأصيل من المزيف والقادرين على إقناعنا وتوجيهنا حسب البوصلات الأصيلة والمفيدة، وربما إيجاد بوصلات وأهداف جديدة .
هذه مهمة صعبة ملقاة على عاتق قلة من الذين بقوا .. ومهمة صعبة ملقاة على المجتمع ليكون وسطا صالحا لنمو ثقافة ومثقفين صالحين .
في المجتمعات الحية يكون للحرب على بشاعتها أثر دافع لتقدم المجتمع، فلنرجوا ونعمل أن تكون الحرب على سورية تربه صالحة لإنتاش بذرة الحضارة الأصيلة فينا .

 

التعليقات

مشكلتنا في هذا العصر هي تعريف الناس للثقافة بأنها المعرفة الزائدة، فإذا كان شخص ما لديه كم يكفي من المعلومات، فذلك يكفيه ليصبح من (النخبة المثقفة) بالنسبة لعموم الشعب، ويتم التعريف عنه كـ(ـمثقف)، وتقديمه للمزيد من العموم على هذا الأساس. أعتقد أن أهم أسباب ذلك هي أولاً: انعدام القراءة لأمة تدعي أن أول ما أنزل على نبيها كان (إقرأ)، وبالتالي انعدام المعلومات الأساسية التي يمكن لأي قارئ الاطلاع عليها ضمن مئات الكتب المتوافرة، بالنتيجة، جهل الشعب بالمعلومات، يجعل من يقرأ ويملك تلك المعلومات يبرز بينهم كنجم ساطع لمجرد أن لديه معلومات. ثانياً: التعويض المادي أو الاجتماعي الذي يحصل عليه (المثقف) المذكور أعلاه، لتصبح الثقافة والمعلومات سلعة معروضة للبيع في سوق المزايدة، كونه أداة لسوق العوام المبهورين بكم المعلومات (والثقافة). أما ثالثة الأثافي: انعدام (أو شبه انعدام، إذا أردنا التفاؤل) الحالة الأخلاقية الاجتماعية، تارة بحجة المأزق الاقتصادي، وأخرى بحجج أخرى (بضم الهمزة). حيث يركز تعليمنا منذ الطفولة على حفظ آيات القرآن الكريم (أو الإنجيل أو غيرها من الكتب المقدسة) دون التفكير فيما إذا كان طفل يبلغ 6 سنوات من العمر قادراً على أن يفهم ما تعنيه الآيات، ويكبر الطفل معتاداً على تلك الفكرة باعتبار أن (مجرد تلاوة القرآن تثيب صاحبها) ليصل في النهاية إلى المرحلة التي يقرؤها ضمن الآيات (كمثل الحمار يحمل أسفاراً)، دون أن يعي أنه مقصود بها كما كان من حملوا التوراة مقصودين في وقتها.. نرى التركيز في التعليم الاجتماعي والديني على القشور بهدف الحصول على (القبول الاجتماعي)، فتصبح تفاصيل مثل (دخول الحمام بالقدم اليمنى أم اليسرى)، و(دعاء ركوب السيارة، ودعاء الخروج من المنزل أو الدخول إليه) أهم من التركيز على أخلاقيات المجتمع بالرغم من أن من يدعون اتباعه قال لهم بالحرف حسبما يروون (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). أعتقد أن توفير القاعدة الأخلاقية لمواطني هذا البلد قد يكون إحدى أهم وأولى الخطوات في سبيل تحديد هويتهم، حيث لا يزال مواطننا ضائعاً بين الهوية الدينية (مؤمن-كافر-مسلم-مسيحي.. إلخ) والهوية الطائفية، والهوية القومية (عربي - سوري - أممي - كردي - أرمني ... إلخ)، حيث تصبح الثقافة مقيدة بوازع أخلاقي داخل الفرد، قبل أن تكون مقيدةً بمظهر الفرد أمام جمهوره، مما يخفف من حالة عرض (الثقافة) في سوق المزادات العلنية أو السرية.

مالم ننتج طبقة مفكرين ( باحثين أو بحثيين ) متحررين من مفهوم أنا أنتقد إذاً أنا أرقى فكرياً, و مقتنعين بأن تطوير المجتمع لا يأتي عبر إجترار الأفكار القديمة ولا عبر الديكورات الشكلية (الفولار الملون و الغليون و الشعر الطويل )وإنما عبر المجهود الحقيقي ,فإننا نخوض واحدة من أهم معاركنا بسيف مكسور

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...