سورية.. عامٌ من الدمّ : نصوص مؤرّقةٌ بالوطن

11-11-2013

سورية.. عامٌ من الدمّ : نصوص مؤرّقةٌ بالوطن

ما مِنْ أحدٍ له علاقة نسبٍ، من أيّ درجة كانت، بالحياة الثقافية في سورية، ومنذ ما يزيدُ على ثلاثة عقود، لا يعرفُ نبيل صالح. الصوتُ الاستثناء في التجريب القصصي في سورية، الذي أفصح عن نفسه في مجموعته القصصية الأولى: "الربّ يكتبُ نصّه الأخير"،  ثمّ الكتابة الاستثناء في حوارات تخييلية مع عدد من المبدعين السوريين في صحيفة تشرين، فكاتبُ المقال الصحفيّ الذي ينتسب إليه وحده، والذي جهر بنفسه في كتابه: "شغب"، ثمّ صاحب المشروعات الثقافية الباذخة محتوى وغاية، من أهمها ما كنتُ وصفتُه، ذات حوار، بـ"ملحمة"، أعني كتابه بأجزائه الثلاثة: "رواية اسمها سورية"، فالجزء الأول من "نساء سورية"، وسوى ذلك ممّا مُنعَ من النشر، وممّا لمّا يصدر بعدُ، وممّا يتضمّن غير قرينة على مثقف سوريّ شاهد حقّ على عصره بامتياز: قاصاً، وإعلامياً، ومحرّراً، وقبل ذلك، وبعده، مثقّف مؤرّق بكتابةٍ تذهبُ إلى مقاصدها مهما يكن من أمر الأسلاك الشائكة، والألغام، التي يمكن أن تعوّق ولادتها، أو تمنع عنها هواء الحياة.
في كتابه: "سورية، عام من الدم" يتابع نبيل صالح مشروعه، دونما تردّد، في الجهر بما يجب الجهر به، فيفكّكك غيرَ بنية من بنى السياسي والاجتماعي والثقافي في سورية ممّا مضى من السنة الأولى ونصف الثانية تقريباً من عُمر الحدث السوريّ الاستثناء في تاريخ سورية، بل في تاريخ العرب الحديث عامّة.
يتضمّن الكتاب، باستثناء ما اصطلح نبيل عليه بفاتحة، ما يزيد على ستين مادة مذيّلة جميعاً بتاريخ نشرها في موقعه الإلكترونيّ: "الجمل بما حمل"، ولكلّ منها علامتها اللغوية الخاصة بها. وهي تتفاوت فيما بينها على غير مستوى، وتتنوّعُ شواغلها وأسباب نزفها على غير مرجع ودلالة، ممّا سمّاه حكومة الفساد العطرية، نسبةً إلى رئيس الحكومة الأسبق، إلى شيخوخة الأحزاب والمنظمات، إلى ترهّل الإعلام، فزيف ما سُمّي "الربيع العربيّ"، إلى ما يشبه النبوءة بشلال الدم السوريّ، فأوّل "جمعة تظاهرات" اختزلت الحقيقة إلى شبهها، فقضية الجنسية لكرد الجزيرة السورية، إلى الملعونون بالسياسة، وسوى ذلك ممّا يحشرج حبر نبيل صالح به، وعلى نحو يسمّي الأشياء معه كما هي لا بمترادفاتها، ولا بظلالها أو بما يجاورها، وبريشة باهرة في تكثيفها، وشغفها بحقائق الأشياء والأحداث، لا بصورها.
وهو في النصوص جميعاً لا يهادن أحداً، ولا يصفّق لأحد، ولا ينحاز لغير سورية. وهو، بآن، وفيها جميعاً أيضاً، يُبدي وفاء لوعيه الذي أدمنَ هجاء القبح على غير مستوى وفي غير مكان، ويرثي، بحزن شفيف، الدمَ السوريّ، مستثمراً غير أسلوب تعبيريّ، وغير أداة تصوير، وغير طاقة تخييل وبناء، وإلى حدٍ تتجلّى النصوص معه كما لو أنّها حشرجاتُ روح تعاندُ وطأة الجرح وقسوته، أو كما لو أنّ نبيل نفسه يكتبُ بالدم عن الدم، بدم القلب والروح والانتماء الحقّ إلى سورية مهما يكن من أمر أوجاعه بسبب خراب هنا وآخر هناك. وهو، في مجمل النصوص، لا يقبّح الجميل، ولا يجمّل القبيح، لأنّه يحبّ أو يكره، فالآخر المختلف هو الآخر الذي يكتمل به المشهد، على النقيض من آخرين تلوّثوا، وربّما هم كذلك في الأصل، بشهوة نفي الآخر لأنه يختلف معهم فحسب، وعلى النقيض أيضاً من آخرين أمعنوا في أوهامهم التي تعتقد امتلاكها الحقيقة وحدها. 
ولعلّ أبرز ما يميز النصوص، في الأغلب الأعمّ منها، تعدّد إشاراتها الدالّة على سعة المخزون الثقافي لدى كاتبها، فثمة استعارات كثيرة من حكايات التراث، ومن الحكم والأمثال في الأدبيات العربية القديمة، ومن الأبيات الشعرية التي غالباً ما تغادر، في معظم النصوص، جذرها النصيّ، لتنجز نصوصها الخاصة بكلّ نصّ على مستويين بآن: المحتوى، والدلالة. كما ثمّة استعارات من أقوال أئمة، وساسة، وأعلام ينتمون إلى غير مرحلة من التاريخ. ولعلّ أبرز ما يميزها أيضاً تمرّدها على أيّ محاولة لضبط حدود الجنس النصيّ الذي تنتسب إليه، وعلى نحو يمكن وصفها معه بأنّها كتابة تبتكر جنسها الخاص بها، كما يمكن القول معه إنّ نبيل صالح، شأنه في معظم ما قدّم إلى المكتبة العربية، يكتب ما ينتسب إليه وحده، لغةً وأسلوباً وبناء، وينجز، عبر هذا الكتاب أيضاً، ما يمثّلُ إضافةً بحقّ إلى الصحافة: الورقية، والإلكترونية. 
في "سورية عام من الدم" يحكي نبيل صالح حكاية الجرح السوري، فيفتق خيوطه لا ليزيده عمقاً، بل ليطهره من آثام الزيف والتزييف التي علقت به، وليكون شاهداً عدلاً عليه، لا شاهد زور.

د. نضال الصالح: جريدة الوطن

التعليقات

نصر الله جيشنا العربي السوري الباسل على عصابات الغدر الوهابية ولعن الله العراعير والعرصاوي والعريفي وطبطبائي الانجاس وعاشت سوريا شعبا وحكومة وقيادة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...