هنا دمشق.. أفلام تجسد حالات إنســــــــانية ووطنيــــة

05-12-2012

هنا دمشق.. أفلام تجسد حالات إنســــــــانية ووطنيــــة

اتجه السينمائيون وخاصة الشباب في الآونة الأخيرة نحو الفيلم القصير، وغالباً ما يكون فيه المخرج ذاته كاتباً وربما منتجاً أيضاً، وصناعة هكذا أفلام تحتاج إلى ثقافة ومتابعة وقراءة غزيرة لا تقتصر على مدرسة سينمائية محدودة بل ينبغي أن يكون العامل في مجال الفيلم القصير له إطلاع واسع على كل المدارس العالمية، كما تحتاج لوعي بالفنون والألوان والبحث في معاني اللقطة وحركة الكاميرا، فضلاً عن المتابعة والعشق الخاص بالسينما في وقت يتجه فيه الكثير من المخرجين للاعتقاد بأن الإخراج هو كيفية إخراج حركة كاميرا جميلة أو جديدة، متغافلين إن الإخراج هو كيفية خلق صورة تظهر معنى المشاعر والأحاسيس المراد إيصالها.‏

أقامت دار الفنون بدمشق قبل أيام بالتعاون مع المؤسسة العامة للسينما تحت عنوان «أسبوع سينما الشباب السوري للأفلام القصيرة»، ودار الفنون كما تقول لنا مديرتها الأستاذة رحاب ناصر: «الدار مؤسسة ثقافية غير ربحية تابعة لمنظمة اتحاد شبيبة الثورة ولكن لها نظامها الداخلي الخاص بها وتعنى بالفنون الموسيقية والمسرحية والتشكيلية، إضافة إلى نشر الثقافة العربية بين الطلاب الأجانب المقيمين في سورية، وفي الآونة الأخيرة ونتيجة الظروف التي تمر بها البلاد أصبح لديها متطوعين للحالات الإنسانية تتعلق بالإغاثة والاهتمام بالمهجرين».‏

بين المخضرمين والشباب‏

وفي العودة إلى «أسبوع سينما الشباب السوري للأفلام القصيرة»، حيث تضمنت هذه الفعالية عشرين فيلماً لمخرجين مخضرمين وأيضاً للشباب ولم تخل أيضاً من أفلام للهواة، وأول الكلام لا بد أن يكون عن المخضرم ريمون بطرس حيث عرض له فيلم مدته اثنتي عشرة دقيقة بعنوان «همسات» ويوثق الفن التشكيلي السوري خلال قرن من الزمن من خلال رؤية سينمائية مبدعة تتحرك كاميرته بصورة رائعة الجمال بين لوحات الفنانين الرواد والمعاصرين ليكون الفيلم توثيقاً بارعاً لهذا الشكل الفني في سورية.‏

 ومن المخضرمين أيضاً كان هناك فيلم «حكاية الأبواب السبعة» للمخرج غسان شميط مدته عشرون دقيقة، ويتناول فيه أبواب دمشق المشهورة ويتحدث عن تاريخها وبداية ظهورها وأهميتها للمساندة من الناحية الدفاعية للمدينة وربطها بأهل الشام فكانوا يفتحون الأبواب لمن يحبونه كما يفتحون قلوبهم ويغلقون أبوابهم في وجه الطامعين والغزاة. وكانت دمشق دائماً منيعة ضد أي عدو، كما يحكي الفيلم عما تعنيه الأبواب بالنسبة للكواكب فكل باب يرمز لكوكب معين وكل اسم له معناه.‏

المواضيع الإنسانية‏

أما الفنان والمخرج موفق قات رائد الأفلام التشكيلية السورية، فقد عرض له فيلمان الأول «الوصية الحادية عشرة» ويتحدث عن تأثير البيئة على الطبيعة والإنسان وهو موضوع إنساني، بدون شخصية أساسية ولمدة خمسة عشر دقيقة يستطيع المشاهد التفاعل مع أبطال الفيلم ليلاحظ تأثير اللامبالاة وكيف تؤدي إلى الطوفان ومعرفة الرابط الخفي بين الأخلاق والبيئة، بتقنية التو دي والثري دي والذي يطرح تساؤلات كثيرة ضمن صيغة ضبابية سريالية، حيث تفتك الآلة بالإنسان البسيط الذي يضيع بحثاً عن الحياة الجميلة. وفي النهاية تسيطر ثقافة ناطحات السحاب والتكنولوجيا على هذه الحياة.‏

والفيلم الثاني لقات كان «مذكرات رجل بدائي» ويتناول قضية مدعي حماية البيئة والإنسان الذين يفتكون بالبشر تحت هذا الشعار الكبير، فنرى إنساناً بدائياً بسيطاً يسعى فقط إلى أن يأكل حبة التمر إلا أن القوى والجيوش والأقطاب الاستعمارية تحول دون ذلك وترميه في النهاية في القمامة التي يعاد تصنيعها على شكل ثقافة استهلاكية يتم الكذب فيها على الناس.‏

وللمخرج جود سعيد أيضاً عرض فيلمان، واحد بعنوان «مونولوج» ثماني عشرة دقيقة ويحكي عن شخص يعيش في عزلة ويحلم في يقظته ومنامه، وحيداً فقط معه قطة بغرفة من بيوت دمشق القديمة، تحيط به ثلاث جارات تكشفن تفاصيل حياته من خلال الشبابيك التي ترسم صوراً داخل الصور، ونال هذا الفيلم على إحدى الجوائز العالمية، وشارك في أداء شخصياته كل من عمار حج أحمد، لينا العبد، نجلاء الخمري، والفرنسية بولين كوتسشه. وفيلمه الثاني كان «وداعاً».‏

تحدي حواجز العدو‏

كما عرض للمخرج الشاب المهند كلثوم فيلمه الذائع الصيت «البرزخ»، وفيله «29» شباط»، ويجسد «البرزخ» شجاعة شبان سوريين وفلسطينيين تحدوا حواجز العدو الإسرائيلي في ذكرى النكبة داخلاً معهم بكاميرته إلى قرية مجدل شمس في الجولان العربي السوري المحتل من خلال قصة بطلة الفيلم الفتاة الفلسطينية رشا فياض التي تشارك مع رفاقها في تقطيع الأسلاك الحديدية ومواجهة آلة القتل الصهيونية بجرأة عالية، وعلى مدى ثلاثين دقيقة يصور رحلة الفتاة الفلسطينية بعد أن تنجح في تجاوز حقول الألغام الإسرائيلية لتصل بعدها إلى منطقة صفد في فلسطين المحتلة ليلقى عليها القبض بعد ذلك من قبل سلطة الاحتلال، إلا أنها تصر على هويتها العربية وعلى العودة إلى أرض أبيها وأمها صارخةً في وجه المحقق الإسرائيلي بإيمانها المطلق بقداسة قضيتها.‏

وقال كلثوم عن الفيلم: «ركزت على رموز عديدة في الفيلم أردتها تعبيراً صادقاً عن رغبة الشباب العربي في كل من سورية وفلسطين لتخليص آخر ذرة تراب من براثن الاحتلال الصهيوني وذلك بالاعتماد على مشاهد درامية ودمجها مع المادة الوثائقية تضمنت لقطات لبطلة الفيلم وهي ترمي جوازها بعد أن وصلت إلى فلسطين واستشهد رفيقها برصاص الهمجية الإسرائيلية إضافة إلى لقطات لطفلة تقود دراجتها نحو الداخل الفلسطيني غير آبهةٍ ببنادق الاحتلال ودباباته».‏

ومن العروض المتميزة كان فيلم «مود» للمخرج الشاب طارق مصطفى عن نص للكاتب محمد محسن ويسلط الضوء على الصخب والضجيج السلبي الذي تتسبب به الوسائل التكنولوجية الحديثة الخارج عن إدراك المرء، وكيفية انعكاسه على حياته العملية والعاطفية والفيزيولوجية، في رسالة واضحة لحاجة الإنسان للهدوء الداخلي والخارجي.‏

من النصوص النادرة‏

وفيلم آخر وهو «رياح كانون المبكرة» عن نص لعمار محمود للمخرج أحمد الخضر ويتناول قضية سرطان الأطفال، ويسلط الضوء على هذه القضية عبر نص عن صداقة طفلين بما فيها من تناقضات، حتى يكتشف إصابة أحدهما بالسرطان، ويغيبه الموت، دون أن يفهم الآخر ما حدث.‏

وللمخرج أوس محمد كان فيلم «جدارية الحب» من كتابة رامي كوسا، ويتناول قصة حب من طرف واحد، يصور خلالها حالة رومانسية غير ناضجة، متتبعاً ما تواجهه بطلة الفيلم من صعوبات لتعيش القصة كما تتمنى.‏

إضافة إلى فيلم «بلا عنوان» الفيلم من تأليف خالد طيارة وإخراج أحمد سويداني.‏

وهو مقتبس عن قصة حقيقية ويسلط الضوء على مرحلة أو جزء من حياة شاب يمر بحالة نفسية معقدة، بسبب عدم قدرته على استيعاب واقع انفصاله عن حبيبته التي تركته منذ سنوات، فيقوم هذا الشاب باللجوء إلى طريقة قد تكون غير منطقية كي يضع حداً لسيطرة ذكرياته مع حبيبته على حياته طيلة هذه السنوات.‏

ومن السينما السورية الشابة تابعنا فيلماً بعنوان «فولت حار جداً» كتبه وأخرجه ومثله الشاب باسل طه الذي يعقب على عمله هذا قائلاً: «الفيلم فكرة رمزية للوجود، والصراع في سبيل الحياة والذي أصبح متعباً مع شكل الواقع من أغلب النواحي».‏

عن جدلية الحياة‏

وعرض فيلم «نخاع» الذي حاز على جائزة الامتياز والتفوق عن فئة الأفلام القصيرة في مسابقة الأفلام القصيرة في الولايات المتحدة قبل فترة وجيزة وهو من نص للزميل علي وجيه وإخراج وسيم السيد.‏

ويقول وجيه عن الفيلم: «الفيلم محاولة لتقديم فكرة مكثفة لحالة جدلية حياتية، وعرض للروتين الذي يقتل كل ما هو حيوي في حياتنا، ضمن مزيج من الجو السريالي والأداء الواقعي، يحاول مناقشة جدلية العلاقة الأزلية بين الذكر والأنثى، خصوصاً في مجتمعاتنا الشرقية».‏

وكان نصيب المخرج فجر يعقوب فيلمين في هذه الفعالية واحد باسم «البطريق» فضلاً عن فيلمه «السيدة المجهولة» وهو مأخوذ عن نص للأديبة كوليت خوري، تدور أحداثه حول شابّة نحاتة، تحاول استعادة أمها عبر منحوتة، فتشاهد امرأة على إشارة مرور تشبه أمها، وتكتشف أنّ هذه المرأة باسم آخر لكن كل شيء فيها يوحي بأنها أمها. وعندما تبحث في عنوان البيت الذي أخذته من المرأة تكتشف أن هذا البيت مهجور منذ نحو ثلاثين عاماً لكن كل شيء فيه من مفردات وعناصر يعود بذاكرتها لطفولتها.‏

كما شاهدنا فيلم «عن الحب» كتب له السيناريو المبدع عبد اللطيف عبد الحميد وأخرجه وليد حريب، فكرته عن الحب والشغف يطرحها الفيلم عبر صورة رمزية مكثفة جدا وفيها الكثير من الألم حيث يصور حالة عجوزين يلتقيان في حديقة عامة، تلتقي نظرتهما وما أن يشعرا بالحب حتى يسود الشعر الأبيض ثم تزول التجاعيد ليتحولا إلى شاب وصبية يتنهدا من حرارة الحب فيرميا عكازيهما ويتعانقان بشوق كبير وعندما يحاول الشاب تقبيل الصبية يتعرضان لسخرية كل من في الحديقة فيعودان إلى مكانيهما بخجل وعتب وألم. ولم يكن المخرج علي خطاب غائباً عن الفعالية وذلك من خلال فيلمه «انزواء»، الذي يعرض قصة إنسانية بصورة فائقة الجمال.‏

هنا دمشق وستبقى‏

وكان قد افتتح أسبوع سينما الشباب السوري للأفلام القصيرة بفيلم «هنا دمشق» عن تدوينة لماهر المونس، وسيناريو وإخراج ضحى الإبراهيم وشاركت في كتابة السيناريو أيضا كندة يوسف.‏

تقول الإبراهيم: «الفيلم يجول في أماكن بسيطة، تمر بها كل يوم غير مدرك لأهميتها في ذاكرتك، في ماضيك أو في هذه اللحظات، دقائق عفوية قضيتها مع من تحب لم تنسها قط، ضحكات متتالية أو دموع، ملامح تذكرها جيداً فقد بدت على وجوه الجميع حتى على وجهك أنت، هي موسيقا تسمعها كل يوم أو أصوات تتم حكايتك اليومية المعتادة، هي روائح متداخلة وإن لم تميزها جيداً لكنك ستشعر أن الياسمين والدخان يعبقان بها، إن امتنعت يوماً عن استنشاقها أو كره بعضها فإنك حتماً ستشتاقها، هي كل الأجزاء البسيطة التي تخصك أنت، قطع متناثرة أعدت وجودها وأحببتها من دون إدراك، انسابت بداخلك لتعطيك شعوراً غريب لعله الحب أو أنه الوطن. يمكن أحياناً أن تغيب لكن ستبقى تحيا لتحيي أشياء من نفسك.. فهي كانت هنا وماتزال «هنا دمشق»».‏

آخر الكلام‏

الفيلم السوري القصير اليوم أخذ حيزاً كبيراً من اهتمام المؤسسة العامة للسينما وخاصة بعد إنشاء وحدة لدعم السينما الشابة فيها، تابعة لمديرية شؤون الإنتاج السينمائي، مهمتها دعم مواهب الإخراج السينمائي الشابة التي لم تتلق تعليماً أكاديمياً، وليست مصنفة في نقابة الفنانين. كما أطلقت المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي مشروع «أحلام سينمائية سورية» قصيرة، لدعم السينمائيين الشباب.‏

ادريس مراد

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...