هل بدأت الثورة الشعبية العمانية

28-02-2011

هل بدأت الثورة الشعبية العمانية

الجمل: تحدثت التقارير المرئية والمقروءة والمسموعة عن أخبار حركة الاحتجاجات الشعبية المعارضة لسياسات السلطات العمانية، الأمر الذي يعزز احتمالات تحقق فرضية انتقال عدوى حركة الاحتجاجات الشعبية ضمن نطاق أوسع بما يمكن أن يشمل كافة مناطق الخليج العربي التي تشهد ظروفاً متشابهة: فما هي حقيق الاحتجاجات العمانية؟ وما هي محفزاتها وما مدى قابليتها للاحتواء أو التصاعد بما يمكن أن يهدد نظام السلطان العماني قابوس بن سعيد؟
* المسرح السياسي العمانيالسلطان العماني قابوس بن سعيد: توصيف المعلومات الجارية
ظلت سلطنة عمان من أكثر بلدان الخليج العربي التي ظلت التقارير والتحليلات السياسية تتعامل معها ضمن ملف خافت منخفض الشدة، وحالياً وعلى خلفية التوترات والاضطرابات السياسية الشرق أوسطية المتصاعدة فقد بدأ الحدث السياسي العماني وهو على وشك الصعود إلى واجهة الأحداث السياسية الإقليمية والدولية، ولجهة توصيف التطورات السياسية العمانية الجارية نشير إلى الآتي:
•    سعت مجموعة من المحتجين إلى مطالبة النظام بإجراء المزيد من الإصلاحات السياسية.
•    اكتسبت الاحتجاجات السياسية طابعاً حركياً عندما قام المحتجون بالتجمهر والقيام بإغلاق الطريق الرئيسي المؤدي إلى ميناء صحار والذي يقع في المنطقة الشمالية ويمثل البناء الرئيسي لصادرات النفط العمانية.
•    تصاعدت حدة المواجهات بما أدى إلى حدوث اشتباك بين الشرطة والمحتجين أسفر عن مقتل عدد من الأشخاص.
•    أشارت التقديرات إلى أن عدد المحتجين قارب الألف متظاهر.
•    تضاربت المعلومات حول عدد القتلى، ففي الوقت الذي زعمت فيه المصادر الرسمية بمقتل متظاهر واحد، تحدث طبيب عماني بقسم الطوارئ في أحد المستشفيات الحكومية مؤكداً بأن المستشفى استقبل جثث ستة قتلى.
•    ترافقت المظاهرات مع بعض أعمال العنف التي شملت نهب المتاجر وإشعال بعض الحرائق.
•    سعى السلطان العماني قابوس بن سعيد إلى تهدئة التوترات معلناً عن إجراء تعديل وزاري إضافة إلى تعهد السلطات العمانية بتوفير 50 ألف فرصة عمل وتقديم منحة لكل باحث عن العمل في حدود 390 دولار أمريكي.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن الاضطرابات السياسية قد بدأت في سلطنة عمان منذ حوالي أسبوع، وبرغم محاولات السلطنة العمانية لجهة القيام باحتوائها فقد ظلت مستمرة وضمن نطاق محدود، وإن كان نطاقه يتسع ببطء، ولكن ما هو جدير بالاهتمام يتمثل في أن اضطرابات الأمس العمانية، قد شهدت تطوراً نوعياً جديداً لجهة اللجوء لاستخدام العنف السياسي بواسطة الطرفين.
* النظام السياسي العماني: الطبيعة والخصوصية
يعتبر النظام السياسي العماني من بين الأكثر قدماً في منطقة الخليج، وقد بدأ الحكم في السلطنة في عام 751م الجلندي بن مسعود الذي مثّل الأول في نظام الإمامة الذي حكم عمان والذي امتد من عام 751م وحتى عام 1406م ، تواتر على الحكم خلاله 26 إماماً كان آخرهم الإمام مالك بن علي.
أعقب انتهاء نظام الإمام بدء نظام الحكم الأسري بواسطة عائلة آل نبهان والذي امتد من عام 1406 وحتى عام 1624م، ثم أعقبت بعد ذلك أسرة اليعاربة والتي امتد حكمها من عام 1624م وحتى عام 1724م، ثم جاء حكم أسرة بنو غافر والذي استمر من عام 1724م وحتى عام 1728م، ليعود الحكم مرة أخرى إلى أسرة اليعاربة من عام 1728 وحتى عام 1749م، ثم انتقلت سدة الحكم بعد ذلك إلى أسرة آل سعيد من عام 1749م حتى الآن، حيث يحكم السلطان قابوس بن سعيد من يوم 23 تموز (يوليو) 1970م وحتى الآن.
شهدت الساحة السياسية العمانية الكثير من التقلبات والاضطرابات السياسية والتي أدت إلى الآتي:
-    الحرب الأهلية الدامية التي شنتها الجبهة الشعبية لتحرير عمان ذات التوجهات اليسارية والتي تم إخمادها بتعاون سعودي-خليجي-يمني-أمريكي-بريطاني-إيراني (خلال فترة الشاه).
-    الانقلاب الشهير الذي نقذه السلطان الحالي قابوس بن سعيد بما أدى إلى الإطاحة بحكم والده السلطان سعيد الثالث بن تيمور بن سعيد.سلطنة عمان مع تقسيماتها الإدارية
تقول التقارير والمعلومات بأن النظام السياسي العماني السائد حالياً في سلطنة عمان يتكون قوامه من بنية مؤسساتية سياسية يمكن توصيفها على النحو الآتي:
•    المبادئ: التأكيد على المرجعية العليا للسلطات وذلك ضمن ما يمكن وصفه بالملكية الدستورية.
•    المؤسسات: تمثل المؤسسة السلطانية السلطة العليا ويمثل مجلس الشورى السلطة التشريعية ويتكون من مجلس أو بالأحرى من غرفة عليا هي (مجلس الدولة) ويقوم السلطان بتعيين أعضاءه لذلك فهو مجلس الملك ومهمته متابعة الأداء و(المجلس الاستشاري) ويتم انتخاب أعضاءه بالاقتراع المباشر لذلك فهو مجلس الشعب.
•    الأجهزة: توجد في سلطنة عمان جميع أنواع أجهزة الدولة العصرية ولكنها تخضع جميعها للسلطة التنفيذية التي تخضع بشكل مباشر للمؤسسة السلطانية التي يقودها قابوس بن سعيد.
هذا، وعلى أساس الاعتبارات القيمية السياسية فإن النظام السياسي يحفز قيام أي أحزاب سياسية في سلطنة عمان وتتم عملية الانتخابات ضمن صيغة تركز على قيام المواطنين باختيار من يمثلهم في المجلس الاستشاري عن طريق الاقتراع وبشكل مباشر يركز على اختيار الأشخاص الذين يتم التدقيق بواسطة الأجهزة العمانية على عدم وجود أي انتماءات سياسية لهم.
* قاطرة الصراع السياسي العماني-العماني: إلى أين؟
تقول المعلومات، بأن السلطان قابوس بن سعيد الذي يحكم سلطنة عمان الآن  قد ولد في عام 1940 وكان هو الابن الوحيد لوالده السلطان سعيد الثالث بن تيمور بن سعيد، وقد تلقى السلطان قابوس تعليمه في الأولى والثانوي في مدينة صلالة العمانية، ومدينة بونا الهندية، ثم تحول بعد ذلك إلى بريطانيا حيث التحق بكلية ساند هيرست العسكرية البريطانية (نفس الكلية التي درس وتخرج منها الملك حسين بن طلال)، إذ كانت السلطنة العمانية واقعة آنذاك تحت النفوذ البريطاني، وقد التحق قابوس بن سعيد بصفوف الجيش البريطاني، وعمل في رتبة إحدى كتائب قوات المشاة البريطانية وتحديداً كتيبة الاسكتلنديين، وتقول المعلومات بأنه عمل ضمن كتيبة المشاة الأولى خلال فترة تمركزها في ألمانيا، وإضافة لذلك فقد حصل درجة الضابط الركن في الجيش البريطاني.
أكمل السلطان قابوس عمله في قوات الجيش البريطاني ثم عاد بعد ذلك إلى سلطنة عمان، واستطاع أن يبني نفوذه في أوساط بعض عناصر قوات الجيش العمانية والتي كانت أكثر ارتباطاً بقوات الجيش البريطاني، وعلى خلفية الخلافات بين قابوس بن سعيد وولده السلطان سعيد الثالث بن تيمور بن سعيد، حدثت مواجهات عسكرية بين القوات الموالية للسلطان الأب والقوات الموالية لسعيد الابن أسفرت عن إطاحة سعيد الابن بسعيد الأب.
طبيعة الصراع السياسي العماني-العماني تميزت بالعمق والغموض الشديد، وفي هذا الخصوص تقول النظريات التفسيرية بأن تأثير العامل الخارجي البريطاني مازال يمارس حضوراً قوياً في مجالات أمن النظام، وبكلمات أخرى، فإن الموقع الجيوستراتيجي الهام لسلطنة عمان وتحديداً المطل بشكل مباشر على مضيق هرمز إضافة إلى جنوب إيران و بحر العرب والمحيط الهندي  هو موقع جعل البريطانيين أكثر اهتماماً بممارسة النفوذ المباشر وغير المباشر على السلطنة، إضافة إلى تزايد الروابط الأمريكية وحالياً تستضيف سلطنة عمان المزيد من الوجود العسكري الأمريكي والبريطاني.
بدأت حركة الاحتجاجات السياسية العمانية كحركة مطلبية اقتصادية وذلك على الأقل في المستوى المعلن الجاري حالياً، ولكن على المستوى غير المعلن، فهي حركة احتجاجات سياسية تعبر في العمق عن رفض النفوذ الأمريكي-البريطاني إضافة إلى المطالبة بالمزيد من الانفتاح وعمليات المشاركة السياسية الواسعة النطاق، وتأسيساً على ذلك فإن تأثير الجبهة الشعبية لتحرير عمان يمكن الإشارة إلى أنه سوف يظل لفترة طويلة قادمة مشكلاً لجزء كبير من طموحات الشعب العماني، فهل يا ترى سوف يسعى السلطان قابوس بن سعيد إلى الحد من النفوذ الأجنبي الأمريكي-البريطاني ويقوم بإجراء الإصلاحات السياسية المطلوبة بالشكل المرضي للشعب؟ أم أنه سوف يسعى لاستخدام الأجهزة التي تشرف عليها في الخفاء الأيادي البريطانية والأمريكية وتقوم بعمليات القمع وممارسة العنف السياسي المرتفع الشدة؟!

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...