نساء محكومات بالقهر

01-04-2010

نساء محكومات بالقهر

كنّ عشر نساء يلتقين شهريا ضمن أحاديث تجمعهن وتبعثهن على الضحك والمزاح بعيدا عن الهموم اليومية.. ومع ذلك لم تكن إحداهن تشعر بسعادة أو بمعنى إنساني في حياتها..
السيدة(س) كانت تضحك بصوت عال، لكنها في داخلها كانت تخفي ألما كبيرا فعدة دقائق تمضيها هنا في الضحك والتظاهر بالسرور..
ريثما تعود إلى منزلها وحيدة، تحادث جدران منزلها فقد تزوجت ابنتها إلى مدينة أخرى وابنها مسافر خارج القطر في عمل.. بينما زوجها أراد ان يكافيء نفسه بعد ان وصل به العمر حد الخمسين فتزوج من فتاة بعمر بناته، تاركا زوجته تعايش الوحدة بعد ان وصلت هي الأخرى إلى عمر تشعر بأنها بحاجة لوجوده!! كان "كريما معها إلى أبعد حد" فلم يطلقها ولم يطردها من منزلها بل ترك لها ان تعيش به كما لو أنها جزء من أثاث هذا المنزل الذي يمكن ان يطلق عليه أثاث قديم!؟..
السيدة (ر) كانت على قدر كبير من الجمال والثقافة، لكن مسحة كبيرة من الحزن كانت تعلو وجهها، فبرغم جمالها إلا ان قطار الزواج كاد يفوتها لولا أنها قبلت بمن تقدم لخطبتها، معتبرة ان الفارق التعليمي الشاسع وفارق السن أيضا بينهما لن يكون عثرة في حياتهما..
ولكن العكس تماما هو ما اتضح فلم يمض وقت صغير على زواجهما حتى بدأ الفرق في التفكير والتعامل يظهر بينهما فازداد الشرخ إلى مرحلة بات عليها أن تلزم الصمت الدائم حتى لا تتهم بأنها تتقصد إظهاره بمظهر الجاهل..
السيدة (م) كانت تلوذ بالصمت في غالب الوقت ولا تبتسم إلا نادرا، وما يلفت الانتباه هو لباسها المحتشم جدا والذي يغطي كامل جسدها من أعلى رقبتها حتى أخمص قدميها، وكان دافعها في ذلك إخفاء الكدمات المتتالية على جسدها ويديها وحتى رقبتها التي تطبعها يدي زوجها عند كل أزمة او خلاف...
أو ربما عند احتدام النقاش الذي يشعر به بعدم قدرته على إقناعها فيعاجلها بيديه وقدميه يعّمل بهما في جسدها فترضخ تحت الإهانة والذل والألم..
لم تكن (ن) بحال أفضل من مثيلاتها رغم حسد صديقاتها لها فهي متزوجة من رجل غني وضمن عمل مرموق يجعلها تعيش ضمن مجتمع مخملي ولكن رغم ذلك فالبرودة التي تسيطر على وجهها واللامبالاة التي تعتري تصرفاتها كانت مؤشرا لوجود مشكلة ما..
وكانت معاناتها بأن زوجها مصاب بعجز جنسي منذ زواجهما وكان عليها ان تصمت لأنها غير قادرة على الشكوى لأحد بعد تهديده لها بانتقامه فيما لو فكرت..
السيدة (أ) كان عليها دائما أن تلزم الصمت مما أقدمت عليه ضمن حريتها وقناعتها الشخصية.. فقد تزوجت رغما عن أهلها من رجل يختلف عنها في الدين. عاشت سنوات هادئة أثبتت فيها للجميع أنها لم تكن على خطا وان زواجها ناجح وليس ضربا من المستحيل..
ولم تفكر بيوم يعود به حبيبها إلى أصوليته الشرقية ليخيرها بين التخلي عن ديانتها المسيحية.. او حرمانها من ارثها الشرعي بزواجها منه ولمدة وصلت إلى عشرين عاما.
كانت دائما تتظاهر بالثقة، مخفية غصتها وخيبتها فيمن تركت حياتها لأجله، وإذا به يلّوح بحرمها من أدنى حقوقها الإنسانية (حقها بان تمارس عقيدتها، وحقها في ارث زوجها)
ولم تكن السيدة الشابة (هـ) بأحسن حال منها فقد كلفها قرارها هي الأخرى ان تعيش في مدينة مزدحمة، وضمن سكن متطرف قليل السكان، بعيدة عن الأضواء والزحام.. لاتخرج إلى السوق الا نادرا.. وليلا.. تتلفت يمينا ويسارا.. إلى الخلف تارة.. وتعاود الكرة.. تخاف من ظلها ان ارتأى لها انه ظل احد أفراد أسرتها.. تعيش كابوس الموت في كل ليلة بعد زواجها..
فقد أفلست في إقناع ذويها بزواجها.. فما كان منها الا ان اتخذت قرارها بالارتباط به بعيدا عن موافقتهم.. وعزت نفسها بأن وقت قليل سوف يمضي قبل ان يسامحوها.. لكن الوضع ازداد سوءا.. عندما علمت بان أفراد أسرتها أعلنوا ضمن قريتهم بأنهم قد أهدروا دمها وسيغسلون عارهم قريبا حالما يجدونها.. كلما ابتسمت.. يسارع شبح السكين إلى احتلال مساحة واسعة من مخيلتها وتفكيرها الغير قادر على التوازن.. وكأنها في كل يوم تنتظر هذا القدر بشكل او بأخر سيداهمها..
وما يزيد ألمها ان زوجها يحملها مسؤولية قرارها، ويرى أنها استعجلت وكان عليهما الانتظار بدل هذه العزلة التي يعايشانها.. بخوف وهرب دائم من شبح العائلة.. ما اعتقدته انه داعم لحزنها وخوفها.. زاد فيه قسوة وشعورا بالذنب..
السيدة (ع) تزوجته بعد حب ومباركة العائلة لهما.. لكنه اشترط عليها منذ زواجهما ان تترك عملها.. وترتدي الحجاب للحشمة بعد الزواج..
لم تعر لشروطه أهمية.. فقد كان الحب يملأ قلبها والسعادة تزيد في إبهام الصورة الحقيقية له..
لم تمض اشهر على زواجهما حتى بدأت الخلافات الكبيرة بينهما.. ولم يقنعه دراستها للطب.. وسعيها لان تكون طبيبة مشهورة بشيء.. وكيف لها ان ترتدي الحجاب وهي لم تجربه يوما.. ولم تجري أي عادة في عائلتها على ارتدائه..
في النهاية رضخت لشروطه.. وقبعت في المنزل بعد ان ضغط عليها الأهل بان تهتم بمنزلها وعائلتها درءا للفضيحة..
السيدة (م) تعيش مع زوجها منذ اكثر من عشرين عاما.. تزوجها صغيرة السن فلم تتم تعليمها.. ومن عائلة فقيرة حد العوز والحاجة..
بالرغم من انه طبيب ماهر الا ان ما يخفيه داخله كان الأسوأ على الإطلاق فهو لم يتوانى يوما عن نعتها بفقر أهلها.. وتذكيرها بكل لحظة بأنه يقدم لهم المساعدة وانه انتشلها من فقر مدقع لتنعم بالرفاهية لديه..
حتى ان سخريته لم يوفرها أمام أولاده فلم ينسى بين الحين والآخر ان يذكرهم بعوز أمهم وفقر بيت جدتهم..
كانت تعيش أسوأ أيامها.. تحنّ إلى بضع أيام من طفولتها.. كم كانت تكرهه وتكره معشره.. ونقوده.. لكنها كلما همّت باتخاذ قرار بتركه تجد نفسها تمعن في صمتها حتى آخر لحظة
عدة نساء.. ضمن عدة ظروف تستحيل معها الحياة الزوجية لابل الإنسانية..
ومع ذلك لم تجرؤ امرأة منهم على اتخاذ قرار بالانفصال أو الطلاق.
فماذا ينتظر أيا من كل هؤلاء ان فكرنّ بالطلاق؟
أين يذهبنّ بعد سنوات مضت؟
فلا مسكن ولا ملجأ ولا حتى تعويض رمزي يقيهنّ شر العوز..
ومن يحميهن من مفاجآت القدر في ظل غياب الحماية المجتمعية والقانونية وحتى الإنسانية منها..
هنّ شريحة من مجتمع ينمو بطريقة مشوهة.. فأية عائلات تلك التي تنمو بتربة فاسدة.. وأي جيل جديد إلى المستقبل نحنّ نقدم..
يتبع..

ربا الحمود

المصدر: مجلة الثرى

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...