مي نصر.... للقضايا الكبرى غيتارٌ أيضاً

30-11-2008

مي نصر.... للقضايا الكبرى غيتارٌ أيضاً

لا أظنّها المصادفة هي التي جاءت بمي نصر إلى بيروت في عام 1975 عشيّة الحرب الأهليّة اللبنانية لتتشرب كل تلك المآسي والأحزان التي عصفت بلبنان على مدى خمسة عشر عاماً.
كما لا أعتقد أنها ضلّت طريقها حين سلكت موهبتها طريق الهجرة العكسي ميمّمة شطر دمشق لتطلق ألبومها الغنائي الأول، ونحن الذين طالما اعتدنا على شعرائنا ومثقفينا وفنانينا يقصدون بيروت بحثاً عن مناخات أفضل وفضاءات أوسع.
كان كل شيء يشي بأنها على وشك اقتراف أمسية غنائيّة رائعة. فجلوسها بين جمهورها قبل بدء الحفلة وبشاشتها ولطفها كل تلك العوامل كانت تشير إلى أننا بانتظار جرعة موسيقية غنية نحن في أمس الحاجة إليها. تماماً كديكور المسرح البسيط بخلفية سوداء ورقع قماشيّة بيضاء، بدت مي نصر بصفاء صوتها وعفوية إطلالتها بياضاً وأملاً ينير ظلام الواقع الفني المحيط.
مي نصر القابضة على أحلامها بقوة والتي اشتهرت بأدائها الصادق لأغنيات الفن الحقيقي طوال عشر سنوات اختارت دمشق لتطلق ألبومها الأول «للغالي»، فاحتضنت صالة الجلاء الرياضية مساء الأحد 23/11 جمهور مي من الشباب الجامعي الذي حفظ أغنيات فيروز وزكي ناصيف بتلقائية أسست لها حتمية خلود كلمات وألحان تلك التراتيل المقدسة.
كانت البداية بالأغنية التي تحمل اسم الألبوم، ثم قدمت مي عربون وفاء لأستاذها الراحل زكي ناصيف وغنت رائعته «ما نسي العرزال». وتوالت الأغنيات وتنوعت بين الجديد والقديم فكانت أغنية «بيني وبينك يا هالليل» لمؤلفها الياس الرحباني ولصاحبتها هدى. وعشنا حضور فيروز الدائم والطاغي بأغنيات «علموني» و«رزق اللـه عالعربيات» و«البنت الشلبية».
أما من ألبومها الجديد غنت مي: «ملح وسكر»، «الطريق»، «مش بالقوة» و«بيتك يا نجوى» والأخيرة من كلمات مي نفسها كمحاولة أولى و(متواضعة) في كتابة الكلمات ولكننا نغفر لها إذا ما وضعنا ما كتبته في خانة البوح الذاتي. وطبعاً لم يمضِ حفلٌ كهذا دون أن نسمو مع مي برفع الصوت تحية لأهل العراق من خلال أغنية «من دل دلوني» الفلكلورية، وأغنية «بغداد» المصاغة من كلمات نزار قباني وألحان إلهام المدفعي. وتذهب القلوب والحناجر بعيداً في الجراح والذاكرة عندما تنشد مي أغنية «شمس المشرق» تحية لفلسطين وللأستاذ أحمد قعبور. وفي نهاية الحفل يعكس التصفيق الحاد أمل الحاضرين وألمهم ووعيهم عندما يغنون مع مي أغنية «يما مويل الهوى» من الفلكلور الفلسطيني. توليفةٌ موسيقيةٌ شابةٌ جميلة رافقت مي نصر على المسرح توزعت على البيانو «جوزيف حايك»، والعود «إيهاب موسى»، والإيقاع «جورج» والبيز «إلياس طويل»، إلا أن «ناصر موره لي» بدا متفرداً ومميزاً على آلة الكمان. حفل مي نصر، كان حفلاً خاصاً جداً فالجمهور السوري التقط بحواسه كل الشحنات والإشارات الوطنية والعاطفية والقومية، وعبّر عن نفسه وخياراته وانفعالاته عندما قاطع أداء الأغنيات بالتصفيق والتهليل ما إن تحرك جملة موسيقية مميزة أوتار إصغائه، أو تجيب كلمة منتظرة على صدى أفكاره وهواجسه. ولعل ما يبرز مثالاً علوّ التصفيق أثناء تأدية مي لأغنية «نصارع الظلام» عند مرور كلمة «ميسلون» حتى قبل أن تنتهي الأغنية التي كتبها «الياس غنّاج». دائماً تغني مي نصر وفي حضنها وبين يديها آلة الغيتار، وكأن في علاقتهما إخلاصاً وانسجاماً في الجسدِ واللحنِ والكلمة، ما يعكس في صوت مي وأدائها المرتاح والمريح سلامها الداخلي ورقيّ رسالتها الفنية.

زينة حموي

المصدر: الوطن السورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...