مفاوضات مسقط: الفجوة النووية قائمة

10-11-2014

مفاوضات مسقط: الفجوة النووية قائمة

يبدو أن المفاوضات بين إيران والغربيين ما زالت تتعثر بعقبات عدّة، وهو ما تبدّى في التصريحات التي رافقت جولة المحادثات التي استضافتها العاصمة العمانية مسقط، أمس، والتي جمعت وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بنظيره الأميركي جون كيري ومسؤولة العلاقات الخارجية السابقة في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، مع بدء العد العكسي لانتهاء المهلة النهائية المحددة من قبل طرفي التفاوض للوصول الى اتفاق شامل بحلول الرابع والعشرين من تشرين الثاني الحالي.
وبالنظر إلى الحساسية التي تتسم بها هذه المرحلة من المفاوضات، فقد حرص الطرفان الإيراني والغربي على عدم الكشف عن المسار الذي تسلكه محادثات مسقط، التي ستستغرق يومين، لكن ما رشح من تصريحات إيرانية وأميركية، يوحي بأن نقاط الخلاف ما زالت قائمة، ما قد يفضي نظرياً إلى ثلاثة سيناريوهات: التوصل الى اتفاق شامل خلال المرحلة الاخيرة للمفاوضات النووية في 18 تشرين الثاني، أو اتفاق على تأجيل جديد للمهلة النهائية المتفق عليها سابقاً، أو تفجير المفاوضات برمّتها، وإن كان السيناريو الأخير مستبعداً بالنظر الى تشابك الملفات والمصالح الإيرانية ـ الغربية في ظل ما يجري في المنطقة العربية بشكل عام.
وكان لافتاً في التصريحات المرافقة لجولة المفاوضات في مسقط، ما قاله الرئيس الاميركي باراك اوباما من أن «الفجوة ما زالت كبيرة» في الملف النووي الإيراني، وتأكيد علي اكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، أن طهران لن تتخلى عن «حقوقها» النووية، برغم التزامها بالمفاوضات تحت قيادة المرشد، وتشديد ظريف على رفض ما أسماه «الخطوط الحمراء المصطنعة» التي تحاول واشنطن فرضها على المسار التفاوضي.كيري يصافح ظريف وبينهما اشتون ووزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي بن عبد الله في مسقط امس (رويترز)
كما كان لافتاً، في خضم التساؤلات حول نتيجة الاجتماع العُماني، إعلان رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي اكبر صالحي عن زيارة سيقوم بها غداً لموسكو بغرض توقيع اتفاق بشأن بناء محطتين نوويتين في إيران، بعد مفاوضات دامت بضعة أشهر.
واجتمع موفدون كبار من إيران والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أمس، في العاصمة العُمانية، في محاولة لدفع مساعي للتوصل الى اتفاق نووي شامل، عبر وضع حدود يمكن التحقق منها لأنشطة تخصيب اليورانيوم الإيرانية في مقابل رفع العقوبات تدريجياً.
ووفقاً لديبلوماسيين غربيين شاركوا في المفاوضات، التي تختتم اليوم، فإن نقاط الخلاف الرئيسية تتمثل في حجم برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم، ومدة أي اتفاق طويل الأمد، ووتيرة رفع العقوبات الدولية.
ولدى وصول كيري إلى مسقط، قال مسؤول أميركي كبير إن المحادثات الثلاثية ستكون «اجتماعاً مهماً يركز على إحراز تقدم من أجل الالتزام بالموعد النهائي»، فيما قال مسؤولون اميركيون آخرون إن نقاط الخلاف الرئيسية لا تزال قائمة بين الجانبين.
ويبدو أن ما قاله باراك اوباما، في حديثه إلى شبكة «سي بي أس» الأميركية، يعكس الى حد كبير الجو العام لنتائج الجولة النووية التي استضافتها مسقط بالأمس. ورداً على سؤال في هذا الشأن، قال الرئيس الاميركي: «هل سنتمكن من سد هذه الفجوة الاخيرة بحيث تعود إيران الى المجتمع الدولي وترفع عنها العقوبات تدريجياً ونحصل على تطمينات قوية وأكيدة يمكن التحقق منها بأنهم غير قادرين على تطوير سلاح نووي؟»، قبل أن يضيف أن «الفجوة لا تزال كبيرة. وقد لا نتمكن من التوصل الى ذلك».
أما على الجانب الإيراني، فقد أدلى ظريف بتصريحات للتلفزيون الإيراني، فور وصوله إلى مسقط، أكد فيها مجدداً أن العقوبات المفروضة على طهران لم تحقق «أي نتائج» للغرب، مضيفاً «إذا كان الغرب مهتماً بالتوصل الى حل من هذا النوع، فهناك احتمال للوصول الى حل وتفاهم قبل 24 تشرين الثاني». وأشار الوزير الإيراني إلى أنه «ما زال هناك تباعد» في المواقف بشأن «حجم برنامج التخصيب وآلية رفع العقوبات». وأضاف «إذا برهن الجانب الآخر على ارادة سياسية حسنة يمكننا التوصل الى اتفاق»، رافضاً «خطوط حمراء مصطنعة» يسعى الطرف الآخر الى فرضها على المسار التفاوضي.
بدوره، أكد علي أكبر ولايتي أن الجمهورية الإسلامية لن تتخلى عن «حقوقها» النووية لكنها ملتزمة بالمفاوضات تحت قيادة خامنئي، حسب ما نقلت عنه وسائل إعلام إيرانية. ومما قاله ولايتي: «لن نتخلى عن حقوقنا» في ما يتعلق بالمنشآت النووية في فوردو وناتانز وآراك، وكذلك حجم برنامج أجهزة الطرد المركزي التي تحوِّل اليورانيوم الى وقود نووي، مضيفاً «نحن ملتزمون بالمحادثات ومفاوضونا يتحركون بناء على إطار عمل... حدده الزعيم الأعلى».
وبانتظار ان يكشف الطرفان عن نتائج جولة مسقط التفاوضية، تبقى المحادثات النووية مفتوحة من الناحية النظرية على ثلاثة احتمالات.
الاحتمال الأول، هو التوصل الى اتفاق على القضايا الرئيسية لحل ازمة الملف النووي الإيراني في الجولة النهائية التي ستعقد في 18 تشرين الثاني الحالي، اي قبل اسبوع من انتهاء المهلة النووية. وتشير تصريحات سابقة الى ان هذا الاحتمال قائم، خصوصاً أن الطرفين حددا إطاراً عاماً للمفاوضات عبّر عنه ظريف مجدداً من العاصمة العُمانية بقوله: «منذ (مفاوضات) نيويورك قررنا التركيز على الحلول بدلا من التركيز على الخلافات».
أما الاحتمال الثاني، فيتمثل في إمكانية مد مهلة الرابع والعشرين من تشرين الثاني. وبالرغم من أن الأميركيين يقولون إنهم لا يفكرون في ذلك، إلا ان كيري لم يستبعد مؤخراً احتمال أن تمتد المفاوضات الى ما بعد هذا التاريخ اذا تم الاتفاق على القضايا الرئيسية ولم يتبق سوى الانتهاء من التفاصيل الفنية.
أما الاحتمال الثالث، فهو أن تصل المفاوضات الى طريق مسدود، وهو أمر يبدو مستبعداً في ظل الحرب الجارية في العراق وسوريا ضد «داعش»، مع أن الاميركيين يحاولون عدم الربط بين الملف النووي والملف «الداعشي». وقد قال كيري، خلال مشاركته مؤخراً في منتدى التعاون الاقتصادي في آسيا والمحيط الهادئ الذي عقد في بكين إنه «ليس هناك اي ارتباط بين المفاوضات بشأن البرنامج النووي ومسائل اخرى منفصلة». لكن اوباما لمَّح من جهته، في حديثه التلفزيوني امس، إلى ان ثمة مخاطر إقليمية قد تترتب على فشل الاتفاق، حين توجه إلى إيران بالقول إن الولايات المتحدة متواجدة في العراق لقتال عدو مشترك «فلا تعبثي معنا لأننا لسنا هنا للعبث معكِ».
وتؤكد إيران، بشكل غير مباشر، على هذا الأمر، وآخر التصريحات في هذا الإطار، ما قاله رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، امس الاول، بأنّ إبرام الاتفاق يمكن ان يكون له انعكاسات إيجابية في المنطقة، ونائب وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي بقوله إن التوصل إلى اتفاق نووي «يصب في مصلحة الطرفين والمنطقة وهذه النقطة يدركها الجانبان»، مشيراً إلى ان «احداً لا يريد العودة الى الوضع الذي كان سائداً قبل اتفاق جنيف، لأنه سيكون سيناريو خطراً للجميع».
ومع ذلك، فإن السياسة الداخلية في كل من الولايات المتحدة وإيران يمكن ان تؤثر على المفاوضات. وعلاوة على التشدد الذي يبديه المحافظون في إيران، والذي يضيِّق هامش المناورة لدى فريق الرئيس حسن روحاني، فإنّ الهزيمة الانتخابية القاسية التي لحقت بأوباما، مع فقدان الحزب الديموقراطي السيطرة على مجلس الشيوخ، لمصلحة الجمهوريين الذين ينتقدون بحدة المفاوضات مع إيران، تضيف مزيداً من الضغوط على الرئيس الاميركي.
وفي ظل هذه التعقيدات، كان لافتاً إعلان رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي اكبر صالحي انه سيتوجه غداً إلى موسكو للتوقيع على اتفاق لبناء محطتين نوويتين في إيران بعد مفاوضات دامت بضعة اشهر.
ونقلت وكالة «إرنا» الإيرانية عن صالحي قوله «أنا متوجه الى موسكو للتوقيع على اتفاق بناء محطتين نوويتين جديدتين».
وستبنى المحطتان في بوشهر على ساحل الخليج قرب اول محطة نووية بنتها روسيا وسلمتها رسمياً الى الإيرانيين في أيلول العام 2013 (قوتها ألف ميغاوات).
يذكر أن طهران وموسكو وقعتا سلسلة اتفاقيات للتعاون الاقتصادي من شأنها أن تسمح للبلدين، اللذين فرضت عليهما عقوبات غربية، إقامة شراكة إستراتيجية جديدة تشمل إحداها بناء موسكو عشر محطات نووية.

المصدر: السفير+ وكالات

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...