مخرج سوري يقود أول كوميديا خليجية صامتة

30-09-2009

مخرج سوري يقود أول كوميديا خليجية صامتة

تعاني الكوميديا الخليجية من نمطية تتحكم في آلية كتابتها وتمثيلها وإخراجها، بل وانتقاء أفكارها أحياناً... فمعظم الأعمال الكوميدية الخليجية، ترى أن آلية الإضحاك ذات خصوصية محلية لها علاقة بطبيعة المجتمعات الخليجية، دون أن تعي أن هذه المجتمعات أصبحت خليطاً من مواطنين ومقيمين وعمالة عربية وآسيوية وافدة، غيرت بعد سنوات طويلة من مزاج المجتمع وآلية تفكيره في نواح عديدة، لعل أبرزها اللغة المحكية التي اختلطت بمفردات غريبة وآليات تعبير متنوعة.

وإذا كانت مشكلة الكتابة الكوميدية التي تؤصل مشكلات المجتمع وتستلهمها في العمق هي نقطة ضعف العديد من الأعمال الكوميدية الخليجية، فإن الارتجال الحركي المسرحي في الأداء التمثيلي، يبقى السمة الغالبة على هذه الأعمال التلفزيونية التي ارتفعت وتيرة إنتاجها في السنوات الأخيرة، وراحت غير جهة إنتاجية خليجية كبرى تتبناها وتتحمس لها.
الارتجال الحركي المفرط في الأداء، وظفه المخرج السوري مؤمن الملا في عمله الكوميدي السعودي 'المرابيش' الذي بثته قناة 'روتانا خليجية' في موسم رمضان المنصرم، من أجل تقديم كوميديا صامتة، تستغني عن الحوار الساذج والمكرور الذي تجتره الكثير من النصوص، وتسعى بالمقابل للتعبير عن الموضوع، عبر الحركة والإيقاع والموسيقى الهزلية التي تؤكد خصوصية الطابع الكوميدي للعمل.
'المرابيش' كلمة محلية سعودية، مشتقة من'الربشة' أي الصدمة الناتجة عن الارتباك والحيرة في الأمر... وهكذا يصبح المعنى المقصود هو الحديث عن شخصيات مرتبكة، تعيش ورطة ما، أو تعاني من مأزق كوميدي محيّر... تبحث عن حل له عبر الفكرة اللماحة والابتسامة الخفيفة!
العمل من إنتاج السحيمي للوسائل الفنية، وقد كتب لوحاته السوريان عبد الوهاب زعبوبة وأحمد العاشق والممثلان السعوديان بادي التميمي وفهد الأسمراللذان شاركا في تمثيل لوحاته إلى جانب: فيصل السحيمي ومحمد حافظ وعبد الإله المهنا.

صعوبات كتابة سيناريو كوميدي صامت، ألقت بثقلها على زمن لوحات العمل، التي سعى صناعها نحو تكثيفها فلم تتجاوز مدة اللوحة الواحدة الدقائق الخمس، رغبة في تكثيف الفكرة أحياناً، وإلباسها ثوب (الفلاش) الذي يومض وينطفئ سريعاً، فلا يترك للمشاهد فرصة للملل، أو التفكير في خيارات أخرى اعتاد على سهولة تلقي مضامينها.. لكن هذا التكثيف الرشيق والموحي أحياناً كثيرة، لم يخف مشكلة المرور سريعاً على تفاصيل بصرية هامة يمكن أن تبرز الفكرة، وتجعلها أكثر وضوحاً وعمقاً وغنى... ولا بد من التأكيد على أن الوضوح في هكذا نوع من الكوميديا، مرتبط بمهارة التعبير وقوة عناصره الفنية خارج لغة الحوار المنطوق... وهذا له علاقة بطبيعة الحال بالقدرة على صناعة صورة تفسر وتضبط دلالات اللوحة، فلا تلتبس فيها المعاني أو تغرق في غموض محير، يضل عن الهدف، ويخلق غربة مع المتلقي أحياناً كما لمستُ شخصياً في بعض اللوحات!
موضوعات 'المرابيش' بدت محلية في الغالب، لكنها تنوعت بين عرض لحالات اجتماعية متناقضة، وهموم اقتصادية طارئة، وأفكار ترفيهية تعكس مزاج الشباب السعودي وعلاقته بالعالم من حوله... وبين التركيز على صور من الحياة اليومية التي تتصل بخصوصية سعودية حيناً، والرغبة في محاكاة صورة المجتمع الخليجي حيناً آخر... ولعل أبرز تلك الصور ما يتعلق بمفردات الحياة الاستهلاكية التي تبدو سمة المجتمع الخليجي الحائر بين موروثات الماضي وأصالة بعض قيمه المستمدة من حياة البداوة، وبين إغراءات النمط الاستهلاكي المستورد، والذي أصبح جزءا لا يتجزأ من حياة تلك المجتمعات وهويتها.
العمل لم يتطرق بالطبع لمثل هذه الموضوعات بعمق، ولم يضعها في سياق نقدي ساخر، وإنما حاول ملامستها من وجهة نظر كوميدية خفيفة... وقد تعامل في تصويره لتلك الموضوعات مع (شيفرات) محلية، استغلق فهمها على المشاهد العربي أحياناً... ومن هنا فرضت محلية الموضوعات، التوجه إلى المتلقي المحلي أولاً، وتغليب ذوقه في الضحك على بنية العمل وأسلوبه، فحل التهريج السريع التأثير، محل السخرية العميقة الأثر!

في كل الأحوال بدت تجربة 'المرابيش' خطوة جريئة فنياً، لتقديم كوميديا صامتة تعتبر هي الأولى من نوعها خليجياً، بعد أن سبقتها تجارب عديدة في سورية منذ سنوات... وهي بالتأكيد خطوة جريئة اجتماعياً لأنها انطلقت من البحث عن التناقضات كمادة للإضحاك، وصورت بعض الموضوعات المحظورة التي لم يكن بالإمكان تقبلها لو أنها قدمت بالحوار الصريح... ومن الواضح أن المخرج مؤمن الملا بذل جهداً كبيراً في تكريس الخصوصية الفنية للتجربة، سواء على صعيد التقطيع الإخراجي، أو على صعيد إدارة الممثل، وجعل الأداء التمثيلي الارتجالي المسرحي موظفاً لخدمة هذا النوع من الكوميديا الصامتة كما سبق وأسلفنا، إلا أن آفاق النجاح الإخراجي والفني عموماً، بقيت أسيرة تفاوت مستوى السيناريوهات والأفكار بطبيعة الحال، ومدى حرفية التعبير التي امتلكها كتاب العمل في إيصال أفكارهم من دون كلام.
ورغم كل هذه المآخذ تبقى التجربة هامة وتستحق التشجيع، لأنها قد تفتح أفقاً تجريبياً لكوميديا مختلفة... وقد تسهم في تطوير آلية التفكير بصناعة الكوميديا الاجتماعية التقليدية، بعيداً عن طغيان الثرثرة واستمراء الهرج والمرج بحجة أن ذوق المجتمع الخليجي في الإضحاك هكذا!

محمد منصور

المصدر: القدس العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...