ماذا تحمل حقيبة ديفيد وولش للبنان

31-05-2008

ماذا تحمل حقيبة ديفيد وولش للبنان

الجمل: تنظر الكثير من التحليلات إلى حالة الاضطراب والفوضى اللبنانية باعتبارها عاملاً مهدداً ستنتقل عدواه إلى خارج الحدود اللبنانية بما يؤدي إلى تقويض استقرار كامل منطقة الشرق الأوسط.
تتمثل نقطة ضعف هذه التحليلات في عدم إدراكها السليم للخصوصية الاستثنائية التي تتميز بها بيئة السياسة اللبنانية الداخلية، فالحرب الأهلية اللبنانية السابقة وما قبلها وما بعدها من صراعات لم يحدث أن انتقلت عدواها لا إلى سوريا ولا إلى غيرها، وكل ما حدث هو أن سوريا تحملن مع بعض الأطراف العربية الأخرى الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي أفرزتها الأزمة اللبنانية أما الضغوط السياسية والعسكرية فقد ظلت حصراً داخل الحدود.
* الرئيس ميشيل سليمان وإشكالية إعادة الحياة لقصر بعبدا:
نجحت أحداث 9 أيار وضغوط الرأي العام اللبناني والعربي في دفع الزعماء السياسيين اللبنانيين إلى حمل أوراقهم والذهاب إلى العاصمة القطرية الدوحة ثم العودة منها بعد خمسة أيام وهم يحملون صفقة اتفاق الدوحة التي أدت إلى صعود المرشح التوافقي ميشيل سليمان إلى قصر بعبدا رئيساً للجمهورية. المهام الرئيسية أمام الرئيس سليمان ستتمثل في الآتي:
• وضع خطة سلام وطني لبناني تضع نهاية للاضطراب السياسي الذي أصبح مشكلة مزمنة في الساحة السياسية اللبنانية.
• وضع نهاية للتدخلات السياسية والأمنية والعسكرية الإسرائيلية في لبنان.
• معالجة ملف المحكمة الدولية.
• معالجة القرارات الدولية الخاصة بلبنان.
• معالجة ملف العلاقات مع سوريا.
• التعامل مع الأطراف اللبنانية المختلفة والمتناحرة.
* اتفاق الطائف – اتفاق الدوحة: إشكالية استمرار الآخر بالوسائل الأخرى:
حتى الآن ما تزال نقاط التقاطع بين اتفاق الدوحة واتفاق الطائف كثيرة ومتعددة وبرغم ذلك فإن هناك الكثير من التنافرات بينها. وعلى خلفية ذلك ما تزال الكثير من التساؤلات تطرح نفسها:
• هلس سيكرس اتفاق الدوحة صيغة جديدة تستبدل اتفاق الطائف؟
• هل سيمثل اتفاق الدوحة استمرار جديداً لاتفاق الطائف ولكن بوسائل أخرى؟
• هل سيتضارب اتفاق الدوحة مع اتفاق الطائف بما يؤدي إلى إحياء المواجهات السياسية اللبنانية؟
برغم عدم التوافق والانسجام الظاهري بين بنود اتفاق الطائف وبنود اتفاق الدوحة فإن معطيات الصراع السياسي اللبناني التي تحولت لتأخذ شكلاً كامناً بعد اتفاق الدوحة فإن عمليات الحشد والتعبئة السياسية الفاعلة في المرحلة القديمة سيترتب عليها الكثير من تضارب المصالح بين القوى السياسية اللبنانية:
• لن تستطيع قوى 14 آذار التخلي عن أمريكا وفرنسا والغرب وبالتالي تستمر قوى 14 آذار  في تبني الأجندة الأمريكية – الفرنسية – الغربية.
• لن تستطيع قوى 8 آذار التخلي عن مشروع المقاومة الوطنية اللبنانية في مواجهة المشروع الإسرائيلي.
الصراع بين مشروع قوى 14 آذار و8 آذار هو الذي كان أن يفجر بنود اتفاق الطائف وحالياً جاء اتفاق الدوحة الذي سيتبين في القريب العاجل فيما إذا كان اتفاقاً للتهدئة أو التسكين المؤقت.
* ميزان القوى اللبناني وإشكالية التوازن اللامتماثل:
وجدت أزمة الحرب الأهلية اللبنانية الحل عندما وصلت إلى "نقطة التوازن" في مدينة الطائف السعودية ووجدت أزمة الخلافات والصراعات اللبنانية تقطة التوازن والحل في الدوحة، هذا بخلاف المبادرات السابقة التي حاولت دفع الأطراف اللبنانية باتجاه الوصول إلى نقطة التوازن في العديد من العواصم والمدن الخارجية فهل سيظل حل الخلافات اللبنانية – اللبنانية رهين العواصم والمدن الأخرى أم ستأتي مرحلة تصبح فيها الساحة اللبنانية مكاناً لحل الخلافات؟
ظاهرة حل الأزمات اللبنانية من الخارج يرتبط في حقيقة الأمر بطبيعة الأزمات اللبنانية والتي ثبت أن الأطراف الخارجية الدولية تلعب فيها الدور الأكبر عن طريق استغلال وتوظيف النخب السياسية اللبنانية التي لا تركز مشروعها السياسي على الواقع اللبناني والمخاطر المحدقة به وفي مقدمتها تل أبيب – واشنطن – باريس، وبدلاً من تعبئة القدرات الوطنية اللبنانية من أجل مقاومة خطر هذا المحور فإنه من سخرية القدر أن تجد هذه النخب تلجأ إلى التحالف مع هذا المحور نفسه تماماً على غرار نموذج الحمل الوديع الذي يلجأ لحماية نفسه عن طريق التحالف مع الذئاب.
* اتفاق الدوحة ومعركة تثبيت لبنان:
ظلت الساحة اللبنانية لفترة طويلة على مفترق طرق أمام خيار استغلال الفرص بما يعزز الاستقرار والتماسك الوطني وخيار الدخول في نفق المخاطر بما يعزز الخلاف والصراع ويقوض المستقبل. هذا، وحالياً أتاح اتفاق الدوحة أمام هذه الأطراف الاستفادة من استغلال الفرص بدلاً من الدخول في المخاطر. وبرغم ذلك فمن المؤكد أن تؤدي التطورات السياسية القادمة إلى استنفاد الفرص وتعزيز المخطر ولتلافي شبح تآكل صيغة التوازن الحالي لا بد من الانتباه إلى خطر نمط الثقافة السياسية اللبنانية التي ما زالت تصر أطراف قوى 14 آذار على تبنيها وفق نموذج تحالف الحمل اللبناني مع 3 ذئاب: تل أبيب – واشنطن – باريس، ومن أبرز عناصر هذه الثقافة نجد:
• الاستقواء بالأجنبي عن طريق الاندماج ضمن مفردات خطابه السياسي والأمثلة على ذلك كثيرة:
* تتحدث إسرائيل عن خطر أسلحة حزب الله ويتحدث زعماء قوى 14 آذار عن ضرورة تجريد حزب الله والمقاومة الوطنية اللبنانية من السلاح.
* تتحدث إسرائيل عن الدعم الإيراني – السوري لحزب الله اللبناني والمقاومة ويتحدث زعماء قوى 14 آذار عن وجود العناصر الإيرانية في جنوب لبنان وعن التدخل السور ي في الشؤون اللبنانية.
• الاستحواذ على الدولة وإبعادها عن الأهداف الوطنية اللبنانية والأمثلة كثيرة:
* تتحدث إسرائيل وأمريكا عن حزب الله والمقاومة الوطنية اللبنانية باعتبارها منظمات إرهابية وفي لبنان تحاول قوى 14 آذار استخدام مؤسسات الدولة اللبنانية في مواجهة حزب الله اللبناني والمقاومة الوطنية اللبنانية.
* تتحدث أمريكا عن اقتصاد السوق وتحرير الاقتصاد وفي لبنان تحاول قوى 14 آذار توظيف شعارات تحرير الاقتصاد لنهب قدرات الاقتصاد الوطني اللبناني وممارسة القرصنة على تدفقات المعونات الخارجية المقدمة للبنان.
* حقيبة ديفيد وولش القادمة: ماذا تحمل لقوى 14 آذار؟
برغم تباشير الهدوء واحتمالات الاستقرار اللبناني فقد بدأت تصدر بعض التوجهات الأمريكية الجديدة إزاء لبنان وعلى الأغلب أن تحمل حقيبة ديفيد وولش المزيد من الأجندة الجديدة والتي لن تهدف سوى إلى تقويض استقرار لبنان.
نشر الموقع الإلكتروني التابع لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي تحليلاً أعده الخبير غريغ برونو حمل عنوان «حرب ظل حزب الله» أشار فيه إلى:
• أن حزب الله بعد أحداث 9 أيار سيسعى من أجل الحصول على المزيد من المكاسب.
• أن حزب الله سيظل يعتمد على نتيجة حرب صيف العام 2006م كمعيار لقوته العسكرية المتفوقة.
• لا توجد معلومات استخبارية دقيقة حول قدرات حزب الله العسكرية وبالذات قدراته الصاروخية.
• التأكيد على أن حزب الله ما زال يشكل الخطر الرئيسي في المنطقة.
• التأكيد على ضرورة تطبيق القرارات الدولية ونزع أسلحة حزب الله ومعالجة انكشاف الحدود السورية – اللبنانية.
وعلى خلفية التحليل الذي نشره مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي فعلينا أن نتوقع أن لا تخرج أجندة ديفيد وولش القادمة عن مسار تزويد حلفاء أمريكا اللبنانيين بالمزيد من الحوافز من أجل المضي قدماً في استخدام دولاب الدولة اللبنانية وبنياتها المؤسسية التقليدية والتشريعية من أجل الضغط باتجاه نزع سلاح حزب الله وتطبيق القرارات الدولية وعلى وجه الخصوص تلك التي تستهدف سوريا، وفي مواجهة ذلك علينا أن نتوقع استمرار قوى 8 آذار في رفض هذه التوجهات بما يؤدي في نهاية الأمر إلى استنفاذ وفرصة توازن الدوحة بما يعيد الأزمة إلى الوراء لكن قصر بعبدا هذه المرة لن يكون غائباً تماماً عن المواجهة وسيناريو الصراع.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...