لينا شماميان صوت الشام الحديث

01-02-2011

لينا شماميان صوت الشام الحديث

لو لم تكن لينا شماميان مطربة ملائكية فماذا كانت ستفعل؟ يتبادر الى الذهن مثل هذا السؤال حين تقف الفنانة السورية على خشبة مسرح «منزل ثقافات العالم» في باريس قبل أيام لتنشد من تراثها العربي السوري العريق او من مخزونها الفني الأرمني أرق الكلمات، تتلاعب بها بصوتها الطيِّع كلعبة بين يديها، وتنمقها بنغمات الجاز فتسحر جمهورا غربيا وقف يصفق طويلا كلما انتهت من أغنية.
كانت تونس تلملم جراحها، ومصر تغلي بنارها، حين غنت لينا شماميان قصيدة أبو القاسم الشابي «ارادة الحياة». قرأت بعضا من ابيات القصيدة «اذا الشعب يوما أراد الحياة»، ولكنها جعلت من صوتها، وبدون كلمات يرتفع ويهبط ويروح ويجيء وينتفض ويهدأ وينبض ويعلو صوب السماء، فيشكل جسرا لعبور الشعور من الشارع الثائر في تونس ومصر الى السامع الغربي المتعاطف اصلا مع كل ثورة تطيح فاسدا او دكتاتورا.
ولكن الثورة الأهم هي تلك الكامنة في داخل هذه الفنانة السورية التي انتقلت من دراسة الاقتصاد والادارة الى الكونسرفاتوار الموسيقي السوري حيث درست الغناء الكلاسيكي. والتعبير عن هذه الثورة الداخلية قد يكون بصوت رقيق خفيض بالكاد يُسمع، او بانفتاح الصوت على نغمات الجاز او بالاثنين معا، فيصبح العشق تماما كالحزن او الفرح او السعادة او الهجر مجرد صور لصوت يريد ان يقول الكثير في لحظة واحدة، فيثور على مألوف الموسيقى ويقدم نمطا لا شك فيه الكثير من التجديد والابداع.
وفي حرصها على الحفاظ على التراث الكلاسيكي العربي السوري او الارمني، تغني لينا شماميان للشام او «الشآم» وتخترع مع الموسيقار المبدع الخلاق ايلي معلوف توزيعات جديدة لاغنية «حوِّل يا غنَام ..» على نغمات الجاز، فيصبح ذاك المزيج غلافا بهيا لصوت ملائكي.
في ألبومها الحالي، اغان يعرفها الجمهور العربي عن ظهر قلب: لما بدى يتثنى، عالروزانا، يا مايلة عالغصون، حول يا غنام. ولكن لينا شماميان صقلت صوتها وموسيقاها عبر دراسة عميقة وعلاقات مع عازفين عرب وغربيين كبار منهم خصوصا باسل رجوب ومانفريد لوشتير ومؤخرا ايلي معلوف، وتستعد لتقديم ألبوم جديد يميل اكثر صوب تنويعات الجاز ولا شك سيحمل مفاجأة كبيرة لجمهور السامعين الجيدين.
وإلى الصوت الجميل والأداء المتقن، فإن لينا شماميان تعرف على ما يبدو، كيف تتلاعب بجمهورها، فلاغنية العشق او الحزن عندها، ينحني رأسها على الكتف، ولاغنية الثورة يعلو الوجه بكثير من الكبرياء، ولاغنية التراث الكنسي المسيحي يخشع الوجه وتغمض العينان، فتكتمل صورة الفنان المبدع، والجمهور يتابع الحركات كأنه يعيشها حتى أولئك الذين كانوا يستمعون الى أغاني العشق والغرام وهم وحدهم بعيدا عن الحبيب، فهنا يصبح الصوت هو الحكاية.
قدمت شماميان صورة ممتازة للفن السوري ولرقي الدراسة الموسيقية في سورية، ولكنها قدمت ايضا نموذجا جميلا لسيدة من الشرق عرفت كيف تصنع من اغنية «حول يا غنام « محطة فنية راقية على المسرح الباريسي.
ولا بد من التنويه هنا، بالزميلة نايلة عبد الخالق التي منذ أسست شركة «كوم - برود» للانتاج، قدمت للجمهور الفرنسي أجمل الاصوات العربية التي لم يكن يعرف عنها الكثير، وهي التي جمعت بين لينا شماميان وايلي معلوف في علاقة فنية ستقدم للفن العربي على الارجح نماذج جديدة من الابداع الصحيح.

سامي كليب

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...