قراءة في فكر توم كووان 3: تلفيق العدوى

20-09-2021

قراءة في فكر توم كووان 3: تلفيق العدوى

الأيهم صالح:

نقلت لكم أفكار توم كووان حول فشل العدوى، ولكن ماذا يقول عن التجارب التي نجحت في إثبات العدوى؟ هنا يناقش كووان عددا من التجارب الشهيرة التي وضعت أساس نظرية الجراثيم، ويبدؤها بمرور عابر على تلفيقات باستور مستندا إلى كتاب The Private Science of Luis Pasteur للباحث الأمريكي جيرالد جيسون.

يقول جيسون أن باستور في عام 1878 أوصى أن تحفظ سجلاته ضمن العائلة ولا يطلع عليها أحد، ولكن آخر أحفاده أهدى أغلبها للمكتبة الوطنية الفرنسية عام 1964 بشرط أن لا يطلع عليها العموم قبل وفاته. أتيحت السجلات للعموم في عام 1971. يشهد جيسون لباستور بالدقة في توصيف تجاربه، ولكنه يكشف أن باستور كان يمارس نوعين من الدراسات، دراسات خاصة به، ودراسات للعموم، وأن أبحاثه المنشورة تتناقض مع سجلاته عن تجاربه في الكثير من الحالات. الكتاب وثائقي ويحوي تفاصيل دقيقة عن أبحاث باستور السرية والعلنية وعن الاختلافات بينها، بما في ذلك قيامه بتسميم حيوانات التجارب دون التصريح عن ذلك.  يمكن شراء الكتاب من مكتبة جامعة برنستون، أو الاطلاع على نسخة منه هنا.

يعتبر كووان ضمنا أنه لا داعي لمناقشة تجارب باستور فقد تم فضح تلفيقها، وبذلك يفقد مؤسس نظرية الجراثيم كل مصداقيته. ويخصص بضعة صفحات لمناقشة تجارب روبرت كوخ.

يتفق كووان مع كوخ حول أهمية مسلمات كوخ في إثبات العلاقة السببية بين الجرثوم والمرض، وهي مسلمات وضعها كوخ وبعض معاصريه لإثبات أن جرثوما محددا يسبب أعراضا محددة، ويمكن أن نلخصها كما يلي:

يجب أن يوجد الجرثوم بكثرة في كائن مريض وأن لا يوجد أبدا في كائن سليم.

يجب أن يتم عزل الجرثوم وإكثاره في وسط نقي

عند تعريض كائن سليم للجرثوم يجب أن يسبب الجرثوم نفس الأمراض

يجب أن يتم عزل الجرثوم نفسه من الكائن الذي تم تعريضه للجرثوم بعد تعرض الكائن للمرض.

يذكر كووان أن كوخ فشل في إثبات أن الكوليرا مرض جرثومي، وذلك حديث متفق عليه ويمكن أن نأخذه من صحيح الويكيبيديا، فقد استحصل كوخ جراثيم يعتقد أنها مرتبطة بالكوليرا من الاسكندرية في مصر عام 1883 ومن كالكوتا في الهند لاحقا، ولكنه فشل في إثبات أنها تسبب المرض لحيوانات سليمة، وبدلا من استنتاج أن المرض غير معد فقد استنتج أن حيوانات تجاربه قادرة على مقاومة هذه الجراثيم. لاحقا وفي عام 1959 أثبت عالم هندي أن سبب الكوليرا هو مخلفات تلك الجراثيم، وليس الجراثيم نفسها.

حاز كوخ على جائزة نوبل في الطب عام 1905 لنجاحه في إثبات أن السل مرض ينتقل بالعدوى، ولكن كووان يطعن في صحة تجارب كوخ على بكتريا السل، فيقول أن الطريقة الوحيدة التي مكنت كوخ من إيجاد جرثوم في أنسجة المرضى اعتمدت على تسخين هذه الأنسجة ثم تجفيفها بكحول اسمه Mythelene Blue وهو مادة سامة، ثم وضعها في محلول يحوي مادة سامة أخرى هي هيدروكسيد البوتاسيوم. عند حقن هذا المحلول في حيوانات تجارب سليمة اكتشف أنها بدأت تعاني أعراض المرض، ولكن من غير المعروف هل الأعراض ناتجة عن السموم الموجودة في المحلول أو عن البكتريا. أيضا وجد كوخ هذه البكتيرا في أشخاص أصحاء لا يعانون أية أمراض فاعتبر أن هؤلاء الأشخاص يحملون مرض السل وأنه مرض كامن لديهم بدلا من الاستنتاج أن البكتيريا لا تسبب المرض وفق مسلماته. ذلك يعني أن كوخ فشل في إثبات العدوى وفق المنهج الذي وضعه بنفسه، ورغم ذلك فقد ادعى أنه نجح في إثبات العلاقة السببية بين البكتيريا ومرض السل.

يناقش كووان مرض شلل الأطفال، وهو مرض يعتقد الكثيرون أنه ناتج عن فيروس، ولكن طبيبا أمريكيا اسمه مورتون بيسكند Morton S. Biskind نشر عام 1953 دراسة ضخمة ومدججة بالمراجع (اقرؤوها هنا) تقول أن سبب المرض هو مادة سامة تضرب الجهاز العصبي، وتسمى Chlorophenothane, dichlorodiphenyltrichloroethane وتعرف تجاريا باسم DDT. سمية هذه المادة أمر متفق عليه منذ وقت طويل، وحتى قبل ترخيص استخدامها كمبيد حشري، ورغم ذلك فقد حاز بول هيرمان مولر على جائزة نوبل في الطب عام 1948 لاكتشافه بعض الخواص السمية لهذه المادة (ربما لن تصدق ذلك إلا إذا قرأته في موقع جائزة نوبل). دراسات بيسكند تقول أن الفيروس المعروف باسم "الفيروس X” وقتها هو هذه المادة وأن كل الأعراض التي تنسب إلى هذا الفيروس، سواء الأعراض الهضمية أو العصبية، هي نتيجة مباشرة لانتشار استخدام DDT في العالم. لتأخذوا فكرة عن انتشار استخدام هذا السم شاهدوا هذا الإعلان عن دهان منزلي يدخل في تركيبه سم DDT وهذا الفيلم التسويقي لشخص يقنع الناس أنه غير سام عبر تناول طعام تم ضخ DDT عليه!

يقول بيسكيند أن كل المرضى الذين عالجهم من الأعراض التي تنسب إلى الفيروس X كانوا قد تعرضوا لسمية DDT خلال فترة قصيرة، بمن فيهم 25 شخصا ارتدوا ملابس تم تعقيمها باستخدام DDT وبدأت الأعراض عليهم خلال ساعات من ارتداء هذه الملابس، ويسرد العديد من قصص المرضى المشابهة.

يشيد كووان بجهود الكاتب جيم ويست في توثيق كتابات ويسكند ودعمها بإحصائيات ووثائق إضافية توضح أن انقراض شلل الأطفال في كل مكان مرتبط بإيقاف ترخيص استخدام DDT أكثر من ارتباطه باللقاح الذي طوره جوناس سولك، وأن عودة المرض للظهور ترتبط بإعادة ترخيص DDT لبعض الاستخدامات في العالم في أواسط الثمانينات. يناقش برايس في مقالته (اقرؤوها هنا) الطريقة التي تم فيها إثبات العدوى في مرض شلل الأطفال فيقول أن المرجع الأول هو دراسات لاندشتاينر وبوبر عامي 1908 و1909، وهي دراسات اعتمدت على حقن أجزاء من دماغ قرود مريضة في أدمغة قردين سليمين، وبالنتيجة فقد مات أحد القردين وتعرض القرد الثاني لمرض عصبي. استنتج الباحثان أن الفيروس الموجود في دماغ القرد المريض قد سبب الموت أو المرض في الحالتين، ويبدو أنه لم يخطر ببالهما أن مجرد فتح ثغرة في الجمجمة ثم حقن أشياء في الدماغ بحد ذاته سبب كاف للمرض أو الموت، فكيف إذا كان ما يتم حقنه مواد عضوية من كائن آخر. ويبدو أن هذا الأمر لم يخطر للعديد من علماء الفيروسات الذين كرروا التجربة بنجاح على حيوانات أخرى خلال العقود التالية. يقترح ويست أن يجرب علماء الفيروسات حقن سم DDT في أدمغة القرود فربما يثبت هذا لهم أيضا أن DDT يسبب شلل الأطفال.

تحدثت سابقا عن شلل الأطفال وانتشاره في سوريا مؤخرا عبر اللقاحات التي وزعتها الأمم المتحدة في المناطق التي سيطرت عليها العصابات في سوريا، وسأعود للحديث عن الموضوع لاحقا، على الأقل لتصحيح ما كتبته في تلك المقالة عن لقاح شلل الأطفال. ولكن هذا ليس موضوعي الحالي.

اليوم أكتفي اليوم بنقل أفكار توم كووان عن الدراسات التي تثبت العدوى، والتي يمكن تلخيصها بأنه رغم أنه لم يقرأ كل الدراسات في هذا الموضوع في تاريخ العلم، فقد كان ما قرأه كافيا ليقتنع أن من الممكن فضح أية دراسة تحاول إثبات أن أي مرض ينتقل بالعدوى. بالنسبة لتوم كووان، لا توجد أمراض تنتقل بالعدوى حسب نظرية الجراثيم، وبدلا من ذلك يقدم أفكارا ثورية لتفسير الأمراض سأناقشها في مقالات لاحقة في هذه السلسلة.

 

 

قراءة في فكر توم كووان 1: أمواج الجينات

قراءة في فكر توم كووان 2: فشل العدوى

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...