غروبات خطبة وزواج.. للسوريين حصرن “بالنون وليس بالتنوين”

30-09-2019

غروبات خطبة وزواج.. للسوريين حصرن “بالنون وليس بالتنوين”

“ثلاثيني أعزب، موظف، أبحث عن زوجة أربعينية، موظفة، مقبولة الجمال، تقدس الحياة الزوجية، حنونة وروحها مرحة، يفضل من لديها منزل، ليس طمعاً لكن ظروف الحياة صعبة، من ترغب بالسترة وتجد في نفسها الصفات المطلوبة التواصل على الخاص منعاً للإحراج “.

منشور فيسبوكي لـ (عبدو الشامي) “اسم مستعار” على غروب “خطبة وزواج للسوريين فقط” قام بنشره بعد أن خاب أمله في إكمال نصف دينه بالطريقة التقليدية، وعجز عن العثور على “بنت الحلال” في بيوت أقربائه ومعارفه، فلم يجد بداً من اللجوء لـ “الموقع الأزرق” للبحث عن شريكة حياته المستقبلية.

واشترط عبدو على زوجته المحتملة أن تكبره بنحو 10 أعوام، وأن تكون مقتدرة مادياً، لأن “العرائس” الصغيرات غالباً ما يطلبن مهوراً مرتفعة وشروطاً تعجيزية.


منشور آخر في مجموعة “خطبة وزواج أهل الشام” يقول: “صبيتين شاميات الأصل وحدة 20 أدب إنكليزي، وحدة 18 بكالوريا، مجذّبين، التواصل مع الأهل حصراً”.


ويبدو أن إحداهن كانت خجولة، فساعدتها صديقتها بنشر “بوست” في مجموعة “خطبة وزواج” يقول: “عندي رفيقة عمرها 17، بيضة، مجذّبة، عيونها عسلي، إلها غمازات، طولها 160، من الميدان، طلبها شب عندو بيت ملك، تقبل السفر”.

لا تنحصر طلبات وعروض الزواج بالجغرافيا السورية، حيث نشرت فتاة باسم “عطر الشام” في إحدى المجموعات المشابهة: “السلام عليكم، في صبية حموية عزباء مقيمة بالسعودية، عمرها 20، تدرس أدب عربي، طلبها شاب أعزب وجامعي (جامعة وليس معهد) مقيم في الرياض عمره 26 ـ 30 حموي أو حمصي أو شامي”.

الأوضاع المعيشية الصعبة، تدني الدخل، ارتفاع الأسعار، غلاء المهور، ترسخ العادات والتقاليد، والطلبات التعجيزية للفتيات، وظروف أخرى كثيرة كلها ساهمت بفتح نوافذ مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا لبناء عتبة البيت الزوجية.

مجموعات بأسماء “خطبة وزواج للسوريين”، “زواج السوريين في العالم”، “زواج وارتباط للسوريين حصراً داخل سوريا”، “زواج السوريين والسوريات بشرع الله” ومجموعات كثيرة لأهداف مشابهة شقت طريقها للمجتمع السوري “لتجمع رؤوسه بالحلال”.

السبب الشائع للجوء الفتيات إلى هذه الطرق هو “شبح العنوسة” الذي يلاحق من بلغت سناً معيناً ولم تحظ بفرصة الزواج والإنجاب، على الرغم من كون هذا السن يختلف من مجتمع إلى آخر.

وكان القاضي الشرعي الأول في دمشق، محمود المعراوي، قد أكد ارتفاع نسبة العنوسة إلى مستويات غير مسبوقة في البلاد، حيث بلغت70 بالمئة.

من جهة أخرى، تتباين أسباب لجوء “القاصر” للزواج الفيسبوكي، ما بين أسباب دينية أو بيئية أو اقتصادية، حيث أكدت الباحثة الاجتماعية، ندى الطويل، أن بعض العائلات الفقيرة قد تدفع بناتها القاصرات للزواج بسبب الفقر والحاجة، بل أن الفتاة نفسها قد ترغب بالزواج للتخلص من كونها عبئاً على كاهل العائلة، كما يلعب الموروث الاجتماعي كالعادات والتقاليد دوراً أساسياً في بحث القاصرات عن “ابن الحلال”، فلا زال عمر الـ 18 يعتبر “عتبة العنوسة” في بعض البيئات السورية، حيث يتوجب على الفتاة الزواج عند بلوغها.

إضافة إلى ذلك ثمة اعتقاد راسخ بأن الزواج يحمي الفتاة من “الانحراف والدخول في طرق ملتوية”، حيث يصبح الزواج حاجة ملحة للحفاظ على شرف العائلة، وقد تلجأ بعض الفتيات إلى ذلك في أعمار صغيرة هرباً من السلطة الذكورية في العائلة وتسلط الأب والأخ، فيما ترغب الغالبية العظمى من هؤلاء الفتيات بأن تكون “عروساً” فقط، بفستان أبيض وحفلة وعريس وسيم، أسوةً ببنات خالاتها وعماتها وبنات الجيران.

الأسباب السابقة مجتمعة، رفعت نسبة زواج القاصرات خلال سنوات الأزمة إلى 13%، بعد أن كانت لا تتجاوز 3%، وارتفعت حالات زواج القاصرات في دمشق من 24 ألفا في عام 2017، إلى 28 ألفا في 2018، بحسب القاضي الشرعي الأول في دمشق.

بالنسبة للشباب، ربما تكون قلة الثقة بالنفس هي الدافع الأساسي للزواج الفيسبوكي، حيث معظم شبَان هذه المجموعات يختبئون خلف حسابات وهمية بعد عجزهم عن إقامة علاقة طبيعية والتعرف إلى فتاة في الواقع.

أيضاً في ظل تبعثر العائلة الواحدة بين عدة دول وفي بعض الأحيان بين عدة قارات، يسعى بعض المغتربين لإيجاد شريكة الحياة بمواصفات ومقاييس معينة يحددونها في منشورات فيسبوكية.

محلياً، لا زال “الزواج الفيسبوكي” مستهجناً من قبل المجتمع السوري، فمواقع التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لـ “التسلية” وعدم الجدية، حيث أن الطرفين لا يعرفان بعضهما البعض ولا العوائل تعرف بعضها، وهذا ما يجعل نسبة نجاح الزواج الفيسبوكي قليلة.

ففي الزواج التقليدي، تعرف الخطَابة عائلات الطرفين، لكن الوسطاء على الانترنت لا يعرفون الغالبية العظمى من الناس في المجموعة، ودورهم ـ إن كان لهم دور ـ لا يتعدى مرحلة بسيطة من الوساطة بين الطرفين، وبطبيعة الحال، لا يصل إلى الدور الذي كانت تقوم به “الخطّابة”.


عالمياً، أضحت المجتمعات في الوقت الحالي أكثر تقبلاً لمثل هذا النوع من العلاقات وخاصة في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أكدت دراسة أجراها “معهد بيو للبحوث” أن 11 % من الأميركيين البالغين قد استخدموا مواقع الزواج والتعارف على شبكة الإنترنت وأن 38 % من غير المتزوجين يبحثون عن الرفيق المناسب عبر استخدام هذه المواقع.


المحكمة الشرعية في سوريا تجيز “الزواج عن طريق التواصل مع الزوج عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووجود والد العروس وشاهدين”، لكنها ترفض فكرة تثبيت عقد الزواج عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي في ظل عدم وجود الزوج أو وكيله الشرعي.
الراغبون بزوجة ثانية وثالثة قد يجدون مرادهم أيضاً في هذه المجموعات، فقد طلب “أبو فادي” زوجةً ثانية “دلوعة وملكة جمال” لتجدد شبابه بدلاً عن “أم العيال” وهو بالمقابل سيغرقها بالأموال.


وفيما يلاحظ أن طلبات “تعدد الزوجات” تشكل نسبة لا بأس بها من مضمون مجموعات الزواج الفيسبوكية، أكدت مصادر قضائية وجود ارتفاع هائل بعدد طلبات تثبيت الزواج المقدّمة يومياً إلى القصر العدلي في دمشق، ووصلت نسبة الرجال المتزوجين من امرأة ثانية في البلاد إلى 40 %. 


وعليه، شدد القضاء السوري على تطبيق شروط الزواج في حال كان الرجل سيتزوج من امرأة ثانية وثالثة، حيث سيتم التدقيق على مسألة قدرة الزوج على الإنفاق، وذلك بوجوب أن يصل دخله إلى ما يقارب 500 ألف ليرة سورية للسماح له بالزواج من ثالثة.


ونصت المادة 17 من قانون الأحوال الشخصية على أنه: يحق للقاضي ألّا يأذن للمتزوج بأن يتزوج على امرأته إلا إذا كان لديه مسوغ شرعي، مع توافر القدرة لديه على إعالة أسرتين، وهو ما يسمى بالملاءة المالية أو شرط الكفاية، وهذا يعني أن القانون اعتبر الأصل هو الاقتصار على وجود زوجة واحدة، لذلك وضع ضوابط لمن يريد التعدد لكونه حالة استثنائية.


ويرتبط المسوغ الشرعي، كمبرر للزواج الثاني، بعدة أمور منها عدم قدرة الزوجة على الإنجاب أو مرض الزوجة، وكل هذا يُثبت طبياً، كما أن القدرة على الإنفاق بحاجة لإثبات أيضاً عبر بيان بالراتب أو شهادة شاهدين اثنين.
ولأن الوظيفة العامة في الدولة لا تتيح لأي موظف مهما علت مرتبته ودرجته الزواج بثانية قولاً واحداً، فإن أي موظف في الدولة ممنوع، فعلياً، من تعدد الزوجات.


وبحسب القانون كذلك، يبدو أن الشاب المهندس المتديّن الذي يبحث عن زوجة عشرينية حلبية، في مجموعة “خطبة وزواج للسوريين حصراً” لن يستطيع الزواج من فتاة أحلامه حتى يسدد ديونه!.

 

 


الأيام - فاطمة عمراني

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...