غازي أبو عقل: معول الحافر في حجر السرائر (الحلقة الخامسة والأخيرة)

19-05-2011

غازي أبو عقل: معول الحافر في حجر السرائر (الحلقة الخامسة والأخيرة)

ترددنا لبعض الوقت قبل نشر الجزء الأخير من مقالة الأستاذ غازي أبو عقل النقدية لرواية الأديب نبيل سليمان (حجر السرائر) لورود بعض التسميات الطائفية فيه تبعا لما ورد في الرواية. وقد قررنا نشره أخيراً باعتباره نقداً تاريخياً لأحداث الرواية أكثر منه نقداً أدبياً، مع تأكيدنا ـ بعد معرفة طويلة ـ على حسن نوايا ونزاهة الناقد والمؤلف في المسألة الطائفية، مع الاحتفاظ بحق الأستاذ نبيل سليمان بالرد على الأستاذ أبو عقل على ما نشره في (الجمل) وهذي هي الحلقة الأخيرة:

رابعاً- اغتيال العقيد محمد ناصر

أكثر ما أثار دهشتي في حجر السرائر، كانت طريقة معالجة موضوع اغتيال العقيد محمد ناصر في نهاية تموز 1950. بعد أشهر من إسهامه في الانقلاب الثالث الذي قام به أديب الشيشكلي لإطاحة سامي الحناوي، بالتعاون بين ما سُمّي بمجلس العقداء الذي كان العقيد محمد ناصر من أعضائه. فكيف جرتْ الأمور بين حلفاء المرحلة إلى أن وصلتْ إلى الاغتيال؟
تناولتْ حجر السرائر هذه الصفحة من تاريخ سوريا بما تملكه من "الرؤية الشاملة والواضحة لمرحلة مهمة منه". وفي السطور المقبلة عرضٌ لهذا التناول.
أتتْ الرواية على ذكر العقيد ناصر لأول مرة في الصفحة الثامنة والسبعين، عندما كان رئيس وفد سوريا إلى مفاوضات الهدنة التي عُقدت في جزيرة رودوس بعد حرب 1948، ثم في الصفحة الثالثة والستين بعد المائة، يوم اغتياله. وتتابع ذكره بعدئذ في الصفحات: 164، 165، 166، 167، 168، 169، 171، 180، 181، 182، 183، 184، 185، 186، 189، 196، 198، 199، 202، 203، 204، 215، 218، 219، 224، 225، 231، 235، 240 (كان اسم العقيد يُردّد أكثر من مرة في بعض الصفحات). قلْت لنفسي أين وجه الخطأ؟ ألم تُردد الرواية اسم نديدا أكثر من اسم العقيد، فلماذا لم تُحص تلك المرات؟ أتمنى ألا يساء فهم أسباب هذا الإحصاء مُقدماً، فأنا سأوضحها في السياق.
ربما لم ينتبه الروائي إلى هذا الإلحاح، ربما تعمّده، ولكن ألا يحق للقارئ أن يتساءل لماذا، بعد أن يكتشف أن هذا الإلحاح لم يُسهم في تفسير أسباب الاغتيال؟ صحيح أن الروائي ليس مؤرخاً- ولو كتب روايةً تاريخيةً- لكن إلحاحه هنا يلفت القارئ ويجعله يفتش عن المغزى... وهل هناك رواية بلا مغزى؟ ففي الصفحة الخامسة والستين بعد المائة يقول غزال حاج تميم: أنا أعرف العقيد محمد تاصر جيداً، تعرفت إليه في باريس ... من بعد الانقلاب الأول سمعته مراراً يدعو إلى أن يعود الجيش إلى الثكنات ويتوقف عن التدخل في الوزارة والبرلمان والحكم والأحزاب...لماذا اغتالوه؟ عمره ما طمع بالسلطة ولا نافس عليها...لماذا اغتالوه؟
ففي الصفحة السادسة والستين بعد المائة، يدور حوار بين الصحافي الشمّام رباح وبين نديدا زوجته سابقاً " قالت نديدا: لكن الشهيد لم يكن عضواً في الحزب السوري القومي. هذا ما قلته لسنان، فقال: نحن نكرم العقيد محمد ناصر، ليس فقط كضابط كبير أو كآمر لسلاح الطيران بل كوطني، كنزيه ونبيل. وقال أيضاً: نحن نخاف من أن يثير بعضهم النَزعة الطائفية. ويمكن أن يدعو متعصب أو مجنون للثأر. علينا أن نكون حاضرين ومتيقظين". أود الإشارة الآن إلى أن الصفحة نفسها تبدأ بأكثر من أربعة أسطر يصف فيها الصحافي الشمّام رباح دفنَ الشهيد في (عين شقاق) كشاهد عيان،  ولكنه لم يفلح في شم أثر خطاب خطير أُلقي عند الضريح: سأعود إليه في الفصل المخصص للمسكوت عنه في حجر السرائر...
يدور حوار في الصفحة التاسعة والستين بعد المائة بين المحاميتين نديدا وميريل المتزوجة من غير دينها:"- الطائفية سممّتْه وسمّمَتْني – المهم ألا تُسممنا جميعاً بعد اغتيال العقيد محمد ناصر. – منذر زوج ميريل على يقين من أن هناك من ينفخ في هذه النار. أقلّه ما يُقال من أنهم تخلصوا من اكبر ضابط علوي. مَن هم ياترى؟"
وفي الصفحة الرابعة بعد المائتين:" قال الضابط سنان لزوجته ابتهال: ذلك الضابط الكبير المقتول منذ شهرين كان يسعى لضمّ مناطق العلويين إلى لبنان...كأنهم يريدون أن يشوّهوا سمعة العقيد محمد ناصر ليبرروا اغتياله".
اكتفيتُ بنقل أكثر السطور أهمية – في رأيي – التي قدمت فيها حجر السرائر العقيد الشهيد. ويؤسفني العودة إلى التنويه بأن كثرة ورود اسمه بعدئذ على صفحات الرواية لم تقدّم لي ما يشفي الغليل عن خلفيات الجريمة ولا عن مغزاها في الواقع. برغم ظنّي أنني التقطتُ بعض المغزى الذي رمتْ إليه الرواية.
بصرف النظر عن مصادر معلومات الرواية في جريمة الاغتيال، لأنها رواية قبل شيء، لها الحق في رؤية الأشياء كما تشاء. غير أن الرواية عندما تشير إلى وقائع حدثتْ فعلاً، وترويها على "طريقتها" تعطي الفرصة للقارئ كي يعود إلى مصادره لمعرفة الخيط الأبيض من غيره. وله بعدئذ أن يُعجَب بلعبة الرواية أو أن يأخذه العَجَب- وهو غير الإعجاب- مما قرأ.
هكذا فعلتُ، والمصادر المكتوبة لا بأس بعددها ونوعيتها التي عالجتْ مسألة الاغتيال. ثم اجتهدتُ وذهبتُ إلى عدد من قُدامى الضباط، وطرحتُ أمامهم المسألة واستوعبتُ آراءهم. فتكوّن لدي نوع من الاقتناع بأنني أصبحت أعرفُ ما يكفي في هذا الشأن، كي أضع معلومات الرواية على محك "الواقع". لأنها فعلَتْ ذلك حين أدخلت في روعنا أنها تقدم لنا واقعاً لا تخييلاً.
عرفتُ، كما أظن، مَن أمر باغتيال العقيد محمد ناصر ومن نفّذ الاغتيال، وما هي الأسباب. فعدْتُ مطمئناً إلى حجر السرائر، فتكوّن عندي نوع من الاقتناع بأن الرواية- من حيث لا تريد- قد اغتالتْه ثانيةً بعد انصرام ستين سنةً على إطلاق الرصاص عليه في دمشق. اغتالتْه عندما لم تنجح في أن تقدّم تلك الشخصية الفذّة على حقيقتها، أعني لم تقدم الشخصية "الدرامية" كما ينبغي رسمُها في عملٍ روائي.
لقد أجمع من سألتُهم عنه على كونه يتحلّى بتلك "الكاريزما" الفطرية عند الأشخاص البارزين. فهو كان محبوباً، وبخاصة من مرؤوسيه الذين تمردوا ذات يوم بعد صدور أمر نقله من مركز إلى آخر غيره.
روى العقيد سهيل العشّي في كتابه "فجر الاستقلال في سوريا- الصادر عن دار النفائس"، في سياق حديثه عن بدايات الجيش السوري عند نهاية الانتداب الفرنسي، وتكاثر التحاق الضباط السوريين الذين كانوا في جيش المشرق بالحكومة الوطنية في 1945، روى نبذة عن العقيد ناصر:"...كنا نريد أن نؤكد للسلطات السورية والشعب صدقَ وفائنا، وكانت نظرات كثيرين لنا لا تخلو من الشكوك، حتى إن بعض الأصوات نادتْ بحل هذه القطعات وتشكيل قوات مسلحة جديدة... ولم يخْل الأمرُ من بعض محاولات من الضباط السوريين المتطرفين الطموحين، للقيام بانقلاب عسكري ونحن ما نزال نستجدي الثقة بنا (....) كما حاول محمد ناصر وهو من ألمع الضباط، أن يقوم بحركة عصيان هادفة في حمص، حيث كان آمراً لسرية الكلية العسكرية، وتصدّى لهذه المحاولة سعيد حبي (رئيس الشعبة الثانية أي المخابرات العسكرية) وأخمدها في مهدها (....) وقد تعرّض محمد ناصر لمحاكمة أنقذتْه من براثنها شهادة زهير الصلح مما أحلّ بينهما صداقة العمر". (الصفحة 58)
يعود العقيد سهيل العشي في كتابه المنوه به آنفاً ليتحدث عن اغتيال العقيد ناصر، فيكتب في الصفحة التاسعة والأربعين بعد المائة:" لقد حدث في 31/7/1950 حادث مروّع هزّ سوريا كلها، والقوات المسلحة بشكل خاص. ذلك هو اغتيال العقيد محمد ناصر ابن السابعة والثلاثين، آمر سلاح الطيران ومن ألمع ضباط الجيش وأكثرهم علماً ودماثة وجرأة. لاحقَتْه وهو عائد مساء من مطار المزة سيارة أطلقت عليه الرصاص. قُتل السائق وأُصيب العقيد ناصر بجراح خطيرة... استطاع العقيد ناصر (كما يروي نصوح بابيل في مذكراته ص 204) أن يكتب اسم إبراهيم الحسيني رئيس الشعبة الثانية آنذاك وعبد الغني قنّوت (......) وقد أسرّ لي الصديق المقدم زهير الصلح (صديق العقيد محمد ناصر الحميم) عندما كنتُ في باريس لعملية القلب، أن العقيد سعيد حبي رئيس المخابرات العسكرية آنذاك أفضى إليه بسر مقتل محمد ناصر. ذلك أن الشيشكلي استدعى سعيد حبي وطلب إليه التحقيق في خبر يقول إن محمد ناصر يُعدّ لانقلاب. وتوّصل سعيد حبي لمعرفة حقيقة الأمر، فإن انقلاباً كان معدّا فعلاً بالتعاون مع القوات الأردنية. ونقل الصورة إلى الشيشكلي. وكان اغتيال محمد ناصر في اليوم التالي. إني أذكر هذا الحديث كما سمعتُه من فم صديق أعرفُ فيه الصدق، مع كل احترامي للعقيد محمد ناصر ولعروبته النقية. ولكني أروي بأمانة ما سمعتُ مع كلّ التحفظ..".انتهى المقبوس.
هذا كلام واضح، ومع ذلك سأضيف إليه شهادة ثانية من أجل زيادة فهم حقيقة الحادثة، وعرضها بما ينبغي لها من نزاهة فكرية، قبل التسليم بحق أي كان في اتخاذ الموقف الذي يريد من مجريات الأمور، بعد أن يفهمها على حقيقتها لا قبل ذلك، سواء من أجل بحث تاريخي أو عمل "روائي".
في الجزء الثاني من مذكرات أكرم الحوراني، وفي الصفحات 1226 وما بعدها، شهادة عن أحداث العام 1950 عنوانها: اغتيال العقيد محمد ناصر، أنقل مقتطفات منها، وبوسع الراغب في ازدياد العودة إلى تلك المذكرات.
"...بعد أن فشلتْ محاولة تعريض البلاد للاضطرابات حاول الاستعمار دفع الجيش إلى الانقسام الطائفي فكان وراء اغتيال العقيد محمد ناصر آمر سلاح الطيران السوري. ولكن حادثة الاغتيال هذه سبقَتْها جريمة قتل غامضة في نادي الصفا (....) حيث عثر أحد عمال النادي على جثة امرأة في كيس قنّب ومرمية في الساقية (....) امتلأت دمشق بالشائعات التي تردد أن القتيلة كانت على علاقة بالعقيد إبراهيم الحسيني رئيس المخابرات وعميلة لأحد أجهزة المخابرات الأجنبية، ولم تُعرف الأسباب الحقيقية لارتكاب هذه الجريمة، ولم أذكر هذا الحادث إلا لأنه كان فاتحة لجريمة أخرى تأكدت علاقة إبراهيم الحسيني رئيس المكتب الثاني بها".

اغتيال العقيد محمد ناصر:

برقية من المفوضية العراقية بدمشق إلى الخارجية ببغداد. التاريخ 15 شباط 1950.
"زارني اليوم حسني البرازي وأخبرني عن حصول اختلاف بين العقيد محمد ناصر والعقيد عزيز عبد الكريم والضباط **** من جهة، وبين جماعة الشيشكلي من جهة أخرى. وذكر بأنه بلَغه بصورة موثوقة عن استعداد الأولين للتقرب إلينا إذا ما استُميلوا بالمال، يرى لزوم وضع خطة للعمل في حال اصطدم الجيش السوري بالمجلس التأسيسي، يؤكد تخصيص مبالغ مناسبة لتسهيل العمل"
" تُليت هذه الوثيقة خلال محاكمة توفيق السويدي الذي كان وزيراً للخارجية عام 1950 وذلك بعد إطاحة حلف بغداد عام 1958".(كتاب محكمة الشعب الطبعة الأولى وزارة الدفاع العراقية الصفحة 2456).
يتابع أكرم الحوراني في الصفحة 1227 من مذكراته:" إن هذه الوثيقة التي نُشرت بعد ثماني سنوات من مصرع العقيد محمد ناصر تكشف التقاء المستعمرين البريطاني والأمريكي في محاولة استغلال الطائفية (.....) وفي صبيحة اليوم الثاني شاع بأن العقيد ناصر، عندما نُقل إلى المستشفى كان لا يزال حياً، وعندما سأله المحقق العسكري عن قاتليه كتب بخط مضطرب اسم المقدم إبراهيم الحسيني والملازم عبد الغني قنّوت، إذ لم يكن قادراً على النطق لأنه لسانه كان مصاباً بطلقة نارية....
لقد سحبتْ هذه القضية آثارها السيئة على البلاد والجيش، إذ أصبحت الإثارة الطائفية مجالاً لاستغلال العناصر الانتهازية في صفوف الجيش، ولا شكّ عندي بأن إبراهيم الحسيني كان عميلاً للمخابرات الأمريكية، وانه استطاع إقناع أديب الشيشكلي بارتكاب هذه الجريمة النكراء التي أعتقد أن السبب الرئيسي في ارتكابها هو التنافس الذي كان ما يزال قائماً بين النفوذ البريطاني الذي كان يحاول التسرب إلى سوريا باسم الاتحاد (مع العراق)، وبين النفوذ الفرنسي والأمريكي بصورة خاصة، الذي استسلم أديب الشيشكلي له أخيراً عندما قام بانقلابه على الحياة الديمقراطية في سوريا بتاريخ 1951 وبتأثير مباشر من السعودية بعد يأسها من عودة شكري القوتلي إلى سورية. وقد كان إبراهيم الحسيني رئيس مخابرات الجيش آنذاك رجل الولايات المتحدة في سورية. وبعد سقوط أديب الشيشكلي غادر البلاد إلى المملكة العربية السعودية، حيث أصبح مسؤولاً عن جهاز المخابرات فيها، ثم توفي فيما بعد بحادث سيارة غامض. وقد كان لهذا الاستغلال الاستعماري للطائفية، الذي تستفيد منه الصهيونية بلا شك، والذي جعل من مجموعة العقيد ناصر ومجموعة أديب الشيشكلي مجموعتين متنافستين على السلطة والنفوذ، سابقات خطرة في سوريا ألمحتُ إليها في ما سلف من هذه المذكرات"...انتهى الاقتباس من مذكرات أكرم الحوراني.
نشرَ العميد مطيع السمّان في 1995 كتاباً بعنوان "وطن وعسكر" ضمّنه مذكراته التي تشهد على ما جرى في بعض مراحل تاريخ سوريا "قبل أن تُدفن الحقيقة في التراب". ومع أنه ركّز شهادته على الأيام الممتدة من الثامن والعشرين من أيلول 1961 والثامن من آذار 1963، إلا أنه توقف في أكثر من سبعين صفحة لكي يستعرض الانقلابات العسكرية منذ بدء العهد الوطني، وأفردَ صفحات عن اغتيال العقيد محمد ناصر، لأهمية الموضوع حتماً، أنقل منها السطور القادمة:
"...بعد تسعة أشهر من نجاح انقلاب الشيشكلي وقعتْ جريمة اغتيال العقيد محمد ناصر قائد سلاح الطيران....(وصف العقيد السمّان هنا حادث الاغتيال كما جاء في الصفحات السابقة)... كما قيل بأن خلف هذه الجريمة العقيد الشيشكلي الذي فكّر جدياً بمغادرة البلاد ابتعاداً عن ذيولها و(ترجى) تعيينه في إحدى السفارات السورية، فنصحه أحد زعماء حزب البعث بالحكومة الإقلاع عن هذا التفكير، كما وقف إلى جانبه وقتها أكرم الحوراني فشدّ من أزره وقوّى من عزيمته ومعنوياته.
إن أديب الشيشكلي يكره العنف ولا يحب الدم، وعلاقته بمقتل ناصر إن وجدت فهي علاقة جانبية وليس الأصل فيها، وقد يكون أظهر اللامبالاة بها، أو أعطى الضوء الأخضر من أجلها إلى إبراهيم الحسيني وشركائه لأسبابه الخاصة.
إن من يعرف الحسيني يجزم بأنه ليس من الذين يندفعون في ارتكاب جريمة من هذا الوزن ليس فيها مصلحة إن كان هو فاعلها، وقيل يومها بأن السبب هو:
1-    مهاجمة العقيد ناصر للعقيد الشيشكلي وللمقدم حسيني، رئيس الشعبة الثانية في الأركان العامة، عندما اختلفا في مجلس الدفاع بسبب مغالاة الحسيني بطلب زيادة مخصصات شعبته المالية زيادة كبيرة، فتعرض له ناصر بقوله:" لماذا هذه الزيادات وأنت لا تهتم بغير ملاحقة الضباط (وكان يلاحقه عند ذهابه إلى معسكرات قطنا لأسباب شخصية) فإذا سألتك عما عند جماعتك (يعني الإسرائيليين) من أنواع الطائرات وعددها من أجل أن أبني سلاحاً جوياً يتفوق على سلاحهم، فإنك لن تردّ ولن تستطيع الجواب..." وكانت هذه غمزة قاتلة من ناصر له.
2-     إن ناصر قال له مرة "بأني أعرف أن لك صلة مع عائلة المسلماني في عكا، وهذه حقيقة ...ولها معنى أيضاً لا يريد إبراهيم شيوعها وانتشارها.
3-    إن ناصر تحدّث أمام أكثر من شخص عن علاقة إبراهيم بالمرأة القتيل التي وجدت جثتها في ساقية أحد النوادي الليلية بدمشق. والتي حُفظت قضيتها، حتى اليوم ضد مجهول لعدم الإعلان عن مرتكبها.
4-    إن ناصر له علاقة بدولة عربية مجاورة اتفق معها على الإطاحة بالشيشكلي وبأعوانه، مما دفع هذا الأخير للتخلص منه بأن فتح الضوء الأخضر أمام الحسيني الذي كان ينتظره....
كان ناصر رأس جماعته من الضباط لما يتمتع به من ذكاء حاد وثقافة واسعة وشخصية حاضرة وكان له مؤيدون في الجيش. كنتُ يومها معاوناً لمدير العقود في الأركان العامة المقدم فيصل الأتاسي، عندما دخل المقدم غسان جديد والرائد سليم ماء البارد على الأتاسي، وهما من جماعة ناصر، وقد أرغيا وأزبدا واقسما على قتل الشيشكلي.
وقد خشيت يومها من تفاقم الأمور وشيوع الفتنة، وبعد تردد كثير نقلتُ هذه الصورة إلى رئيس الشعبة الأولى في الأركان العامة المقدم عمر قباني، الذي أخبر عنها العقيد أديب الشيشكلي، معاون رئيس الأركان، فاستدعاني هذا وسألني عنها فأيدتها، ثم اختفى وأخذ الحيطة والحذر لنفسه. بعد مدة استطاع الشيشكلي تقريب غسان جديد إليه ثم أرسله إرضاء له إلى نيويورك ليكون العضو العسكري في الوفد السوري بالأمم المتحدة برئاسة فارس الخوري، عند النظر في شكوى سوريا ضد إسرائيل. (.....) ثم أُحيلت دعوى هذا الاغتيال إلى المحكمة العسكرية فصدر الحكم ببراءة المتهمين بالأكثرية وبمخالفة رئيس المحكمة القاضي إسماعيل القولي (.....) لقد كان إبراهيم الحسيني لغزاً كبيراً عجيباً، لا يعرف احد أين كان وأين هو صائر... وكان له بصمات واضحة على جميع الانقلابات السورية ومسارها، إلى أن قُتل وآخرون بحادث سيارة كان يقودها بنفسه في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، وهكذا طويت صفحته. كما حُكم على شقيقه عصام حكماً أصبح مبرماً بجريمة تجسس على الجيش السوري، وقد كنتُ في البدء أحد أعضاء محاكمته... وجريمة أخرى ارتكبها ملازم أول في الشرطة العسكرية من جماعة الشيشكلي، عندما أقدم على اغتيال مجيب أحد أبناء سليمان المرشد في قرية البرغال بالجبل العلوي، بدافع من الطيش والتهور وبدون سبب موجب، وقد اتُهم أديب الشيشكلي بأنه الدافع لارتكابها أيضاً، وحقيقة الأمر أنه فوجئ بها واستنكرها أشد الاستنكار عندما اعلمه بها مدير الشرطة العسكرية المقدم حسن عابد وهو الذي حدثني بذلك". انتهى المقبوس. (الصفحة 339 وما بعدها حتى 342).
من المصادر التي عدْتُ إليها للإحاطة بموضوع جريمة اغتيال العقيد ناصر كتاب باتريك سيل الشهير" الصراع على سوريا" (دراسة للسياسة العربية بعد الحرب 1945-1958- الطبعة الثامنة العربية- الناشر دار طلاس 2010). كتب باتريك سيل أقل من عشرة أسطر عن هذه الجريمة في الصفحة 135:" وقامت أعمال عنف متفرقة في النصف الثاني من عام 1950 لتشهد على تجزؤ السلطة السياسية، وعلى الصراع من اجل السلطة، وفي 31 تموز قُتل العقيد محمد ناصر قائد القوى الجوية السورية قرب دمشق عن عمر يناهز السابعة والثلاثين، وكان يُعتبر أقوى وأهم منافس للشيشكلي، وقد أوردت صحف بغداد والقاهرة وبيروت أنه سمّى قبل أن يموت اسم رئيس المكتب الثاني إبراهيم الحسيني ونائبه عبد الغني قنوت باعتبارهما قتلته، ولكن وزارة الدفاع السورية منعتْ أي تعليق صحفي، وقد بُرّئ  الرجلان".
قرأْت في كتاب جوناثان أُوين "أكرم الحوراني"- دراسة حول السياسة السورية بين عامي 1943-1954 الذي ترجمتْه وفاء الحوراني ونشره مركز دراسات المستقبل في حمص دون تاريخ، وفي الصفحة 169:" قال السفير البريطاني- في دمشق- في تقرير له عن الحسيني إنه شخص طموح وعديم الضمير. (رسالة من السفير مونتاغو إلى إيدن 13/1/1953)
وكتب صخر أبو فخر هامشاً في الصفحة 184 من كتاب (حطام المراكب المبعثرة) هذا نصه:" المقدم إبراهيم الحسيني من أخطر ضباط المخابرات السورية. يقول عنه مصطفى طلاس في مرآة حياتي الصفحة 128، إنه يهودي وهو من آل مسلماني في عكا. وهذه عائلة يهودية قبل إسلامها. وشقيقه عصام حُكم بقضية تجسس".
ضمّنتُ الصفحات السابقة أكثر ما قرأتُه عن موضوع اغتيال العقيد ناصر، وتحدثتُ إلى عدد من العسكريين القُدامى في هذا الشأن. لذلك "هالني" أسلوب تناول هذه الجريمة في رواية لم أقتنع  بتاريخيتها، برغم ما قيل عنها من أنها ذات رؤيا شاملة وواضحة لمرحلة مهمة من تاريخ سوريا. وأبادر هنا إلى نقل ما تلقيتُه من الرواية عن تلك الجريمة، أي كيف عرضتْها للقراء. في ما يتصل بي شخصياً- كقارئ- تلقيتُ الأمر بالترتيب الذي جاء في الرواية:
1-    عمره ما طمع بالسلطة ولا نافس عليها، لماذا اغتالوه؟
أثبتت الوقائع أن كبار الضباط السوريين يومئذ كانوا على نقيض هذا الوصف. والعقيد ناضر كان له من مؤهلاته الشخصية ومكانته، ما يضعه في الصف الأول من الطامحين إلى العمل السياسي الذي ما كانوا يظنونه متناقضاً مع دورهم كضباط مسيّسين يريدون خدمة بلادهم المستقلة حديثاً في الميدانين العسكري والسياسي.
2-    الشهيد من الطائفة العلوية.
لا أجد في الأمر نبرة سلبية لو أن الرواية وسمتْ كل ضابط كبير بسمته الخاصة. فلماذا لم تقل عن حسني الزعيم يوم قتلوه: تخلصوا من اكبر ضابط كردي؟ ولماذا لم تصف محاولة اغتيال الشيشكلي بأنها هدفها التخلص من أكبر ضابط سني أو حموي مثلاً؟ وينطبق السؤال نفسه على آخرين من شلّيطا الثاني- الحناوي- إلى الضباط الآخرين.
من هنا يتساءل القارئ عن "مغزى" هذا الإصرار على التعريف بالعقيد الشهيد بصفته الطائفية. برغم كل ما كان معروفاً عنه من حمية قومية وطموح إلى لعب دور مهم على صعيد الوطن كله. 
3-    أقله ما يقال من أنهم تخلصوا من أكبر ضابط علوي؟ من هم يا ترى؟
هالني هذا التساؤل غير البريء. فطالما أن الضابط القتيل "علوي" فمن سيغتاله إلا الآخر "السني"...هكذا تلقيتُ الأمر ولستُ أظنني مخطئاً، فهل هذه مهمة الرواية السورية في هذه الأيام؟ لا اخفي أهمية المسألة الطائفية ولا خطورتها، وأرغب في أن تُعالج بعمق، وبأسلوب يذهب إلى صميم المسألة وجذورها، من أجل الإسهام في تخليص الأجيال الشابة من هذا الداء الوبيل- كما جاء في أكثر من مكان من الرواية-. أما أن نتوقف عند هذه القضية الخطيرة بمثل هذا "التسطيح" المفتقر إلى النزاهة الفكرية.
4-    ذلك الضابط الكبير المقتول منذ شهرين كان يسعى لضم مناطق العلويين إلى لبنان. كأنهم يريدون أن يشوهوا سمعة العقيد ناصر ليبرروا اغتياله.
قدّمتْ الرواية مسألةَ سعي العقيد ناصر إلى ضم مناطق العلويين إلى لبنان، كأنها مسلمة لا مجرد تهمة أُطلقت لتشويه سمعته، ذلك لأنها امتنعت عن الإشارة إلى أن طموح ذلك الضابط الوطني لا يمكن أن يأبه لمثل هذه التهمة الوضيعة- فلبنان ليس بحاجة إلى طوائف على ما نعرف- والشهيد كان يصبو إلى وطن فسيح يُسقط سايكس بيكو ويحقق وحدة سوريا الكبرى العظيمة، والتي كانت بريطانيا أول من يحاربها في الخفاء. كما أن امتناع الرواية عن الإشارة إلى مشروع ربط سوريا بمحور القاهرة الرياض الذي كان يسعى كالمشروع الآخر، إلى استمالة كبار ضباط الجيش السوري، امتناعٌ أضعف حجةَ الرواية في الدفاع عن قضية الضابط الشهيد، دون ربطها بأسبابها الحقيقية، ودون أن ننسى أن هذا الصراع بين المشروعين الوحدويين، قد أدى إلى انقسام المجتمع السوري بكامله في تلك الأيام، بداً بأعضاء مجلس العقداء، الذين جمعهم العمل السري لإسقاط سامي الحناوي دون الاهتمام بانتماءاتهم الطائفية الضيقة، مما وضعَ جماعة الشيشكلي في مواجهة جماعة العقيد ناصر لكي نصل إلى هذه الجريمة البشعة. أليس من "المحبط" أن نلمس عند باتريك سيل هذا التفسير الموجز البليغ لحادث الاغتيال:" إن العقيد ناصر كان يعتبر أقوى وأهم منافس للشيشكلي" وأن نفتقد أي تفسير عند حجر السرائر.... باستثناء التفسير الطائفي..؟ لكن باتريك سيل ليس روائياً.. كان يكفي حجر السرائر الحوار العنيف الذي دار بين العقيد ناصر والمقدم الحسيني حول حاجة العقيد إلى معلومات دقيقة عن جهود الإسرائيليين لتسليح قوتهم الجوية، لكي يُبنى على ضوئه سلاح الجو السوري، كان يكفي التنويه بهذا الخلاف الخطير الذي  يفترض بالرواية أن تعرفه وتعرف أكثر منه، لكي ترفع من سوية نزاهتها، ومن سويتها كرواية... وكم كانت "حلّقتْ" لو توقّفت عند الاختراقات العظيمة التي تعرض لها جسد سورية... ومازال... من عدو مصمم يحمل مشروعاً خطيراً على وجودها. أما كان بوسع الرواية ملء عدد من صفحاتها بالإلماح إلى هذا الصراع بين ضابط قومي وآخر تدور حوله الشبهات، وتجسيده "درامياً" كما ينبغي للرواية، لا كما ينبغي لكتب التاريخ؟
5-    أعود مرة ثانية إلى حوار نديدا وغزال، في الصفحة 231، حين يقول غزال:"...بدأتُ أفكر في هذه الفترة في أن الانقلابات مصيبة على رؤوسنا كلنا. حتى على رأس الانقلابي نفسه. هذه المصيبة لن تنتهي إلا إذا انتهت الانقلابات. يعني انتهت الانقلابات العسكرية. يعني أن يعود الجيش إلى الثكنات. أليس هذا ما كان ينادي به العقيد محمد ناصر كما نقلتِ أنت عنه؟ -نديدا: ما عاد يُسمع لا نداؤه ولا نداء أمثاله".
في رأيي إن هذه السطور جديرة بواحد من كتب التربية القومية في المدارس الإعدادية، لا في رواية "تاريخية" كُتبت في مطلع القرن الحادي والعشرين. فهي مليئة "بالنوايا الطيبة" التي لا تُفسر أسباب حدوث الانقلابات العسكرية. ولو حاولت الرواية الخوض قليلاً في هذا البحر، لاغتنتْ وأغنتْ. ثلاثة انقلابات عسكرية في تسعة أشهر...إنها مصيبة ولكن...
أما التساؤل: "أليس هذا ما كان ينادي به العقيد محمد ناصر" فإنها "تهمة" في لغة تلك المرحلة. نعم تهمة، يعرف كونها كذلك من لديه أدنى فكرة عن كبار ضباط جيشنا يومئذ وعقلياتهم. كيف لهم العودة إلى ثكناتهم والبلاد تضطرب بأحداث جسام؟ والسياسيون يلجؤون إليهم في الأمور المهمة وغير المهمة، لأن السياسيين كانوا أعجز من أن يتفقوا على أمر. فزجوا كبار الضباط في هذا الأتون، ونقلوا إليهم انقساماً، كان "الانضباط العسكري" يفرض على الضباط التظاهر بعد وجوده، على الأقل، لكنه ينفجر كلما دعا الداعي...
لماذا حاولت الرواية سحبَ العقيد ناصر من "التداول" السياسي الذي كان سيد الموقف آنذاك، بعد أن حكمتْ عليه بالعَزْل الطائفي؟ إن تصويرها لشخصيته ودوره غير مقبول حتى من الناحية الدرامية "التخييلية". إلا إذا كانت تُفضّل الترويج لشخصية "الدرويش" وتدعو قراءها إلى الاقتداء بالدراويش...
أخذتُ على حجر السرائر إلحاحها على ذكر العقيد محمد ناصر، بلا جدوى. وها أنذا أقلدها، وأُفرد الصفحات لواحدة من الحوادث التي امتلأت بها الرواية. فهل هناك من الأسباب الكامنة وراء هذا الخيار ما يسوّغ لجوئي إليه؟...كنتُ أبحث عن "حكمة الرواية" وعن طيشها في آن. لا في حجر السرائر وحدها. مازال عندي كلام كثير، ولكنني أطلْتُ، والمثل الفرنسي يقول: "الاسترسال، يعني أنك تريد الخداع". وأنا لستُ أريد خداع أحد إلا نفسي... لهذا السبب أستمتع بالإطالة والاسترسال، ربما... الجزء الثالث من هذه المطوّلة يتضمن تأملات في "المسكوت عنه" في حجر السرائر. أما الجزء الرابع والأخير، فهو موقوف على ما كتبه "الناقد الأدبي" في صفحة الكلب عن هذه الرواية، التي استأثرت باهتمامه، لأن روايات كثيرة تُنشر كل يوم، يَعرف من عناوينها أنه لن يجد فيها "ضالّته"، ولا ما يشفي غليله... ما معنى غليل في لسان العرب؟

ملحوظة ذات صلة بما قبلها:

 ينبغي التنويه بأن الناقد الأدبي في "الكلب" لمّا يستكمل أدواته النقدية بعد.. فلا ينبغي حملَ "انطباعاته" على أي محمل أكاديمي، كما ينبغي للنقد أن يكون.    

ملحوظة ثانية ذات صلة بما قبلها:

ينبغي لي الاعتراف بفضل حجر السرائر على ذاكرتي التاريخية التي أبلتْ أطرافها عقودٌ مرّت على الحادثات التي ألمحت إليها الرواية إلماحة العابر الذي لا يتوقف من أجل السؤال عن لماذا حدث ما حدث؟ عدْتُ - بفضلها- إلى تلك المرحلة محاولاً استنطاقها بما أمكن من الإيجاز .
ثلاثة انقلابات سياسية الجوهر عسكرية المظهر، دمغتْ سوريا "بالاضطراب"، بعيد خروجها من الانتداب الفرنسي، لم أجد ا في حجر السرائر ما ينبغي وجوده من تساؤلات وإجابات.
الإنجاز الأكثر أهمية الذي بقي في ذهني من حديث الانقلابات، كان وسم الضباط الثلاثة الذين قادوا عمليات تنفيذها، باسم شلّيطا. الأول حسني الزعيم، والثاني سامي الحناوي، والثالث أديب الشيشكلي. وكانت الرواية قد أفهمتنا أنها كلمة سريانية تعني الظالم الأحمق. وإذا استبعدنا ما هو من شيَم النفوس، أي الظلم، فأنا على يقين من أن صفة أحمق لا تنطبق على أي واحد من قادة الانقلابات، بمن فيهم الأول الذي اشتُهر "بحماقاته"، ذلك أن الذي يطرح على إسرائيل الانتقال إلى ملعب لا تريد الدخول فيه، ملعب السلام، هو نقيض الأحمق جذرياً. فإذا أضفْنا شهادة مهمة لا ينبغي إهمالها في سياق الحكم على شلّيطا الأول، لتوصلنا إلى نتيجة قد لا ترتاح أحجار السرائر إلى معرفتها.
صاحب هذه الشهادة ليس إلا العلامة محمد كرد علي واضع خطط الشام ومؤسس المجمع العلمي العربي في دمشق (1876-1953). فهو صاحب نظرة مختلفة إلى شلّيطا الأول، كتب عنها في الصفحتين الثانية والثمانين والثالثة والثمانين بعد المائتين من الجزء الخامس من مذكراته، والذي حقّقه وشرحه السيد قيس الزرلي ونشره المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في 2008 بمناسبة احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية... أقتطفُ من الصفحتين هذه السطور التي جاءت تحت عنوان أراضي الدولة:" منذ خرجت سورية عن حكم العثمانيين، حاول جملة من أرباب النفوذ استصفاء بعض قرى الدولة دون ثمن أو بثمن إسمي طفيف... ومنهم جميل مردم (بك) وتاج الدين الحسيني، فحال القانون الذي وضعه الفرنسيس دون إتمام رغائبهم. وهذا القانون يقضي بأن تُباع الأراضي الأميرية من الفلاحين النازلين فيها فقط، بأثمان متهاودة  مقسّطة، وعدد هذه القرى نحو ثمانمائة قرية قضت حكومة الجيش السوري هذه المرة أن تقسّمها وتُقرض الفلاحين من المصرف الزراعي ما يعوزهم من المال لاستغلالها... وقد رأينا ذلك رأي العين في حكومة المشير الزعيم أولاً... ولولا الهمة التي بذلها رحمه الله في فض بعض المسائل المعلّقة لانطوت أعوام إثر أعوام والحكومات النيابية تستبقيها، أو تنحل على ما يشاء هواها. هذا وقد أصدرت حكومة الجيش عدة قوانين كان منها ما طُرح على رفوف المجلس النيابي أعواماً، فاستحق الثناء".
إحباط خطط إسرائيل بجرها إلى "السلام" وتوزيع مئات القرى على الفلاحين...تقيّداً بشعار الأرض لمن يعمل فيها، علامتان من علائم الظالم الأحمق، شلّيطا بالسريانية...لا بالعربية الفصحى.
وكنتُ قد أشرتُ في صفحات غير هذه إلى علائم حماقة الاثنين الآخرين، في رواية ترسم صورة شاملة وواضحة لمرحلة مهمة من تاريخ سوريا المعاصر.... فيا حجر السرائر أعذرينا ولا توحي بأنكِ تلعبينا....بعقل القارئ الكلبي حيناً ....وحيناً إن أردت تسبرجينا.....
(سبرج الأمر علي:عمَّاه ، من التعمية كما قال ابن منظور)

خاتمة:
قال ابراهيم الكوني: مَهمَة المؤرخ أن يتحدث عن النتيجة، ومَهمة الروائي أن يتحدث عن الأسباب....
وقال مؤلف حجر السرائر:...غير أن الرواية العربية شأنها شأن الرواية غير العربية وبالضبط في غررهما التي تحفر في التاريخ. تمضي قدماً، يحدوها النداء بأولوية الخيال على المعرفة، ومنه أولوية الخيال على التاريخ.

الجمل – غازي أبو عقل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...