عباس يطلب من دمشق منع عقد مؤتمر لمناهضة مؤتمر أنابوليس

31-10-2007

عباس يطلب من دمشق منع عقد مؤتمر لمناهضة مؤتمر أنابوليس

أرسل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إلى العاصمة السورية، مبعوثين ليطلبوا منها، منع عقد مؤتمر دمشق لمناهضة مؤتمر أنابوليس.
ومن الجائز أن الدافع الرسمي لمهمة المبعوثين هو التذرع بوجوب الابتعاد عن التدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي. وقد سبق الإعلان عن هذه المهمة، إقدام عدد من المتحدثين باسم السلطة الفلسطينية على الربط بين مؤتمر دمشق والمحاور الإقليمية.
بل وأعادوا إلى الأذهان أن انقلاب حماس في غزة كان جزءاً من معركة المحاور هذه، وأنهم يعرفون تقريباً أدق التفاصيل عن «المؤامرة».
والأمر المحيّر في الأداء الرسمي الفلسطيني هو أنه يعتمد على الذاكرة القصيرة، وعلى تسويغ الأمور ليس وفق منطق متكامل، وإنما وفق منطق نفعي. فإذا كان المطلوب حشد الدعم العربي أو الإسلامي، فإن فلسطين تغدو قضية قومية وإسلامية. وعندها من واجب كل عربي، على الصعيدين الشعبي والرسمي، وضع جزء من مدخراته المادية والمعنوية في «الحصالة» الفلسطينية. أما إذا شاء من يرى في قضية فلسطين قضية قومية، أن يكون له رأي مخالف لرأي هذه القيادة، حينها يصبح متآمراً.
والواقع أنه كان لسوريا، وبغض النظر عن أخطاء هنا وهناك يراها البعض صغيرة وآخرون كبيرة، فإنها كانت الحاضنة الأولى لحركة فتح وللنضال الوطني الفلسطيني. وعدا ذلك، فسوريا تستضيف على أراضيها مئات الآلاف من الفلسطينيين، وبينهم الكثير من قيادات فصائل المقاومة.
ومن المعروف أن النضال الوطني الفلسطيني وحركاته، بما فيها حركة فتح التي أدمنت شعار «القرار المستقل»، لم يكن أبدا مستقلا بالمعنى الحقيقي للكلمة. ربما لأنه في الأساس كان نضالا قوميا أو بسبب انتشار اللجوء الفلسطيني في مواضع مختلفة تتأثر بالجغرافيا السياسية للمنطقة، وهو ما يحد من استقلاليته.
وليس صدفة أن قرار تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية لم يصدر عن هيئة أو مؤتمر فلسطيني وإنما عن جامعة الدول العربية. كما هو ليس صدفة أن بعض الدول العربية أنشأت لحسابها، انتفاعاً أو إخلاصاً، منظمات خاصة. ولكن كل ذلك عنى أنه لا يمكن رؤية الوضع الفلسطيني من زاوية واحدة ولا يمكن التعاطي معه عبر تبسيطه.
ولهذا السبب فإن موقف السلطة الفلسطينية المعلن، عبر عدد من المتحدثين باسمها، من مؤتمر دمشق، مثير للخيبة. إذ يصعب على من يفهم أبجديات النضال الوطني الفلسطيني تقدير ما آلت إليه الأمور.
ففي الماضي كان لا يمكن تخيل إقدام جهة فلسطينية على مطالبة دولة عربية بمنع فلسطينيين آخرين من التعبير عن رأيهم في قضيتهم عبر المؤتمرات الشعبية. أما اليوم، ومع ترسيخ «السيادة» على الأرض الفلسطينية صارت مثل هذه المطالبة منطقية.
غير أن ما يثير التساؤل حقاً، ومن دون إبداء موقف من مؤتمر دمشق الذي أعلن تأجيله، هو ما الذي كانت السلطة الفلسطينية في رام الله ستفعله إن قررت الفصائل ذاتها عقده هناك.. هل كانت ستطلب من إسرائيل منع عقده أم ستبادر هي إلى إرسال قواتها لمحاصرة المكان وإبعاد أو اعتقال الحاضرين؟
ومن الغريب التفكير بوضع كهذا، خصوصاً في ظل وصول الخلافات الداخلية الفلسطينية إلى ما وصلت إليه، ليس فقط من اقتتال، وإنما ما بلغته من تشرذم. فقيادة السلطة التي أوصلت الوضع الداخلي الفلسطيني إلى حالته الراهنة لم تحاول أن تغير شيئاً في أساليبها.
وبدلاً من الإقرار بالأخطاء وإصلاح منظمة التحرير والدعوة لمناقشة وطنية صريحة توقف المأساة، اندفعت إلى الأمام في مواصلة الخطأ. وبدلاً من إبعاد المسؤولين عن الكارثة الوطنية التي حلت بسبب الفساد والابتعاد حتى عن القيم الأخلاقية للنضال أو المبادئ التنظيمية لحركة فتح، نجد الصورة تكرر نفسها.
فالرئيس الفلسطيني يعلن، صبحاً ومساء، أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الفلسطيني المخول بإدارة المفاوضات. وليس ثمة عاقل في الشعب الفلسطيني يعترض على ذلك. ولكن هل هناك عاقل يستطيع توضيح أسباب ازدياد قيمة شخصيات هامشية، كلما ازداد الوضع الفلسطيني العام سوءاً؟
وعلى سبيل المثال فقط: كان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه، الممثل الوحيد للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين في هذه اللجنة، قبل أن ينشق عنها. وكانت قوته كممثل للجبهة بالغة المحدودية.
وعندما شكل تنظيماً آخر باسم «فدا»، هو في أحسن الأحوال مجرد أنصار للجبهة الديموقراطية، أي أقل قدرة من تلك الجبهة، صار أكبر أثراً في اللجنة التنفيذية. وعندما انفض عنه أنصاره في ذلك التنظيم، وبقي شبه وحيد، تعزز موقعه وغدا «أمين سر اللجنة التنفيذية».
إذا أردتم أمثلة أخرى، أنظروا إلى رئيس الحكومة الفلسطينية في رام الله سلام فياض الذي نال وحزبه في انتخابات أُنفقت فيها الملايين، 2.5 في المئة فقط من الأصوات. أو انظروا إلى وزير الإعلام ووزير الخارجية فعلياً الدكتور رياض المالكي، وقيمته التمثيلية على الصعيد الفلسطيني.
إذا رأيتم هذه الأمثلة فيمكن معرفة سبب تعاظم هامشية دور منظمة التحرير حتى في نظر من يحاربون إقامة أية بدائل لها.

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...