طوفان القنوات الفضائية العراقية

29-11-2007

طوفان القنوات الفضائية العراقية

يغص العراق اليوم بعدد من القنوات التلفزيونية، الفضائية منها والأرضية، ويكاد العدد – بحسب بعض الاحصائيات - يقترب من الخمسين، حتى أصبح خبراء إعلام يرون فيها عبئاً إعلامياً واضحاً على «الفضاء العراقي»، فضلاً عن كونها تشكل عبئاً على المشاهد (الذي لا يشاهد غالبيتها)، ولأكثر من سبب.

فمعظمها قنوات مسيسة تابعة لهذا «الحزب»، الطارئ على الواقع العراقي... ومعظمها أيضاً، إن لم نقل باستثناءات نادرة، لا تمتلك من المقومات الفنية والاعلامية ما يؤهلها ان تطل على مشاهد أصبح الفضاء الاعلامي، بكلية مصادره، مفتوحاً أمامه. فهي تتحدث الى هذا المشاهد من خلال شخصيات - فيهم المذيعون والمذيعات ومقدمو برامج اللقاءات - غير مؤهلة للوقوف امام الشاشة الصغيرة، لا في مستوى الظهور، ولا في مستوى الأداء الفني في ما تقدم، ولا في مستوى اللغة التي أصبحت عدم إجادة قواعدها النحوية والصرفية حالة عامة في هذه القنوات... فتجدهم يتعثرون في اللفظ، ويخطئون نحواً بما قد يقلب المعنى المراد إبلاغه الى نقيضه، وكثيراً ما يتحول «الفاعل» على ألسنتهم «مفعولاً به» أو «مفعولاً لأجله»، ولا فرق عندهم في ذلك. فهل الأمر كذلك عند المشاهد؟

ومن صفات هذه الفضائيات أيضاً، أنها لا تمتلك خصوصية تذكر: لا في البرامج إعداداً وتقديماً، (والتي هي في منتهى الضعف مادة، والهزال فناً وأسلوب تقديم)، ولا في مستوى ما تعرض لمشاهديها من «أعمال مشتراة» أغلبها تجاوزه «الزمن الفني»، من دون ان تأخذ في الاعتبار كون هذا المشاهد قد ملّ تكرار القول وإعادة المشهد، كما بعض الوعود الكاذبة- التي تعرضها هذه القنوات عن طريق الخبر والتصريح- لحل ما يعاني هذا المواطن، الذي يفترض أنها تتوجه اليه، من مشكلات وأزمات.. فتغيب ثقته بما تنقل له، كما فقد ثقته بالقائلين.

ومن هذه القنوات عدد غير قليل اعتمد نهجاً دينياً طائفياً أو عرقياً، فراح يغذي مثل هذه النزعات الخطيرة بنزعات قاتلة، متسبباً في افساد الأمور. فإضافة إلى محاولة هذه الفضائيات إفساد العقول التي تربت وتكونت على ما يعّد ثقافة حقيقية ذات اساس معرفي، فإنها تعمد الى إفساد المجتمع الذي أقام وحدته على اساس المواطنة، فضلاً عن إفساد مؤسسات العلم والتعليم التي كان العقل في تطلعه المستقبلي الأساس الذي قامت عليه، فإذا هي، بتوجيه مثل هذه الفضائيات وتوجهاتها، مدعوة الى أن ترتد الى ما هو بخلاف ذلك.

ولعل الخطير في هذا التوجّه - التوجيه أنه يتم ضمن «منهجية» محددة الغايات والأهداف لإفراغ العقول من تكوينها العلمي. فمن هو المخطط؟ ولأية غايات وأهداف تمضي مثل هذه العملية؟ وما الذي يراد بمستقبل الانسان في هذا «الوطن المحتل» اليوم بقوّتين: قوة السلاح والعسكر الأجنبي.. وقوة تدمير النفوس والعقول. والسؤال هنا: هل يحتاج الواقع العراقي، الذي تتوجه هذه القنوات أصلاً إليه، كل هذا العدد منها؟ وهل هناك مشاهدون فعليون لها؟

ربيع الهاشم

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...