سيّدي المسيح: تحية سوريّة.. وبعد!

29-12-2006

سيّدي المسيح: تحية سوريّة.. وبعد!

الجمل- ماهر سلوم:  من مهد الحضارة والحرف والأنبياء.. من مهد التاريخ وما قبل التأريخ.. من مهد الأساطير والديانات وما بينهما.. من مهد أول لحنٍ وأول قصيدةٍ وأول كتاب.. من مهد أول من آمنوا بك؛ فسُموا نصارى ومسيحيين.. من سورية القرن الحادي والعشرين ــ المؤتمنة على حضارة السوريين الأوائل؛ ومن سوريٍّ فرّط بهذه الأمانة شرَّ تفريط! أبعث إليك رسالتي هذه، وصلاتي ودعائي وبوحي وألمي وأملي، يا روح الله على الأرض! فاستجب (هللويا) أيها المعشوق الذي لا معشوق بعده!!

سيدي الرب:
عاشقٌ أنا حتى الثمالة؛ ومتيّمٌ فيكَ أنا. أنا منكَ وأنتَ مني. أنتَ سبب إيماني وإلحادي. وجهكَ الملفوح بخيوط الشمس ما زال في مخيلتي، وشعركَ المغسول بمياه الأردنّ ما زالت رائحته الرطبةِ الندية تُسكرُ أنفاسي. تفصلني عنكَ اليوم آلافُ المسافاتِ وغيابُ الرؤية، لكنكَ أبداً تسكن الذاكرة كوجه أمي.

سيّدي المسيح:
أنا السوريُّ المجبولُ من ترابِ
الهائمُ على وجهي
في السهول والهضابِ
الباحثُ كأنكيدو
عن عشبِ الشبابِ
الحائرُ كإبليسٍ أصيبَ بارتيابِ...
شوقي لجنتك كبيرٌ
فلم رميتني بالعذابِ؟!

يا رسول المحبة والسلام:
أنا السوري التائه على أرصفة الحضارة.. بلا غدٍ أنا، وبحاضرٍ مشوهٍ أنا. كنوزي الثمينة أودعتها في ماضيَ العتيق.. مفلس أنا اليوم، إلا من بعض كرامة.. نهبني الغزاة على مرّ العصور.. سرقوا ألواحي الحجرية، أساوري، خلاخيلي وأساطيري المنقوشة في قلوب المعذبين.. سفكوا دماء آلهتي؛ ثم شربوا نخب انهزام الحضارة البكر!!
صدقت يا سيدي عندما قلت: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان!.. نحن نحيا بالخبز والحرية معاً! وأي فقدانٍ لإحدى هاتين الضرورتين سيسحبنا من خانة الأحياء إلى خانة الأموات؛ وإن بقينا نتنفس كالآخرين!! فهلاّ أقمتنا من بين الأموات يا من وطئت الموت بالموت؟!

أنت تعلم يا سيدي أن الإنسان في شرقنا، شرق السبايا والتكايا والبخور، يولد وعلى جبينه لصاقة مكتوب عليها دين والديه، ومقدر له أن يرث هذا الدين ويعمل بأصوله حتى يومه الأخير على هذه الأرض الفانية!!.. أصل المشكلة يا سيدي أننا شرقيون، وشرقنا يغوص في وحل الدين حتى شحمة أذنيه، ليس الدين كوصايا وآيات وأحاديث شريفة، بل كرجالٍ قوامون عليه! رجال الدين فرقونا باسم الدين، ويا ليتهم فهموه فهماً صحيحا بعيداًً عن جلابيبهم الأنيقة ولحاهم المشذبة بعناية فائقة.

سيدي ابن الإنسان:
لأنك سوريٌّ بامتياز، عشقتُ سوريا بامتياز. رسمتها وشماً تحت جلدي لا يزول. خبأتها في شراييني كما يخبّئ العنبُ السكّرَ في قلبه. علقتها قلادةً حول عنقي. وقفتً وحيداً شريداً على أبوابها العتيقة، أترجى القيامة من جديد. حملت صليبي كما أمرتني. صعدتُ الجلجلة باحثاً عن الحق فيكَ، والأمل فيكَ، والسلام الأهلي فيكْ! وما وجدت إلا بقايا من ظلك المنثور شرقي المتوسط!!
صلي من أجلنا يا أبتاه، فقد ضيعناك وما لقيناك!
صلي من أجلنا يا سيدي، فقد بدلناك بآلاف الأسياد!
صلي من أجل سوريتي،
أنا السوري التائه في بحر التدين والتطرف والتحريم وفتاوى المتمشيخين!
صلي من أجل أمّة تزني بالحلال وترجم بالحلال وتقتل بالحلال..
أمّة تلتحف بالدين وأبناؤها حفاةٌ عراةْ
أمّة تفاخر بـ "علمائها" وهي على هامش العلم والحضارة
أمّة تدعي الأمانة والفساد يعشعش في أعماقها.

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...