سيناريو متخيل لقصف إيران

30-04-2006

سيناريو متخيل لقصف إيران

يبدو اليوم السابع من ايار(مايو) 2009 وكأنه سيدخل التاريخ كما دخله من قبله يوم الحادي عشر من سبتمبر(ايلول) 2001. فقد شهد يوم الخامس من تموز، كما اصبح معروفا، تفجيرات انتحارية فظيعة في كل من تل ابيب ولندن ونيويورك بالاضافة الى هجمات متزامنة على بقايا القوات الغربية في كل من العراق وافغانستان. وقدر اجمالي الخسائر بحوالي 10.000 قتيل وأكثر من ذلك من الجرحى. وقد تمت هندسة الهجمات التي اشتملت على تفجير ما يدعى "القنبلة القذرة" في لندن على أيدي تنظيم يتخذ من طهران مقرا له تحت اسم "عمليات السعي للشهادة"، والذي كان قد تأسس في عام 2004. وكان الخامس من تموز هو رد جمهورية ايران الاسلامية على قصف مرافقها النووية الذي امرت به الرئيسة الاميركية هيلاري كلينتون في اذار(مارس) 2009 .

وعلى الرغم من مسيرات الاحتجاج الضخمة التي عمت العالم الاسلامي والعديد من العواصم الاوروبية، فقد بدت العملية التي نفذت بقيادة اميركية ناجحة من حيث المبدأ، اذ قامت الولايات المتحدة المدعومة بقوات خاصة بريطانية واسرائيلية بقصف سبعة وثلاثين موقعا ايرانيا، بما فيها مرافق ومواقع تحت أرضية ذكر ان ايران كانت توشك ان تصنع فيها سلاحا نوويا مستخدمة نسختها الجديدة الخاصة من اجهزة الطرد المركزي (بي 2). وكان العالم النووي الباكستاني المنشق عبد القادر خان قد زود ايران بنموذج هذه الاجهزة. وكانت القوات الاميركية قد شلت فعالية الدفاعات الجوية الايرانية ودمرت الكثير من قواتها الجوية. وبشكل يتعذر تجنبه، وقعت الكثير من الإصابات بين المدنيين، حيث قتل مئة وسبعون شخصاً وجرح خمسمئة وثلاثة وثلاثون وفق ما ذكرته الحكومة الايرانية. وقد اصر ناطق بلسان وزارة الدفاع الاميركية "البنتاغون" على ان "ضررا محدودا" قد حدث وبقي ضمن "المستوى المقبول". وادعى الناطق ان برنامج الاسلحة النووية الايرانية قد "تمت اعادته الى المربع الاول".

وقد تمكنت البحرية الاميركية، وبنجاح، من افشال محاولة ايرانية لفرض حصار بحري على مضيق هرمز الذي يعتبر احد الشرايين الرئيسية لامدادات النفط العالمية. وكانت طائرة عمودية أميركية قد أسقطت بصاروخ ايراني يطلق من تحت الماء، لكن إسقاطها لم يسفر عن التسبب في مقتل اي اميركي. ووسط الذعر الذي ساد اسواق النفط، فقد تخطى سعر النفط الخام حاجز المائة دولار للبرميل الواحد. لكن ادارة الرئيس السابق بوش كانت قد عززت احتياطيات النفط الاستراتيجية الاميركية بحيث استطاعت ادارة هيلاري كلينتون ان تعول عليها. إلا أن الضرر الافدح لحق بالاقتصادات الاوروبية.

وعلى أي حال، وكما تنبأ الخبراء، فان اكبر تحد واجهه الغرب كان يتمثل بقدرة ايران على شن اعمال حرب غير منسقة عبر حزب الله وحركة حماس وكتائبها الخاصة من المفجرين الانتحاريين. وكانت الجمهورية الاسلامية تجند علنا ومنذ سنوات مفجرين انتحاريين من خلال منظمة وصفت بأنها "لجنة احياء ذكرى حركة شهداء الحركة الاسلامية العالمية". ومنذ اوائل نيسان(ابريل) من عام 2006، نظمت مهرجانا للتجنيد في مقر السفارة الاميركية السابقة في طهران مدعية ان لديها اكثر من 50.000 متطوع جاهزين لشن عمليات ضد "المحتلين في القدس" (اي اسرائيل)، و"محتلي الاراضي الاسلامية" خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، وضد الروائي البريطاني سلمان رشدي. وكان باستطاعة المجندين ان يتطوعوا أيضاً من خلال الانترنت على الموقع الالكتروني(www.esteshhad.con) . وبينما وفر كل من حزب الله وحماس البنية التحتية لتفجيرات تل ابيب، فإن المفتاح للهجمات على لندن ونيويورك كان عبر تجنيد مسلمين اميركيين وبريطانيين من خلال هذه المجموعة. وكان الرجل الذي رعى تصنيع "القنبلة القذرة" في محطة ايستون، والمدعو "محمد حسين" الذي ولد في برادفورد قد تدرب سراً على أيدي "لجنة احياء ذكرى الشهداء" في احد المعسكرات في جنوبي ايران.

وباستدراك تأمل الأحداث، فانه يبدو ان نقطة التحول قد جاءت في ربيع عام 2006، حيث اعلن الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الذي اعرب عن نيته مسح اسرائيل عن وجه الارض ان بلاده قد تمكنت من تخصيب اليورانيوم بنجاح. وألمح الى انها تحوز على تكنولوجيا الطرد المركزي بي2. وسواء كان ذلك صحيحا ام لا، فان تلك الادعاءات قد حطمت من ناحية فعلية آخر الامال بتحقيق حل دبلوماسي عبر مفاوضات يقودها ما يسمى باعضاء الترويكا الغربية الثلاثة؛ فرنسا والمانيا وبريطانيا.

وكان قد تبع ذلك رقص دبلوماسي ملتو عندما وافقت الصين وروسيا في نهاية المطاف على فرض عقوبات بالحد الأدنى على ايران، بما في ذلك حظر منح تأشيرات زيارة لاعضاء معينين من النظام. وكان لهذه العقوبات اثر محسوس قليلا على البرنامج النووي الايراني، لكن النظام استثمرها بنجاح في خلق شعور قومي يوحي بلعب دور الضحية. وفي غضون ذلك، فان الكشف عن التحويل الأخرق لدعم مالي حكومي اميركي عبر منظمة طلابية في المنفى تتخذ من كاليفورنيا مركزا لها لصالح مجموعة من الطلبة في اصفهان قد استغل كمبرر لشن حملة وحشية على كافة المجموعات المنشقة المحتملة. وقد تم عرض المحاكمات الاستعراضية التي أجريت بتهمة "الخيانة" بالرغم من الاحتجاجات الدولية. وهو ما ادى الى مزيد من التشدد في السياسة الاميركية خلال السنوات الاخيرة لادارة بوش. وفي عام 2008 الذي شهد الانتخابات الرئاسية، شعرت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون بأنها مجبرة، ربما على عكس تقديراتها المفضلة، على توظيف القضية الإيرانية لإيضاح أنها تستطيع ان تكون أكثر تصلباً من جون مككين فيما يتعلق بقضايا الامن القومي.

عندما وصلت الى سدة الرئاسة، كانت ملزمة مسبقاً بمنع ايران من حيازة سلاح نووي، حتى ولو بوسائل عسكرية اذا ما دعت الضرورة. وفي الاثناء، أهمل النظام الايراني الضوابط كافة فيما يتعلق بالسعي إلى تحقيق هدفه، مخمناً ان افضل فرصة في البقاء تكمن في إيجاد اسرع وسيلة لتمكينه من امتلاك رادع نووي. وفي فبراير 2009 قال تقرير استخباراتي وصل الى واشنطن ان طهران، باستخدامها سلسلة سرية متتابعة من نسختها من اجهزة الطرد المركزي بي2، قد أصبحت اقرب ما يكون إلى حيازة قنبلة نووية على عكس ما كان يعتقد سابقاً.

وفي سلسلة من اجتماعات ازمات، قررت الرئيسة كلينتون، سوية مع وزير خارجيتها الجديد ريتشارد هولبروك ووزير دفاعها جو بيدن انهم لا يستطيعون الانتظار فترة اطول. وبدأت عملية "سلام الخليج" التي كان البنتاغون قد اعد لها خطط طوارئ مفصلة يوم السادس من آذار 2009.

وكانت واشنطن قد ادعت أنها تمتلك تخويلا قانونيا بموجب قرارات سابقة لمجلس الامن الدولي بفرض عقوبات على ايران لعدم التزامها في الشأن النووي. لكن هذه الادعاءات تصادمت مع وجهات نظر معارضة من جانب الصين وروسيا. كما ان معظم الدول الاوروبية لم تدعم العملية ايضا، ما تسبب في خلق خلاف سياسي آخر بين طرفي الاطلسي. وعلى كل حال، وتحت ضغط هائل من اصدقاء المقربين بين الديمقراطيين الاميركيين، قرر رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون بعد تردد تأييد العملية، وسمح بانتشار رمزي لعدد صغير من القوات الخاصة البريطانية قامت بدور تقديم الدعم.

وقد تسبب هذا في نشوب ردة فعل من المقاعد الخلفية لحزب العمال بقيادة وزير الخارجية السابق جاك سترو. كما تسبب في خروج مظاهرة ضمت اكثر من مليون شخص في لندن. وحتى الزعيم المحافظ، ديفيد كاميرون، الذي يعتقد بأن هناك انتخابات عامة متوقعة قريبا، لم يتوان بدوره عن توجيه الانتقادات لدعم براون للاجراء الاميركي. وهو ما دفع براون إلى تأجيل الانتخابات البريطانية التي كان قد تقرر إجراؤها حالياً في شهر ايار(مايو) 2009. وبدلا من اجراء انتخابات، باتت البلاد تعاني من مأساة.

وفي الاثناء، واجه الرئيس محمود احمدي نجاد انتخابات رئاسية في حزيران 2009. لكنه ركب، على العكس من براون، موجة من التضامن الوطني العارم، حتى ان عدة ملايين من الايرانيين الذين شعروا بخيبة الامل لاخفاقه في تجسيد وعوده المادية واولئك الذين أصيبوا بالإحباط شعروا بأنهم مجبرون على الالتفاف حول القائد في زمن الحرب.

ثمة العديد من الشخصيات الاميركية المرموقة التي انتقدت الاجراء الاميركي. وادعى البعض بأن زوج الرئيسة، بيل كلينتون كان في احاديث خاصة من بين اولئك المنتقدين مع انه كان يعلن ولاءه في العلن. لكن الدكتور باتريك سميث من لجنة "عالم افضل" التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، والتي طالما ايدت توجيه ضربة لايران، وجه سؤالاً إلى المنتقدين، يقول: "ماذا كان البديل الذي طرحتموه؟"

 

تيموثي غارتون آش
المصدر : الغارديان

 

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...