سيف الإله «حُدُد» الدمشقي.. يحيّر العلماء منذ الحملات الصليبية

28-02-2015

سيف الإله «حُدُد» الدمشقي.. يحيّر العلماء منذ الحملات الصليبية

بقيت صناعة السيف الدمشقي، كما مكوّناته السحرية، سراً على مرّ العصور، فلم يبح صنّاعه بالسر، وما استطاعت الحضارات أن تكشف سرّه المكنون، لذلك سُمّي «سيف الآلهة». ولكن، بعد مرور آلاف السنين، ومع تطور الكيمياء، تم تحديد تركيبته الكيميائية التي تبين أنها عبارة عن خليط «سحري» نادر.
وتقول الأسطورة السورية في الأساس إن الإله «حُدُد» كان يرسل إلى الدمشقيين برقاً يضرب قاسيون، فيترك في ترابه آثاراً هي عبارة عن نترات حديدية، كان يخرج السيوفيون (صناع السيوف) ليستخرجوها من ترابه، وليبدأوا أولى خطوات صناعة هذا السيف الخالد، حيث إنّ نترات الحديد، التي يتركها البرق في تراب الجبل، كانت تشكّل العنصر الأول في صناعة السيف هذا، فتُجبل بمزيج لا يعرفه إلا «شيخ الكار».سيف دمشقي
وتخرج العجينة التي يُشكّل منها السيف، من هذا الخليط لتوضع في الأتون حتى تنال منها النار، فتصبح مطواعة بيدي الصانع، وبعدها يدقّ ذلك الحديد مرات ومرات حتى يرقّ ويتّخذ الشكل المطلوب، ومن ثمّ يُجلَخ حتى يصبح قادراً على شقّ الهواء، بحسب ما تقول الأسطورة، ومن ثمَّ يُلمّع وتُنقش عليه كلمات مناجاة للإله «حُدُد»، كالصلاة التي تقول: «حُدُد، لم يخسر حربه كلّ مَن حمل سيفك»، وأخرى تقول: «إله الحرب أعِنّا ليفتك سيفُك بالأعداء»، وبعد دخول الإسلام إلى دمشق، صارت الآيات القرآنية هي التي تُنقش على السيف.
وقد حيّر سرّ صناعة هذا السيف كلّ صانعي السيوف في أوروبا، لفترات طويلة، بقدر ما حيّر علماء العصر الحديث أيضاً، حيث حاول الجميع على مر العصور، اكتشاف كيفية صنع هذا السيف، والمواد الداخلة في صناعته، إلا أنّ كلّ تلك المحاولات باءت بالفشل، وظلّ السر مقتصراً على صنّاع دمشق.
ويذكر تاريخ الحملات الصليبية على بلاد الشام، أن مجموعة مؤلفة من أمهر صُنّاع السيف الدمشقي اختلوا لأسابيع عدّة، ليخرجوا بعد انقطاع عن العالم دام قرابة الشهر بمجموعة تضمّ آلاف السيوف الدمشقية المعدّة ليستخدمها أهل المدينة في دفاعهم عنها ضدّ الحملة الصليبية على المشرق، وكان لتلك السيوف أثر السحر، حيث إنّها جعلت الصليبيين يرتعدون خوفاً من هذا السلاح الصغير الحجم ذي المفعول القاتل.
وكان أكثر ما حيّر قادة الحولات الصليبية في هذا السيف، أنّه ليس كباقي السيوف التي كانت ترتطم بالدروع الغليظة، فتنكسر إنْ لم تنجح بشقّها، وإنما كان يلتوي كجسد الأفعى، ويعود إلى حالته السابقة من دون أن ينكسر، ويشقّ دروعهم، ثم صدورهم أو رؤوسهم، وقام الصليبيون بعدها بإرسال مئات من الجواسيس بهيئة مستشرقين، راغبين في تعلُّم المهنة، لعلّهم يصلون إلى مبتغاهم في معرفة سرّ السيف، إلا أن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل أيضاً.
ويشير فياض السيوفي أحد أشهر صناع السيوف الدمشقية إلى أن تسمية العائلة بهذا الاسم جاءت نسبة إلى عمل أجداده في هذه الصنعة التي تعلمها عن طريق والده، الذي ورثها بدوره عن جده، موضحاً أن عائلته هي الوحيدة في مدينة دمشق التي تصنع السيوف، وتقوم بتنزيل وتطعيم الذهب والفضة عليها، حيث تحوّلت هذه الصناعة في بداية القرن الماضي من صناعة حربية إلى قطع تراثية يسعى الأغنياء والسيّاح لاقتنائها.
ويؤكد فياض، أن «الشيء العجيب في هذا السيف، الذي حيّر الشعوب لقرون طويلة، هو أنّ تفاعل المعادن والمواد في نصل السيف الدمشقي، تجعل خطوطاً متموّجة تظهر على سطح النصل، فتبدو وكأنّ شرائط معدنية قد رُصّت جنباً إلى جنب، وكلّ شريط يحمل تموّجاً مختلفاً عن الآخر، إلا أنّ ذلك لم يكن سوى نتيجة للتفاعل الغريب لتلك المعادن والمواد».
من جهته يقول الدكتور فيصل العبد الله، الأستاذ في قسم التاريخ بجامعة دمشق، إن هذه الحرفة اليدوية أخذت بالتراجع منذ القرن الخامس الميلادي، عندما اجتاح القائد المغولي تيمورلنك دمشق وأخذ معه إلى سمرقند نحو 15 ألفاً من أشهر حرفيي صناعة السيوف، ومن ثم قيام السلطان العثماني سليم الأول بنقل عدد آخر من أشهر المهرة في صناعة السيوف إلى تركيا.
وحول تاريخ البدء بصناعة السيف الدمشقي وسمعته الأسطورية، يؤكد العبد الله أنها تعود إلى القرن الثامن الميلادي، مضيفاً أن سمعة السيف الأسطورية تكوّنت أثناء الحملات الصليبية، عندما وجد الأوروبيون أنفسَهم أمام مدافعين عن أراضيهم مسلّحين بسيوف أكثر تقدماً وأقوى وأحدّ من سيوفهم البدائية العريضة.


السفير نقلاً عن («سبوتنيك»)

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...