دمشق: الريادة الثقافية في مؤتمر

05-12-2009

دمشق: الريادة الثقافية في مؤتمر

تبادل المعارف والتجارب حول أهم القضايا والإشكالات الثقافية الراهنة في المنطقة العربية كان محور اهتمام أكثر من ثمانين شخصية عربية وأجنبية جمعهم مؤتمر "الريادة الثقافية والعالم العربي" الذي نظّمه المجلس الثقافي البريطاني ما بين 18و19 تشرين الثاني في بيت الفن في دمشق، برعاية نائب رئيس الجمهورية العربية السورية الدكتورة نجاح العطّار، وقد شملت فعاليات المؤتمر أربع جلسات حوار أساسية بحثت في إمكانات الفعل الثقافي ومعوقاته الاقتصادية والسياسية وسبل ضمان استدامته.منصة المشاركين

ما هو المقصود بالريادة الثقافية، ومن هم الروّاد المعنيون؟ أمور تم توضيحها في المؤتمر الصحفي الذي سبق مؤتمر الريادة الثقافية بيومين، وانعقد بحضور مديرة المجلس الثقافي البريطاني في سوريا إليزابيث وايت، والمديرة الإقليمية لمشاريع التبادل الإبداعي في المجلس ليلى حوارني، ومديرة التسويق والتواصل غالية سيفو، والمستشار العلمي لمشروع الخارطة الثقافية لدى الأمانة السورية للتنمية حسان عباس، والفنانة اللبنانية حنان الحاج علي. وحسب التصريحات التي جاءت في سياق المؤتمر الصحفي، فإن الرواد الثقافيين هم أولئك الناشطون في الحقل الثقافي والفني الذين بادروا إلى إطلاق مشاريع أولى من نوعها في بلدانهم، لاسيما الشبّان، ومؤتمر “الريادة الثقافية والعالم العربي” هو إحدى المحطات التشاورية في العام التجريبي لمشروع “الريادة الثقافية الدولية” الذي أطلقه المجلس الثقافي البريطاني في شهر أيار/مايو 2009 بالشراكة مع برنامج “الريادة الثقافية” في المملكة المتحدة (CLP)، ويهدف المشروع إلى تعزيز دور الفن والثقافة في المجتمع من خلال العمل مع الروّاد الثقافيين المستقبليين (أفرادا ومؤسسات) في أوروبا والشرق الأوسط وأميركا الشمالية، وتطوير برامج تدريبية في مجال الريادة الثقافية مصمّمة خصيصاً لتمكين هؤلاء من قيادة مؤسساتهم وإقامة علاقات دولية، وبهذا الخصوص صرّحت إليزابيث وايت: “إننا نؤمن بشدة بالقدرة الكامنة للثقافة على رسم مستقبل مجتمعاتنا، وتحديد العلاقات التي تربط بين المجتمعات المختلفة، كما أننا ندرك أهمية الدور الذي يلعبه الرواد في القطاع الثقافي، ويحدونا الأمل أن يشكّل هذا المؤتمر وما ينتج عنه مصدراً للمعلومات والإلهام لشبكات الروّاد الثقافيين الفاعلين في العالم العربي وما حوله اليوم، وأولئك الذين ينتظرون بزوغ نجمهم”.

المحاور
تناولت جلسات مؤتمر “الريادة الثقافية والعالم العربي” أربعة محاور أساسية، تم خلالها تبادل الأفكار وعرض التجارب ذات الصلة بالريادة الثقافية، وناقشت الجلسة الأولى إمكانية الوصول إلى الثقافة من حيث دور الفنون في المجتمع، وكيفية تأثير الثقافة على نوعية الحياة، وماهية الدعم الاجتماعي الموجود للثقافة ومدى فعاليته، وشملت قائمة المتحدّثين: حسّان عبّاس من سوريا، ومحمّد أمين مؤمن من المغرب، وجريس سماوي من الأردن، ورمزي أبو رضوان من فلسطين، وبرندان كيناي من المملكة المتحدة.
وتمحّورت الجلسة الثانية حول الحداثة العربية في مرحلة ما بعد العولمة على مستويي التفكير والمقاربات الفنية، وشارك فيها: معتز نصر من مصر، ورشيد أريين من المملكة المتحدة، ورشا السلطي من لبنان، ونظر المتحدثون إلى انعكاسات الخصوصية الثقافية العربية على قطاع الفنون في المنطقة، ورأوا أنه متأثر في شكله الحالي إلى حدّ كبير بالنماذج الأوروبية–الأميركية، وخاضع لنفوذها على المستويات كافة. بينما ناقشت الجلسة الثالثة الفنون والواقع الاقتصادي والاجتماعي في الوقت الراهن، وتناولت البيئة التي يعمل ضمنها المشتغلون بالثقافة بما في ذلك هيمنة الأجندات السياسية والمؤسساتية، والتوترات الاجتماعية السياسية المعقّدة، وأثر هذه الظروف على الفنانين والمثقفين، حيث تحدث كل من: نايف المطوّع من الكويت، وآندرو كلاريه من مصر، وعروة نيربية وأسامة غنم من سورية، وبيتر جينكينسون من المملكة المتحدة.
أما الجلسة الرابعة فقد توقفت عند موضوع الريادة الثقافية والاستدامة، حيث تناولت النماذج الحالية للريادة في قطاع الثقافة العربية من المنظور الفردي والمؤسساتي، وشارك في هذه الجلسة: ليلى بركات من لبنان، راسيل ويليس تيلور من الولايات المتحدة، وفيليب غودوين من المملكة المتحدة، وفاتن فرحات من فلسطين ومختار كوكش من مصر.

طروحات
أشار برندان كيناي إلى أهمية الفنون في المجتمع كمحرّك قوي من محرّكات التغيير، فهي تشحن النفس البشرية وتسمو بها، وتضخ حياة جديدة في المناطق الراكدة، ولاحظ نايف المطوّع أن الثقافة العربية باتت اليوم ثقافة كرة القدم، وأن الدعم الحكومي للأنشطة الثقافية مشروط بغايات ليست ثقافية، وذكر حسان عباس أنه لا يمكن للمشاريع التنموية أن تنتج بدون ربطها بالثقافة، وليس على المبدع أن يراعي ذائقة الشارع، بل عليه أن ينظر دوما إلى الأمام، ونوّهت بسمة الحسيني بوجود لحظة إيجابية في العالم العربي يجب عدم تفويتها، وهي تتمثل بازدياد حجم المبادرات المستقلة، وتغيّر موقف الحكومات العربية إزاء الأنشطة الثقافية.
ورأى بيتر جينكينسون انه ينبغي إعادة النظر في آليات الصناعة الثقافية، فما نراه اليوم هو الثقافة الرأسمالية، والكثير ممن يعملون في حقل الثقافة يعيشون فقاعة الفن ونخبوية العالم الجديد وعدم اهتمامه بما يريده الناس، نحن نحتاج إلى استراتيجية عمل جديدة للتواصل بشكل أفضل مع الجمهور، وإلى ثورة فيما يتعلق بالقيادة الثقافية والانفتاح على الآخر ومصادقة الغرباء، فنحن نعيش في الغيتو الذي صنعناه بأنفسنا، في حين أن الناس هم مصدر مهم للأفكار الجديدة واستدامة الثقافة والحصول على التمويل الصغير.
وقالت نادين توما إذا بقينا نستهلك الثقافة ولا ننتجها فسوف نزداد إحباطا، واعتبرت أن الناشطين الثقافيين بمثابة العلماء، وأن الاختلاف بين البشر ليس سببا للخلاف، بل إنه سبب للوجود. وأكد أمين الزاوي أن القطاع العام في العالم العربي لا يملك ثقافة القطاع العام، حيث تأخذ الدولة مكانه، وحين تحاوره فإنك تحاور السلطة السياسية، وقد يكون هذا القطاع ناجحا إذا كان يقوده شخص جيد، فالشخص أهم من المؤسسة، والفساد وصل إلى الثقافة، والقطاع الخاص نفسه مسيّر بعقلية رعوية، وليس بعقلية حرة، كما يُفترض أن يكون.

تجارب
احتل عرض التجارب الرائدة في مجالها مساحة واسعة من جلسات المؤتمر، وفي هذا السياق تحدث الفنان الفلسطيني رمزي أبو رضوان عن تجربته في إقامة مركز لتعليم الموسيقى للأطفال، ثم إقامة مهرجان موسيقي للأطفال على مدار أسبوعين كل عام، وفي معرض حديثه ذكر أن دراسة الموسيقى علّمت الأطفال احترام الوقت والحرص على استثماره بالشكل الأفضل، وعلّمتهم أن الآلة الموسيقية مهمة في عملية المقاومة تماما كما هو الحجر.
وتحدّث عروة نيربية عن تجربته في إطلاق مهرجان سنوي للسينما التسجيلية في سوريا في العام 2007، وذكر أن المهرجان هو مسافة لتدريب الشباب وجسر للعبور بين البلدان، كما تحدّث عن غياب الدعم الحكومي المادي للنشاطات المستقلة على اعتبار أن الدولة من المنطلق الاشتراكي كانت هي الجهة المنتجة للثقافة، ولكن في ظل المتغيرات الراهنة عليها أن توجد مساحة معترفا بها ومحترمة للعمل المستقل وأن تدعمه ماديا ومعنويا، وفي ختام حديثه أشار نيربية إلى أن كل الممولين يملكون أجندات، وعلى المبدع أن يبحث عن ممول يملك أجندة تلتقي مع مشروعه الإبداعي.
واستعرض أسامة غنم تجربته كمبرمج لعروض الرقص والمسرح خلال عام دمشق عاصمة الثقافة العربية، وأشار إلى أن استقدام العروض الأجنبية فتح المجال أمام حوار ثقافي أزال كل الأفكار الجاهزة عن الآخر، وخلق حالة تفاعلية راقية مع الجمهور، كما ذكر أن كل نشاط ثقافي يحتاج إلى تمويل، وتمويل الثقافة في العالم العربي أمر مشروط بإملاءات معينة، سواء تعلق الأمر بالتمويل الحكومي أم العربي أم الدولي (المراكز الثقافية الأجنبية)، ولكن أفضلية التمويل الرسمي نابعة من كونه يلغي الجانب الريعي التجاري لصالح الجوانب الفنية والفكرية.
وفي الختام إذا كانت تلك هي الملامح المختصرة عن واقع الأفكار والتجارب التي تبادلها الروّاد الثقافيون في مؤتمرهم، فإن الصورة لم تتضح بعد عن مؤهلات ومواصفات شركاء الريادة، ولا عن طبيعة الحراك الثقافي المستقبلي الذي سوف تسفر عنه أشكال التواصل والتشابك العابرة للقارات، كما أن المشروع برمته لا يخلو من نظرة طوباوية حالمة، إذ لا يمكن فصل الفضاء الثقافي عن بقية مكونات المجتمع، فكيف يمكن للفعل الثقافي أن ينمو ويزدهر ويؤثر بعيدا عن معوّقات الأطر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية -المحلية والدولية- على حد السواء؟ وكيف يمكن للمنجز الثقافي أن ينتشر ويتفاعل مع الجمهور، إذا لم ينطلق من موقف فكري يحاكي تطلعاته في حياة كريمة لا يثقل كاهلها واقع القمع والجوع والحروب والاستعمار والخلافات السياسية الدولية؟ ضمان استدامته.

تهامة الجندي

المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...