جيوبولتيك سورية ومكانتها على خارطة منظومة صراعات الشرق الأوسط

30-08-2007

جيوبولتيك سورية ومكانتها على خارطة منظومة صراعات الشرق الأوسط

الجمل:    درجت التقارير الصحفية وبحوث مراكز الدراسات على اعتماد المنظور الجزئي في التعاطي والتعامل مع صراعات الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص، منطقة شرق المتوسط، وذلك على أساس اعتبارات إعداد الدراسات والتحليلات المتعلقة بكل صراع أو نزاع شرق أوسطي أو بالأحرى شرق متوسطي باعتباره يشكل ظاهرة سياسية- أمنية- عسكرية قائمة بذاتها.
• سورية والطابع الجيو- سياسي لصراعات الشرق الأوسط.
تقع سورية تماما في وسط المثلث الساخن، الذي تمثل رؤوسه الثلاثة: الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، الصراع اللبناني- الإسرائيلي، والصراع العراقي- الأمريكي (الإسرائيلي).
تتفاعل هذه الرؤوس الثلاثة مع مركز المثلث وذلك على أساس اعتبارات الحقيقة الواضحة، والتي مفادها، أن سورية لو لم تكن تشترك ميدانيا في الصراع الجاري حاليا في الأراضي الفلسطينية بين حماس وإسرائيل وبين حماس وفتح، فإنها وان كانت طرفا غير مباشر إلا أنها معنية بشكل مباشر بتطورات وتداعيات  ونتائج هذا الصراع وبالنسبة للصراع اللبناني- الإسرائيلي فهو بالأساس يمثل أحد المكونات الهامة للصراع السوري- الإسرائيلي، وقد ظلت سوريا تتعامل مع الصراع اللبناني- الإسرائيلي على أساس اعتبارات حق الدفاع عن النفس، وذلك لان إسرائيل ظلت تستهدف سورية عن طريق استغلال وتوظيف لبنان كمرحلة أولى، ضمن عملية تمهيد المسرح من مواجهتها ضد سورية وقد ظل لبنان بلدا مستقلا يتصارع أهله وسكانه ونخبه السياسية لفترة طويلة، وليس بخاف على اللبنانيين أنفسهم الدور الإسرائيلي المعلن الهادف لاستغلال بلدهم وخلافاتهم الداخلية واستخدام لبنان واللبنانيين كـ(بوابة) الهجوم والعدوان على سورية، أما الدور السوري فيعرف اللبنانيون جيدا ان السوريين هم الذين قضوا على شبح الحرب الأهلية اللبنانية الثانية وانه بدمائهم وأموالهم تم إرساء دعائم الاستقرار السياسي اللبناني الحالي الذي باتت تهدده شحنات الأسلحة الإسرائيلية  والأمريكية لقوى 14 آذار وبالتالي إذا كانت سورية لا تمثل طرفا مباشرا في الصراع الإسرائيلي- اللبناني وتداعياته التي أدت إلى الصراع اللبناني- اللبناني الحالي فان سورية سوف تكون معنية بتطورات وتداعيات ونتائج هذا الصراع.
وبالنسبة للصراع العراقي- الأمريكي (الإسرائيلي) وما ترتب عليه من صراع عراقي- عراقي فان سورية وبشهادة الجميع كانت تمثل الهدف المباشر الثاني بعد عملية غزو واحتلال العراق، وتكشف ذلك الكثير من وثائق البنتاغون والخارجية الأمريكية والبيت الأبيض ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية والتقارير والتحليلات الإسرائيلية ونشرات منظمات اللوبي الإسرائيلي وغيرها من مصادر المعلومات والتي كانت تقول وبصريح العبارة واصفة العاصمة السورية دمشق بانها سوف تكون المحطة الثانية القادمة في مسيرة القوات الأمريكية عقب إكمال سيطرتها على بغداد، وبرغم ذلك فقد ظلت الإدارة الأمريكية تستخدم ظهور وتصاعد المقاومة العراقية كذريعة لاستهداف  سورية وبالتالي على الرغم ان سورية ليست طرفا مباشرا في الصراع الأمريكي (الإسرائيلي) – العراقي وما نتج عنه من صراع عراقي – عراقي، فإنها أي سورية سوف تكون معنية بتطورات وتداعيات ونتائج هذا الصراع.
• سورية بين النقدية والنقدية العكسية المضادة لصراعات المنطقة:
الصراعات الثلاثة، والمكونة من الصراع الذي أشعلته إسرائيل في فلسطين، والصراع الذي أشعلته إسرائيل في لبنان، والصراع الذي أشعلته أمريكا (إسرائيل) في العراق هي صراعات لها تداعياتها وعناصرها التي ظلت بشكل تقوم بـ(تغذية) البيئة السياسية- الأمنية السورية فالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني جلب إلى سورية اللاجئين الفلسطينيين واحتلال الجولان بدعم وإيواء الإرهاب وغير ذلك. والصراع اللبناني- الإسرائيلي جلب إلى سورية عبء القيام بحماية لبنان وإعادة بناء أجهزة ومؤسسات الدولة اللبنانية التي دمرتها وحطمتها المليشيات اللبنانية وأيضا جلب إليها الاتهامات بالتدخل في سيادة لبنان وتقويض استقراره وفرض العقوبات الأمريكية عليها، والتي تتعاون أمريكا وإسرائيل مع بعض الأطراف اللبنانية  من أجل تحويلها إلى عقوبات دولية، أما الصراع العراقي- الأمريكي (الإسرائيلي) فقد جلب إلى سورية ملايين اللاجئين العراقيين، والاتهامات بتسليح وتسهيل مرور المسلحين إلى داخل العراق... وغير ذلك.
لم تتحرك سورية مطلقا للتدخل  في هذا الصراع سياسيا أو عسكريا، أو دبلوماسيا أو حتى أمنيا برغم ان جميع أطراف هذه الصراعات يعرفون مدى قدرة وقوة سوريا على التدخل ان أرادت ذلك. كما يعرف ويدرك الجميع ان هذه الصراعات الثلاثة قد ظلت تمارس عملية (التغذية) على الواقع السوري فقد جاء اللاجئون الفلسطينيون والعراقيون وأيضا اللبنانيون خلال عدوان إسرائيل في الصيف الماضي إلى سورية وبالمقابل كانت (التغذية العكسية) أو بالأحرى رد الفعل السوري، هو الالتزام بالمواثيق الدولية المعلنة والمعتمدة بواسطة المجتمع الدولي إزاء حقوق اللاجئين، وقد شهدت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين ومفوضية اللاجئين التابعة للاتحاد الأوروبي وأجمعت كل المنظمات الدولية الإنسانية الحكومية وغير الحكومية بالدور الايجابي الذي لعبته سورية في التعامل مع ظاهرة تدفقات اللاجئين الهائلة العابرة لحدودها من دول الجوار بسبب الحروب والاعتداءات العسكرية، وهي ظاهرة لم تستطيع كل دول العالم تحملها، بما في ذلك الولايات المتحدة التي لم تكتف بإغلاق حدودها الجنوبية مع صديقتها المكسيك، بل قام الأمريكيون ببناء جدار عازل مزود بالأسلاك الكهربائية والكاميرات الحساسة وأبراج المراقبة على النحو الذي يفوق الحواجز النازية التي بناها هتلر خلال الحرب العالمية الثانية وكل ذلك من أجل الحد من دخول المكسيكيين (اصدقاء) أمريكا إلى أراضي دولة الولايات المتحدة الأمريكية التي يمثل المكسيكيون 14% من إجمالي سكانها.
ويندرج ضمن عملية (التغذية) الاتهامات والتحرشات ضد سورية والتي تصدر من جانب إسرائيل وأمريكا وقوى 14 آذار والقائلة بأن سورية تقوم بدعم وإيواء الإرهاب علما بأن الذي يقاتل ضد إسرائيل في الأراضي الفلسطينية ليس هو سوري، بل الفلسطينيون الذين يطالبون بحقوقهم التي اعترفت بها إسرائيل وترفض منحهم لها. والذي يقاتل ضد أمريكا في العراق ليس هو السوريين بل العراقيين التي ظلت أمريكا نفسها تتفاوض معهم من أجل التهدئة واللجوء للحوار والانخراط في مجرى العملية السياسية...
والذي يتصارع في لبنان فهو ليس السوريبن، بل هو الأطراف اللبنانية التي انقسمت إلى فريقين، الأول يدعم ويؤيد الاستقلال الوطني اللبناني والثاني ينخرط في مسيرة المشروع الإسرائيلي الذي ترعاه أمريكا وبرغم عدم وجود أي سوري كطرف في هذا الصراع، فقد جاءت (التغذية) إلى سورية بقيام أمريكا وإسرائيل وقوى 14 آذار المتحالفة معهم، واكتسبت الاتهامات طابعاً حركياً دولياً عابراً للحدود من خلال مشروعات القرارات الدولية التي تستهدف سورية واللبنانيين، ومازال مسلسلها مستمراً..
• جيوبولتيك سوريا ومكانتها على خارطة منظومة صراعات الشرق الأوسط:
مثلما توجد حتمية طبيعية مسؤولة عن تدفق وانسياب المياه من أعالي الجبال إلى أسفلها، ونمو الأشجار والنباتات من الأسفل إلى الأعلى، فهناك حتمية جيو-سياسية جعلت سورية تحتل منطقة (المركز) والجسد الذي تقع عليه (صدمات) صراعات الأطراف الأخرى، وقد لعبت حتمية الجغرافيا دوراً كبيراً فاعلاً في تشكيل وصياغة الوقائع السياسية- العسكرية- الأمنية الجارية حالياً في البيئة الجيو- سياسية الشرق أوسطية.. وبالتالي فسورية مهما أوتيت من قوة لن تستطيع الهرب أو الإفلات من تداعيات صراعات مثلث فلسطين، لبنان، والعراق، ومهما وقف السوريون إلى جانب منطق الحياد (الحياد الإيجابي) الداعي لإحلال السلام والاستقرار والتمسك بالحقوق المشروعة، فإنهم لن يستطيعوا الهرب أو الإفلات من منطق (نظرية المؤامرة) الذي تقوم إسرائيل بجر أمريكا إليه، والقيام بعملية (استحمار) قوى 14 آذار وبعض الأطراف العراقية، والفلسطينية، واستخدامهم في توجيه وكيل الاتهامات ضد سورية.
• محور تل أبيب- واشنطن وإدارة الصراع على سورية:
تتوقف إدارة الصراع، أي الصراع على سورية، على ثلاثة متغيرات، هي متغير عوامل القوة والضعف، ومتغير الفرصة والمخاطرة، ومتغير إدارة الصدمات..
• متغير عوامل القوة والضعف:
تستند إسرائيل على أمريكا، باعتبارها السند الأساسي لوجود وبقاء إسرائيل، وبالتالي فإن (متغير القوة) يتمثل في قوة أـمريكا، وتدعم أطروحة هذا المتغير مذهبية اللجوء للعنف، أو التهديد باللجوء إليه، من أجل فرض الإدارة الأمريكية لإملاءاتها الوحيدة الاتجاه ضد سورية ومن يقف إلى جانبها.
وبرغم إيمان إسرائيل وإدارة بوش المطلق بهذه المذهبية، فإنهم غافلون تماماً عن الحقيقة التي تقول بأن القوة مهما كانت لها حدود، لا يمكن تجاوزه، وبالتالي فإن ما يقع وراء هذه الحدود هو (متغير الضعف)، وقد كانت إسرائيل وأمريكا تقومان بوضع حساباتهما المتعلقة بسورية على  أساس اعتبارات (متغير القوة) فقط، حتى جاءت حرب أو بالأحرى، كارثة القوات الإسرائيلية في حرب الصيف الماضي، الأمر الذي أربك كثيراً حسابات (متغير القوة).. بسبب محاولة إسرائيل وأمريكا الإفراط في استخدام القوة على النحو الذي حاولت فيه إسرائيل كسر حدود القوة.. ومن ثم فإن ثمة حقيقة يتوجب على الإسرائيليين والأمريكيين إدراكها جيداً، وهي أن (متغير القوة) في أي صراع ضد سورية، لن يجدي نفعاً إذا كانت حسابات (متغير القمة) لا تضع في الاعتبار حسابات (متغير الضعف).. إلا إذا كانت أمريكا في حاجة إلى درس إضافي يضاف إلى الدرس الفيتنامي السابق، والدروس اليومية التي تأخذها القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان، وأيضاً فقد بات الإسرائيليون يفهمون ويدركون تماماً، أن الدرس السوري سوف يكون أقسى وأكثر كارثية عليهم من الدرس اللبناني، إن حاولوا أن يفعلوها مع سورية..
• متغير الفرصة والمخاطرة:
وتأسيساً على هذا المتغير يمكن أن نطرح الأمر بشكل  مباشر للإسرائيليين والأمريكيين: ما هي الفرصة التي سوف تتوافر أمامكم من جراء استهداف سورية؟.. وما هي المخاطر التي سوف تتعرضون لها من جراء استهداف سورية؟..
والإجابة على هذه التساؤلات بسيطة وسهلة للغاية، فأمريكا دولة تقوم على الشركات، والشركات تقوم بالإشراف عليها مجالس الإدارة، ويقوم مجلس إدارة كل شركة بحسابات (الفرص) من أجل تنظيم الأرباح والمنافع، وحسابات (المخاطر) من أجل تفادي الخسائر والأضرار.. واستناداً على هذه الحسابات يتم إصدار القرار بالمضي قدماً في المشروع إذا كانت (الفرص) أكبر ما يمكن، وكانت (المخاطر) أقل ما يمكن..
ولما كان الأمريكيون يطلقون على الحكومة الأمريكية تسمية (الإدارة الأمريكية).. فإن على الإدارة أن تحسب جيداً قبل أن تمضي قدماً في مشروع الشراكة الأمريكية- الإسرائيلي المتعلق باستهداف سورية، والحساب الجيد هو وحده القادر على جعل الإدارة الأمريكية تدرك تماماً أن مشروع استهداف سورية هو مشروع خاسرة، لأن (فرصة) أصغر ما يمكن، و(مخاطرة) أكبر ما يمكن...
• متغير إدارة الصدمات:
وباختصار، هناك ثلاثة صدمات، هي صدمة الحرب الإبقاء على الوضع القائم، والسلام.
- صدمة الحرب: سوف تؤدي إلى صدمة الخسائر المادية والبشرية، يؤدي ذلك إلى الإضرار بالمصالح الأمريكية، وأيضاً إلى عزلها بالكامل في منطقة الشرق الأوسط، وسوف يدفع إلى توسيع دائرة العنف داخل إسرائيل.. الأمر الذي يؤدي إلى صدمة خسائر سوف تكون الأولى من نوعها في تاريخ إسرائيل من حيث الشدة والحجم، ولن يتوقف الأمر على منطقة شرق المتوسط، بل سوف تشتعل نيران الشارع العربي التي تعرفها أمريكا والمعتدلين العرب جيداً.
- صدمة الإبقاء على الوضع القائم: سوف تؤدي إلى استمرار مسلسل الخسائر الإسرائيلية والأمريكية الجاري حالياً في العراق والأراضي الفلسطينية، وإلى المزيد من الخسائر السياسية لصقور الإدارة الأمريكية في الشارع الأمريكي، وأيضاً إلى المزيد من الخسائر السياسية لصقور تحالف كاديما الحاكم، والليكود المعارض في الشارع الإسرائيلي، وإزاء حالة الإرهاق وشد الأطراف التي ستتعرض لها هذه القوى (الصقورية).. فإن الشارع الأمريكي والإسرائيلي سوف يجد نفسه مضطراً  للتخلص من الصقور عبر صناديق الاقتراع، ورميهم في سلة القمامة.
- صدمة السلام: وسوف تؤدي إلى إيقاف الخسائر، وتعزيز وترقية المصالح وتحقيق الاستقرار في المنطقة، وهو أمر سوف يؤدي إلى إحلال علاقات الصراع بعلاقات التعاون، وفي هذه الأجواء سوف تنتعش مصالح الجميع بما في ذلك المصالح الأمريكية، ولن يتم ويقوم السلام إلا باحترام الحقوق العادلة المشروعة واحترام الحقوق وردها: حق سورية المشروع في استرداد الجولان، حق الفلسطينيين في بناء دولتهم المستقلة، حق العراقيين في الاستقلال، وحق اللبنانيين في انتخاب من يريدون.
وعموماً، القراءة الدقيقة الفاحصة لجيوبوليتيك سورية، والتوازنات المتعلقة بـ(دور) و(مكانة) سورية على الواقع الجيو- السياسي الشرق أوسطي، هي قراءة تقول بأن هذه الصراعات قد بدأت منذ فترة طويلة بهدف السيطرة على سورية، وحالياً سوف تستمر هذه الصراعات، ولن تتوقف إلا بأحد أمرين، هما: الأول أن يلغي التاريخ نفسه وتنتحر الجغرافيا، بحيث تستطيع إسرائيل وأمريكا فرض السيطرة الكاملة على سورية. والثاني أن تقتنع إسرائيل وأمريكا بأن فرض السيطرة على سورية هو مثل عملية إقناع الشمس بالشروق من الغرب والغروب من الشرق، ومن ثم تتخليان عن المشروع وتتعاونان مع سورية والآخرين من أجل إحلال السلام والاستقرار.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...