جعلوا منها عاهرة وطلقوها، وطفلتها بنظر الكل ابنة أمها

31-08-2009

جعلوا منها عاهرة وطلقوها، وطفلتها بنظر الكل ابنة أمها

حكايتي اليوم عن فتاة لا أستطيع الكشف عن هويتها، لأنها تنتمي لقرية بسيطة تحاسبني على ذكر مصائبها على الملأ، ولكنها تلوك في مجالس المتة كل ما يقع في القريب والبعيد من فضائح شعبية يستمتعون بالغوص فيها، ووجها لوجه يرفض الجميع الاعتراف بها، ثرثرات، ترهات، ولا أحد يعنيه إلا اللعن والشتم، والتنصل من الفعل المشين حسب العرف الاجتماعي.

فتاتي الصغيرة تبلغ من العمر حاليا 13 عاماً، استيقظت ذات يوم على رعب طلاق والديها المترافق بسلسلة من الفضائح، اعذروني لسردها، وأعرف أنها تخدش الإنسانية لكن أمانة وصف الواقع تفرض ذلك.
الأم التي تعمل مع زوجها حيث استخدمه أحد الأشخاص في مزرعته، فوجئت باتهامات أهل الزوج لها بالانحلال والعلاقات المتعددة، وجمع المال بهذه الطريقة وذلك بعد أكثر من 12 سنة من الزواج، ضمن ظروف الفقر بأبشع عوراته،وأنا هنا لا أحاول لا المحاكمة، ولا إثبات الجريمة أو تكذيبها، أولا لأن هذا ليس اختصاصي، ثانيا لأني لا أحاكم امرأة فاقدة للأهلية، والأهلية من وجهة نظري هي جملة القيم والمثل التي لا أعرف أي نوع منها قد تلقت، أضف إلى هذا أن ما تعنيني هي النتائج لأن الأسباب في مثل هذه الظروف تختلط بالخبريات الواسعة والضيقة وبلبلة القلاقل في شرق الظلمات الذي يحكم على من يقع، ووحده من يسقط يصبح كبش فداء لمجتمع غارق في ظلمة خطايا تلفها السواتر،لذلك فلست معنية بالمطلق بالحكم الأخلاقي على المرأة، ومحوري أطفالها والجريمة التي دفعوا الجزء الأكبر من ثمنها إن لم يكن كله .
حاول أهل الزوج استجرار الشهود لإثبات الوضع أملا في حرمان المرأة من حقوقها الشرعية البسيطة أصلا، وطبعا لم يشهد أحد، بعضهم من باب أن لا يحملوا على ذمتهم ذنبها، والبعض الآخر، من باب ((عين شافت طقت عمت ))،والطفلة وأخوها جزء من الحكاية عاشوا تفاصيلها وربما هناك من حاول تجنيدهم كشهود إثبات. لم تسكت المرأة وتقدمت بشكوى في أحد المخافر متهمة أخ الزوج الأكبر بالتحرش بها وإبعاد زوجها لهذا الغرض، معتبرة أن هذا هو سبب الحملة عليها، وأعتذر ثانية على رواية هذه الحادثة الخادشة للحياء، لكنني أريد أن أضع القارئ في الجو النفسي الذي تعيشه الفتاة موضوع النقاش، وبعد جذب وشد، حلوا المشكلة بالطلاق مع تسوية مادية بسيطة، واضطر الزوج أن يبيع منزله الذي لم يكتمل، والذي بناه مع زوجته السابقة حجرا حجرا، وبدأت الأقاويل تملأ البلدة الصغيرة، بحكايات عن أقرباء من الدرجة الأولى شاركوا المرأة جريمتها لكن لم يشاركوها ذنبها، في مجتمع لا يحاسب الرجل عندما تغويه المرأة لأنها وحدها العاهرة، وحدها الساقطة، أما الرجل فيحمل عاره بأسوأ الحالات بقليل من الحياء مع كثير من النشوة والفخر ببطولاته العتيدة، لأنه رجل مجرب وليس "بغو" أو خام .
انتهت الأمور بفضيحة غير مسبوقة، وزواج سريع للأب، وأما الفتاة الصغيرة فصارت بنظر الجميع ابنة أمها، أمها التي كانوا يلوكون سيرتها سراً، لكنهم يصافحوها، ويزوروها علناً، أما بعد أن تحولت الأمور للعلنية بكل هذا الفجور، فقد اشتدت على الجميع كرامتهم وتأزمت، وبقوا بحصتهم بعد أن أخذوا الضوء الأخضر من تبعات العار الذي لبس المرأة، ولأنهم لا يقدروا عليها على مبدأ أن على الإنسان أن لا يعلق بلسان امرأة موسومة بالعهر، فقد توجهوا لممارسة غريزة التشفي والظلم على الحلقة الأضعف، فباتوا يعاقبون ابنتها بكل الطرق النفسية والمعنوية، رفضتها الصديقات في المدرسة، وازدراها الناس في الأزقة، وحتى أهل والدها بدؤوا يحاصروها ليحصلوا منها على إدانات واستنتاجات عن أمها إمعانا في إذلال الوالدة لكنهم فعليا كانوا يحطمون ابنتهم التي تحولت بين ليلة وضحاها من فتاة جريئة، إلى طفلة ذليلة مجرد أن ترفع يدك لتحك شعرك حتى ترجع للوراء وتغمض عينيها عدة مرات خوفا من تلقي صفعة .
التقيت الفتاة، تملكني العجز وأنا أراقبها تحمل الصغير الذي أنجبته زوجة الأب، وتدور فيه وقت قيلولة أمها الجديدة، استرقت حديثا جانبيا معها، لكني كنت عزلاء تماما أمام هذا الموقف، ليس عندي سلطة انتشالها من بيت والدها وزوجته التي تعتبرها ابنة فلانة، كنت منهارة لحد البكاء لكني لم أجرؤ، في حضرة من تعتبر نفسها أما جديدة أمام الرأي العام المحلي، أردت أن آخذها في حضني لأبثها لحظة دفء أحتاجها أنا أكثر منها، انقبضت الدنيا وسكنت لتخرسنا خوفا من تسرب همسنا معا إلى الحاضرين، كانت تحدثني عن ألمها من عدائية الكل لها، ولم أسمح لها بتصعيد الموقف نحو بكائية تغسل حقدنا على قسوة البشر، كنت قاب قوسين أو أدنى من الطرد من منزل بلا جدران يلوذ بها طفلان سرقت قسوة الحياة أمهما،لم أستطع حتى أن أمد يدي إلى جيبي لأمنحها خمسمائة ليرة تبددها في دكان فقط لتنتشي بفكرة "الخرجية"، وأعترف أني رغبت أن أفعل،في بيت فقير لهذا الحد ماديا، وتنزل به مصيبة تسحقه معنويا لآخر قطرة خاصة، وأن نخوات الشرف غالبا ما تتوقد في الأسر الشعبية، وكأنها تعويض اجتماعي من نوع ما لإثبات الوجود.
سألت عن الولد، وكنت دائما أتلقى جوابا بأنه يلعب هنا أو هناك، وأعرف تماما أنه سيظل يلعب أينما كان وكيفما كان طالما لا والدة تسأل عن جوعه أو عن نومه أو عن مدرسته.
أيها القانون القاصر في بلادي امنحنا سلاحاً بسيطاً لنساعد هؤلاء، افرض وصايتك على أطفالنا بوصفهم جزءا من تكوين هذا الوطن الكبير، لنقتدي بالغرب ولو مرة في مراقبة سلوك الأهل مع أبنائهم، أنزل أبوتك الافتراضية عليهم، ألسنا أبناء هذا البلد، ليتولى البلد الحرب على العنف ضد الطفولة، نحن نرفع أيدينا استسلاما، واستلابا، لأننا لا نقدر ان نمسح دمعة طفل حين يكون أهله سببا فيها.

ميس نايف الكريدي

المصدر: الثرى

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...