ثقافة لا يراها المثقفون – الوشم و الجداريات !

31-05-2009

ثقافة لا يراها المثقفون – الوشم و الجداريات !

الجمل- أيهم ديب:  ما يلفت الانتباه في انتاج الثقافة في المجتمع السوري- مثالاً-  هو وجود حواجز غير مرئية  بين السياقات المنتجة للأشكال التعبيرية التي تندرج في اطار الشكل الثقافي او الفني. و الموضع يتعلق بغياب مؤسسة بحث و انتاج على المستوى الكلي و المعني بها هو مؤسسة نقدية واضحة الملامح و التقنيات و مؤسسة توثيقية و هذه أيضاً يجب أن تمتلك القدرة على الانتقال بالتوثيق من فعل تكديس و تخزين الى مستوى تفعيل قدرة الوثيقة على انتاج تاريخ و معرفة - تنتج عن العلاقات الداخلية للمعلومات.-
مثالان يمكن أخذهما من  سياق الفنون البصرية التي يتم التوافق - بين الجميع -على تثبيت وجودها في أجندة الحياة المدنية السورية.  و هما ظاهرتي التاتو و الرسالة الجدارية – غرافيتي و لوحة-
فالتاتو لم يأت الى سوريا من أوروبا , كما انه لم يغب يوماً كسلوك اجتماعي له دلالاته و هويته. و إن كان المديني قد اعاد استيراد التاتو بأشكال معاصرة من الغرب – فرق روك و نجوم سينما- فإن البيئات الأقل تكلفاً و ثقافة أنتجت التاتو بلا انقطاع و بنفس الزخم. و هنا يمكن الاشارة الى البدو و العلامات و الخطوط التي يتركوها على وجوههم و ايديهم , او حتى يمكن النظر الى العادة التي درجت على وشم صليب او كلمة الله او سيف او غيرها للإشارة الى الاعتداد بالانتماء الديني. و لا يزال التاتو يستخدم بين شريحة واسعة من متوسطي الثقافة و حتى في البيئات ذات الثقافة الفطرية على نحو كبير و إن كان هؤلاء لا يستمعون الى فرق مثل الأيروسميث أو الريدهوت تشيلي... إلا انهم وجدوا في يوم من الأيام من يمثلهم و يكون مصدر الهام مثل شخصية أبو عنتر البطل الشعبي الذي اشتهر بعبارة باطل على زنده.  إن القطيعة بين السياقات التي تنتج الثقافة في مجتمع ما تساهم الى حد بعيد في كتابة التاريخ بشكل خاطئ.  ففي الوقت الذي تتدحرج القلوب و تنطلق الصيحات في مقهى باذخ أو في كلية الفنون لأن صديقتنا وشمت اعلى قفاها بشمس على غرار اناستازيا, تكاد لا تخلو زنود العامة و أجسادهم من الوشم دون ان يبدوا كل هذا التكلف.  لهذا يجب ان نفرق بين السلوك و بين العمل الفني  أو على الأقل بين الجدة و التقليد. بين المعاصرة و التأصيل. و المثير هو ان الغرب نفسه قد أعاد انتاج معظم الأشكال التعبيرية التي أنتجها العالم في مجال فن الجسد : فآسيا منحتهم فنون المعدن و التثقيب – بيرسينغ-, و كل دول العالم قدمت معارفها و اذواقها في فن الرسم على الجىلد  فمن رسوم القبائل الأمازونية  الساطعة الى الاسترالية الترابية الى اليابانية الملونة و المتناهية الدقة الى العربية الشديدة التقشف الى المصرية الرمزية.
فيما يخص الفن الجداري ينطبق نفس االامر مع اختلاف في توزيع الأدوار. فالفن الجداري بأنواعه موجود في سوريا و لكنه يختلف عن باقي الدول باختلاف الشكل السياسي – السلوك السياسي-  عن بقية الدول فالفن الجداري في سوريا مقنن و يمثل بمعظمه رسالة احادية الجانب و هي رسالة الدولة الى المجتمع – و الى العالم-  و عليه فان الكثير من المنظرين للفن الحديث يقعون في مطب التذمر من غياب فن جداري في سوريا. و الأفضل لهم هو التذمر من السلوك السياسي الذي يفرض قيوده على انتاج رسائل من العامة الى العامة او من العامة الى الدولة و العالم. فالرسائل الجدارية موجودة و يجب ان نشير اليها و ان نحدد سماتها قبل الذهاب بعيدا الى حد افتراض غيابها. فالرسوم التي تمجد نتاجات الدولة هي الموضوعة الأساسية للرسائل الجدارية في سوريا. يرافقها الشعارات التي تتسم في أغلبها بطابع توجيهي. أي أن الممارسة الفنية للرسم الجداري قائمة و لم تغب و لكن الرسالة هي التي تختلف عن الفنون الجدارية في دول أخرى. و هنا يجب التفريق بين الرسم الجداري و الرسالة الجدارية  و إن كانا يتغذيان من بعضهما البعض و من الأشكال الأخرى. في سوريا يمكن الحديث عن توسيع نطاق الرسالة الجدارية و هذا حديث في السياسة و الحقوق و الأولويات... و ليس حديث في الفن فقط. ينشط الفن الجداري -  االشعبي- في مناسبات من قبيل رمضان و الحج. و مرة أخرى تتغلب الفئات الشعبية على الفئات المثقفة في انتاج الفنون الأكثر قدماً و حداثة في المشهد الثقافي العالمي. و بينما يفكر الفنان المتعلم كيف يجد حيلة للتعبير عما تعلمه . نرى العامة ماضين على بساطتهم في انتاج ثقافة و أشكال فنية خارج مؤسسة الثقافة التي أعماها بحثها عن اناها من رؤوية العالم حولها.

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...