تفعيل التعاون على خط دمشق – بيروت والخيارات المتاحة

31-08-2008

تفعيل التعاون على خط دمشق – بيروت والخيارات المتاحة

الجمل: شهدت دمشق اجتماع القمة السورية – اللبنانية عندما جاء الرئيس اللبناني ميشال سليمان إلى سوريا، وتم التفاهم على العلاقات السورية – اللبنانية وتفعيل خط دمشق – بيروت الذي أغلقته خلال السنوات الماضية جماعة "المحافظين الجدد" وحتى الآن، ما زال السوريون واللبنانيون أكثر تفاؤلاً إزاء مستقبل الأمل السوري – اللبناني والواعد بالخير.
* الخيارات المتاحة أمام خط دمشق – بيروت:
العلاقات بين الدول تكون عادة إما علاقات تعاون أو علاقات صراع ومن المعروف أن التعاون السوري – اللبناني ظل موجوداً ومستمراً حتى في أكثر فترات العلاقة توتراً، وذلك لأن حقائق التاريخ والجغرافيا السياسية السورية – اللبنانية تتسم بالموضوعية وعدم القابلية للانكسار والتفكك وحالياً يمكن أن نستعرض على خلفيات تطورات ما بعد اتفاق الدوحة الخيارات الممكنة على خط دبلوماسية دمشق – بيروت:
• خيار الصراع: تنظر دمشق إلى لبنان باعتباره البلد الأكثر أهمية في المنطقة لأمن سوريا والسوريين وذلك لأن المجتمع اللبناني وجغرافية وتاريخ لبنان لا يمثلان امتداداً للمجتمع والتاريخ السوري فحسب وإنما جزءاً لا يتجزأ من كامل القوام المجتمعي السوري، وبالمقابل انقسمت النخبة اللبنانية إلى فريقين الأول أكد على ضرورة التعاون مع سوريا لأنه من الصعب الفصل بين استقرار سوريا واستقرار لبنان، والثاني راهن على ضرورة التعاون مع خصوم سوريا لجهة الحصول على المساعدات والمعونات بما يؤدي إلى حصول لبنان على القوة المضافة الأمريكية بحيث يصبح قادراً على القيام بدور الدولة الكبرى وشرطي شرق المتوسط تماماً مثل إسرائيل. إن المضي قدماً في خيار الصراع مع سوريا هو أمر لم يعد خاضعاً للتكهنات والاستقراءات وإنما أكدت معطياته الحقيقية التجربة السابقة فقد نجح خصوم سوريا في السيطرة على بيروت واستخدام هياكلها السياسية المؤسسية في تفعيل مسار العداء لسوريا، وحالياً وبعد مرور بضعة أعوام لن نتساءل حول المنافع والفوائد الاقتصادية والسياسية التي حصل عليها لبنان خلال هذه الفترة لأن الإجابة معروفة سلفاً من خلال أرقام الاقتصاد الكلي اللبناني التي تشير إلى ارتفاع معدلات البطالة والتضخم وتدهور الخدمات العامة والأوضاع الأمنية.
• خيار التعاون: لا يوجد بلدان في منطقة الشرق الأوسط يتميزان بمقومات التعاون مثل سوريا ولبنان بسبب الانفتاح السوري – اللبناني الموضوعي الذي أكدت معطيات الخبرة التاريخية مدى صعوبته إن لم يكن استحالة تقييده:
- اقتصادياً يتكامل قطاع الإنتاج السوري مع قطاع الخدمات اللبناني.
- اجتماعياً تتكامل مكونات والمجتمع السوري مع مكونات المجتمع اللبناني.
- أمنياً يتكامل مفهوم الأمن السوري مع مفهوم الأمن اللبناني.
إضافةً لذلك فقد أكدت معطيات الخبرة التاريخية أن التكامل السوري – اللبناني يطبق حتى في حالات الخطر وعدم الاستقرار، فأزمات الحروب الأهلية والأزمات الاقتصادية اللبنانية ألقت بظلالها على سوريا وما كان لافتاً للنظر أن السوريين تقبلوا كل ذلك دافعين الثمن كما لو أن هذه الحروب والأزمات هي حروبهم وأزماتهم.
التعاون السوري – اللبناني على خط دمشق – بيروت لا يحتاج إلى كثير عناء وكل ما هو مطلوب في هذه الفترة هو تجاوز الإدراك الخاطئ الذي ظلت تتبناه بعض النخب السياسية اللبنانية إزاء دمشق.
* دبلوماسية خط بيروت – دمشق: درء خطر الدولة الفاشلة:
تدخل الأطراف الثالثة الخارجية خلال الأعوام الماضية كان يهدف إلى إنجاز هدفين هما:
• تحويل سوريا إلى دولة فاشلة عن طريق استغلال وتوظيف الساحة اللبنانية واستخدامها كبوابة لاستهداف سوريا.
• تحويل لبنان إلى دولة فاشلة لأن إنجاز استهداف سوريا سيترتب عليه أن لبنان سيجد نفسه وقد انكسر ظهره وليس له من نقطة ارتكاز ومساندة في المنطقة سوى إسرائيل التي أعدت ورتبت مخططاتها من أجل احتلال كامل المنطقة الممتدة من جنوب بيروت إلى الحدود اللبنانية – الإسرائيلية.
مخطط تحويل سوريا ولبنان إلى دول فاشلة بالمعنى الجيوبولتيكي ما زال قائماً طالما أن إسرائيل لن تتخلى عنه وبالتالي مهما تغيرت الإدارات الأمريكية والحكومات الإسرائيلية فإن هذا المخطط سيظل موجوداً طالما أنه يدخل في صميم ثوابت مذهبية الأمن السياسي – الاقتصادي – العسكري الإسرائيلي.
خط دمشق – بيروت مطالب الآن وفي هذه المرحلة بالذات بتبني جدول أعمال يهدف إلى درء لبنان من خطر الوقوع في هاوية الدولة الفاشلة وليس من قبيل المبالغة أو التقليل من شأن لبنان إذا قلنا أن المؤشرات الدالة على أعراض وجود داء الدولة الفاشلة أصبحت ماثلة من خلال الوضع الكلي الذي يعيشه لبنان مقارنة ببلدان البيئة الجيوسياسية الإقليمية التي يوجد فيها:
• المؤشرات الديمغرافية: تزايد حجم ظاهرة هجرة الشباب والعقول إلى الخارج، وانخفاض معدلات التحضر.
• المؤشرات الاقتصادية: تدهور وضع الاقتصاد الكلي بتأثير تزايد معدلات البطالة والتضخم وانخفاض مستوى النمو وتزايد التبعية والاعتماد على المساعدات الخارجية إضافةً إلى ارتفاع حجم الواردات بأضعاف حجم الصادرات مع وجود الارتفاع المتزايد للنمو المطرد في معدلات وحجم الدين العام المصحوب بالارتفاع المستمر في عجز الميزانية.
• المؤشرات السياسية: ومن أبرزها نجد الآتي:
- تزايد عدم الثقة في النخب الحاكمة بسبب تزايد ظاهرة الاستحواذ على الدولة بواسطة زعماء الطوائف والزعماء السياسيين الذين يصبحون هم وحدهم الذين يمثلون مرجعية السلطة التنفيذية والتشريعية ويمارسون قبضتهم الشديدة على مؤسسة الرئاسة اللبنانية على النحو الذي أدى إلى نشوء ظاهرة ضياع الرئيس في البيئة السياسية اللبنانية والتي يقوم فيها الزعماء الطائفيون بتعيين أو عزل الرئيس إضافةً إلى القيام بصياغة القرار الذي يتوجب فقط على الرئيس أن يقوم بإصداره.
- التدهور المضطرد في أداء المؤسسات السياسية اللبنانية وهو أمر شهدت به الصحافة اللبنانية واللبنانيون أنفسهم.
- تدهور أجهزة الأمن وتحولها إلى دولة داخل الدولة وهو ما برز بوضوح من جراء سيطرة بعض الزعماء السياسيين اللبنانيين على إدارات ومرافق أمنية كاملة بما أدى إلى وضع كبار ضباطه تحت "آمرية" بعض السياسيين.
- تزايد تواتر ظهور النخب السياسية المتشظية ذات القابلية المستمرة للانقسام والتفتت إلى نخب أصغر وأكثر عدداً.
- تزايد تدخل الأطراف الخارجية الأجنبية في عملية صناعة واتخاذ القرار السياسي اللبناني وذلك بسبب ضعف النخب اللبنانية ولجوؤها المستمر إلى تبني إملاءات الأطراف الخارجية وكان هذا واضحاً في الأداء السلوكي للنخب السياسية اللبنانية الحاكمة إزاء ملف الخلافات مع دمشق.
الحديث عن ظاهرة الدولة الفاشلة في لبنان لم نأت به من عندنا وإنما هو أمر أجمعت حوله الدراسات التي أصدرتها الكثير من الدراسات الاستراتيجية العالمية المختصة بدراسة وتحليل ظاهرة الدولة الفاشلة وحتى الآن ما زال اسم لبنان موضوع على القوائم العالمية والدولية للدول الفاشلة.
إن تعاون خط دمشق – بيروت يساعد بقدر كبير وحاسم في إبعاد شبح الدولة الفاشلة عن لبنان وبالتالي حماية المنطقة بما في ذلك سوريا من مخاطر تداعيات انتقال عدوى الدولة الفاشلة، وبكلمات أخرى نقول عندما يستقر لبنان ويصبح خالياً من الخلافات والصراعات والارتباطات الأمريكية – الإسرائيلية فإن المنطقة تصبح خالية من الخلافات والصراعات والارتباطات الأمريكية – الإسرائيلية وعندما ينتعش اقتصاد لبنان فإنه لن يصبح مصدراً لنقل التضخم والبطالة والمهاجرين إلى المناطق الأخرى وإنما سيصبح قادراً بدوره كمركز لاقتصاد الخدمات العربية وعلى وجه الخصوص صناعة المصارف والتأمين والسياحة والتسويق والإعلام وما شابه ذلك.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...