تركيا وإسرائيل أبرز العوائق

19-08-2020

تركيا وإسرائيل أبرز العوائق

تحرم الخلافات والسجالات دول المنطقة المطلة على البحر المتوسط، كقبرص وتركيا واليونان ولبنان وفلسطين (والعدو الإسرائيلي) ومصر، العملَ في بعض المناطق التي تحتوي على كميات كبيرة من الغاز، لكن تبقى مصر واليونان تحديداً من أقل الدول تضرراً بسبب محدودية سجالاتهما، على عكس قبرص ولبنان وفلسطين. فبحسب التقديرات الأميركية ثمة نحو 9800 مليار متر مكعب من الغاز قابلة للاستخراج في المتوسط لم تكتشف بعد، إذ يمكن أن تؤدي إلى تدعيم اقتصادات دول المنطقة بصورة كبيرة. والإشكالية الرئيسية التي لم تحل حتى اليوم هي المناطق الاقتصادية الخالصة التي يجري تحديدها وفق القانون الدولي، لكن التفسيرات المختلفة للجوانب الجغرافية والجيولوجية تلعب الدور الأكبر في التوتر الحالي، والتحذير من حرب من جرّاءها، خاصة مع سعي عواصم عديدة لتكون مراكز إقليمية للطاقة.

رغم الدور الأميركي الكبير في المنطقة، بل صفة الولايات المتحدة كفاعل رئيسي في مختلف القضايا، دفعت التحولات الإقليمية منذ مطلع الألفية حتى وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة قوى أخرى، في مقدمتها الاتحاد الأوروبي، وفرنسا وألمانيا على نحو منفصل، إلى لعب دور أكبر، فضلاً عن التحرك الروسي استناداً إلى حلفاء لموسكو في المنطقة، وهي أدوار ستبقى مؤثرة حتى لو رغبت واشنطن في العودة وتعديل مجريات القرار. إلى حين ذلك، يبقى التفسير المختلف للجوانب الجغرافية والجيولوجية هو محور الصراع التركي ــ القبرصي بصورة رئيسية؛ فتركيا تؤكد أنه ليس من حق قبرص إعلان المنطقة الاقتصادية الخاصة بها من جانب واحد، بل عليها التفاوض في إطار يخدم قبرص التركية التي تتحدث أنقرة باسمها، لكن نيقوسيا تدافع عن موقفها بالاعتماد على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وهو ما أدى إلى تقييد المنطقة البحرية لسنوات وتعطيل الاستكشافات فيها.

وتسعى أنقرة إلى أن تكون مع وكيلها، جمهورية شمال قبرص، مركزاً للطاقة الإقليمية وفق الرؤية المعلنة في 2012، لكن هذا الأمر يكاد يكون مستحيلاً اليوم مع صعود قوى أخرى والعزلة شبه المفروضة على أنقرة من جيرانها، وخاصة الاتحاد الأوروبي الذي لم يعد متحمساً للدخول في شراكات أكبر معها حالياً. على المقلب الآخر، تسعى مصر إلى أخذ هذا الدور غبر نقل قبرص وإسرائيل الغاز الطبيعي من حقولهما إليها، وتحديداً في دمياط وإدكو، ليجري تسييل الغاز هناك ثم تصديره إلى أوروبا عبر الناقلات البحرية، وهو الخيار الذي بدأ تطبيقه بالفعل، مع سعي القاهرة إلى التوسع فيه بديلاً من مقترحات أخرى، إذ إنه إما أن تمر بتركيا وإما ستكون باهظة التكلفة مقارنة بالجدوى الاقتصادية للكميات المكتشفة حتى اليوم. أما الاتحاد الأوروبي، فيرغب في توفير إمدادات آمنة للطاقة بديلة من روسيا، وهو ما يفسر الدعم القوي لكل من قبرص واليونان ومصر، خاصة مع إدراج مشروع خط أنابيب الغاز ضمن المشاريع التي يجري العمل عليها، وسط تنافس روسي ــ أميركي ــ أوروبي كبير في المنطقة، مع اتهام موسكو بأنها تعمد إلى شبه احتكار لإمدادات الغاز إلى القارة العجوز، وأنها تعمل عبر شركاتها على تكثيف وجودها في المنطقة عبر حلفائها، ومن بينهم سوريا ولبنان، وحتى إسرائيل في حقل «ليفياثان»! في الوقت نفسه إسرائيل، التي تعطّل استخراج الغاز من المنطقة البحرية أمام قطاع غزة، هي نفسها دخلت في سجالات مع لبنان بخصوص البلوك 9 الذي تدّعي أنه في منطقتها الاقتصادية، وهو ما اعترض عليه لبنان رسمياً في الأمم المتحدة، ما يعني أن العرقلة في المنطقة ليست من تركيا فقط، ولكن من تل أبيب أيضاً التي يتغاضى الأوروبيون والأميركيون عن تجاوزاتها على نحو أكثر تسامحاً من التعامل مع أنقرة. ويقدّر الخبراء قيمة الغاز الذي يمكن استخراجه من المنطقة الواقعة على شاطئ بحر غزة بنحو 4.5 مليارات دولار سنوياً، وخاصة أن الغاز في المنطقة الفلسطينية الخالصة على عمق 600 متر فقط، ما يسهل استخراجه وبتكلفة منخفضة.

في المقابل، يمكن فهم الرغبة التركية في التوسع في الحدود البحرية من أجل تحقيق اكتفاء ذاتي من الغاز والنفط. فتركيا بلد فقير في مصادر الطاقة ويعتمد على الاستيراد تقريباً وفقاً للبنك الدولي، ولذلك هي لم توقّع على أي اتفاقية بشأن حدودها في المنطقة الاقتصادية الخالصة، سواء في بحر إيجه أم المتوسط. كما أنه في أزمة التنقيب عن الغاز، تمكن مراجعة جذور الخلافات، والمرتبطة بالصراع التركي ــ اليوناني ــ القبرصي في صراع عمره يقترب من مئتي عام، وتحديداً منذ تخلص اليونان من سيطرة الدولة العثمانية عليها بعد اندلاع الثورة عام 1821، وصولاً إلى «معاهدة لوزان» التي وقّعت عليها تركيا عام 1922 معلنة انتهاء الحرب، لكن ثمة قضايا عالقة مرتبطة بالحدود البحرية لكل منهما، خاصة وضع الجزر الـ12 في إيجه ومسألة السيطرة على المجال الجوي. ولذلك، يبدو البحث عن حلول لتسوية هذا الخلاف مرتبطاً في المقام الأول بحلحلة الخلافات التاريخية، وهو أمر ليس سهلاً على مختلف الأطراف، كما أن التعاون في شرق المتوسط بحاجة إلى تنازلات إسرائيلية، وهو ما لا يجد ضغطاً دولياً واضحاً، الأمر الذي يعني أن الأوضاع في المنطقة قابلة للاشتعال دائماً ما لم تحسم النقاط العالقة بين الأطراف كافة.



رمزي الباشا 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...